- تأليف : دخيل الدخيل
- تحرير : عائشة السلمي
- مراجعة التحرير: سعيد السوادي
يتخذ الواقع كمتغير فاعل أساساً لكثير من التطورات في العلوم والبحث العلمي، وفي التاريخ الفقهي – خصوصاً- يتخذ الواقع وإشكالاته أساسا يتحدد من خلاله مسار الفقه بحثاً وتجديداً وتنزيلاً، فالفقيه وسط بين النص وأفعال المكلفين، لديه عدسات للنظر إلى الطرفين تمكنه من إيجاد مقاربة صحيحة يتحقق من خلالها أفضل تفعيل للنص ومدلولاته في واقع الناس وحياتهم.
ومن هنا يبدأ التفكير الفقهي دوما من مربع الفعل والحادثات والنوازل والواقعات صعودا إلى مناهج النظر وأصول الاستدلال وصولاً إلى الأدلة والنصوص، ثم العود من جديد، مما يشكل الدورة الطبيعية لحياة الفقه وعمل الفقيه.
وبالنظر لكثير من المنعطفات في تاريخ الفقه نجد أنها جاءت إجابة عن سؤال من أسئلة الواقع الملحة، كما نجده في رسالة الشافعي التي جاءت جوابا لسؤال إمام من أئمة الحديث عن واقع اشتد فيه النزاع بين أهل الرأي وأهل الحديث في النظر والاستدلال.
فقد قال موسى بن عبد الرحمن بن مهدي: أول من أظهر رأي مالك -رحمه الله- بالبصرة أبي، احتجم ومسح الحجامة ودخل المسجد فصلى ولم يتوضأ، فاشتد ذلك على الناس، وثبت أبي على أمره، وبلغه خبر الشافعي ببغداد، فكتب إليه يشكو ما هو فيه، فوضع له «كتاب الرسالة» وبعث به إلى أبي فسر به سرورا شديدا.
ومن أنفع الإجابات ما تتمخض عن منهج للنظر أو التأسيس لصناعة مساندة تسد الخلل وتجبر النقص، يقول الرازي: “كانوا قبل الإمام الشافعي يتكلَّمون في مسائل أصول الفقه، ويستدلون ويعترضون، ولكن ما كان لهم قانون كُلي يرجعون إليه في معرفة دلائل الشريعة، وفي كيفية معارضتها وترجيحاتها، فاستنبط لهم الشافعي علم أصول الفقه، ووضَع للخلق قانونًا كليًّا، يرجع إليه في معرفة مراتب أدلة الشرع، فثبت أن نسبة الشافعي إلى علم الشرع، كنسبة أرسطاطاليس إلى علم العقل”
وبهذا تظهر أهمية المعالجات المنهجية التي تؤسس لصناعة يمكن معها التسديد ورتق الخلل ودفع العلل والمشكلات.
وفي أهمية الصناعة ومناهج النظر يتكلم ابن سينا في صناعة المنطق فيقول: ”ومع ذلك فلا ننكر أن يبرهن غير المنطقي، وأن يجادل غير المنطقي، وأن يخطب غير المنطقي. فإن المنطقي أيضاً إذا تعلم هذه الصنائع لم تنفعه نفس معرفته بهذه القوانين كثير نفع ما لم يحدث له ارتياض وتمرن يصير له استعمال هذه ملكة، كما أن النحوي إذا تعلم النحو لم ينفعه العلم بالنحو في أن يستعمل النحو استعمالاً بالغاً إلا بعد التمرن واكتساب الملكة. وقد تحصل ملكة في النحو من غير معرفة القوانين، وفي الجدل، وفي غير ذلك، إلا أنها تكون ناقصة. ولذلك يجوز أن تزول وتفسد كما زالت الملكة النحوية عن العرب. لأنهم كانوا مُعولين على الملكة. فلو كانت لهم مع الملكة قوانين تصدر أفعال الملكة عن الملكة وعنها، وكانت معيرات، ما كان يقع ما وقع. فليس سواء من له ملكة وعلم بجميع قوانين تلك الملكة ممثلة لعقله منزوعة عن المواد يرجع إليها فيما يفعل، والذي له ملكة ساذجة لا تدعمها معرفة بالقوانين؛ بل الأولى أن تكون الصناعة محصلة ثم تكتسب الملكة على قوانينها. فإذن لا غُنية عن المنطق لمن أراد أن يستظهر، ولا يعول على ملكة غير صناعية”.
