التربية والتعليم

أهمية اللعب في تعزيز نمو الطفل السليم والحفاظ على روابط قوية بين الوالدين والطفل

  • كينيث أر. جينسبيرج
  • ترجمة: عبير عبد الرحمن
  • تحرير: عبدالله التميمي

يُعدُّ اللعب ضروريًا للنمو؛ لأنّه يساهم في تنمية الجانب المعرفي والجسدي والاجتماعي والعاطفي للأطفال واليافعين. يُقدِّم اللعب أيضًا فرصةً مثاليةً للآباء للانخراط بشكلٍ كاملٍ مع أطفالهم. وعلى الرغم من الفوائد المستمدة من اللعب لكلٍ من الأطفال والآباء؛ فقد انخفض وقت اللعب الحُر انخفاضًا ملحوظًا بالنسبة لبعض الأطفال. يتطرق هذا التقرير إلى مجموعة متنوعة من العوامل التي قلَّلت من اللعب، بما في ذلك أسلوب الحياة المتسارع والتغيرات في هيكل الأسرة وزيادة الاهتمام بالأكاديميين وأنشطة الإثراء على حساب العطلة أو اللعب الحُر الذي يركز على الطفل. يُقدِّم هذا التقرير إرشادات حول كيفية قيام أطباء الأطفال بالدفاع عن الأطفال من خلال: مساعدة العائلات، الأنظمة المدرسية، والمجتمعات على النظر في أفضل السبل لضمان حماية اللعب أثناء سعيهم لتحقيق التوازن في حياة الأطفال لخلق بيئة تنموية مثالية.

فاللعب- كما ذكرنا آنفًا – هو أمرٌ في غاية الأهمية لتحقيق النمو الأمثل للأطفال، وقد اعترفت به مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان على أنه حقٌ لكل طفل. ويواجه هذا الحق الشرعي تحديًا من عدة عوامل تتضمن تشغيل الأطفال والممارسات الاستغلالية والحرب والعنف في الأحياء وقلة الموارد المتاحة للأطفال الذين يعانون الفقر. ومع ذلك، -فحتى أولئك الأطفال الذين حالفهم الحظ بما يكفي لوجود موارد وفيرة وأولئك الذين يعيشون في سلام نسبي- قد لا يحصلون على كافة مزايا اللعب. يُربَّى العديد من هؤلاء الأطفال بطريقةٍ متسارعةٍ وقد يتعرضون للضغط؛ مما يحد من الفوائد التي سيكتسبها الأطفال من اللعب. ولأن كل طفل يستحق الفرصة للتطور إلى إمكاناته الفريدة؛ فإنه يجب على داعمي حقوق الأطفال مراعاة جميع العوامل التي تتداخل مع النمو الأمثل والعمل وتكييف جميع الظروف لجعلها ملائمة لكل طفل ليتمتع بالمزايا المرتبطة باللعب وبشكلٍ كاملٍ.

لا يمكن لمجموعة واحدة من التوجيهات إنصاف العوامل العديدة التي تؤثر على لعب الأطفال، حتى لو كانت تركز فقط على الأطفال الذين يعيشون في الولايات المتحدة، لذلك؛ فإنّ هذه التوجيهات ستركز فقط على مدى حَد الأطفال الأمريكيين ذوي الموارد الكافية من الاستمتاع بالحقوق لكاملة المرتبطة باللعب، وذلك بسبب أسلوب حياة الأسرة المتسارع وزيادة التركيز على أساسيات الإعداد الأكاديمي بدلاً من منظورٍ أوسع للتعليم.

أمّا عن تلك العوامل التي تمنع الأطفال الفقراء والطبقة العاملة من الاستفادة الكاملة من اللعب، فإنها تستحق الاهتمام الكامل وحتى العاجل، وسنتحدث عنها في مقالةٍ قادمة. سيتم ذكر تلك القضايا التي تؤثر على لعب الأطفال ذوي الموارد القليلة بإيجاز هنا لتأكيد أن اللعب يساهم في نمو الطفل الأمثل وأنه يجب علينا مساندة التغييرات المتعلقة باحتياجات الحالة الاجتماعية والبيئية لكل طفل والتي من شأنها تعزيز فرص اللعب.

كُتِبت هذه التوجيهات؛ استجابةً للعوامل المتعددة التي تتحدى اللعب. الفرضية الأساسية هي أن اللعب -أو حتى بعض وقت الفراغ المتاح فيما يتعلق بالأطفال الأكبر سنًا والمراهقين- ضروري لتطورهم المعرفي والاجتماعي وصحتهم الجسدية والنفسية. وعلى الرغم من أن المبادئ التوجيهية كُتِبَت دفاعًا عن اللعب، إلا أنه لا ينبغي تفسيرها على أنها ضد أمورٍ أخرى تًزاحِم وقت الأطفال.

فالتغذية العلمية تعتبر أمرًا ضروريًا لقدرة بعض الأطفال على التقدم أكاديميًا، ومن المعروف أن المشاركة في الأنشطة المنظمة تعزز النمو السليم والصحي للشباب. وبهذا، فإنه من الضروري أن تتاح مجموعة متنوعة من البرامج وذلك لتلبية احتياجات كلٍ من الأطفال والأُسَر. بل وتدعو هذه التوجيهات إلى تضمين اللعب في سعينا لتحقيق التوازن في حياة الأطفال والذي سيخلق بيئةً تنموية مثالية لإعداد أطفالنا ليكونوا مجهزين أكاديميًا واجتماعيًا وعاطفيًا لقيادتنا إلى المستقبل.

فوائد اللعب:

يَسمح اللعب للأطفال باستخدام قدراتهم الإبداعية وتطوير خيالهم وبراعتهم وقوتهم الجسدية والمعرفية والعاطفية، كما أنه مهم لنمو دماغٍ سليم. فمن خلال اللعب، ينخرط الأطفال ويتفاعلون مع العالم من حولهم في سنٍّ مبكرة، حيث يتيح اللعب لهم إنشاء واستكشاف عالم يمكنهم أن يبرعوا فيه ويتغلبون على مخاوفهم من خلال ممارسة أدوار الكبار والاقتران أحيانًا مع أطفالٍ آخرين أو مقدمي الرعاية الراشدين. بينما يبرع هؤلاء الأطفال في عالمهم، فإن اللعب سيساعدهم على تطوير كفاءاتٍ جديدة تؤدي إلى تعزيز الثقة والقدرة على التكيُّف التي سيحتاجون إليها لمواجهة تحديات المستقبل.

