- تأليف: تشارلز سيبنس
- ترجمة وتحرير: إبراهيم جمال
قديما، قبل أن ينقسم الفلاسفة والفيزيائيون إلى مذاهب شتى ، تجادل الفلاسفة الطبيعيون في اليونان القديمة بخصوص المكونات الأساسية التي تتكون منها كل المواد .
قدم أفلاطون نظرية تقتضي بأن كل المواد على وجه الأرض تتكون من أربعة مكونات أساسية: هناك جسيمات ثابتة على شكل مكعبات تمثل التراب ،وهناك جسيمات محززة رباعية الأسطح تمثل النار، وهناك جسيمات أقل تحززا من السابقة ثمانية الأسطح تمثل الهواء ،ومنطقيا هناك جسيمات مستديرة تمثل الماء.
كما في الفيزياء المعاصرة، اعتقد أفلاطون أنه من الممكن لهذه الجسيمات ان يتم تخليقها وتدميرها ولكن بطريقة مختلفة قليلة؛ على سبيل المثال : يمكن تخليق جسيم هواء ثماني الأسطح عن طريق دمج جسيمين ناريين رباعيي الأوجه، وهكذا… (قد يتخيل المرء ذلك كما بعد اطفاء حريق كبير مثلا)
فهمنا للطبيعة تقدم كثيرا بعد أفلاطون، أصبحنا نعلم أن عالمنا يتكون من الذرات المختلفة التي تكون العناصر الأساسية التي تقع في الجدول الدوري، وبتنا نعلم أيضا أن الذرات بدورها تتكون من قطع أساسية أخرى.
حاليا، ينظر الفلاسفة المهتمين بمعرفة المكون الأساسي للكون للفيزياء المعاصرة ليستقوا منها الإجابة ، ولكن إيجاد الإجابات في الفيزياء المعاصرة ليس بسهولة قراءة المراجع العلمية . الفيزيائيون يتأرجحون بين نموذجين لوصف العالم المعاصر، ويقومون باختيار النموذج المناسب على حسب المهمة المطلوبة !
المراجع العلمية تعلمك كيف تستخدم الأدوات الرياضية الخاصة بالفيزياء _مثل المعادلات_ بشكل فعال، ولكن لا تخبرك ماذا تصف هذه المعادلات. يتطلب الأمر جهدا كبيرا لتقوم بنسج قصة عما يحدث في الواقع وذلك من خلال المعادلات، هذا النوع من الأبحاث_الذي يتضمن صياغة القصص_ يعتبر (فلسفة الفيزياء) عندما يقوم به الفلاسفة، ولكن عندما يقوم به الفيزيائيون يعتبر حينها (أسس الفيزياء).
قام الفيزيائيون بإجراء تطوير على الجدول الدوري يسمى ب(النموذج المعياري)، ولكن يفتقد هذا النموذج لشيء في غاية الأهمية وهو الجاذبية، وقد يتحول ليخبرنا أن الجسيمات التي يصفها تتكون من جسيمات أصغر منها تسمى (الأوتار المهتزة).حتى قيل أن هذا النموذج لن يقدم شيئا، ولكن مثل نظرية نيوتن للجاذبية، ونظرية ماكسويل عن الديناميكا الكهربائية يتوقع لهذا النموذج أن يظل ذو أهمية مهما حدث.
لسوء الحظ لا يبدو واضحا ما الذي سيحل محل الذرات في الجدول الدوري في ذلك النموذج ؟ هل سيحل محلها الجسيمات الكمية أم الأمواج الكمية أم شيء خليط منهما ؟ ولكن قبل الإجابة على هذا السؤال دعونا نتحدث عن مناظرة بين الجسيمات والأمواج في سياق فيزيائي كلاسيكي (غير كمي) وهو سياق نظرية ماكسويل الخاصة بالديناميكية الكهربائية.
ألبرت أينشتاين اهتدى إلي نظريته النسبية الخاصة في سنة 1905 وذلك عبر دراسته العديد من الأبحاث الرئيسية المتعلقة بالديناميكية الكهربائية. بعد تقديم نظريته مباشرة قام أينشتاين بالدخول في مناظرة مع (والتر ريتز) عن الطريقة الصحيحة لصياغة وفهم الديناميكية الكهربائية .
