- تأليف : راندي تشيكمان
- ترجمة : محب عثمان
- تحرير: غادة عبد الرحمن
الحوافزُ المقدَّمة من قِبل المجلات القمة تُخِل بالعلم، تمامًا كما تخل العلاوات بالمصرفيّة.
أنا عالم، ومجالي هو ذلك العالِم المتخصص الذي ينجز للبشرية الأعمال العظيمة؛ لكنه شُوِّه بالمكافآت غير اللائقة. البنية السائدة من ذيوع الصيت والتقدم الوظيفي تعني أن المكافأة الكبرى تكون للعمل الأكثر بهرجًا، لا الأفضل. والذين ساروا منا خلف تلك الحوافز كانوا عقلانيين تمامًا – وقد تابعتهم في ذلك – لكنا لا نخدم دائمًا أفضلَ مصالح مهننا، ناهيك عن مصلحة المجتمع والبشريٍة.
كلنا يعلم ما صنعتِ الحوافزُ المخلة بالمصرفيّة والشؤون الماليّة. ما تلقاه زملائي من الحوافز لم يكن مكافآت مالية ضخمة، بل جوائز مهنية مقترنة بالنشر في صحف مرموقة، وعلى رأسها (Science)(Cell)(nature).
يفترض بهذه المجلات أن تكون مثال الجَودة، بنشرها أفضل البحوث فقط. لأن القائمين على التمويل ولجان القبول، يتَّخذون من محل النشر وكيلاً عن جودة المنشور يبدو في تلك العناوين التي تؤدي عادةً إلى المنح المالية والحصول على رتبة الأستاذية. لكن سمعة تلك الصحف الكبيرة مضمونة جزئيًا فقط. ففي حال نشرِها دراسات متميزة عدة هي لا تنشر فقط الدراسات المتميزة، ولا هم فقط الناشرون للبحوث المتميزة.
هذه المجلات تحامي بضراوةٍ عن علاماتها التجاريّة، بطرق تُعين على زيادة الاشتراكات أكثر من دعمها البحوث المهمة، كمصممي الأزياء، يصنعون الإصدارات المحدودة من الملابس وحقائب اليد، وهم يعلمون أن الندرة تنشط الطلب. لذلك تتشدد الصحف – بشكل اصطناعي – في عدد الأوراق البحثية المنشورة. تسوق الأسماء التجارية الحصرية بحيلة تدعى ( عامل التأثير ). وهي علامة لكل صحيفة يقاسُ فيها عدد المرات التي يُعزى فيها إلى البحوث المنشورة في بحوث لاحقة. يذهب في هذه النظرية إلى أن البحوث الأفضل هي التي يستشهد بها أكثر، وبناءً على ذلك فأفضل الصحف ما سجلت العلامات الأعلى. مع كون هذا المقياس بالغ الفساد، فقد أصبح غايةً في نفسه ويُضر بالعلم إضرار ثقافة العلاوةِ بالمصرفية.
أن يُحكم على البحث من خلال (عامل التأثير)، فذلك شائع وتشجعه عدة صحف. لكنه للصحيفة متوسط، ولا يعبر كثيرًا عن جودة أفراد البحوث. والأكثر من ذلك هي مسألة ربط الجودة بعدد مرات العزو، وليس ذلك يحدث دائمًا بل أحيانًا. فقد يُنشر بحث جيد ويشار إليه بكثرة، وربما كان سبب الاستشهاد وجود خطأ أو استفزازٍ أو كونه لافتًا للنظر. محررو الصحف الفاخرة يعلمون ذلك، وعليه فيقبلون البحوث التي تسبب الضجة لأنهم يستكشفون المواضيع المثيرة ويقدمون المطالبات الصعبة. وهذا يؤثِّر على العلم الذي يبحثه العلماء، فهو يصنع فقاعاتٍ في المواضيع الرائجة حيثُ يمكن للباحثين أن يدعي بكل جرأة وهذا ما يريده الصحفيون، في حين أعاق ذلك بعض الأعمال الهامة الأخرى، مثل دراسات التكرار والاستنساخ.
وفي الحالات القصوى قد تُغري شهرةُ الصحيفة الفاخرة الباحثينَ فتحُضُّهم على عدم إعطاء البحث حقه والاستعجال، فتزيد عدد البحوث المسحوبة كبحوث معيبة أو مزورة. فصحيفة (Science) وحدها سحبت مؤخرًا بحوثًا رفيعة المستوى كُتبت حول الأجنة المستنسخة، والارتباطات بين إلقاء المخلفات والعنف، والخصائص الجينية للبالغين سن المئة. والأسوأ ربما أنهم لم يسحبوا بحثًا ادَّعى قدرة المايكروب على استخدام الزرنيخ في حمضه النووي عوضًا عن الفوسفور، رغم الانتقاداتِ العلمية الهائلة.
اقرأ ايضاً : إرتفاع حاد في نسبة سحب الأوراق البحثية ومطالبات بالإصلاح
أفضل طريقةٍ : هي نشرُ الدراسات من خلال الجيل الجديد من الصحف المجانيةِ المولودة على الويب، والتي لا تطلب اشتراكاتٍ عالية لقاء النشر، والتي تتيح الوصول للجميع. وهي تقبل كل بحثٍ استوفى المعاييرَ بلا سقوفٍ مصطنعة. العديد منها يحرر من قبل علماء عاملين، من هم قادرون على تقييم استحقاقِ البحوث دون التفاتٍ إلى الاستشهاداتِ منه والعزو إليه. كما أعلم من تحريري لــ (eLife), صحيفة متاح الوصول إلى محتواها للجميع، ممولة من قبل معهد هوارد هوجز الطبي وجمعية ماكس بلانك وصندوق مرحبًا (welcome trust) – مؤسسة خيرية لدعم الأبحاث – وهم ينشرون دراسات على طراز عالمي كل أسبوع.
ولا بد أن يلعب الممولون دورًا مع الجامعات، فيخبروا اللجان أن قرارات المنح والقبول ليست محكومة بمحل النشر. ما يعني هو جودة الدراسة لا اسم الصحيفة. والأهم من ذلك كله أن نتخذ نحن العلماء موقفًا.
لقد نشرت – كغيري من الباحثين – في كبرى الصحف، منها تلك الأبحاث التي كانت سببًا بفوزي بجائزة نوبل في الطب والتي كنت سأفتخر بجمعها غدًز. لكن ليس بعد الآن؛ فقد التزمتُ بمعملي تجنب تلك المجلات الفاخرة، وأحرض الآخرين إلى فعل مثل ذلك.
كما أن وول ستريت تحتاج كسر قيد ثقافة العلاوة، والتي تدفع المخاطرة التي من المقبول وقوعها للأفراد، لكنها تتلف النظام المالي. كذلك فليكن العلم كاسرًا لطغيان المجلاتِ الفاخرة.
والنتيجةُ ستكون : أن البحث الأفضلَ؛ هو البحثُ الذي يخدِم العلم والمُجتمع.