يتيح اللعب غير الموجه -وهو الذي يكون من نسيج خيال الطفل وابتكاره- للأطفال تعلم كيفية العمل في مجموعات والمشاركة والتفاوض وحل النزاعات وتعلم مهارات الدفاع الذاتي. فعندما يُسمح للطفل بأن يكون منطلقًا، فإنه سيمارس مهارات اتخاذ القرار ويتحرك وفقًا لسرعته الخاصة ويكتشف مجالات اهتمامه الخاصة وينخرط أخيرًا وبشكل كامل في المشاعر التي يرغب بها. من الناحية المثلى، فإن اللعب أيضًا يشمل الكثير من البالغين إلا أنه عندما يتحكم الكبار فيه، فإنَّ الأطفال يرضخون لقواعدهم والخوف منهم مما يُفقِدهم بعض الفوائد التي يوفرها لهم اللعب، لا سيما في تطوير مهارات الإبداع والقيادة والعمل مع المجموعة، على عكس الترفيه السلبي الذي لا يتطلب بذل مجهودٍ بدني، فإن اللعب يبني أجسادًا نشطة وصحية. وفي الواقع، فقد اقتُرِح أن تشجيع اللعب غير المنظم قد يكون طريقةً استثنائيةً لزيادة مستويات النشاط البدني لدى الأطفال، وهي إحدى الاستراتيجيات المهمة في معالجة داء السمنة. وقبل كل شيء فإنَّ اللعب فرحةٌ بسيطة وجزءٌ عزيز من الطفولة.

قد يقوم مقدمي الرعاية المحبين المنسجمين مع الأطفال بدَوْر الوساطة في مسار نمو الأطفال من خلال العلاقات الوجدانية الملائمة عند ارتباطهم بالأطفال من خلال اللعب. عندما يلاحظ الآباءُ أطفالَهم وهم يلعبون أو ينضمون إليهم في لعبة يقودوها أطفالهم، فإنَّ ذلك يمنحهم فرصةً فريدةً لرؤية العالم من وجهة نظر طفلهم بينما يتنقل الطفل في عالم تم إنشاؤه بشكل مثالي ليناسب احتياجاته.

(تُستخدم كلمة “الآباء” في هذا التقرير لتمثيل مجموعة واسعة من مقدمي الرعاية الراشدين الذين يربون الأطفال).

التفاعلات التي تحدث أثناء اللعب تُخبر الأطفال أنَّ الآباء يهتمون بهم تمامًا ويساعد هذا في بناء علاقاتٍ متينة. يتعلم الآباء ممَّن حصلوا على لفرصة لإلقاء نظرةٍ خاطفة على عالم أطفالهم في التواصل معهم بشكلٍ أكثر فعالية، ويُمنَحُون فرصةً أخرى لإعطاء التوجيه والرعاية اللازمة. قد يكون الأطفال الأقل تحدثًا قادرين على التعبير عن آرائهم وخبراتهم وحتى إحباطاتهم من خلال اللعب، مما يتيح لآبائهم فرصة اكتساب فهمٍ أشمل لوجهة نظرهم. فاللعب بكل بساطة يتيح للآباء فرصةً رائعة للانخراط تمامًا مع أطفالهم.

اللعب جزء لا يتجزأ من البيئة التعليمية، فهو يكفل للبيئة المدرسية تلبية التنمية الاجتماعية والعاطفية للأطفال وكذلك تطورهم المعرفي، فلقد ثبت أنه يساعد الأطفال على التكيُّف مع بيئة المدرسة وحتى أنه يُعزِّز استعداد الأطفال للتعلم ويعزِّز أيضًا من سلوكيات التعلم ومهارات حل المشكلات. ومن الأفضل دمج التعلم الاجتماعي العاطفي مع التعلم الأكاديمي، فإنه من المقلق أنْ تكون بعض العوامل التي تعزز قدرة الأطفال على التعلم مرتفعةً على حساب الآخرين.

فاللعب في مواعيدٍ غير محدَّدة يسمح بالتفاعل بين الأقران مما يُعدُّ مهمًا في التعلم الاجتماعي العاطفي.

انخفاض معدل اللعب الحر لدى الأطفال والتداعيات المحتملة:

على الرغم من الفوائد العديدة المستمدة من اللعب لكل من الأطفال والآباء، فقد تم تقليل وقت اللعب الحُر بشكلٍ ملحوظ بالنسبة لبعض الأطفال. وقد أثَّر هذا الاتجاه حتى على رياض الأطفال، وذلك بتقليص وقت اللعب الحُر في جداولهم لإفساح المجال لمزيدٍ من التعليم. وفي دراسةٍ استطلاعية عام 1989 أجرتها الرابطة الوطنية لمديري المدارس الابتدائية، وُجِد أن 96٪ من أنظمة المدارس التي شملها الاستطلاع لديها فترة استراحة واحدة على الأقل. ووُجد استطلاعٌ آخر بعد عقدٍ من الزمان أن 70٪ فقط من فصول رياض الأطفال لديها فترة استراحة.

