- تأليف : دان جونز
- ترجمة : م. الزهراني
- مراجعة : مصطفى هندي
- تحرير : عزة المصمودي
في مدونته الشعبية “لماذا التطور حقيقة؟”، وجد جيري كوين-عالم الأحياء التطوري البارز والملحد الصريح، والناقد الشديد للإسلام-وقتًا بين نشر صور لأحذيته الجديدة والطعام الفاخر الذي يتناوله للخوض مرة أخرى في غابة الإرهاب الإسلامي الموحلة. اضطر للدخول مرة أخرى في هذا الموضوع بسبب تعليق القارئ نيل جودفري، الذي يكتب على مدونة Vridar، ردًا على منشور سابق:
جيري، ما يقلقني بشأن مختلف التصريحات التي أدليت بها بنفسك مع دوكينز وهاريس هو أنها لا علاقة لها بكلام العلماء المتخصصين-علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلماء السياسة وغيرهم-في الدراسات الإسلامية ودراسات الإرهاب. بدلاً من ذلك، يبدو أنها تعتمد على ردود الفعل العاطفية/الخطابية دون استعمال الفهم والمعرفة الأوسع التي تأتي من التحقيقات العلمية في هذه الظواهر. يبدو للبعض منا أن انتقاداتك تتجاهل العلم عن قصد. عندما تخرج هذه الردود العاطفية من علماء مدربين فإنه من الصعب فهمها.
كتب كوين في الرد:
“العلم” الذي ينتجه أو يشير إليه أشخاص مثل غودفري وروبرت بابي قد تجاهل تمامًا ما يقوله الإرهابيون حول دوافعهم الخاصة لأجل إلقاء اللوم على الاستعمار. وهو أمر يحب الليبراليون في الغرب فعله. (بالطبع هذا لا يعني أن الولايات المتحدة ليست متورطة في قمع الشرق الأوسط ومهاجمته، لكننا لسنا السبب الوحيد للإرهاب الإسلامي المتطرف) كما طلبت ذات مرة من أحد هؤلاء المدافعين عن لوم الغرب: ما الذي يكفي لإقناعك بأن بعض الإرهابيين المسلمين يدفعهم الدين فعلاً لارتكاب جرائمهم؟ من الواضح أن كلمات الإرهابيين أنفسهم لا يؤخذ بها: فالعلماء يدعون أنهم يعرفون أفضل. هذا التحليل النفسي لا أساس له من الصحة لأن دوافعهم تظهر بوضوح.
والآن حان الوقت لدخول هذا الوحل، أملا في تطهيره قليلاً.
بداية، هل يمكن لكوين أن يطلعنا على بعض الأمثلة من العلم الذي قدمه باحثو التطرف، والتي يلقي المؤلف اللوم فيها ببساطة على الاستعمار (أيا كان ما يعنيه هذا)، ويتجاهل دور الأيديولوجية الدينية في تحفيز الإرهابيين المسلمين؟ لكي أكون صريحًا، أنا لا أتحدث عن مقالات افتتاحية من كتّاب الأعمدة الصفحية أو مقالات كتبها غير متخصصين، أنا أتحدث عن أمثلة من المشاركات العلمية الرصينة. (إذا كنت لا تعرف هذا النوع من الكتابة، أو الباحثين المعنيين، فقط اسأل وسأرشدك إلى الطريق) كما أنني لا أريد أمثلة من جودفري-الذي ليس متخصصًا-أو من بابي الذي لا يمثل سوى اتجاهًا واحدًا.
في الحقيقة، من السهل أن نظهر أن كوين يرتكب مغالطة رجل القش. يجعلك تعتقد أن باحثي التطرف هم مجموعة من “الليبراليين الذين يجلدون الذات”[أي يلقون باللوم على الغرب فقط] والذين يتجاهلون دور الدين والأيديولوجيات التي يتعاملون معها، ويريدون بدلاً من ذلك إلقاء اللوم على الاستعمار أو السياسة الخارجية المعاصرة بشكل أعم.
ما يتحدث عنه كوين محض هراء، هراء لفَّقه ببساطة. الأمر لا يستحق الرد، إلا أنه يمكن أن يعلمنا الكثير.
ما يعتقده الباحثون الراديكاليون في الواقع
إليكم هذه المقتطفات من مقال “نحن نحب الموت وأنت تحب الحياة: إرهابيو الضواحي في بريطانيا “، بقلم رافايلو بانتوتشي، مدير دراسات الأمن الدولي بمعهد الخدمات المتحدة الملكي للدراسات الأمنية والدفاعية. في كتابه عن الخلية الإرهابية التي نفذت تفجيرات لندن عام 2005 ، يقول بانتوتشي:
والسؤال الذي ابتليت به بريطانيا منذ ذلك الحين هو ما الذي دفع هذه المجموعة من الشباب إلى هذا العمل المتطرف. بالنظر إلى حجم الأشخاص الغاضبين في البلاد من السياسة الخارجية للحكومة الذين اختاروا أشكالًا أخرى من الاحتجاج للتعبير عن أنفسهم، فمن الواضح أن الغضب من السياسة الخارجية وحدها ليس تفسيرًا كافيًا.