فابن سينا يؤكد أهمية الصناعة في صقل الملكة وتطويرها وتوريثها بشكل صحيح، فكثير من الملكات ما لم تتحول إلى صناعة يمكن تعليمها عبر مبادئ ونماذج وأساليب فإنها تكون ناقصة.
ويعتبر سؤال الإعداد للواقع العملي وتطبيق المعرفة أحد أهم الأسئلة الملحة في صناعة المنهج في العصر الحاضر، إذ يشتكي الممارسون وأصحاب العمل من عدم كفاية المعرفة النظرية عند المتعلم التي لم يؤسس في ضمنها مواقف تسهل من دمج المعرفة في بيئة العمل وتطبيقها.
وفي هذا السياق يؤكد خبراء التعلم على أهمية نقل التعلم، وهو يعتمد على مبدأ توجيهي، وهو أن يتضمن التعلم إمكانية امتداد الفهم ليصل إلى مواقف جديدة. كما يؤكد الخبراء أن العديد من أوجه التقدم في العلوم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالبحث عن الحلول للمشكلات العملية.
في ضوء هذه المقدمات يمكن التأسيس لأهمية التمهير الفقهي، إذ تحويل المهارة الفقهية إلى صناعة يساعد في بناء الملكة وتطويرها، كما أن تطوير المهارة الفقهية في الموقف التعليمي يخدم الواقع العملي ويربط بين المعرفة النظرية وتطبيقها، والربط بين المعرفة والواقع يشكل محوراً أساسياً في صناعة الفقيه وتعلم الفقه.
أسباب العناية بالتمهير كصناعة مستقلة:
لقد نشأ اتجاه بحثي معاصر يستهدف دمج المهارة العلمية في الدرس الفقهي، ويمكن إدراك السياق لظهور هذا الاتجاه من خلال الأسباب التالية:
1- أن التمهير الفقهي كان يتم في ضمن التداول العلمي في الدرس الفقهي بين الشيخ وطلابه، إذ كان يورث من خلال تلك الحوارات المنهج العلمي وأدواته، فقد كان لدرس أبي حنيفة جلبة في المسجد، فقد قال سفيان بن عيينة: (كررت بأبي حنيفة في المسجد، وإذا أصحابه حوله قد ارتفعت أصواتهم، فقلت: ألا تنهاهم عن رفع الصوت في المسجد؟ قال: دعهم فإنهم لا يتفقهون إلا بهذا).
والمنقول في الكتب غالباً هو خلاصة هذا البحث ونتيجته، والذي تحول فيما بعد إلى مذاهب تنقل، ومتون تدرس، وآراء تحرر وتنقح، دون إدراك لسلسلة الافتراضات والمقاربات والتنقيحات التي تسبقه.
ومع وجود كتب اعتنت بنقل المناظرات أو اعتنت بالحوار والمناقشات إلا أنها قاصرة عن نقل الموقف التدريسي الذي تتفاعل فيه الأسئلة المفتوحة وأجواء الإشكال، ومشاعر التعارض وتجاذب الدلائل، وفراغات التأمل، وتعقيبات الشيخ واعتراضاته، وتلاقح الآراء وانقداح الأفكار بين الطلاب، وذلك ما يحصل معه التمرن والدربة التي لا تتحصل بما هو دونه.