يُمنح العديد من أطفال المدارس في الوقت الحالي وقت فراغ أقل ووسائل مادية أقل في المدرسة. حيث استجابت العديد من المناطق التعليمية لقانون “عدم إهمال أي طفل” لعام 2001 من خلال تقليل الوقت المحدد للعطلة، والفنون الإبداعية، وحتى التربية البدنية في محاولةٍ للتركيز على القراءة والرياضيات. وقد يكون لهذا التغيير آثارًا على قدرة الأطفال على تخزين معلوماتٍ جديدة؛ لأن القدرة المعرفية للأطفال يتم تعزيزها من خلال تغيير واضح وهام في النشاط. ولا يوفر التغيير في التدريس الأكاديمي أو موضوع الفصل هذا التغيير الواضح في الجهد المعرفي وبالتأكيد لا يوفر إطلاقًا تغييرًا ماديًا. فحتى فصول التربية البدنية الأساسية المنظمة قد لا تقدم نفس فائدة استراحة اللعب الحُر. يساهم تقليل وقت النشاط البدني في القدرات التعليمية غير المتوافقة بين الأولاد والبنات، لأن المدارس التي تعزز أنماط التعلم المستقرة تصبح بيئةً أكثر صعوبة بالنسبة للأولاد لاجتيازها بنجاح.

يُمنح بعض الأطفال وقتًا أقل للعب الاستكشافي الحُر حيث يسارعون للتأقلم مع أدوار الكبار والاستعداد لمستقبلهم في سنٍ مبكرة.

يتلقى الآباء رسائل مسوَّقة بعناية تفيد بأنَّ الآباء الجيدين يعرِّضون أطفالهم لكل فرصةٍ للتميز، ويشترون عددًا كبيرًا من أدوات الإثراء، ويضمنون مشاركة أطفالهم في مجموعةٍ متنوعة من الأنشطة.

ويتعرض الأطفال لمقاطع الفيديو الهادفة وبرامج الكمبيوتر منذ الطفولة المبكرة بالإضافة إلى الكتب والألعاب المتخصصة المصممة لضمان أن تكون شاملة ومحفزة بشكل كافٍ لنموٍ متميز. وتوجد صالات رياضية متخصصة وبرامج إثراء مصممة للأطفال في العديد من المجتمعات، وهناك وفرة من أنشطة الإثراء بعد المدرسة. يُسوَّق لهذه الوسائل والبرامج بشكلٍ كبير، وقد نما العديد من الآباء إلى الاعتقاد بأنها مطلب للتربيةِ الجيدة وضرورةٌ للنمو الصحيح، ونتيجةً لذلك؛ فقد يمضي الكثير من وقت الوالدين والطفل في ترتيب أنشطةٍ خاصة أو تنقل الأطفال بين تلك الأنشطة. وإضافةً إلى الوقت فقد استُثمرت مبالغ مالية كبيرة للعائلة لضمان حصول الأطفال على ما يُسوَّق أنه “أفضل الفرص”.

ومن الواضح أن الأنشطة المنظمة لها فائدة تنموية للأطفال، على نقيض ما يتم دون رقابة تمامًا. فبعض الأبحاث تثبت أنه بالنسبة لمعظم الأطفال فإن الفوائد تزداد مع ازدياد مستويات المشاركة. وبالإضافة فقد اقتُرِح أنه نظرًا لأن نمط الحياة هذا مرتبط بأسرِ الطبقة المتوسطة فقد يكون له فائدة في الحفاظ على الطبقة الاجتماعية أو ارتقائهم اجتماعيًا. ومع ذلك فإنه من غير الواضح ما النقطة التي قد يمتلئ فيها يومُ شابٍ ما باضطراب النمو أو المعاناة النفسية. فقد قُلِّل وقت اللعب الحُر الذي يقوده الأطفال والذي عُرِف بأنه يُثريهم، كما أن فترة الراحة من العمل والتي تتيح للآباء والأطفال بعض الوقت المليء بالإنتاجية والتفاعل يكون أعلى عندما يصبح جدولهم الزمني مليئًا بالأنشطة التي يشرف عليها الكبار أو التي يقودها الكبار.

يُترك للوالدين الحكم على المستويات المناسبة من المشاركة، ولكن يبدو أن العديد من الآباء يشعرون وكأنهم يركضون على عجلةٍ من أمرهم لمواكبة ذلك، ولكن لا يجرؤون على إبطاء وتيرتهم خوفًا من إهمال أطفالهم. إضافةً إلى شعور البعض بالقلق من أنهم لن يتصرفوا كآباء مناسبين إذا لم يشاركوا في أسلوب الحياة المتسارع هذا.

على الرغم من ازدهار معظم الأطفال المجدولين، إلا أن البعض يتفاعل مع الضغوط المرتبطة بها من خلال القلق وعلامات أخرى لزيادة التوتر. وبهذا الصدد، فسيكون لدى الأطفال المنظمين وقتًا أقل للعب الحُر والإبداعي الذي يقوده الأطفال، والذي يوفر فوائد قد تكون وقائية ضد آثار الضغط والتوتر. وهناك أدلة على أن اكتئاب الطفولة والمراهقين ارتفع خلال سنوات الدراسة الجامعية. على الرغم من أن هناك بالتأكيد العديد من العوامل المعنية، إلا أنَّ هناك صلةً مباشرة بين الإعداد المكثف المليء بالضغط في وقتٍ مبكر لمرحلة بلوغ عالية الإنجاز ومخاوف صحية عقلية. هذه لا يمكن إجراؤها على أساس البحث الحالي، فمن المهم أن نفكر في إمكانية هذا الارتباط. يمكننا أن نكون على يقين من أنه في بعض العائلات تتأثر التأثيرات الوقائية لكلٍ من اللعب ووقت الأسرة عالي الجودة سلبًا بالاتجاهات الحالية نحو تنظيم وقت الأطفال بشكل كبير.

 بصفتهم مدافعين عن حقوق الأطفال، فإن خبراء صحة الأطفال مناسبون جدًا لمساعدة الآباء على التفكير في التوازن المناسب بين الاستعداد للمستقبل والتمتع بالحياة في حاضرهم من خلال اللعب والأنشطة المنظمة التي تركز على الطفل والتفاعل المثمر بين الوالدين وطفلهما. ومن المحتمل أن يكون التوازن الذي يجب تحقيقه مختلفًا لكل طفل على أساس الاحتياجات التعليمية للطفل ومزاجه وبيئته واحتياجات الأسرة. نظرًا لوجود العديد من العوامل التي تؤثر على الاتجاه نحو التركيز على الإعداد المستقبلي؛ فمن المهم أن يكون لدى الوالدين رعاية طيبة تعزِّز أهمية بعض الجوانب الأساسية والمجربة والحقيقية لتربية الطفل.