طبقا لريتز إذا قام الكترونين بالإندفاع تجاه بعضهما البعض فسوف يصطدمان معا ويدفع أحدهما الأخر مع أن كليهما سالبا الشحنة؛ اعتقد ريتز أن هناك تصادما ديناميكا مباشرا يجري بينهما وهذا التصادم يتم في فجوة في الفراغ المكاني بينهما ،وكذلك في فجوة في الفراغ الزمني بينهما، ولنكون دقيقين ، كل الكترون يتفاعل مع تصرف اخيه في الماضي(وليس الحاضر).
بالنسبة لأينشتاين لم يتقبل مثل هذا التفسير، ولكن فهم الأمر بطريقة مختلفة، فقد اعتقد أن هناك أدوار أخري في المشهد _وليس فقط الجسيمات_ لقد كانت هذه الأدوار تؤدى بواسطة (الأمواج)؛ فكل إلكترون يولد حول نفسه حقلا من الأمواج الكهرومغناطيسية وعندما تقترب الإلكترونات من بعضها فإنها تتصادم لا بفعل القوة الجسيمية المباشرة _كما اعتقد ريتز_ ولكن بفعل تأثير الأمواج.
ولكن هل يتأثر الإلكترون بقوة حقله الكهرومغناطيسي ؟ الإجابة نفسها مشكلة عويصة. افترض معي أن الإجابة نعم، نحن كلما اقتربنا من الإلكترون زاد حقله قوة والأن فكر في الإلكترون ككرة صغيرة جدا؛ كل جزء من هذه الكرة سوف يتحمل قوة خارجية هائلة ءاتية من الحقل الخارجي للإلكترون، وحينها من المفترض للألكترون أن ينفجر.
هنري بوكاريه اقترح أن هناك قوة تقاوم هذا التأثير وتقوم ايضا بحمل الإلكترونات معا _الأن يطلق عليها (ضغط بوكاريه)_ وعندما تفكر في الإلكترون كنقطة التقاء لهاتين القوتين فإن الأمر يصير أسوأ فإن مجموع هاتين القوتين سيولد ضغطا غير نهائي عند موقع الإلكترون.
وإذا كانت الإجابة أنه لا يتأثر بحقله الخاص، إذا كيف نفسر الفقد الطاقة الذي يحدث للإلكترون؟
لإيضاح الأمر أكثر دعنا نفترض أن الإلكترون لا يتأثر بحقله الخاص، المشكلة هنا أنه لدينا دليل واضح أن الإلكترون يكون على وعي بوجود حقله الخاص. الجسيمات المشحونة مثل الإلكترون عندما يتم تسريعها تقوم بإنتاج حقلها الكهرومغناطيسي الخاص بها وهذا الحقل يستهلك طاقة وبالتأكيد يمكننا أن نلاحظ فقد الإلكترون للطاقة عندما يقوم بصنع حقله، وإذا تفاعل الإلكترون مع حقله الخاص يمكننا أن نحسب بدقة المعدل الذي يفقد به الإلكترون الطاقة عن طريق معرفة الطريقة التي تقوم بها هاته الأمواج بالتفاعل مع الإلكترون عندما تمر من خلاله، ولكن إذا كان الإلكترون لا يتأثر أصلا بتلك الأمواج فكيف نفسر الفقد في الطاقة الذي يحدث له؟
في نموذج ريتز الجسيمي الخالي من الأمواج فإن الإلكترون لن يتأثر بحقله المغناطيسي؛ لأنه ببساطة ليس لديه واحد، وبالنسبة له فإن الإلكترون يحس بالقوة القادمة له فقط من الجسيمات الأخرى، ولكن إذا كان الإلكترون لا يتفاعل مع نفسه كيف نفسر الفقد في الطاقة، وإذا قررت الأخذ بنموذج أينشتاين(الجسيم-موجي) أو حتى كنت تعتقد بنموذج ريتز فإنك تواجة مشكلة تفاعل الإلكترون مع نفسه.
