- جلين جيهير (أستاذ علم النفس بجامعة نيويورك في نيو بالز)
- ترجمة: سمية يسري
- تحرير: خلود الحبيب
- مراجعة التحرير: سعيد السوادي
في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، كنت لا أزال طالبا وكانت المحاضرات يلقيها أستاذ يقف متحدثا على المنصة لمدة ثمانين دقيقة، وخلفه بعض المساعدين يدونون أهم ما يقول على السبورة بالطباشير.
عندما تخرجت، كانت تلك الشفافية في التدريس أفضل وأحدث التقنيات في هذا المجال، وبعد مرور عقد من الزمان، ظهر جهاز المسلط الضوئي، وباتت عروض الـ (power point) سيدة المشهد، ثم توالت التقنيات بعد ذلك كيوتيوب وتيد.
وفي هذا السياق، أثارت المحاضرات متعددة الوسائل ضجة كبيرة، وبدأ تشجيع المدرسين الجدد على أن يرصعوا محاضراتهم بمجموعة من الشرائح ومقاطع الفيديو.
ولكني أود أن أقدم نصيحتين في هذا الشأن. أولا، لا تقتل دورك كأستاذ في محاضرتك بالاعتماد بشكل مبالغ فيه على التقنية.
إحدى المحاضرات غير الجيدة التي أتذكرها جيدا ألقاها طبيب نفسي شاب طُلب مني أن أقيمه من موقعي كزميل، بمجرد أن دخل الطلاب القاعة أغلق الأستاذ الأنوار وقام بتشغيل مسلط الضوء، كانت المحاضرة في الصباح الباكر ولم أكن متأكدا من أني جاهز لهذا. ولكن، حتى في أفضل الأوقات إغلاق الأنوار ليست فكرة جيدة. نعم، هذا يجعل الشرائح المعروضة أكثر وضوحا ولكنه يخرجك عن عملية التدريس ويقلل فرصتك في تقريب المعلومات إلى الطلاب بشكل عملي حياتي.
لم يكن لتلك المحاضرة أن تكون جيدة أبدا، كان موضوعها يتألف من مجموعة من المفاهيم التخصصية، التي تتعلق بنظرية الارتباط الشرطي في علم النفس، ولكنّ ثمانين دقيقة من العرض جعلت المأساة أكثر عمقا، كانت الشرائح موضحة لنفسها لا تحتاج لشرح، لذلك اقتصر دور الأستاذ على ضغط زر “التالي”، وجدت نفسي على وشك الاستغراق في النوم عدة مرات، بينما كان العديد من الطلاب يشخرون.
فكّرْ في التوقف عن استخدام العروض التقديمية (PowerPoint) قليلا، إذا كانت الطباشير تقوم بالمطلوب عندما كنت أنا طالبا، فلماذا لا يمكنها الآن؟
العروض التقديمية مبالغ فيها، وفي استخدامها.
نصيحتي المهمة الثانية هي ألا تتجاهل أي طالب.
أنا أعمل في التدريس منذ عام 1996، دائما ما أجد متعة في أن أجعل الطلاب الذين يشعرون أنهم لا يفهمون المادة يتقنونها، في أحد الفصول الدراسية، كان لدي طالب مميز وفريد من نوعه، كان جورج -ليس اسمه الحقيقي- دائما ما يختار كرسيا في المقدمة وتحديدا في منتصفها، كان ضخما صاحب صوت جهوري، وسيطرته على انفعالاته كانت منعدمة.
طالب لا تخطئه عينك.
على الرغم من أنه كان مختلفا بعض الشيء، إلا أن جورج كان شابا مشرقا، قادرا على استيعاب المفاهيم المجردة، ولكن في الثانية التي أتفوه فيها بشيء لا يبدو منطقيا بالنسبة له يقول بصوت عال: “ماذا يعني هذا؟!” كان يتكرر ذلك منه، تقريبا، بين خمس وعشر مرات كل محاضرة.
وكشخص يحاول دائما أن يكون أستاذا مشفقا عطوفا، رأيت الجانب المشرق من شخصية جورج، إن هدفي هو أن أجعل الطلاب يفهمون المادة؛ فإذا كان جورج، الطالب الذكي المجتهد، لا يفهم نقطة ما فإنه من المحتمل أن الآخرين في القاعة لا يفهمون أيضا، بدأت أرى جورج على أنه المؤشر الدقيق والاختبار الحاسم لما إذا كان ما أقوله يبدو منطقيا أم لا.
في ذلك الفصل الدراسي، ارتفعت بشكل ملحوظ جودة تدريسي لمادة الإحصاء، وأصبحتْ فجأة كلُ محاضرة ألقيها حتى لو كان محتواها في منتهى الرتابة أفضلَ محاضرة ألقيها في حياتي، وبعد فترة قصيرة، قررت أن أؤلف كتابا خاصا بي في الإحصاء.
وحتى هذا اليوم، ألقي أي محاضرة وكل محاضرة مستشعرا جلوس جورج أمامي هناك في مقدمة الحضور.
اقرأ ايضاً: الذكاء المهني: كيف تتجنب “العرض التقديمي السيّء”؟