العوامل التي غيرت من روتين الطفولة:

قد يكون هناك العديد من التفسيرات للاتجاهات الحالية، ولكن يجب مراعاة العديد من العوامل الرئيسية التي أدت إلى التقليل من اللعب الحُر.

١-  تتعدَّد العائلات التي لديها رب أسرة واحد أو والدين عاملين، وعدد أقل من الأُسر متعددة الأجيال حيث يمكن للأجداد وأفراد الأسرة الممتدة مشاهدة الأطفال؛ لذلك يوجد عدد أقل من العائلات التي لديها إشراف من الكبار في المنزل خلال يوم العمل؛ مما يجعل من الضروري أن يكون الأطفال في الحضانات وغيرها من الأماكن التي يمكن أن تُراقب من قبل البالغين طوال اليوم. تقدم أنشطة ما بعد المدرسة المنظمة وفرص الإثراء الأكاديمي بدائل قيمة للأطفال الذين قد يُتركون بدون إشراف بالغ أو بدون انتباه.

٢- لقد تعلم العديد من الآباء كيف يصبحون أكثر كفاءة في الموازنة بين وقتهم في العمل والمنزل. فهؤلاء الآباء يرغبون في الاستفادة الأمثل من الوقت المحدود مع أطفالهم ويعتقدون أن تسهيل حصول أطفالهم على كافة الإمكانيات هو أفضل استغلال لهذا الوقت. وقد يستخدم البعض منهم بعض معايير الكفاءة والإنتاجية التي أتقنوها في العمل لتقييم فعاليتهم كآباء، ويشار إلى هذا أحيانًا باسم إضفاء الطابع المهني على الأبوة. وتخلق هذه الظاهرة الشعور بالذنب لدى الآباء الذين يجدون صعوبة في الموازنة بين المطالب المتزاحمة بعد يوم عملٍ مرهق. أما الآباء الذين يفهمون أن الأنشطة المنزلية عالية التفاعل (مثل القراءة أو اللعب مع الأطفال) تقدم فرصًا لتربية فعالة للغاية قد يشعرون بضغطٍ أقل من أولئك الذين يشعرون بأنهم مضطرون لترتيب إمكانياتهم خارج المنزل.

٣- يتلقى الآباء رسائل من مجموعة متنوعة من المصادر تفيد بأن الآباء الجيدين يُقيِّمون وبنشاط كل مهارة وكفاءة قد يحتاجها أطفالهم منذ الأعمار المبكرة. فتنهمر عليهم مجلَّات الأبوة والأمومة ووسائل الإعلام بالعديد من أدوات وأنشطة الإثراء التي تُروِّج لقدرتهم على إنتاج أطفال متفوقين. فهُم يقرؤون عن الآباء الذين يبذلون جهودًا كبيرة في تضحيات شخصية كبيرة، للتأكد من أن أطفالهم يشاركون في مجموعة متنوعة من الفرص الرياضية والفنية. ويسمعون آباءً آخرين في الحي يتحدثون عن جداولهم المرهقة فيدركون أنها ثقافة الآباء وحتى توقعاتهم.

٤- أصبحت عملية القبول في الجامعات أكثر صرامةً في السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك وبشكلٍ كبير إلى طفرة المواليد التي ضربت سنوات الدراسة الجامعية. يتلقى الآباء رسالة مفادها أنه إذا كان أطفالهم غير مستعدين جيدًا ومتوازنين وذوي إنجازات عالية فلن يحصلوا على المكانة المرغوبة في التعليم العالي. حتى الآباء الذين يرغبون في اتباع نهجٍ أكثر حذرًا في تربية أطفالهم فإنهم يتأثرون سلبًا عندما يدركون أن الجميع يسيرون بخُطًى أسرع. يُشجَّع الأطفال على بناء سيرةٍ ذاتية جامعية من خلال التميز الأكاديمي ومجموعة متنوعة من الأنشطة والجهود التطوعية التي تبدأ في الأعمار الصغيرة. وفي بعض الحالات، يتعرض الآباء للضغط في سبيل مساعدة أطفالهم على بناء سيرةٍ ذاتية قوية.

٥- استجابةً لعملية القبول الجامعية الصارمة بشكل متزايد، فإنه يُحكَم على العديد من المدارس الثانوية من خلال المعدلات التي يُقبَل طلابها من قبل أكثر الجامعات شهرة. وكاستجابةٍ لذلك إلى حدٍ ما، فإن العديد من الطلاب يُشجَّعون باستمرار على تنفيذ جداول أكاديمية صارمة، بما في ذلك مقررات الإلحاق المتقدم. بالإضافة إلى أنَّ العديد من الطلاب يأخذون دوراتٍ تحضيرية لامتحانات القبول الموحدة. ولن يتبقى لهؤلاء الطلاب إلا وقت فراغٍ أقل بسبب تحضيراتهم المنزلية اللازمة لفصولهم الدراسية.

٦- بدأ الضغط من أجل القبول لاختيار المدارس لبعض العائلات قبل فترةٍ طويلة من الكلية، ويمكن أن يكون الاختيار لبرامج ما قبل المدرسة الخاصة أمرًا تنافسيًا، وقد يحتاج الآباء إلى التفكير في أفضل السبل لـ “تجهيز” أطفالهم في مرحلةٍ ما قبل المدرسة.

٧- هناك اتجاه وطني للتركيز على الأساسيات الأكاديمية للقراءة والحساب. وهذا الاتجاه الذي قاده قانون “عدم إهمال أي طفل” لعام 2001، هو رد فعل على الأداء التعليمي غير المقبول لأطفال أمريكا في بعض الأوساط التعليمية، وأحد الآثار العملية لهذا الاتجاه هو تقليل الوقت المتبقي خلال اليوم الدراسي للمواد الأكاديمية الأخرى، بالإضافة إلى العطلة والفنون الإبداعية والتربية البدنية. قد يكون لهذا الاتجاه آثار على التطور الاجتماعي والعاطفي للأطفال والمراهقين. وتُعطى أيضًا العديد من برامج رعاية الأطفال بعد المدرسة الأولوية لتوسيع نطاق الأكاديميين وإكمال الواجبات المنزلية بدلًا من اللعب المنظم واللعب الحر والنشاط البدني.