من الواضح أن بانتوتشي ليس ليبرالياً من جالدي الذات. لننتقل إلى القضية العامة للتطرف والإرهاب الإسلامي، وبمساعدة أعمال بيتر نيومان، مدير المركز الدولي لدراسة التطرف في King’s College في لندن، كتب بانتوتشي:
يجب أن تكون هناك ثلاثة دوافع رئيسية قبل أن يتورط الأفراد في الأعمال الإرهابية: الأيديولوجية والتظلم والتجنيد السري… الأيديولوجيا هي من نواح كثيرة أهم العوامل الثلاثة، وفي أفضل الأحوال يمكن وصفها في سياق الأزمة البريطانية بأنها العامل الخارجي الذي جلب إرهاب القاعدة إلى شواطئ بريطانيا. يمكن أن تُفهم على أنها الفلسفة التي تمكن الأفراد من الانخراط في أعمال الإرهاب الإسلامي المتطرف، وهي أيديولوجية سيادية تكفيرية تسعى إلى فرض خلافة عالمية، وتؤكد أن أهدافها يمكن تحقيقها عن طريق الإرهاب.
أو يمكنك أن تستنتج هذا من مراجعة نيومات حول التطرف في 2013:
إن دور المعتقدات والأيديولوجية في التطرف السلوكي واضح وموثق جيدًا. إن ما جعل المجندين من الجيش الجمهوري الأيرلندي يفجرون مراكز الشرطة في أيرلندا الشمالية، بينما قاوم التبتيون [نسبة إلى هضبة التبت] “احتلال” وطنهم بسلام يمكن أن يُفسر-جزئياً على الأقل-بالرجوع إلى الإيديولوجيات المختلفة التي اتبعها أعضاء الحركتين القوميتين ويرون أنها صحيحة. وبالمثل، فإن ما يدفع السياسيين من السلفيين “المعتدلين” أن يواصلوا نشر إيمانهم بالنشاط السلمي (أو بغير نشاط على الإطلاق) بينما انضم السلفيون “الجهاديون” إلى منظمات إرهابية مثل تنظيم القاعدة تبعًا لعوامل مختلفة، من بينها نظام المعتقدات وما يقولونه عن الظروف التي يُسمح أو يجب فيها استخدام العنف. في الواقع، دون الرجوع إلى المعتقدات، فإن أياً من هذه السلوكيات ليس له أي معنى.
مرة أخرى، هذه ليست كلمات شخص يريد تبرئة المعتقدات الدينية والأيديولوجية من تهمة التطرف، ويلقي باللوم فيها على الاستعمار/السياسة الخارجية. هذا أمر لا نقاش فيه على الإطلاق في مجال أبحاث التطرف. إذا كانت هذه مفاجأة لكوين، فذلك لأنه لا يعرف ما الذي يتحدث عنه عندما يتعلق الأمر بكتابات التطرف.
بانتوتشي ونيومان لم يأتيا ببدعة في اعتبار الدين والأيديولوجية الدينية أحد دوافع التطرف. لنأخذ كتابات سكوت أتران الذي يعتمد عليه كوين في دحض ادعاءات روبرت بابي.
قبل البدء، تجدر الإشارة إلى أن أتران يتعرض لهجوم منتظم من قبل كُتَّاب مثل سام هاريس، الذين يتفق معهم كوين عمومًا في كل شئ، بما في ذلك جذور الإرهاب الإسلامي. يبدو أن أتران متهم بتبرئة الدين من أعمال التطرف والإرهاب (وأفترض أنه يُعوّل على الاستعمار أو السياسة الخارجية)، هذا الرأي لا يقوله إلا من لم يقرأ لأتران، أو قرأ ولكنه يتجاهل ما يقوله في الحقيقة : “ليست الأيديولوجيا هي السبب الوحيد للاستعداد للموت في عمل إرهابي، ولكنها قد تكون عنصرًا مؤثرًا” (كتب هذا في سياق بحث يظهر أنه في حين أن بعض الجماعات، مثل معظم الجنود الأمريكيين، يتجاوزون بدون “سبب” حدود الدفاع عن إخوانهم، فإن العديد من هؤلاء أيضًا يقتلون ويموتون من أجل قضية، لاسيما إذا كانت مصبوغة ب”القيم المقدسة”، وغالبًا ما تأخذ إطاراً دينيًا). اقرأ كتب ومقالات أتران، وشاهد محادثاته على الإنترنت، وسترى أنه يدرك أهمية الأيديولوجية دائمًا، إنه يريد فقط معرفة ما يترجم الأيديولوجية إلى أفعال.
ما يعتقده كوين ورفاقه
بالطبع، مشكلة كوين مع هذا النمط من التفكير هي أنه لا يلقي كل اللوم على المعتقدات الدينية أو الأيديولوجيات المستمدة من الدين، في حين أن هذا هو ما يفضله. فيما يلي بعض الأمثلة حول كيف يتعامل كوين بجمود مع العقيدة الدينية والإسلام والإرهاب، نبدأ بتعليق أدلى به بعد حادثة تشارلي إبدو:”من المستحيل أن نعلق جرائم القتل على أي شيء سوى الاتباع الأعمى للإيمان الديني”. (نعم، يكون هذا مستحيلًا إذا لم تتفكر في الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى مثل هذه الأعمال).