وفي ظل غياب هذا النوع من الدروس -لأسباب يطول شرحها- حصلت القطيعة بين المنهجين، مما تسبب في ظهور الفقه السطحي والترجيحات الظاهرية والمعالجات التي تنبئ عن تعسف في فهم النص واستعمال القواعد.
وبسبب هذا ظهرت معالجات في التمهير الفقهي تحاول دمج هذه الأسئلة وإثارة الحوارات في ضمن المادة الفقهية، بحيث تشكل سياقاً جيداً للنتائج المقررة وإدراك خلفياتها.
2- أن الواقع بتعقيداته ومستجداته المتسارعة، وتشعب مجالاته، مع وفرة في المادة والمحتوى العلمي وسهولة الوصول إليه اقتضى وجود حلقة وصل بينها لا تتم إلا من خلال ممارس ذو دربة ومهارة تمكنه من استخلاص المحتوى المناسب وتفعيله لمعالجة واقع معقد وتخصصي بشكل كبير، مما حجم من إسهامات الفقيه المشارك في كل فن والمفتي في كل نازلة.
3- أن التمهير كان يعول فيه سابقا على ملكة الشيخ ومواهبه وقدراته ولو لم يسبقها تدرب على هذه الصناعة، واقتضى الأمر توسيع نطاق المساهمين في التمهير بوجود خطوات ومبادئ لهذه الصناعة يمكن اكتسابها وتدريب العاملين عليها.
أسس التمهير الفقهي:
يمكن الإشارة إلى عدة أسس لإكساب المهارة بشكل عام، ويمكن تطبيقها على الدرس الفقهي بشكل خاص:
1- التهديف: يبدأ التخطيط للتمهير من وجود أهداف واضحة للمهارات المراد اكتسابها، تتوفر فيها معايير الصياغة الصحيحة للأهداف، مما يحدد بوضوح المستوى المطلوب، وتوجيه الأنشطة والأساليب بما يخدم تحقيقه، بحيث يصاغ المحتوى بكافة عناصره بما يخدم تحقيق المهارة وينسجم معها.
2- التركيز: وجود أهداف ليس كافياً وحده، بل لا بد أن توزع هذه الأهداف على المحتوى بما يتيح التركيز في كل مرحلة على مهارة محددة، وعند التأكد من اكتسابها يتم الانتقال إلى مهارة جديدة تنبني على ما سبق في شكل تراكمي حتى الوصول للمستوى المطلوب.
وكثير من ممارسات التدريب والتمهير تختلف فيما بينها اختلافاً جذرياً في النتائج والأثر على المتدرب (مع اتفاقها في المحتوى) بسبب التدرج فيها بشكل منطقي وتسلسل واقعي يترقى فيه المتدرب بشكل سلس بما يعزز اكتساب المهارة ومتطلباتها.
وهذا مشاهد في تعلم اللغات مثلاً، فمع أن المحتوى والعناصر المطلوبة لاكتساب اللغة متقاربة، إلا أن التنفيذ لها يؤثر في شكل اكتسابها.
3- الممارسة والتكرار: لا يمكن صناعة مهارة من غير وجود ممارسة فعلية لها، إضافة إلى كونها متكررة بشكل يصقل الأداء المهاري ويطوره حتى تصل للحد الذي تكتسب معه الملكة، والذي يعبر عنه بشكل واضح مبحث طبيعة الأداء المهاري.
وفي تجربة في كندا قسم الطلاب إلى فريقين، وطلب من الفريق الأول أن يصنعوا أكبر عدد ممكن من الأواني الفخارية (الأكثر هو الفائز)، وطلب من الفريق الثاني أن يصنعوا آنية فخارية ذات جودة عالية متقنة (الأجود هو الفائز)، وبعد انتهاء المسابقة وجدوا أن أجمل آنية صنعت كانت من إنتاج الفريق الأول لا الثاني، لأن الكم يولد الكيف.