٨- يمكن أيضًا تفسير الانخفاض في اللعب الحُر من خلال الترفيه السلبي للأطفال بسبب التلفزيون أو الكمبيوتر وألعاب الفيديو، فهي في تناقضٍ حاد مع الفوائد الصحية للعب النشط والإبداعي والفوائد التنموية المعروفة لمستوى مناسب من الأنشطة المنظمة إلا أنَّ هناك أدلة كثيرة على أن هذا الترفيه السلبي ليس وقائيًا، وله في الواقع بعض الآثار الضارة.

٩- في العديد من المجتمعات لا يمكن لأطفالها اللعب بأمان خارج المنزل إلا إذا كانوا تحت إشراف الكبار وحمايتهم. وهذا صحيح خصوصًا في المناطق غير الآمنة بسبب العنف المتزايد أو الأخطار البيئية الأخرى.

لمَ تُعد هذه مشكلة؟

سيكون من الخطأ افتراض أن الاتجاهات الحالية تمثل مشكلة لجميع الأطفال، فالبعض يتفوق بجداول منظمة للغاية. ونظرًا لأننا بحاجة إلى الشباب المهرة ليكونوا مستعدين جيدًا ليكونوا قادة الغد؛ فيجب أن ندرك مزايا التعرض المستمر للإثراء الأكاديمي الذي يتلقاه بعض أطفالنا. وفي الواقع فإنه يجب أن يتلقى العديد من أطفالنا ولا سيما أولئك الذين يعانون من الفقر المزيد من أنشطة الإثراء. ولكن حتى الأطفال الذين يستفيدون من هذا الإثراء لا يزالون بحاجة إلى وقتٍ حُر غير مجدول للنمو الإبداعي والتأمل الذاتي وإزالة الضغط وسيستفيدون من الفوائد التنموية الفريدة للَّعب الذي يقوده الأطفال.

ومع ذلك، فإن أسلوب الحياة المتسارع هذا يُعتبر بالنسبة لبعض الأطفال مصدرًا للتوتر والقلق وقد يساهم في الإصابة بالاكتئاب وزيادة الضغط للإنجاز، ومن المُرجح أن تظهر في تجنب المدرسة والأعراض الجسدية. ونستنتج أنَّ التحدي الذي يواجه المجتمع والمدارس وأولياء الأمور، هو تحقيق التوازن الذي يسمح لجميع الأطفال بالوصول إلى إمكاناتهم دون دفعهم إلى ما وراء حدود الراحة الشخصية مع السماح لهم بوقت لعب حُر شخصي.

يبدو أن الضغوط المتزايدة للمراهقة جعلت بعض الشباب أقل استعدادًا لإدارة عملية الانتقال نحو سنوات الدراسة الجامعية. لم تتمكن العديد من مراكز الخدمات الصحية والاستشارات الطلابية في الحرم الجامعي من مواكبة الحاجة المتزايدة لخدمات الصحة العقلية، وقد أثبتت الدراسات الاستقصائية هذه الحاجة من خلال الإبلاغ عن زيادة معدل الاكتئاب والقلق بين طلاب الجامعات. وأفادت دراسة استقصائية أجرتها الرابطة الصحية للكليات الأمريكية أن 61٪ من طلاب الجامعات شعروا باليأس خلال العام الدراسي السابق، وشعر 45٪ بالاكتئاب الشديد وكانوا يعانون من مشاكل في الأداء، و 9٪ عانوا من التفكير في الانتحار.

ربطت العديد من الدراسات بين مشاعر القلق والاكتئاب وبين النزعة إلى الكمال والتقييم الذاتي الناقد بشكلٍ مفرط. وأيضًا ربطت دراساتٍ أخرى هذا الكمال مع الآباء الناقدين للغاية الذين يغرسون ضغوطًا للتفوق.

إنَّ السعي للكمال يمثل تحديًا للفرد وله تأثيرٌ أوسع على المجتمع؛ لأنه قد يخنق الإبداع والتفكير الخلَّاق. فلا توجد دراسات طولية تربط بشكلٍ مباشر الإعداد المكثف لمرحلة الطفولة بهذا الارتفاع في احتياجات الصحة العقلية، وهناك بالتأكيد أسباب أخرى ولكن بعض الخبراء يعتقدون أن نمط الحياة المضغوط اليوم يُعدُّ عاملًا مهمًا.

قد يكون الأطفال تلقوا أيضًا رسالة غير مقصودة من هذا الاستعداد السريع والمكثف لمرحلة البلوغ. فربما تعلموا أنه يجب الوصول إلى هدف النقطة النهائية -أفضل مدرسة أو أفضل وظيفة- بأي ثمن.

أبلغت المدارس الثانوية والكليات والجامعات في جميع أنحاء البلاد عن أن المزيد من الطلاب قد يغشون لتحقيق النتيجة النهائية المرجوة للحصول على درجةٍ أعلى. وعلى الرغم من تحسُّن الدرجات على مدى العقود الماضية، أبلغ العديد من المعلمين عن زيادة التوتر لدى الطلاب عندما يحققون درجاتٍ أقل من الدرجات المثالية. وهذا العصر التنافسي قد يُنتج قليلًا من الشباب القلِق بشدة بشأن ظهور الإنجازات العالية لدرجة أنهم سيتخلون عن القيم الأساسية مثل الإنصاف والأمانة من أجل الحصول على درجاتٍ جيدة.