يكرر كوين آراء مماثلة في كتابات أخرى:
“إذا لم تكن أعمى عما تعلنه داعش كدوافع لهم، ولم تكن تزدري الغرب غاية الازدراء، لدرجة إلقاء تبعة أي رد فعل من المسلمين على الاستعمار، ولست يساريًا متعصبًا لدرجة أنك تعتقد أنه يجب مسامحة الجهاديين على أفعالهم العنيفة، فيجب عليك أن تستنتج أن تنظيم الدولة الإسلامية يحفزه شيء واحد: الدين والرغبة في إقامة الخلافة الإسلامية والقضاء على الكفار”
و هنا:
“إن داعش والقتلة في الدنمارك وباريس يدفعهم إلى حد كبير-إن لم يكن فقط-معتقداتهم الدينية”
الرسالة واضحة: إذا كنت تريد فهم داعش والإرهابيين الإسلاميين الآخرين، فأنت بحاجة فقط إلى النظر إلى معتقداتهم الدينية. سيوضح ذلك كل شيء عن سبب تطرفهم، ولماذا يفعلون الأشياء الفظيعة التي يقومون بها.
كوين بعيد كل البعد عن أن ينفرد بهذا الرأي. كتب دوغلاس موراي في مقال نُشر في مجلة Spectator بعد حادثة تشارلي إبدو وحظي بتأييد شديد من سام هاريس: “إن عنف الإسلاميين في الحقيقة مستمد من الإسلام: أسوأ نسخة من الإسلام، بالتأكيد، لكنه إسلام في النهاية”.
وكما كتب سام هاريس في “نهاية الإيمان” :
“سيتصرف الإنسان تبعًا لاعتقاده. إذا كنت تعتقد أنك أحد أفراد شعب الله المختار، و مصبوغ بقوالب ثقافة الشر والتي تحول أطفالك بعيدا عن الإله، وتعتقد أنك سوف تكافأ بالنعيم الأبدي الذي لا يمكن تصوره من خلال قتل هؤلاء الكفار، فتقوم بالاصطدام بالطائرة في مبنى = فإن من يقوم بذلك نادرًا ما يكون مجرد تابع يُنفذ ما يقال له”
كتب هاريس في مكان آخر:
“ما الأظهر والأسهل، نقل السيارات والعطلات إلى المريخ، أم الاعتراف بأن المعتقدات توجه السلوك وأن بعض الأفكار الدينية-الجهاد والشهادة وحكم الإساءة إلى الذات الإلهية والردة-تؤدي بشكل موثوق إلى القمع والقتل؟… عندما أربط بين عقيدة الإسلام والعنف الجهادي، فإنني أتحدث عن الأفكار وعواقبها… الآن هل يمكننا إجراء حوار صادق عن العلاقة بين الاعتقاد والسلوك؟”
(تجدر الإشارة إلى أن تأكيد هاريس أن “الإنسان يتصرف تبعًا لاعتقاده” ليس فقط غير مدعم بدليل تجريبي، بل في الواقع يخالف أبحاث نصف قرن… ثم يتحدث عن إجراء محادثة صادقة!) يجب التأكيد على أن طبيعة العلاقة بين المعتقد والسلوك لم تكن مجهولة بالنسبة لباحثي التطرف؛ في الواقع، إنه مبحث أساسي في هذا المجال.
الكلمات والأفعال، الأفكار والتصرفات
عمومًا، يميز باحثو التطرف بين “التطرف الفكري”، أو عملية تبني أفكار متطرفة وربما تدعو إلى العنف، وبين “التطرف السلوكي” وهو أن تتحول إلى شخص يقوم فعلًا بأعمال عنف أو هجمات إرهابية. (يطلق البعض عليهما “تطرف الرأي” و”تطرف الفعل”)
من الواضح أن الأفراد أو الجماعات المتطرفة سلوكياً يشكلون خطراً واضحاً وحاضراً. ماذا عن المتطرفين “فكريًا”؟ كيف يرتبط هذان الجانبان ببعضهما البعض؟ هل التطرف الفكري ضروري دائمًا كخطوة أولى نحو التطرف السلوكي، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فما هي المسارات الأخرى للتطرف السلوكي؟ هل التطرف الفكري كافي للتحول إلى التطرف السلوكي؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فما الأسباب التي لا تتعلق بالمعتقدات والتي تدفع الناس إلى التطرف السلوكي؟
هذه هي أنواع الأسئلة التي تناولها الباحثون في التطرف. في مراجعة عام 2013 المذكورة سابقًا، كتب نيومان:
“لا يجادل أكاديمي جاد بأن جميع متطرفي “الفكر” أو حتى معظمهم سيتحولون إلى ارتكاب العنف. قد تكون فكرة “العلاقة أحادية الاتجاه” بين المعتقدات والإرهاب موجودة في أذهان بعض المدونين اليمينيين، لكنها لا تحظى بأي اهتمام بين أفراد المجتمع الأكاديمي. لا تشير أي من النماذج والنظريات المستخدمة على نطاق واسع بخصوص التطرف إلى أن المعتقدات أو الأيديولوجيات هي المؤثر أو التفسير الوحيد لسبب تحول الناس إلى الإرهاب السلوكي”
على الرغم من آرائه القوية حول الإرهاب الإسلامي وأسبابه، لم يكن يقضِ كوين سوى القليل من الوقت للاطلاع على آراء الأشخاص الذين يقضون حياتهم المهنية في دراسة التطرف والعنف الأيديولوجي، كما يوضح الاقتباس في بداية هذا المنشور.
بدلاً من ذلك، يفضل أن يجور في دائرة مفرغة. من هم بالضبط باحثو التطرف “جلادي الغرب” الذين تحداهم كوين بذكاء مع سؤاله الصعب عن الدوافع الدينية؟
أكرر مرة أخرى لأولئك الذين يجدون صعوبة في القراءة والفهم، فإن العلماء الذين يكتب عنهم “كوين” لا يرفضون أن بعض الإرهابيين المسلمين-وربما معظمهم-يحفزهم الدين.