4- التقويم والقياس: عند وجود الممارسة والتكرار الفعلي فلا بد من وجود مقوم خارجي من شيخ أو ممارس متمكن يعطي تقويماً وتغذية راجعة مع كل ممارسة، إذ إنه دائماً ما تتوقف الملاحظة والنقد الذاتي عند حد معين ولا تستطيع تجاوزه إلا بمقيم خارجي، ولذا يرتبط كثير من ممارسي المهارات القتالية والألعاب بمدرب خارجي يلاحظ الأداء ويقومه أثناء تنفيذه.
5- تكامل المعرفة مع المهارة: وجود المعرفة لا يعني تحصيل المهارة بالتأكيد، كما أن التقدم في المهارة لا يعني أنها تتم في موازاة تقدم معرفي مساوٍ، ولكن يمكن القول: إن المعرفة سبب للتمكن والإبداع والتوريث في المهارة، ولكن ليست شرطاً في امتلاكها.
6- المحاكاة: في المراحل الأولية لاكتساب المهارة تكون المحاكاة والنماذج فعالة في تطوير الأداء الأولي، ولهذا نجد أن مهارات كالأسلوب الكتابي أو الخطابي غالباً ما تتأثر بنموذج معين وتحاكيه حتى تنعتق منه وتتجاوزه، ومن هنا تكون الوسائل التي تتطور من عملية المحاكاة كالمسائل المحلولة أو تدريبات الخط المنقوطة وغيرها مؤثرة بشكل جيد في تطوير الأداء والقفز فيه.
الفروق بين المعرفة المجردة والتمهير:
هناك فرق في منهج التعلم وطريقته بين الموقف التدريسي الذي يهدف لاكتساب المعرفة المجردة، وبين الموقف التدريسي الذي يهدف لاكتساب المهارة، فالمنهجان مختلفان مع كونهما متكاملين.
والذي يحدث – غالباً- أن يقدم محتوى ومقرر اكتساب المهارة بنفس منهج اكتساب المعرفة (التعليم)، والحاصل: غلاف جذاب مع محتوى متشابه متقارب في النتائج.
وأشير هنا إلى بعض الفروق المنهجية بين الموقفين مع استصحاب ما تم تقريره سابقاً في أسس التمهير الفقهي:
1- يتمحور التمهير حول الواقع ومشكلاته ونوازله، ويضيق نطاق المنهج ليتطابق مع حدود دائرته، بينما يتوسع في المعرفة إلى نطاق التفكير ودائرته الواسعة فيشمل السياق التاريخي للمعلومة ولو كانت مندثرة ومتجاوزة واقعياً، كما يشمل الافتراض والاحتمالات، والإشكالات المفاهيمية المجردة، وغير ذلك.
ولهذا يعاب المثال غير الواقعي في سياق التمهير (كمسألة الرقيق أو بعض افتراضات الأحناف) في الفتوى – مثلاً- بينما لا يعاب هذا المثال نفسه في سياق إدراك المعرفة وتقريبها والتأكد من فهمها، إذ وظيفة المثال في الأول عملية بينما وظيفته في الثاني معرفية بحتة.
وكذلك في أصول الفقه إذا نظر إليه باعتباره محتوى ناشئا لتجويد ممارسات الفقيه وامتلاك أدواته غلبنا فيه النظرة العملية الواقعية لمحتوى الفقه وإشكالاته، وأمكن حينها تطبيق نظام العارية عند الشاطبي.
وإذا نظر إليه -كبعض المتكلمين- باعتباره محتوى معرفيا مفاهيميا يؤسس من خلاله لأصول الدين فارتباطه بالواقع تضييق لنطاقه ودائرته.
ونجد كثيراً من المخترعين الذين عاشوا في المختبر وحصلوا على جوائز عالمية لبحوثهم في مجالاتهم العلمية لم يشغلوا تفكيرهم بمبادئ فلسفة العلم ونظرياته التي تقلل من جدوى الاستقراء والحدس، فقيمتها المعرفية تختلف عن جدواها العملية.
