د. ميشيل بوربا*
ترجمة: درة الجهنى
تحرير: عبدالعزيز المسعودي
بداية وباعتباري أخصائيَّة نفسيَّة، فقد رأيتُ مدى تأثير أحداث العالم المقلقة على أطفالنا، مثل: تفشِّي جائحة ما، أو عنف مسلح، أو تقلبات مناخيَّة.
“لا أستطيع إيقاف التفكير في الأحداث السيئة.”
“أحيانًا أخشى الاستيقاظ من النوم”؛ هذا ما قاله لي طفل يبلغ أحد عشر عامًا.
لابد من التعامل مع اليأس وتقلبات الأيام بالطرق المناسبة وإلا تدهورت سلامة الأطفال بشكل عام، فالأمل يحصِّن أذهان الأطفال ويقوِّيهم في الشدائد، وهو ما يميِّزهم عن من يستسلمون بسرعة.
الأطفال الأذكياء يدركون قيمة الأمل:
تؤكِّد الأبحاث أثر التفاؤل عند الأطفال في تقليل القلق والاكتئاب، كما أَوضحَت أن الأطفال المفعمين بالأمل لديهم شعور بقدرتهم على التَّعامل مع الأمور؛ فنظرتهم إلى التحديات والمُعوِّقات بأنها مؤقتة ويمكن تجاوزها تعينهم على النَّجاح ومعاونة غيرهم.
ورغم فائدة الأمل وتأثيره؛ فقَلَّما تجده في تربية الآباء لأبنائهم.
والجميل أن التفاؤل قابل للتعلم، ومن أفضل الطرق لزيادته: تعليم الأطفال مهارات التعامل مع صعوبات الحياة.
وأطرح في هذا المقال تسع طرق عملية -مبنية على الأبحاث العلمية- تساعد الأطفال في الحفاظ على الأمل في الفترات العصيبة.
١. أوقف الأفكار التشاؤمية مباشرة.
اليأس غير المنطقي يقتل الأمل؛ لذا احرص على مساعدة الأطفال في تخطي شعور اليأس قبل تَحوُّله إلى عادة. ابتكر معهم شفرة خاصة تشير إلى: “هذه فكرة تشاؤمية” مثل: شد الأذن، ثم شجعهم على مقاطعة الأفكار السلبية.
يساعد ابتكار اسم لصوت اليأس الداخلي مثل: “السيد نِيلِّي المتشائم” على التحكم بالشعور. إذا قال طفلك أي عبارة متفائلة: “أنا أتحسَّن في هذا” شجِّعه قائلًا: “نعم، هكذا عهدتك مثابرًا !”
٢. شجِّعهم.
للكلمات تأثير قوي. طوِّر مع طفلك عبارات تفاؤلية ليستخدمها في المواقف الصعبة “سأتولى الأمر!” “دائمًا هناك بداية جديدة” “سأتحسن”، واحرص على تعليمهم استخدامها لتَحُدَّ من التشاؤم. وتستطيع جعل طفلك يختار عبارة تفاؤلية كخلفية لشاشة هاتفه، وذلك باستخدام اقتباس يُصمَّم في برنامج مثل كانڤا (Canva)، ولا تنس القيام بالأمر ذاته لنفسك. وقم بتكرار الاقتباس الذي اخترته، حتى يكون صوت طفلك الداخلي ارتدادًا لصوتك أنت. اعتدتُ تكرار: “أستطيع القيام بالأمر!” مع أطفالي وحتى الآن مازالوا يرددونها وقد أصبحوا راشدين!
٣. علمهم العصف الذهني.
الأطفال المتفائلون لا يُعرضون عن مشاكلهم، بل يواجهونها مباشرة، فهم يوقنون أن لكل مشكلة حل. اشرح لطفلك بأن “الحيلة للتخلص من الشعور بالعجز: [تنشيط دماغك] للوصول إلى حلول”. ثم علِّمه أسلوب العصف الذهني. هناك حيلة ذكية مختصرة في خمس جمل تستخدم لمساعدة الأطفال، استعرض لهم خطواتها:
- تأنَّ، حتى يمكنك التفكير.
- أفصح عن مشكلتك.
- اسأل “ما الذي يمكنني فعله أيضًا؟”
- سمِّ كل حلٍّ ممكن دون نقده.
- قرِّر الخيار الأمثل لحل المشكلة وطبِّقه.
٤. شاركهم الأخبار السارَّة.