الاعتبارات الأسرية:

قد تعاني أيضًا بعض العائلات التي يُنظَّم أطفالها بشكلٍ كبير. فالكبار المثقلين بالفعل بمسؤوليات العمل ورعاية الأسرة يجدون أنفسهم يضحون بفترة الاستراحة في العمل لأنهم بحاجة إلى ترتيب الأنشطة ونقل الأطفال بين المواعيد. إضافةً إلى أنه وبسبب الضغوط التي يشعرون بها لتلبية كل واحد من الاحتياجات التي يرونها (أو يُقال لهم) أن طفلهم يحتاج إليها ليتفوَّق؛ فقد يشعرون بأنهم غير لائقين وفي النهاية يكون لديهم رضا شخصي أقل عن الأبوة والأمومة. والأهم من ذلك أنَّ الآباء ربما يفقدون الفرصة لقضاء أفضل وقتٍ مع أطفالهم. من أفضل التفاعلات التي – تحدث أثناء فترة الاستراحة – التحدث وإعداد وجبات الطعام معًا والعمل على هوايةٍ أو مشروعٍ فني أو ممارسة الرياضة معًا أو الانغماس الكامل في اللعب الذي يركز على الطفل.

بينما يقوم الآباء بإعداد أطفالهم للمستقبل، لا يمكنهم أن يعرفوا بدقة المهارات التي سيحتاجها كلٍ منهم للقوى العاملة. ومع زيادة القلق بشأن عدم قدرتهم على التنبؤ بالمستقبل بشكلٍ مناسب؛ يصبحون عرضةً لوعود النجاح والإعداد الكامل الذي توفره جميع برامج الإثراء الخاصة، ويكونون عرضةً للاعتقاد بأنه إذا تعرض أطفالهم على الأقل لكل شيء فسيكون لديهم أفضل فرصة للاستعداد. وعلى الرغم من أنه لا يمكن لأحد التأكد من المهارات المطلوبة للمستقبل، إلا أن سمات شخصية معينة ستنتج أطفالًا قادرين على التنقل في عالم يزداد تعقيدًا مع تقدمهم في السن. تشمل هذه السمات الثقة والكفاءة أو القدرة على السيطرة على الظروف، والترابط العميق والاهتمام بالآخرين الذين يخلقون الحب والأمان والحنان الذي يحتاجه الأطفال للنمو. إضافةً إلى أنه لكي نكون مرنين – ليظلوا متفائلين وقادرين على الخروج من الشدائد – يحتاج الشباب إلى سمات الشخصية الأساسية المتمثلة في الصدق والكرم واللياقة والمثابرة والرحمة. ومن المُرجح أن يكتسب الأطفال كل هذه السمات الأساسية للمرونة داخل المنزل حيث يتوفر للوالدين والأطفال الوقت ليكونوا معًا ويتطلعوا إلى بعضهم البعض للحصول على الدعم الإيجابي والحب غير المشروط. وتنجح العديد من العائلات في اجتياز مجموعة متنوعة من الالتزامات دون التضحية بوقتٍ جيد للوالدين والطفل ولكن قد تتأثر قدرة بعض العائلات على الحفاظ على الوقت الأساسي بين الوالدين والطفل بسبب أسلوب الحياة المتسارع هذا. ففي هذه العائلات قد يؤدي الإفراط في التنظيم إلى أطفالٍ أقل كفاءة عاطفيًا ويتمتعون بحماية جيدة.

ما هي الحلول؟

نظرًا لوجود عدة أسباب لقلة اللعب الموجه للأطفال؛ فلا يوجد موقف واحد يجب أن يتخذه المطالبون بحقوق الأطفال. فعلى سبيل المثال: في حالةِ طفل محروم اقتصاديًا ولا يقيم في حيٍ آمن، قد يكون من غير الحكمة اقتراح المزيد من اللعب الذي يركز على الطفل. وعلى الرغم من أنه يمكن تشجيع الآباء على تحسين الظروف لهذا النوع من اللعب في المنزل، إلا أنه يجب أن تكون هناك استجابات مجتمعية واسعة تعالج الفقر وعدم المساواة الاجتماعية والعنف قبل أن نتمكن من نصح الآباء للسماح باللعب الحُر. بالإضافة إلى ذلك فإنه بالنسبة للأطفال الذين يعانون من الفقر فهناك ما يبرر خدمات رعاية الأطفال المحسنة والتعليم المجتمعي المبكر – على سبيل المثال – : خدمات هيد ستارت(وهو برنامج مُقدم من الصحة الأمريكية للأطفال)  وزيادة البرامج الأكاديمية والمزيد من الأنشطة الإثراء وفرص أكبر للأنشطة المجتمعية التي يشرف عليها الكبار. وتظل بعض الحلول اللازمة لهذه المجموعة من الأطفال المحرومين خارج نطاق هذه المقالة وسيتم طرحها هنا للتأكيد على أن الاقتراحات المقدمة هنا يجب أن تكون فردية، فلا وجود لنموذجٍ يناسب الجميع.

ومع ذلك، فإنَّ المدافعين عن حقوق الأطفال سيحتاجون إلى تعزيز تنفيذ تلك الاستراتيجيات المعروفة لتعزيز نمو شبابٍ سليمٍ وقادر على الصمود.

بعض هذه الاستراتيجيات قائمة على المجتمع والبعض الآخر قائم على المدرسة، لكن العديد منهم يقع على عاتق الأسرة، وهي متجذرة في العلاقة العميقة التي تتطور عندما يتعامل الآباء مع أطفالهم. ويظل اللعب مكانًا مثاليًا للآباء للمشاركة بشكلٍ كامل، ويجب على أخصَّائي الأطفال تعزيز قيمة هذا اللعب. ويجب أيضًا أن تظل بعض الألعاب موجهةً تمامًا للأطفال، مع عدم وجود الآباء كمراقبين سلبيين، لأن اللعب يبني بعض الأصول الفردية التي يحتاجها الأطفال للتطور وإبقاؤهم مرنين.