قام أينشتاين وريتز بأخذ دورهما في مناظرة ثلاثية الأطراف حيث كان الطرف الثالث له رأي مختلف تماما،وهو ان المادة مكونة من الأمواج فقط ولا يوجد جسيمات على الإطلاق، قام مايكل فاراداي سنة1844 بصياغة هذا الرأي في ورقة صغيرة غير منشورة، وفي ورقة اخرى منشورة وخلاصة هذا الرأي:
بإمكان المرء أن يصف فيزياء المواد الصلبة المختلفة في الأشكال والحجوم وهي تتقافز، وتتصادم ببعضها كما يشاء، ومع ذلك عندما يقوما جسمان مشحونان _كالإلكترونات_ بمصادمة بعضهم فإنهم لا يتلامسون حقيقة، وإنما يؤثر الحقل الكهرومغناطيسي الخاص بكل منهما على الأخر، وتتناسب حجومهم وأشكالهم مع الحقل الكهرومغناطييسي الذي يتم توليده، وعندها تسائل فاراداي (إذا كان من الممكن تفسير كل شيئ من خلال الحقول الكهرومغناطيسية فما الداعي اصلا لوجود جسيمات، أو أجسام صلبة مثل النواة وغيرها ؟) وبالاصطلاحات المعاصرة : قام فاراداي باقتراح محو الجسيمات والإبقاء فقط على الحقول الكهرومغناطيسية.
في الثامن من أغسطس سنة 2019 المركز العالمي للمنطق والفلسفة والعلوم والتكنولوجيا في براغ انضممت إلى أربع فلاسفة للفيزياء من أجل مناظرة كان عنوانها ( الأمواج ام الجسيمات ام كلاهما؟)
افتتح المناظرة ماثيس فريش من جامعة هانوفر مع عرض المناظرة بين اينشتاين وريتز، وقام الثلاثة الأخرون بعرض وجهات نظر ثلاث مختلفة كانوا نفس وجهات النظر لأينشتاين، وريتز، وفاراداي مع تحوير بسيط .
متحدثنا الثاني ماريو هابارت من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا اقترح أن نقوم بإجراءات لإنقاذ نظرية أينشتاين من مشكلة التفاعل الذاتي، وقام بمناقشة الوضع الحالي لوجهات النظر المختلفة التي يمكنها ان تفعل هذا.
احدى الافكار كانت من بول دايراك الرياضي الساحر الذي قام بإنجازات عظيمة في الفيزياء الكمية في بداية ظهورها. اسم دايراك ظهر كجزء من النموذج الأساسي الذي يصف الالكترون.
في سنة 1938 قدم دايراك ورقة بحثية قام فيها باخذ خطوة للخلف من ميكانيكا الكم ليحل مشكلة التفاعل الذاتي وذلك في إطار الديناميكة الكهربائية الكلاسيكية، اقترح فيها إجراء تعديل على معادلات الديناميكا الكهربية لتلغي تفاعل الامواج مع الجسيمات، وقام بصياغة معادلة تلغي أي تفاعل من الجسيمات مع امواجها وقام بإضافة مصطلح جديد لتوصف التفاعل الذاتي الذي نشاهده ولكن المعادلة التي قام بتقديمها كان بها بعض السمات الغريبة، على سبيل المثال مصطلح يسمى _التسارع القبلي _ :الجسيم الذي ستقوم بتسريعه ربما يبدأ الحركة قبل ان تفعل ذلك !
في الثلاينيات،والاربعينيات من القرن المنصرم اربع استراتيجيات مختلفة وضعت بواسطة أربع علماء وهم : ماكس بورن (معروف بسبب قانون بورن الذي يخبرك كيف تحسب الاحتمالات في ميكانيكا الكم) وليوبولد إنفيلد (قام بتأليف كتاب مع اينشتاين في الفيزياء الحديثة واسمه (ثورة الفيزياء) فريتز بوب ( الذي كان جزءا من برنامج الابحاث النووية في ألمانيا في الحرب العالمية الثانية ) وبوريس بودولسكي (الذي قام بتأليف ورقة مع شرودينجر قاما فيها بصياغة مفهوم الانفصال الكمي وقدما فيها قطته الوهمية) هؤلاء الأربعة قاما بتقديم طرق مختلفة لتغيير قوانين الديناميكا الكهربائية بحيث لا يتم توليد تلك القوة اللانهائية التي تقع على الجسيم.