الطفل المتفائل يحتاج قصصًا متفائلة. يمكن للوسائل الإعلامية العنيفة خلق صورة خطيرة ومخيفة عن العالم، أما الأخبار السارَّة تحافظ على بقاء الأمل حيًا لدى الأطفال. ابحث عن القصص الملهمة وشاركها أطفالك من وقت لآخر، وعند النوم ابدأ باستعراض الفقرات الجيدة في يوم كل واحد منهم؛ ستساعد أطفالك في معرفة الجانب المشرق للحياة، وذكِّرهم بمقدرتهم على تجاوز المصاعب بقولك: “أتذْكُر عندما واجهت صعوبة في بداية تكوين صداقات؟ الآن لديك رفاق رائعون!”
٥. اسألهم “ماذا لو؟“
الأطفال المتشائمون يفكرون عادة بـ”احتمالات سيئة” تُبهِت الأمل، بينما الأطفال المتفائلون يتعلَّمون كيف يُقيِّمونها بدقة دون أن تثبطهم. عندما يشاركك طفلك قلقهُ من أمرٍ ما، واجهه بسؤال “ماذا لو؟” واتركه يفكر في مآلات محتملة وأكثر واقعية. قد تسأله أيضًا: “ماذا سيحدث لو حاولت أو لم تحاول بشأن ذلك؟” “ما أسوأ ما قد يحدث؟” “ما مدى احتمالية حدوث ذلك؟” “ما النتيجة الأكثر ترجيحًا؟” تُوضِّح هذه الأسئلة للأطفال أن النتائج ليست بالسُّوء الذي يتصورونه، وهذا كفيل بأن يدفعهم للتقدم.
٦. الاحتفال بالإنجازات الصغيرة.
السقوط المتكرر يزيد اليأس، أما عند تقدير الإنجازات ولو كانت صغيرة فستعزز الأمل. أعِد تعريف “النجاح” على أنه مكسب: مجرد تحسن طفيف عن السابق بفضل الجهد الذي بذلته، ثم ساعد طفلك على معرفة إنجازاته الشخصية. مثال ذلك: “لقد أتقنتَ تسع كلمات في المرة الأخيرة، اليوم أتقنتَ عشر، يا له من إنجاز!” أو “لقد ربحت في جولة واحدة البارحة؛ اليوم ربحت اثنتين، هذا عظيم!”
٧. زيادة الحزم.
يجد الأطفال الذين يشعرون باليأس صعوبة في الدفاع عن أنفسهم. تعلم الحزم، وهو نقطة الوسط ما بين الاستسلام والعدوانية، يساهم في زيادة الأمل والفاعلية. لغة الجسد مهمة كذلك. علِّمهم أساسيات الثقة بالنفس عن طريق لغة الجسد، “ارفع رأسك عاليًا، وانظر لعيني الشخص الآخر دائمًا فذلك يظهر ثقتك بنفسك.” قم بعصف ذهني مع طفلك حول أفكار للدفاع عن نفسه مثل: “ليس لطيفًا” “هذا غير صائب” “لا أريد أن أفعل ذلك” ومارس هذه المهارات حتى يمكن لطفلك اكتسابها للدفاع عن نفسه.
٨. تعزيز الامتنان.
الأطفال المتفائلون يُقرُّون العرفان بالجميل. أظهرت دراسة أن الأشخاص المحافظين على كتابة ما يشعرهم بالامتنان يكونون أكثر تفاؤلًا في غضون عشرة أسابيع فقط. خصِّص عادة في وقت الطعام يتكلم فيها أفراد الأسرة عن شيء يمتنون تجاهه اليوم، وخصِّص وقتًا قبل النوم يُسمِّي الجميع فيه شخصًا يشعرون بالامتنان له ولماذا، أو سجِّل لحظات الامتنان لأطفالك في سجل مذكرات للأسرة لتذكر الجوانب الجيدة من حياتهم.
٩. قبول المساعدة.
مع زيادة المصائب، يمكن أن يظهر اليأس. توعية الأطفال بقدرتهم على إحداث اختلافات في حياة الآخرين يلهم الأمل ويبني الكفاءة الذاتية. الأطفال المتفائلون يقابلون في محيطهم بالغين مفعمين بالأمل. اصنع صندوقًا خيريًا عائليًا يضيف الأطفال فيه الألعاب والملابس المستخدمة، وأعطها لأسرة محتاجة حتى يروا أثر اللطف والمساعدة. ابحث عن وسائل مصممة خصيصًا لتناسب شغف أطفالك وادعم جهودهم. يجب أن تكون المشاريع مدفوعة بمخاوفهم الخاصة، وليس مصممة لتبدو جيدة في السير الذاتية. اتبع اهتمامهم!
* د. ميشيل بوربا: أخصائية في علم النفس التربوي، خبيرة بشؤون تربية الأبناء، ومؤلفة لعدة كتب: “Thrivers: The Surprising Reasons Why Some Kids Struggle and Others Shine” وكتاب: “UnSelfie: Why Empathic Kids Succeed in Our All-About Me World”.