يتمسك كوين أيضًا بالخيال المضحك بأن هؤلاء الباحثين لا يستمعون إلى كلمات الإرهابيين عن أنفسهم. إنه ادعاء غريب لأن العديد منهم، مثل سكوت أتران ومارك ساجيمان وآن شبيخارد، سافروا حول العالم للقاء الإرهابيين وأصدقائهم وعائلاتهم، على عكس كوين الذي يُجري جدالاته من وراء الشاشة في شيكاغو. (أي إرهابيين استمع إليهم كوين بالضبط؟ أهؤلاء الذين ظهرت مقولاتهم على موقع فوكس الإخباري؟)
نعم، كثيراً ما يصوغ الإرهابيون دوافعهم بعبارات دينية، مرة أخرى هي نقطة لا ينكرها أحد، لكنهم يستشهدون أيضًا بعوامل أخرى، وأحيانًا يستبعدون الجانب الديني تمامًا. لذلك دعونا نسمع من بعض الإرهابيين.
“الدين ليس له علاقة بهذا. شاهدنا الأفلام. لقد رأينا مقاطع فيديو بها صور للحرب في العراق. قيل لنا أننا يجب أن نفعل شيئا كبيرًا حيال ذلك، لهذا السبب التقينا” حسين عثمان، الذي قُبض عليه لاتهامه بتخطيط تفجير في لندن.
“إن حكوماتكم المنتخبة ديمقراطيًا تقوم بالفظائع والأعمال الوحشية باستمرار ضد شعبي (أمتي) في جميع أنحاء العالم. تماماً كما أن دعمك لهم يجعلك مسؤولاً بشكل مباشر، أنا مسؤول مباشرةً عن حماية إخواني وأخواتي المسلمين. وإلى أن نشعر بالأمان، ستكونون أهدافنا. وإلى أن تكفوا عن قصف شعبي بالغاز والسجن والتعذيب، فلن نوقف هذه المعركة”. صديق خان، المسؤول عن تفجيرات لندن في السابع من حزيران 2015.
“السبب الوحيد الذي جعلنا نقتل هذا الرجل اليوم هو أن المسلمين يموتون يوميًا على أيدي الجنود البريطانيين” مايكل أديبولاجو، الذي قام بجانب مايكل أديبولا، بقتل الجندي البريطاني لي ريجبي في شوارع لندن.
في هذا السياق، من المهم أن نتذكر بعض التعليقات التي أدلى بها دوغلاس موراي على برنامج BBC السياسي في اليوم التالي لحادثة شارلي إيبدو:
“هناك قائمة كاملة من الأعذار التي يقولها مثل هؤلاء الأشخاص في بعض الأحيان على ألسنة الإرهابيين… قائلين إن الأمر يتعلق بالتفريق العنصري أو عدم الاندماج في المجتمع الفرنسي، الأمر يتعلق بالأحياء السكنية، وأنهم لا يحبون الضاحية التي يعيشون فيها لذلك يذهبون إلى مكتب الصحيفة ويطلقون النار على الصحفيين! والذين يقولون إن الأمر يتعلق بالسياسة الخارجية. إنهم يعطون هؤلاء الأشخاص الأعذار التي لم يطلبوها. لا يمكن التأكيد بما فيه الكفاية: الأشخاص الذين يفعلون ذلك لا يفعلونه فقط بسبب الأشياء التي نود منهم أو نفترض أنهم فعلوه من أجلها… لقد فعلوا ذلك لأنهم يريدون فرض القوانين الإسلامية على الغرب الحر”.
لا يهم أن الإرهابيين المعنيين قد ذكروا في الواقع بعض هذه العوامل غير الدينية. يمكننا تجاهل هذه، والتركيز على العنصر الديني! هذا جيد، لأن هذا السبب الواضح لعمليات القتل، أليس كذلك؟
دعونا نسلم لكوين إصراره على الاستماع إلى ما يقوله الإرهابيون بالفعل، وعلى أي حال، فإن الباحثين يقومون بهذا باهتمام أكبر بكثير. إذا فعلنا ذلك، علينا أن نستنتج أنهم، في الواقع، مدفوعون بقرارات السياسة الخارجية، وهي نقطة واضحة إذا كنت قد استمعت إلى أي من خطب أسامة بن لادن من قبل (كمثال عشوائي، في شرح لماذا كانت بريطانيا هدفًا للإرهاب: “البريطانيون مسؤولون عن تدمير نظام الخلافة. إنهم هم الذين أوجدوا المشكلة الفلسطينية. إنهم هم من افتعلوا مشكلة كشمير. إنهم هم من فرضوا حظر الأسلحة على مسلمي البوسنة ليُقتل مليوني مسلم، وهم الذين يجوعون الأطفال العراقيين، وهم الذين يلقون باستمرار قنابل على هؤلاء الأطفال الأبرياء”). [انظر الملاحظة في النهاية للحصول على اعتراض محتمل على هذا الإطار، ورد عليه] كما هو الحال دائمًا، هذا لا يعني أنهم مدفوعون فقط بالسياسة الخارجية، أو أن المعتقدات والمواقف والقيم الدينية ليست جزءًا من المعادلة التحفيزية (العقل المتحيز فقط سوف يرى ذلك)؛ إنه ببساطة يعني القول أن بعض الإرهابيين المسلمين تدفعهم فعلاً مظالم السياسة الخارجية.