عند تغيير تلك القوانين تغييرات جمة تحدث كما وضح هابارت في عرضه التقديمي فنحن لا نفهم بالكامل مالذي سيحدث عندما نقوم بتعديل تلك المعادلات وبمعنى اوضح الاقتراحات التي قدمها بودولوسكي وبورن إنفلد لا نعلم هل ستقوم بحساب النتائج بدقة بعد ذلك أم لا ؟
ربما تعتقد أن كل هذا الكلام في إطار الفيزياء الكلاسيكية_تعديل نظرية ماكسويل_ قد أخذنا بعيدا عن موضوعنا أليس من المفترض اننا في محاولة لفهم النموذج الاساسي لميكانيكا الكم عن (مم يتكون كل شيء؟).
ولكن كما في أفلام السفر عبر الزمان حيث يؤثر المستقبل في الماضي، فان الجزء المختص بفهم الحقول الكهرومغناطيسية في ميكانيكا الكم يسمى ( الديناميكا الكهربية الكمية)، وكأنه النسخة الكمية من الديناميكا الكهربية الكلاسيكية، الأساسيات العلمية للمصطلحين متصلة عن قرب.
إليك كيف قام ريتشارد فاينمان بتحفيز مناقشة عن التعديلات التي قام بها ديراك وبورن وبوب وإنفلد وبودولوسكي في فصل من محاضرته الاسطورية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا حيث يقول:
هنك اتصال صعب بين أفكار ماكسويل، وميكانيكا الكم التي لم تحل مشكلات ماكسويل، ربما تقول (ربما ليس من المفترض ان نقلق بخصوص هذه الارتباطات بين النظريتين ففي النهاية علم الكم سيقوم بتغيير نظرية ماكسويل، وربما يجدر بنا الانتظار لنرى ما هي التعديلا النهائية التي ستتم على نظرية ماكسويل )
ولكن صدقني عندما يتم الدمج بين النظريتين ستكون هناك صعوبات كثيرة تواجهنا لذلك لن تكون هناك مضيعة للوقت اذا قمنا بالقاء نظرة على تلك الصعوبات ….انتهى.
بالفعل، كان فاينمان معتقدا أن هذه المشاكل على قدر كبير من الأهمية وفي محاضرته التي استلم فيها جائزة نوبل سنة 1965 عن جهوده في الديناميكا الكهربية الكمية فضل أن يمضي معظم وقته وهو يناقش هذه الصعوبات مع زميليه جوه ويلير (مستشار لعدة جهات فيزيائية مهمة ) وكيب ثورن (المشارك في جائزة نوبل 2017 لجهوده في تتبع وكشف أمواج الجاذبية ) ، واقترح حينها فاينمان تغيير جذري في تصورنا للديناميكا الكهربية الكلاسيكية.
ويلير وفاينمان _كما ريتز_ اقترحا أن تتم تنحية فكرة الأمواج جانبا والإبقاء فقط على الجسيمات، وكما ذكرت ءانفا أن نظرية ريتز السابقة تقول أن الجسيمات تتفاعل مع بعضها عن طريق ثغرات في الزمان والمكان فإن نظرية ويلير وفاينمان تذهب ابعد من هذا وتقول أن الجسيمات تتفاعل مع بعضها في الماضي وأيضا المستقبل _مثل أفلام السفر عبر الزمان_ حيث يؤثر المستقبل على الماضي ، إنها حقا فكرة متوحشة! ولكن يبدو أنها تعمل جيدا وفي ظروف مناسبة تقوم هذه النظرية بتوقع السلوك الحركي الدقيق للجسيمات بدون أي ذكر للتفاعل الذاتي.