2- يتمحور الموقف التدريسي في التمهير حول المتعلم، فيبدأ من حيث انتهى إليه ويراعى فيه تقدمه في سلم المهارة، بخلاف موقف المعرفة إذ لا يرتكز على المتعلم بشكل أساسي -وإن كان يوصى بمراعاته – ، إذ تعتمد المعرفة في كثير من نقلها على المعلم في قدراته وسعة معرفته وأسلوب شرحه ونحو ذلك.
ومن هنا قد ينجح المعلم في مراحل التعليم الجامعي في البكالوريوس التي ترتكز على نقل المعرفة بشكل جيد، بينما يفشل في التعليم ما فوق الجامعي لاعتماده على التمهير وإكساب أدوات البحث والكتابة.
3- تختلف أساليب القياس بين التمهير والمعرفة، إذ يمكن أن يفشل في قياس أحدهما ما ينجح فيه الآخر، فالأعرابي ذو السليقة قد يتعثر في مقرر النحو من ألفية ابن مالك، والقارئ المجود لتلاوته قد يفشل في المقرر المخصص للتجويد، وغالباً ما تختزل قياسات المهارة إلى معايير شكلية كالحاصل في الرسائل العلمية أو اختبارات تحريرية كالحاصل في الدراسات العليا، ويمكن أن نفهم اختلاف الموقفين في قول النبي صلى الله عليه وسلم:” أعلمكم بالحلال والحرام معاذ، وأقضاكم علي” فالأول قياساته معرفية، والثانية عملية.
وفي جناية اضطراب معايير القياس بين الموقفين نتذكر قصة مشهورة لبيكاسو الرسام الشهير وأنه كان يسير في السوق عندما قابلته إحداهن فطلبت منه أن يرسمها.
فابتسم بيكاسو ورسم رسمة جميلة وسريعة وقدّمها قائلاً: مليون دولار لو سمحت!
فقالت: ولكن يا سيد بيكاسو، لم تستغرق سوى ثلاثين ثانية في الرسم ! فأجاب: سيدتي، لقد استغرق الأمر ثلاثين سنة لأرسم لوحة رائعة في ثلاثين ثانية!
مؤشرات طبيعة الأداء المهاري:
في مقالة مترجمة للباحث هيربيرت كلاس ماير حدد من خلالها معنى المهارة بأنها: مستوى الكفاية التي يحصل عليها الفرد في تنفيذ تتابع عمل ما بشكل ثابت. وقد حاول في هذه المقالة تحديد طبيعة الأداء المهاري بشكل دقيق، وتوصل إلى خمسة عناصر أو مؤشرات لطبيعة الأداء المهاري:
1- قلة الانتباه للحركات التفصيلية أو التحول من السيطرة الإرادية إلى غير الإرادية:
ففي الطور الأول لتعلم المهارة تكون حركات المتعلم بطيئة وغير ثابتة كما أن سيطرته على حركاته تتم بوساطة خطة إرادية واضحة، فيفكر اللاعب في كيفية إمساك المضرب والمكان الذي يضع فيه أصابعه، وفي الطور الأخير تكون حركات المتعلم سريعة ودقيقة، وتتم السيطرة عليها بوساطة خطة لا إرادية، فالتدريب الواسع جعله يمتلك برنامجا يسيطر على سلسلة حركاته بحيث تحدث بصورة آلية أو غير إرادية.
2- تمييز الإشارات بشكل أفضل:
في المراحل الأولى لاكتساب المهارة يتعلم الفرد الإشارات التي يجب أن يستجيب لها زيادة على الحركات التي لم يمارسها من قبل، ويبدأ بملاحظة الإشارات الواضحة والاستجابة لها، إلا أنه في المراحل الأخيرة يلاحظ الإشارات قليلة الوضوح والتي يتطلبها الأداء الجيد.