ماذا عن الاستعمار وإرثه؟ في يونيو-تموز 2014، عندما أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) قيام خلافة جديدة، أصدر شريط فيديو احتفالي. لم يكن عنوانه “انتصار الإسلام” أو “كيف استعدنا الخلافة”، بل كان “نهاية سايكس بيكو”، في إشارة إلى الحدود بين سوريا والعراق التي أنشأها البريطانيون والفرنسيون في عام 1916. وفي فيديو آخر من جمع قناة فايس يظهر أعضاء داعش وهم يأخذون الجرافات إلى هذا الخط الظالم لهدمه في الصحراء.
لست خبيراً في القرآن، لكنني لا أعتقد أن سايكس بيكو مذكور في هذا النص المقدس. يبدو أن تاريخ الاستعمار في القرن العشرين، والطريقة التي نحتت بها القوى الأوروبية الشرق الأوسط، لا زال صداها يتردد مع الجهاديين المعاصرين. (إذا كنت تعتقد أن وجهة نظري هذه النقطة البسيطة هي بأي حال من الأحوال محاولة للادعاء بأن داعش ليس لهم أي علاقة بالدين، ولكنهم مدفوعون فقط بالاستعمار / السياسة الخارجية، فلن تنفعك مساعدتي، وقد تجاوزت مرحلة الحوار. ومع ذلك ينبغي معرفة أنه غني عن القول أن الإشارة إلى أنه يمكن للمظالم التاريخية أن تدفع الأشخاص جزئيًا إلى الإرهاب لا يعني بأي حال من الأحوال أن روايتهم التاريخية دقيقة، أو أن التظلم مبرر بالضرورة، ولا يشير بالتأكيد إلى أن الانتقام العنيف لهذا التظلم له ما يبرره).
إن المخاوف المتعلقة بالسياسة الخارجية والاستعمار من جهة، والإيديولوجية الدينية من ناحية أخرى، ليست هي دوافع الجهاديين الوحيدة. أجرى المحللان مايكل فايس وحسن حسن-على عكس كوين-مقابلات مع العشرات من المقربين من داعش في سوريا والعراق. وكتبا في (داعش: نظرة داخل جيش الإرهاب): “ما يجذب الناس إلى داعش يمكن أن يجذبهم بسهولة إلى أي عدد من الطوائف أو الحركات الشمولية، حتى تلك المتناقضة عقائديًا مع الجهادية السلفية”. “إنها حركة أبعد ما تكون عن التجانس، حيث تضم مجموعة من الخلفيات والمعتقدات لدى كل من الانتهازيين الملحدين والمتربحين من الحرب ورجال القبائل البراجماتيين وأخيرًا التكفيريين المتشددين [المسلمين الذين يعتقدون أنهم يستطيعون تعيين وقتل المرتدين]”.
حقيقة أن كوين جاهل تمامًا بكل هذا لا تفيدك شيئًا عن دوافع الباحثين الذين سلطوا الضوء على هذه المسائل، كما يشير الاقتباس في الأعلى. لكنها تخبرك بكل شيء عن كوين. إن القول بأن الأيديولوجية الدينية ليست هي الدافع الوحيد للإرهاب الجهادي = ليس مثالاً على “التحليل النفسي المبني على الجهل”، كما يقول كوين. إنما كوين هو الجاهل، وهو الذي أقحم نفسه في تحليل لا أساس له. مستوى الجهل محرج، وخاصة من أستاذ جامعي.
الصورة الكبيرة
دعنا نعود إلى الوراء قليلا. ليست المشكلة فقط أن كوين مخطئ بشأن ما يقوله باحثو التطرف حول الأسباب المتعددة للإرهاب (إسلامية أو غيره)، بل إنه-مثل هاريس-يتحدث فقط عن مذاهب الإسلام/الإسلاموية، والمعتقدات الدينية التي يعتنقها الإرهابيون، عندما يتحدث عن التطرف والعنف والإرهاب. إذا كان في كل مرة يجئ ذكر امرأة لا يتحدث صديقنا إلا عن ثدييها، فسيكون من حقنا الاعتقاد بأن هذا هو كل ما يهمه عندما يتعلق الأمر بالنساء. الشيء نفسه ينطبق على تركيز كوين (وهاريس) شبه الكامل على المعتقدات الدينية [ كمبررات وحيدة ]في سياق الإرهاب الإسلامي.
ربما سيرد كوين على هذا النحو: “أنا لا أقول أن المعتقدات الدينية الإسلامية هي السبب الوحيد للإرهاب الإسلامي؛ أنا فقط أقول أن المعتقدات الدينية والالتزامات الأيديولوجية للإرهابيين تلعب دوراً أساسيًا في سلوكهم، وأن هذه المعتقدات خرجت من رحم الإسلام”
حسنًا، تهانينا على المساهمة العادية جدًا وغير المفيدة في كتابات التطرف، وهي بالفعل افتراض يقود معظم أبحاث التطرف.