تحت فقرة بعنوان (لماذا النظريات الموجية ليست هي النظريات المتعلقة بالأمواج؟ ) متحدثنا الثالث في مناظرتنا كان لازاروفيشي من جامعة لاوزان، وقد قام بأخذ جانب فاينمان-ويلير-ريتز.
في نظريات (الحركة عن بعد) التي صاغها هؤلاء الثلاثة لا يمكنك أن تتنبؤ بحركة الجسيم فقط من خلال النظر إلى حركة الجسيمات الأخرى في تلك اللحظة بل عليك أيضا أن تنظر إلى حركتهم في الماضي _وربما أيضا عليك النظر الى حركتهم في المستقبل!_ . لازراوفيشي جادل بشدة حول فائدة الموجات الكهرومغناطيسية وقال أنه ” في احسن الأحوال هي عبارة عن أداة رياضية توضع لفهم بعض المعادلات” أما في العالم الحقيقة فلا وجود لها .
ثم انتقل لازاروفيشي كما غيره من الفيزيائين من الفيزياء الكلاسيكية الى الكمية . حيث يعتقدأن النموذج الأساسي للفيزياء الكمية غير كاف لتوصيف الأشياء في العالم الحقيقي واقترح إجراءات عديدة على النموذج ، ولكن الاقتراحات التي قدمها احتوت على العديد من الأشياء الغير معيارية.
أولا، يدرك لازاروفيشي أن الديناميكية الكهريبة الكمية تعاني من مشكلة القياس واقترح نموذج ديفيد بوم الذي يدعي فيه وجود جسيمات نقطية (متمركزة في نقطة واحدة) مختلفة تماما عن الدالة الأساسية للأمواج الكمية. ثانيا، يريد أن يعيد تشكيل نموذج الميكانيكا الكهربية الكمية ليشبه الميكانيكا الكهربية الكلاسيكية بدون اي امواج في النموذج _كما نموذج ويلير_ ثالثا ، يتبنى مفهوم دايراك المتعلق بالبحر الممتلى بالشحنات السالبة الذي يملئ الفراغ بين كل الجسيمات (بحر دايراك هذا كان مركزيا في البحوث الأولية لميكانيكا الكم ولكن قد سقط بالفعل في معظم الاستعراضات المعاصرة لميكانيكا الكم).
هذه الأفكار تتناغم معا بشكل جيد ويأمل لازاروفيتش أن تمكننا من تجنب اللانهائيات التي تمتليء بها الديناميكية الكهربية الكمية، إنني أشعر بالفضول لمعرفة إلى أين يقود هذا المنهج؟ وكما قال فاينمان في نهاية محاضرته عند استلامه لجائزة نوبل :
التقدم في الفيزياء الحالية ربما يتم بواسطة شخص يعلم نفسه الديناميكية الكهربية الكمية بأسلوب فريد لم يسبق اليه احد، وربما عليه أن يكتشف هذا الأسلوب بنفسه.
بالنسبة لدوري في المناظرة فقد أخذت طرف فاراداي، واقترحت أنه يجب التخلص بشكل كامل من فكرة الجسيمات ولكن مع ذلك أنا لاأعتقد أن الموجات الكهرومغناطيسية تكفي ربما نحتاج لموجات أخرى مثل (أمواج دايراك) تلك الأمواج التي تمثل الإلكترون ،وكذا الجسيم المضاد له البوزيترون.
في الديناميكية الكهربية الكلاسيكية فهذه الفكرة تحل بالكامل محل الجسيم ذو النقطة الواحدة وعن طريق بحر دايراك الذي تتوزع فيه الشحنة فلن يكون هناك قلق بخصوص القوة اللانهائية ولكن مشكلة التفاعل الذاتي لم تحل بالكامل_ وإن كانت اقل حدة من النموذج الأخر_ ولكن الى الان لا نفهم لماذا لا تؤثر أجزاء الإلكترون المختلفة على بعضها البعض إلى أن يؤدي هذا في النها ية إلى انفجارها؟ هذا أمر ما زلت أعمل على فهمه.
لقد عرضنا مشكلة شبيهة بهذه سابقا عندما عرضنا فكرة الالكترون ككرة صغيرة ، ولكن الفارق هنا اننا لا نريد إيجاد نموذج كامل لحل المشكلة ،ولكن نريد أن نعثر على واحد في معادلة ميكانيكا الكم .