3- التعرف على نتائج العمل وتصحيح الاستجابات غير الملائمة:
فمثلا ينبغي لكاتب الطابعة المبتدئ أن يوقف الطباعة وينظر إلى الورقة بين لحظة وأخرى ليرى ما إذا كانت الحروف والكلمات قد طبعت بشكل مناسب، وبالمقابل نجد أن كاتب الطابعة الماهر يؤدي عمله بسرعة وإتقان بدون الحاجة إلى المنبهات البصرية، أي دون أن يتوقف عن الطباعة ليرى مدى ملاءمة طباعته.
4- تناسق حركات الأداء:
في المراحل الأخيرة من التعلم يكون أداء المتعلم جيدا فيتميز بظهور الحركات السريعة والدقيقة وتصبح استجاباته أكثر تناسقاً.
5- أكثر ثباتا في مختلف الظروف:
عندما يبدأ الفرد بتعلم مهارة ما فإن أداءه يتأثر بأي تغير يحدث في ظروف البيئة، وعندما يتعلم هذه المهارة بشكل جيد فإنها تصبح أكثر ثباتاً ويصبح أداؤه جيداً في مختلف الظروف.
تصنيف المهارات العلمية:
في سياق الحديث عن المهارات العلمية والعملية يمكن إيجاد عدة تصنيفات للمهارات، غير أن أنسبها ما يرتبط بشكل جيد مع مراحل تشكل المعرفة وتطورها، بحيث تدعم المهارة المعرفة حتى تطبيقها.
وتنشأ المعرفة بشكل هرمي يبدأ من قاعدة الهرم صعوداً إلى قمته في ثلاثة عناصر:
1- البيانات:
ويقصد بها المعلومات الأولية التي تتمثل في جمع العناصر والحقائق والإحصائيات وهي المادة الخام للمعرفة، وهنا تظهر مهارات الجمع والحفظ ونحوها، مما يؤكد تأسيس المهارة على محتوى معرفي صلب ومتقن وحاضر للبناء عليه.
وكثيراً ما يقلل من أهمية الحفظ أو ضبط المعرفة في سياق التمهير أو التجديد أو الإبداع، أو يقفز بالمتعلم إلى التطبيق قبل إدراك مقدمات المعرفة وإتقانها.
2- المعلومات:
ويقصد بالمعلومات = المعلومات المنظمة والمفسرة، إذ بعد جمع البيانات وضبطها يمكن تنظيمها وتفسيرها بشكل جيد بحيث يسهل استحضارها ويعمق فهمها إلى مستوى أعلى، وهنا تظهر مهارات التلخيص والربط والتنظيم والتصنيف والتقسيم وأدوات ذلك كالتشجير وخرائط المفاهيم ونحوها.
3- المعرفة:
ويقصد بالمعرفة = فهم تطبيق المعلومات، أي أن المعرفة هي ما يراعى فيه مبدأ إمكانية تطبيق المعرفة ونقلها، وهنا يهتم بمهارات تتعلق بتطبيق المعرفة وإدراك مكوناتها وما يتفرع عن ذلك من تحليل المعرفة وإعادة تركيبها والإبداع والتجديد فيها.
ويمكن تفصيل هذه المراحل بشكل أدق وإيجاد مهارات أنسب لكل مجال، لكن القصد من ذلك وجود تصنيف مناسب للتمهير العلمي ومراحله.
ختاما ً:
في ظل وجود اتجاه بحثي يعتني بالمهارة ويدرك أهميتها في واقعنا العلمي المعاصر، ينبغي الوعي بشكل جيد بمتطلبات التمهير أو أسس صناعة المهارة وتمليكها التي تفارق فيها المعرفة المجردة، بما يحقق الوصول إلى نموذج أو نظرية علمية متكاملة يتم في ضوئها تقويم مشاريع التمهير في مناهجها ومخرجاتها وبيئاتها، وذلك ما يساهم في نقلة علمية مناسبة لواقع سريع التغير وشديد التعقيد.