لنرى مدى قوة هذه البصيرة المفترضة العميقة والمثيرة للجدل، دعونا ننظر إلى بعض الأسئلة الرئيسية التي تشغل الباحثين. يمكننا أن نبدأ بمسألة التطرف الفكري. تشير استطلاعات الرأي المختلفة، التي كثيراً ما يستشهد بها كتاب مثل هاريس وباحثو التطرف، إلى أن ما لا يقل عن 15-20% من المسلمين على مستوى العالم يقبلون الأيديولوجية الإسلامية أو الجهادية، يترواح عددهم بين 240 و320 مليون متطرف “فكري”. أحد الأسئلة الواضحة هو لماذا يقبل من 15-20% فقط هذه الأيديولوجية، بينما ترفضها الغالبية العظمى. إن القول “الجهاد هو نتاج المعتقدات المستمدة من الإسلام” لا يتفق حتى مع السؤال، ناهيك عن تقديم إجابة له.
على نطاق أوسع، لماذا الأيديولوجيات الدينية التي تبشر بالعنف باسم التغيير الاجتماعي تجذب بعض المتدينين دون بعض؟ هل يتعلق الأمر بشخصيات الأشخاص المتورطين، أم أنه يؤدي إلى المزيد من العوامل الظرفية المتعلقة بالهوية أثناء فترات التحول في حياة الأشخاص؟ ما هو الدور الذي تلعبه الشبكات الاجتماعية، بما في ذلك العائلة والأصدقاء، في جاذبية الأيديولوجية الجهادية، علاوة على محتوى الفكر نفسه؟ لماذا تختلف جاذبية هذه الأيديولوجيات بمرور الوقت، ومن مكان إلى آخر، وكيف ترتبط بالتغيرات الاجتماعية والثقافية والتاريخية؟ مرة أخرى، لا يمكنك حتى البدء في التفكير في هذه الأسئلة إذا كان كل ما تقوله هو أن العنف الإسلامي يرتبط فقط بالإسلام.
إن مشكلة استعصاء الإجابة البسيطة تبدو أكثر وضوحا عندما يتعلق الأمر بالتطرف السلوكي. قدّر تقرير نشرته مؤسسة راند RAND Corporation في يوليو 2014 أن هناك 100 ألف جهادي نشط في ذلك الوقت، وهو عدد مروع، لكن حتى لو افترضنا أن عددهم ضعف هذا، فإن ذلك يترجم إلى أن من 0.06 -0.08٪ فقط من متطرفي الفكر (240-320 مليون) أصبحوا متطرفين سلوكيين.
إذا كان هاريس على حق في “يتصرف الإنسان تبعًا لاعتقاده”، وأن “بعض الأفكار الدينية مثل الجهاد والاستشهاد والردة تؤدي بشكل موثوق إلى القمع والقتل “لماذا لا يتصرف ملايين الناس الذين يملكون هذه المعتقدات المتطرفة تبعًا لها؟ كما قال تشارلز كورزمان، أين “الشهداء المفقودون”؟ هل حقا لأنه ببساطة لم يُطلب منهم القيام بعمل إرهابي، أو مجرد افتقارهم إلى الوسائل اللازمة للقيام بذلك بأنفسهم؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فما الذي يمكن أن يميز بين أولئك الذين يحملون معتقدات متطرفة ممن يمتنعون عن العنف، وبين أولئك الذين يرتكبونه؟ الإشارة إلى أن “بعض الإرهابيين المسلمين لديهم دوافع فعلية [جزئيًا؟ فقط؟ لنترك له الأمل مؤقتًا!] بالدين” لا فائدة منه.
إن التركيز على المعتقدات والافتراض الذي لا مبرر له على الإطلاق بأن المعتقدات تتسبب في سلوك كما لو أن هناك قانون لذلك (أو على الأقل يمكن الاعتماد عليها، مهما كان ذلك يعني)، لا يساعدك على تفسير انفصال المعتقد عن السلوك. في الواقع، لا يمكن ذلك، لأنه يحاول إخفاء هذا الانفصال، أو التظاهر بأنه غير موجود. ولكنه موجود.
يهتم باحثو التطرف بشدة بتفسير التطرف السلوكي (أو تطرف الأفعال)، والذي يمثل في نهاية المطاف التهديد الحقيقي للسلامة والأمن. إن هذا النوع من الباحثين الذين لا يلجأ إليهم كوين لحسن الحظ يقضون وقتهم في الذهاب إلى أماكن مثل العراق وليبيا لاكتشاف ما الذي يدفعهم إلى التزامهم الشديد بالأسباب والمجموعات على السواء، وقد كشفوا كيف يمكن للعمليات الاجتماعية القائمة على المجموعات دمج الجماعات في مجموعات ضيقة من “الإخوة” الذين سيقتلون ويموتون من أجل بعضهم البعض، تمامًا مثلما تفعل من أجل أسرتك (نوع آخر من التطرف، ولكنه نوع أكثر قبولًا). إذا أحدثت ضجة كبيرة حول المعتقدات، فلن تسمع أبدًا ما يقوله هؤلاء الباحثون الذين وضعوا رقابهم على المحك بطريقة لا يجرؤ عليها كوين.
أود أن أختتم ببعض المقتطفات من ورقة مراجعة أعدها راندي بوروم، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والاستخبارات في جامعة جنوب فلوريدا، والتي تربط الكثير مما قيل أعلاه.
“[تحول الراديكالية إلى تطرف عنيف] يشير إلى العمليات التي يتوصل بها الناس إلى تبني معتقدات لا تبرر العنف فحسب، بل تلزم به، وكيف يتقدمون من الفكر إلى الفعل. يتطلب القيام بذلك بنجاح بعض الفهم لمنفذي هذه الأعمال وأهداف التطرف العنيف. يجب أن يسعى هذا الجهد إلى فهم ليس فقط ما يفكر به الناس، ولكن كيف يصلون إلى التفكير فيما يفكرون فيه، وفي نهاية المطاف، كيف يتقدمون أو لا من الفكر إلى الفعل. إنها ليست مهمة لنظرية واحدة أو تخصص واحد. يجب أن يكون أي إطار مفيد قادراً على دمج الآليات على المستويين الجزئي (الفردي) والكلي (الاجتماعي/الثقافي). يجب أن يأخذ بالإعتبار أن “مقياس واحد لا يناسب الجميع” عندما يتعلق الأمر بخلق متطرف عنيف.
في بعض الأحيان تصبح مفاهيم التطرف والإرهاب مختلطة. في هذا البحث، يستخدم مصطلح التطرف للإشارة إلى عملية تطوير الأيديولوجيات والمعتقدات المتطرفة [التطرف الفكري]. يشير مصطلح مسارات العمل إلى عملية الانخراط في الإرهاب أو الأعمال المتطرفة العنيفة [ما أسميه التطرف السلوكي]. بعض الأشخاص الذين لديهم أفكار متطرفة ومبررات عنيفة-وربما معظمهم-لا يشاركون في الإرهاب. تشير أفضل استطلاعات الرأي العالمية المتاحة من منظمات مثل Pew و Gallup إلى أن هناك عشرات الملايين من المسلمين في جميع أنحاء العالم يتعاطفون مع “التطلعات الجهادية”، على الرغم من أن معظمهم لا يشاركون في أعمال العنف. وعلى العكس، فإن بعض الإرهابيين، وربما حتى الكثير منهم، ليسوا أيديولوجيين أو لديهم إيمان عميق بعقيدة متطرفة دقيقة. لا يمتلك البعض سوى معرفة سريعة بالأيديولوجية الراديكالية أو الالتزامات التي تفرضها. يُجتذب هؤلاء إلى الجماعة وإلى النشاط لأسباب أخرى. ترتبط الأيديولوجيا بالفعل أحيانًا، ولكن ليس دائمًا. نحن بحاجة إلى فهم الفروق بينهما.
ومع ذلك، فإن التركيز على التطرف الفكري، يقود إلى خطر الإيحاء بأن المعتقدات الراديكالية هي عامل-أو على الأقل مقدمة ضرورية-للإرهاب. نحن نعرف أن هذا ليس صحيحا. معظم الأشخاص الذين يحملون أفكارًا راديكالية لا ينخرطون في الأعمال الإرهابية، والكثير من الإرهابيين-حتى أولئك الذين يدعون أن لهم “قضية”-ليسوا أيديولوجيين بعمق وقد لا يكونون “متطرفين” بأي معنى تقليدي. تعمل المسارات والآليات المختلفة بطرق مختلفة لأشخاص مختلفين في نقاط زمنية مختلفة وربما في سياقات مختلفة. يعتبر التطرف من خلال تطوير أو تبني معتقدات متطرفة تبرر العنف أحد السبل الممكنة للتوغل في الإرهاب، لكنه بالتأكيد ليس السبيل الوحيد. تتطلب السياسات والممارسات الواعية لتخفيف ومنع التطرف العنيف فهم هذه الأنواع من الاختلافات، وليس فقط الاتجاهات العامة. والسؤال الأوسع هو كيف يشارك الناس، ويستمروا، وأحياناً ينفصلون عن الإرهاب. دراسة عمليات التورط في عمليات الإرهاب ليست ممارسة “أكاديمية” بحتة؛ إنها توفر الأساس لـ “الموجة التالية” من الجهود العالمية [لمكافحة التطرف العنيف]، تلك التي تركز على الوقاية”.
إذا وجدت أيًا من هذا مرفوض، فيرجى توضيح ما هو ولماذا بالضبط. هذا هو السياق الذي يخوض فيه كوين وجماعته مع رؤيتهم الكبيرة، وهي أن الإرهابيين الإسلاميين لديهم معتقدات مرتبطة بالإسلام، وهذه المعتقدات هي سبب سلوكهم. هذه الصيغة بالنسبة للصورة الكبرى خاطئة تماما: المعتقدات لا تقود ببساطة إلى السلوك، وسلوك الإرهابيين له جذور متعددة الأسباب. إذا تم إعادة صياغتها بطريقة أقل عدوانية بأن “الإرهابيين الإسلاميين لديهم معتقدات مرتبطة بالإسلام، وهذه المعتقدات هي جزء من المزيج التحفيزي الذي يدفع سلوكهم”، فهذا ليس مساهمة أصلية أو خلافية في التفكير في التطرف، وبالتأكيد ليست تصحيحية لتفكير معظم الباحثين.
فلماذا يتصرف كوين هكذا؟ جزئيًا لأن ذلك يمنحه شيئًا ما لتحقيق متعة قرائه، ولكن أيضًا لأنه لا يعرف المجال جيدًا بما فيه الكفاية، وقد أصبح مهووسًا بفكرة أن الناس يحاولون “ترك المسلمين يخطئون” وبدلا من ذلك يريدون قهر الغرب لخلقهم الوحش الذي هو الإرهاب الإسلامي. لا علاقة لصراع كوين بالواقع. كما أن حججه، مثلها مثل هاريس، ليس لديها أي شيء على الإطلاق لتقدمه في مواجهة التطرف العنيف.
مرة أخرى
، قد يرغب كوين وآخرون ممن يحملون وجهة نظر مماثلة في القول، “نحن لا نعترض على ما يقول به الباحثون هنا؛ نحن نرد على أشخاص يقولون إن المعتقدات والأيديولوجية لا علاقة لها بالتطرف العنيف والإرهاب “. إذا كان الأمر كذلك، فهذا ما ينبغي أن يقوله كوين، وعليه أن يلاحظ أن وجهة نظر هؤلاء الباحثين تتناقض تناقضًا مباشرًا مع ما كتبه أشخاص مثل سام هاريس، وكذلك تعليقاته الخاصة (مثل “داعش يحفزها شيء واحد: الدين، والرغبة في إقامة الخلافة الإسلامية والقضاء على الكفار”). قد يكون من المفيد أيضًا التفكير في حقيقة أنه إذا ركزت فقط على المعتقدات الدينية والأيديولوجية، وتجاهلت الباحثين الذين يتحدثون عن عمليات وآليات التطرف الأخرى، فإن قراءك يعتقدون بطبيعة الحال أن هذا هو ما تعتقد أنه القضية الرئيسية. إذا لم تكن بذلك، فقم بتوسيع نطاق محادثتك، وأظهر للأشخاص أنك تأخذ نظرة أوسع. وإذا كنت تأخذ وجهة نظر أضيق، فاجعل ذلك صريحًا.
التفكير المعتدل حول التطرف
من الواضح أن كوين رجل ذكي بعدة طرق. يمكنه أن يفعل كل الحسابات اللازمة لنمذجة الظواهر التطورية المعقدة، ويبدو أنه يمتلك فهمًا جيدًا لمساحات واسعة من العلوم الفيزيائية. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالحديث عما الذي يجعل البشر يقررون، وما الذي يحفز بعض أكثر أشكال السلوك البشري تطرفًا، فهو خارج نطاق معرفته تمامًا.
إذا كنت تريد أن تفهم العقل الراديكالي، والسلوك الذي ينتجه، فإنني أوصي بالبدء بالكتاب الصغير والممتاز: كيف يحدث التطرف لهم ولنا، بقلم كلارك ماكاولي وصوفيا موسكالينكو، الذي يحدد آليات التطرف التي تدفع الناس إلى التطرف (وليس فقط التطرف الديني، فهذه الآليات أكثر عمومية، ويشرح التطرف الديني وغير الديني)، فضلاً عن توفير الكثير من دراسات الحالة. قد ترغب أيضًا في إلقاء نظرة على كتاب سكوت أتران التحدث مع العدو: التطرف العنيف، والقيم المقدسة، وما الذي يعنيه أن تكون إنسانًا، ومحادثة آن سبيكهارد الضخمة مع الإرهابيين: فهم الدوافع النفسية والاجتماعية للإرهابيين الجهاديين، ومحتجزي الرهائن الانتحاريين و”الشهداء”. الفصل الأخير من الطبعة المنقحة من كتاب جيسون بيرك “تنظيم القاعدة: القصة الحقيقية للإسلام الراديكالي” هو أيضا عميق جدا (مرة أخرى ، هو شخص قضى سنوات في مجال التقارير عن الجهاديين). ثم هناك “نحن نحب الموت كما تحب الحياة: إرهابيو الضواحي في بريطانيا”. من الجدير أيضًا قراءة تسجيلات الأحداث المعاصرة عن داعش، مثل داعش: داخل جيش الإرهاب، وكذلك المناقشة التي قام بها باتريك كوكرن صعود الدولة الإسلامية: داعش والثورة السنية الجديدة، وداعش الجوهري: بقلم جيسيكا ستيرن وجيه إم بيرغر، والمجلد النحيف، العنقاء الإسلامية: الدولة الإسلامية وإعادة رسم الشرق الأوسط، بقلم لوريتا نابوليوني.
ملحوظة
في الأمثلة التي ذكرتها حيث أشار الإرهابيون إلى قضايا السياسة الخارجية كسبب لعنفهم، كان الرد السهل هو القول، “نعم، لكنهم كانوا يتحدثون عن حماية “شعبي”، وتُعرَّف هذه المجموعة بأنها من له نفس الدين إذن لا تزال الدوافع دينية بحتة! “. هذا رد سطحي ومضلل للغاية. إذا كان الادعاء ببساطة هو أن الدين الذي يؤخذ في الاعتبار هو هوية الأشخاص الذين يقتلون للانتقام للمسلمين الآخرين، فإن هذا الأمر غير مثير للجدل، فدور الهوية وكيفية جذب الناس إلى التطرف هو قضية مركزية بالنسبة للباحثين بالتطرف. ما نحتاج إلى معرفته هو لماذا، من بين ملايين المسلمين، هناك عدد صغير فقط يدخل الجهاد العنيف في هويتهم، وينتقلون فعليًا إلى العمل. مرة أخرى، لا يمكنك البدء في الإجابة على هذا السؤال بمجرد تكرار أن كل شيء يتلخص في الإسلام.
إذا كنت، من ناحية أخرى، تدعي أن العامل السببي الوحيد الذي يجب أخذه في الاعتبار في شرح سبب تحول الناس إلى الإسلام المتطرف هو أنهم مفتونون بمعتقدات الإسلاميين، فأنت لست جزءًا من المحادثة القائمة على العلم التجريبي في دراسة مسارات التطرف السلوكي.
المصدر: On how to be completely wrong about radicalisation: the curious case of Jerry Coyne