لم أهتد إلى هذه النظرية _أن كل شيء مصنوع من الأمواج_ عن طريق دراسة التفاعل الذات ، وإنما بواسطة اعتبارين ءاخرين :أولا، وجدت أن هذه الفكرة مفيدة جدا لفهم احدى خصائص الإلكترون وهي : الدوران المغزلي
في النظرية الأساسية الإلكترون يتصرف في اتجاهات عديدة كما لو كان يدور ولكن في الحقيقة هو لا يدور و إنما يمتلك دورانا !
وعندما تفكر في الإلكترون كموجة يمكنك حينها التفكير في الفوتون على نفس الكيفية.
لو فكرت في الإلكترون على أنه نقطة فمستحيل أن يمتلك خاصية الدوران، وإذا فكرت فيه على هيئة كرة صغيرة فحينها سرعة دورانه عليها أن تسبق سرعة الضوء، وإلا لما استخدمنا مصطلح (مغزلي) عند تحدثنا عن سلوك الدوران، حيث إن هذا السلوك الذي يجعل الإلكترون يدور بسرعة كبيرة جدا مسببا غزلا حول نفسه بسرعة تسبق سرعة الضوء هي التي جعلت الفريق البحثي الذي نشر ابحاث هذه الخاصية في العشرينات مترددا قبل نشرها.
لكن لو كان الإلكترون متمددا في طاقته بشكل كاف وذلك في إطار أمواج دايراك لن يكون هناك أي حاجة لسرعة تسبق سرعة الضوء يمكننا فقط دراسة الطريقة التي تتصرف بها الطاقة كما لو كانت تدور مركزيا حول محور ما لنرى هل يقوم الالكترون بصنع غزل بهذه الطريقة؟ وهو بالفعل ما يحدث.
الاعتبار الثاني أننا لا نمتلك طريقة في ميكانيكا الكم تمكننا من التعامل مع الفوتون على أنه جسيم، لقد قام دايراك بصياغة معادلة تمكننا من التعامل مع الإلكترون على أنه جسيم لكن إلى الأن الأمر لا ينطبق على الفوتون.
لو فكرت في الإلكترون على أنه جسيم إذا عليك حينها أن تفكر في الفوتون بطريقة مختلفة، أو أن تقوم بإزالتهم نهائيا كما في قصة لازاروفتشي، أو تبقيهما وتعاملهما الإثنين معا كموجة كما في قصة هابارت ولكن على جانب ءاخر لو فكرت في الإلكترون على أنه موجة ؛ حينها يمكنك التفكير بالفوتون بنفس الطريقة.
وأنا أظن أن هذا السياق هو الشكل الموجي للكون.
وكما يبدو فإن هذه المناظرة الثلاثية _اينشتاين-ريتز-فاراداي_ ستبقى قائمة إلى أجل غير مسمى ، بالفعل قد أحزرنا تقدما ، ولكن لم نحرز إجابة نهائية، وإلى الأن يبدو أنه من غير الواضح ماالذي تخبرنا به الفيزياء الكمية ،وكذلك الديناميكة الكهربية الكلاسيكية عن الواقع هل كل شيء مصنوع من الأمواج أم الجسيمات أم كليهما؟
هذا السؤال ليس في مقدمة الأبحاث الفيزيائية المعاصرة؛ الفيزيائيون المعاصرون يظنون أنه عندنا فهم كاف للديناميكية الكهربية الكمية، وأنه علينا التركيز على نظريات وأبحاث اخرى، وكذلك إيجاد طرق لاختبار النظرية وتجربتها.
قد يكون هذا الطريق المستقبلي، ولكن أحيانا يحتاج التقدم في الفيزياء إلى الرجوع للوراء قليلا من أجل إعادة الفحص، وإعادة النظر في النظريات التي نمتلكها، وهذا بالتأكيد يحتاج إلى باحثين يفحصون، وينقدون قوانين الفلاسفة، والفيزيائيين كما كان يحدث من ألاف السنين في اليونان القديمة.