يحتاج الآباء إلى الشعور بالدعم حتى لا يقبلوا بشكلٍ سلبي الرسائل الإعلامية والإعلانية التي تشير إلى وجود وسائل أكثر قيمة لتعزيز النجاح والسعادة لدى الأطفال من أساليب اللعب التقليدية والموثوق بها والتكاتف العائلي. ويجب تشجيع مقدمي هذه البرامج الخاصة على إنتاج أدلة طويلة الأجل تحدد كيف تنتج منتجاتهم أو استراتيجياتهم أطفالًا أكثر نجاحًا. ولدعم ذلك، فإننا نشجع الباحثين المستقلين على تقييم الفوائد والمشكلات المرتبطة بأدوات الإثراء هذه. وعلى الباحثين أيضًا الاستمرار في استكشاف نوع وكمية الأنشطة التي من المحتمل أن تكون مفيدة للأطفال ذوي الاحتياجات المختلفة.

تشهد الكليات جيلا من الطلاب يظهرون على ما يبدو معدلاتٍ مرتفعة من الاكتئاب والقلق والسعي للكمال والتوتر. ويجب عليهم توضيح رسائلهم حول نوعية الطلاب الذين يبحثون عنهم في مواجهة هذه التقاليد المنتشرة التي لا يسعون إليه سوى الطلاب الخارقين. تسعى الكليات بالتأكيد إلى جسم يتمتع بصحة جسديةٍ وعاطفيةٍ جيدة ومن يتمتعون بسماتٍ شخصية تدعم التعلم. فيمكن للكليات أن تقلل من مستويات التوتر لدى الشباب وأولياء أمورهم إذا قدموا توقعاتٍ واضحة وأكثر واقعية حول نوع الطلاب الذي يبحثون عنه وساعدت العائلات على فهم أن هناك قبولًا لكل طالب مستعد بقدرٍ معقول. وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ على الكليات معالجة الأسطورة القائلة بأن الطلاب المرغوب فيهم هم أولئك الذين يتفوقون في كلِّ مجال. ففي عالم البالغين، نادرًا ما يتفوق الناس في أكثر من مجال أو مجالين بينما يتمتع الأفراد ذوو التوازن الجيد بعدة مجالات أخرى. يجب أن تدرك الكليات إمكانية أنه عندما يعتقد الأطفال أنه يجب عليهم التفوق في جميع المجالات للحصول على القبول فقد يستجيبون لتلك التوقعات المتصورة وغير الواقعية بالتوتر والقلق.

نصائح لأطباء الأطفال:

في خضم العديد من الرسائل المتضاربة حول ما يجب على الآباء القيام به لإعداد أطفالهم لما يُنظر إليه على أنه عالمٌ معقد وتنافسي بشكل متزايد، فأطباء الأطفال يلعبون دورًا طبيعيًا ليكونوا مهنيِّين وموضوعيين للأطفال ويمكن للوالدين مناقشة نهجهم معهم لتربية الأطفال والتفكير في رغباتهم الخاصة لأطفالهم. ونظرًا لأن أطباء الأطفال يلعبون دورًا فريدًا ومهمًا في تعزيز الترفيه الجسدي والعاطفي والاجتماعي للأطفال والمراهقين، فمن المهم أن يُروِّجوا لاستراتيجياتٍ تدعم الأطفال ليكونوا مرنين ويقللوا من الضغوط المفرطة في حياتهم.

– يمكن لأطباء الأطفال تعزيز اللعب الحُر كجزء أساسي صحي من الطفولة. ويجب أن يوصوا بأن يُمنح جميع الأطفال وقتًا كافيًا وغير مجدول ومستقل دون عرضه على شاشة وذلك لتنمية الإبداع والتفكير والتخلص من الضغط. وعليهم أن يؤكدوا أنه وعلى الرغم من أنَّ الآباء يمكنهم بالتأكيد مراقبة اللعب من أجل السلامة إلا أن جزءًا كبيرًا من اللعب يجب أن يكون موجهً بالأطفال بدلاً من توجيه الكبار.

– على أطباء الأطفال التأكيد على مزايا اللعب النشط وتوجيه الآباء بالتقليل من استخدام الترفيه السلبي الخامل – على سبيل المثال – : التلفزيون وألعاب الكمبيوتر.

– يجب أن يؤكد أطباء الأطفال على أنَّ اللعب النشط الذي يركز على الطفل هو طريقة تم اختبارها على مدى طويل لإنتاج أجسام شابة صحية ومناسبة.

– يجب أنْ يؤكد أطباء الأطفال على فوائد “الألعاب الحقيقية” مثل المكعبات والدمى التي يستخدم بها الأطفال خيالهم بالكامل فضلًا عن الألعاب السلبية التي تتطلب خيالًا محدودًا.

– يمكن لأطباء الأطفال تثقيف العائلات فيما يتعلق بأصول الحماية والمرونة المتزايدة التي طُوِّرت من خلال اللعب الحُر وبعض الوقت غير المخطط له.

– يمكن لأطباء الأطفال أنْ يؤكدوا على الآباء الذين يتشاركون وقتًا عفويًا غير مخطط له مع أطفالهم وأنَّ الذين يلعبون مع أطفالهم يقدمون الدعم والرعاية والإنتاجية بشكل رائع.

– يمكن لأطباء الأطفال مناقشة أنه على الرغم من حسن النية، إلا أن ترتيب أفضل الفرص لأطفالهم قد لا يكون أفضل فرصةٍ للآباء للتأثير على أبنائهم وأنَّ تنقل أطفالهم بين العديد من الأنشطة قد لا يكون وقتًا محببًا لهم. سيكون الأطفال مستعدين للنجاح أكثر ومستمتعين بمعرفة أن والديهم يحبونهم تمامًا وبدون قيد أو شرط. يظهر هذا الحب والاهتمام بشكلٍ أفضل عندما يكون الوالدان قدوة ويخصص أفراد الأسرة الوقت للاعتزاز ببعضهم البعض للبقاء معًا والاستماع والتحدث لا أكثر ولا أقل. يمكن لأطباء الأطفال تذكير أولياء الأمور بأنَّ السمات الشخصية الأكثر قيمة وإفادة والتي ستعدُّ أطفالهم للنجاح، لا تنشأ من الالتزامات اللامنهجية أو الأكاديمية ولكن من الأساس الراسخ في الحب الأبوي وقدوةٌ يحتذى بها وتوجيه.

– يجب أن يكون أطباء الأطفال قوةً ثابتة ويُذكِّرون الآباء بأن الركائز الأساسية للتربية مثل الاستماع والاهتمام والتوجيه من خلال الانضباط الفعال والمناسب من الناحية التنموية ومشاركة الوقت الممتع معًا هي عوامل تنبئ بالطفولة، وهي بمثابة نقطة انطلاق نحو السعادة والبلوغ السليم.

– يجب أن يساعد أطباء الأطفال الآباء في تقييم الادعاءات المقدمة من جهات التسويق والمعلنين حول المنتجات أو التدخلات المصممة لإنتاج أطفال خارقين.

– يجب أن يؤكد أطباء الأطفال على الفوائد المثبتة للقراءة لأطفالهم حتى في سنٍ مبكرة جدًا.

– يمكن أن يكون أطباء الأطفال متاحين للآباء كمنصةٍ لسَبْر الأفكار لمساعدتهم على تقييم الاحتياجات الخاصة لأطفالهم من حيث تعزيز المرونة وتنمية الثقة والكفاءة، وفي نهاية المطاف تعزيز مسار هذا الطفل نحو مستقبلٍ ناجح.

– يمكن لأطباء الأطفال دعم الوالدين لتنظيم مجموعات اللعب التي تبدأ في سن ما قبل المدرسة المبكرة من حوالي 2.5 إلى 3 سنوات، حينها ينتقل العديد من الأطفال من اللعب الموازي إلى اللعب التعاوني في عملية التنشئة الاجتماعية.

– يمكن لأطباء الأطفال أن يدافعوا عن تطوير “مساحات آمنة” في الأحياء التي تعاني من نقص الموارد، قد تكون عن طريق فتح مدرسة أو مكتبة أو مرافق مجتمعية ليستخدمها الأطفال وأولياء أمورهم بعد ساعات الدوام المدرسي وفي عطلات نهاية الأسبوع.

– يمكن لأطباء الأطفال تثقيف أنفسهم حول الموارد المناسبة في مجتمعهم والتي تعزز اللعب ونمو الطفل السليم، كما يمكنهم إتاحة هذه المعلومات لمشاركتها مع أولياء الأمور.

– يجب أن يدعم الأطباء الأطفال الذين لديهم جدول أكاديمي يتسم بالتحديات والمناهج الإضافية التي توفر التوازن الملائم. فيجب تحديد ما هو مناسب بشكل فردي لكل طفلٍ على أساس احتياجاتهم ومهاراتهم ومزاجهم الخاص، وليس على أساس ما قد يكون ضغطًا كبيرًا لملاءمة معايير المجتمع التنافسية أو الحاجة الملحة للحصول على القبول في الكلية.

– يجب أن يشجع أطباء الأطفال الآباء على السماح للأطفال باستكشاف مجموعة متنوعة من الاهتمامات بطريقةٍ متوازنة دون الشعور بالضغط من أجل التفوق في كل مجال. يجب أن يشجع أطباء الأطفال الآباء على تجنب نقل التوقعات غير الواقعية بأن كل شاب يحتاج إلى التفوق في مجالات متعددة ليتم اعتباره ناجحًا أو مستعدًا للمنافسة في العالم. وفي الوقت ذاته، يجب عليهم تعزيز التوازن في هؤلاء الشباب الذين شُجِّعوا بشدة على أن يصبحوا خبراء في مجال واحد فقط – على سبيل المثال – : (رياضة معينة أو آلة موسيقية) على حساب إتاحة الفرصة لاستكشاف مجالاتٍ اهتمام أخرى.

– نظرًا لأن الآباء يختارون رعاية الأطفال وبرامج التعليم المبكر لأطفالهم؛ فيمكن لأطباء الأطفال تعزيز أهمية اختيار الإعدادات التي تقدم أكثر من “الاستعداد الأكاديمي”. يجب توجيههم أيضًا إلى الانتباه إلى ما إذا كانت الإعدادات تلبي الاحتياجات التنموية الاجتماعية والعاطفية للأطفال.

– يمكن لأطباء الأطفال الانضمام إلى مهنيين آخرين من الأطفال وأولياء الأمور للدعوة إلى البيئات التعليمية التي تعزز النمو التعليمي والمعرفي والجسدي والاجتماعي والعاطفي للأطفال والشباب.

– يجب على أطباء الأطفال تقييم مرضاهم بحثًا عن مظاهر التوتر والقلق والاكتئاب في المقابلات التي تتمحور حول الأسرة للأطفال والمقابلات الخاصة مع المراهقين.

– نظرًا لأن الإجهاد غالبًا ما يتجلى في الأحاسيس الجسدية؛ فيجب أن يكون أطباء الأطفال شديدو الحساسية للتوتر كسببٍ أساسي للمرض الجسدي.

– يجب على أطباء الأطفال الرجوع إلى متخصصي الصحة العقلية المناسبين عندما تظهر على الأطفال أو والديهم علامات الإجهاد المفرط أو القلق أو الاكتئاب.

ختامًا:

اللعب هو جزءٌ عزيز من الطفولة حيث يوفر للأطفال فوائد تنموية مهمة ويتيح للآباء فرصة الانخراط الكامل مع أطفالهم. ومع ذلك، فإنَّ العديد من العوامل تتفاعل لتقليل قدرة الكثير من الأطفال بشكلٍ فعال للحصول على فوائد اللعب. بينما نسعى جاهدين لخلق بيئة تنموية مثالية للأطفال، فإنه لا يزال من الضروري تضمين اللعب إلى جانب فرص الإثراء التعليمي والاجتماعي وإتاحة البيئات الآمنة لجميع الأطفال. وهناك حاجة إلى مزيد من البحث لاستكشاف التوازن المناسب في اللعب والإثراء التعليمي والأنشطة المنظمة للأطفال ذوي الأفكار المختلفة والاحتياجات الاجتماعية والعاطفية والفكرية والبيئية.

المصدر
publications-aap

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى