- تأليف : هارولد رولد – Harold Rhode
- ترجمة : أسامة الوهيبي
- تحرير : لطيفة الخريف
موجز تنفيذي:
- هذه الدراسة تشخص الأساليب المستعرَضة من قبل الحكومة الإيرانية والشعب الإيراني منذ العصور القديمة. والأكثر أهمية أنها تشخص العناصر المهمة في الثقافة الإيرانية التي أهملها صناع القرار السياسي منذ عقود. فالفهم الدقيق لهذه الملامح الثقافية ينبغي أن يدل على اتجاه الأهداف السياسية للحكومة الإيرانية.
- الإيرانيون يتطلعون إلى حاكم يظهر القوة والعزيمة ويفعل ما يتطلبه البقاء في السلطة. المفهوم الغربي الذي يتطلب حاكما يتحلى بالأخلاق والقيم لا يجد له صدى عند الإيرانيين. فإخبار الإيرانيين أن حاكمهم وحشي لا يقنع العامة بأنهم بحاجة لحاكم جديد. على عكس ذلك، فهذا يعزز فكرة أن الحاكم قوي. ما يجعل الإيرانيين يقتنعون هو إما أن حاكمهم يفتقد للعزيمة المتطلبة للبقاء في السلطة أو أن سلطة أخرى أقوى ستحميهم من استبداد الحكام الحاليين فحينها سيتكلمون بجرأة ويطيحون بالقادة.
- المساومة (كما نفهم هذا المفهوم في الغرب) تعتبر علامة على الخضوع والضعف. بل إنها -في الحقيقة- تجلب العار على من يقبلها وعلى عائلاتهم. وعلى النقيض من ذلك، من يُكره الآخرين على المساومة يزداد شرفًا ومنزلة وعلى الأرجح سيستمر في إكراه الآخرين ليخضعهم في المستقبل. الإيرانيون لا يرون الضعف عذرًا لإقحام الخصم في مساومة، ولكنها بالأحرى فرصة للقضاء عليه. لهذا السبب مقاييس النية الحسنة وبناء الثقة يجب أن تجتنب بأي ثمن
- دائما ما يحتفظ الإيرانيون بما يؤمنون به حقيقة. في حين يخبرون أصحاب السلطة ما يعتقدون أن قادتهم يودون سماعه. هذا هو مفهوم الكتمان أو الإخفاء، فلا يعتبر الإيرانيون الكتمان (التقية) كذبًا. وتوسعوا فيها إلى أن اعتبروها فنًّا راقيًا وشكلًا مقبولًا من أشكال حماية النفس.
- التحيزات الثقافية الغربية المتعلقة والمتطلبة للمصداقية تجعل من السهل أن يساء فهم الإيرانيين. تعلم الإيرانيون أن يواجهوا المواقف الصعبة بالود واللطافة والأدب والإذعان. الغرب -الأمريكان على وجه الخصوص الذين يحترمون الصراحة والوضوح والنزاهة- دائمًا ما ينخدعون بالإيرانيين الذين يعرفون أنه من السهل خداع الغربيين بالود واللطف والكرم المبالغ فيه والأسلوب الخلاب.
- المفاوضات فرصة لقهر لآخرين ولإظهار القوة ولتؤكد لخصومك أنك الزعيم. في السياسة، يتفاوض الإيرانيون فقط بعد أن يهزموا خصومهم. خلال هذه المفاوضات يملي المتغلب على المهزوم برحابة صدر كيف تُدار الأمور بعد ذلك. برأي الإيرانيين أن التلميح بالرغبة في الحديث قبل الانتصار علامة على الضعف أو عدم القدرة على الانتصار.
- إذا وطد الغرب نفسه بصفته قوة عظمى وأظهر صلابة وعزمًا، ففي الغالب سيستجيب الإيرانيون. فهم لا يريدون أن يكونوا مع الطرف الخاسر -في نهاية المطاف- إذا تطلب الأمر عملا عسكريا، فاستهداف رموز وطنية أو معاقل القيادة قد يكون كافيًا لإظهار أن ميزان القوى في إيران يتغير سريعًا. فبتطبيق هذه القاعدة لن يحتاج الغرب إلى أن يقصف المفاعلات النووية الإيرانية أو إلى غزو شامل ليُخضع حكام إيران ويُوقف برنامجهم النووي.
- يلتفت الإيرانيون ويرون أن الآخرين في جوراهم مثل: روسيا، إسرائيل، باكستان، الهند والصين وهم يملكون القنبلة الذرية. فقول إن إيران ينبغي ألا تحصل على القنبلة الذرية يعتبر إهانة للروح الوطنية الإيرانية. يمكننا باستعمال بعضا من الذكاء أن ندق إسفينا بين الحكومة الإيرانية والشعب الإيراني. يجب أن نكون واضحين بأننا لسنا ضد امتلاك إيران أسلحة نووية. نحن فقط ضد امتلاك الحكومة الحالية ترسانة أسلحة نووية لأنها أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم وتفعل ما بوسعها لتقويض جيرانها وتزيل النفوذ الأمريكي من المنطقة. إذا الحكومة الحالية امتلكت سلاحًا نوويًّا فمن الممكن جدًّا أن تستخدمه.
- لكي ينجح الغرب يجب أن يُقنِع الإيرانيين من ناحية أن يفهموا أن أمريكا تتأهب لتوطن نفسها بصفتها قوة عظمى وتساعد الشعب الإيراني ليحرر نفسه من الاستبداد الذي يرزح تحته.
فهم الملامح الرئيسية للثقافة الإيرانية
النظام الإيراني في الوقت الراهن على شفا تطوير أسلحة نووية، فالمشهد المحتمل أن تهدد الشرق الأوسط بكامله والولايات المتحدة بل حتى الإيرانيين أنفسهم. وحتى الآن هذه الحالة ليست تطورا جديدا على الإطلاق.
منذ مستهل الثورة الإيرانية الإسلامية عام ١٩٧٩م والحكومة الإيرانية تستخدم كل الوسائل التي تحت تصرفها لإرهاب العالم. فالحكومات في الغرب جربت العديد من الوسائل للتعامل مع النظام الإيراني بما فيها التهدئة، المفاوضات والعقوبات. ومع ذلك لم تعدل الحكومة الإيرانية عن رعاية وتنفيذ الخطط الإرهابية ولم تقتنع بإيقاف برنامجها النووي غير القانوني.
على عكس ذلك، خلال السنوات الواحدة والثلاثين الماضية تشجعت الحكومة الإيرانية إلى حد كبير بسبب عدم قدرة الغرب على ردع أجندة الثورة الإيرانية الإسلامية. النظام الذي يقوده القائد الأعلى آية الله سيد علي خامنئي والرئيس محمود أحمدي نجاد وقوات الحرس الجمهوري الإسلامي استمر في توسيع محور تأثيره العالمي كما أنه يسابق باتجاه قدرة الأسلحة النووية بوتيرة مقلقة.
الوقت ينفد بالنسبة للمجتمع الدولي لمنع إيران من حيازة الأسلحة النووية والتي دون أدنى شك ستستخدم كقوة على جيرانها في المنطقة بالإضافة للغرب إذا ما فجّرت.
في حالة لجوء المجتمع الدولي لإجهاض أجندة إيران النووية، سيحتاج إلى إعادة تقييم سياسي سريع. السبب الجذري للفشل الدبلوماسي الذي يزيد على ثلاثين سنة يجب أن يُكشف والبدائل الاستراتيجية يجب أن تُنَفّذ على عجل.
هذه الدراسة لن تشير إلى مسارات العمل للتعاطي مع التهديد النووي الذي يواجهه العالم اليوم على يد النظام الإيراني. بالأحرى هذه الدراسة تشخص الأساليب المستعرَضة من قبل الحكومة الإيرانية -في هذا المجال- وكذلك الشعب الإيراني منذ ما قبل مستهل الثورة الإسلامية.
والأكثر أهمية أنها تشخص العناصر المهمة في الثقافة الإيرانية التي أهملها صناع القرار السياسي منذ عقود. فالفهم الدقيق لهذه الملامح الثقافية ينبغي أن يدل على اتجاه الأهداف السياسية للحكومة الإيرانية.
العديد من المكونات الثقافية التي وُجدت داخل إيران لا تتواءم بانتظام مع القيم الكامنة في الأسلوب الدبلوماسي الغربي. فوق ذلك إن لم يتحسن فِهْمنا للثقافة الإيرانية ولم تُستوعب وقيم إيران وتلميحاتها، سنجد أنفسنا ممكورين ومُخوفين من إدارة الحكومة الإيرانية تحت مظلة ناشط نووي.
صمود الثقافة الإيرانية عقب الاحتلال العربي
أفضل طريقة لفهم العقل الإيراني تكون باستنطاق التاريخ الإيراني المدون وتأمل كيف عاشت إيران بصفتها وحدة سياسية وثقافية منذ قدوم الإسلام.
الإيرانيون لديهم إحساس عالٍ بالولاء والوطنية تجاه دولتهم. خلافًا لأغلب الدول المسلمة في العالم العربي، إيران موجودة بصفتها كيان ثقافي وسياسي لأكثر من ٢٥٠٠ سنة قبل فترة طويلة من قدوم الإسلام. لذلك الإيرانيون لديهم دائمًا شعورٌ بارز بتميز الهوية السياسية والثقافية.
قبل الاحتلال العربي الإسلامي لإيران في القرن السابع الميلادي، كان لدى إيران تراثٌ ممتد في احتلال الدول الأخرى والاستحواذ على الشعوب.
لأجل حماية تاريخها الممتد، عندما اُحتُلّت إيران رضي الإيرانيون -بأنفسهم- أن يكونوا خاضعين لحكم أجنبي ومع ذلك صمدوا تجاه سياسة وثقافة المحتلين. وأقنع الإيرانيون -تمامًا- محتليهم ” تعالوا واحكمونا، ولكن انتهجوا نهجنا واندمجوا في ثقافتنا”.
في العقد الرابع من القرن السابع الميلادي تدفق العرب المسلمون من شبه الجزيرة العربية ليحتلوا العالم باسم الإسلام. فخلال مئة عام، استولوا على العالم العربي، وعبروا مضيق جبل طارق إلى إسبانيا وتوسعوا شرقًا إلى ما يعرف الآن بباكستان. بحلول ٧٥٠ م عُرِّب أغلب ما يعرف اليوم بالعالم العربي (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) ثقافة ولغة. وقضت أغلب اللغات والثقافات المحلية باستثناء إيران.
خلال الثلاثمئة عام التي أعقبتها، كانت الوثائق والأدبيات المكتوبة بعربية خالصة قليلة، وكانت إسلامية بطبيعتها.
ولكن بحلول القرن العاشر الميلادي، سجل التاريخ تحولًا لا يصدق. ظهرت اللغة الفارسية مرة أخرى بصفتها اللغة المكتوبة والمنطوقة لإيران. مع أنها كانت مكتوبة بأحرف عربية وتحتوي كثيرًا من الكلمات العربية إلا أنها كانت -لغويًّا وثقافيًّا- فارسية بامتياز.
بعكس جيرانهم عن غربهم، المتحدثون بالفارسية المسلمون لم يصبحوا عربًا.
بفهم كيف حدث هذا التحول نفهم صمود الشعب الإيراني. بصفتهم محتلين سابقين، الشعوب الإيرانية الذين لديهم خبرة في حكم الإمبراطوريات أدرِجوا في وظائف الحكومة المهمة. العرب البدو الذين احتلوا إيران لم يكن لديهم الخبرة في حكم مقاطعات كبيرة وشعوب أجنبية فهم يحتاجون المساعدة.
تدخل الفارسيون وعلموا الأعراب كيف يحكمون على الطريقة الفارسية. نتيجة لذلك، استطاعت الثقافة الفارسية أن تستوعب غزاتها وتعلم المحتلين كيف يحكمون. وبشكل تدريجي تفرّس الحكام ثقافيًّا حتى وإن كانوا أعرابًا.
بمرور حوالي قرن ونصف من الاحتلال العربي الإسلامي، الثقافة السياسية الإيرانية الفارسية سيطرت على أغلب الجزء الشرقي مما يعرف اليوم بالشرق الأوسط وأغلب شرق العالم الإسلامي الممتد بعمق إلى الهند.
في عام ٧٥٠ م تقريبًا قاد أبو مسلم وهو من شمال شرقي محافظة خراسان الإيرانية ثورة ضد الأسرة الأموية الإسلامية العربية التي كانت تحكم العالم الإسلامي من دمشق. ونصب أبو مسلم خليفة جديدًا من سلالة العباس عم النبي محمد.
فرض الفارسيون العباسيين في السلطة بشكل أساسي وعلموهم كيف يحكمون إمبراطورية ضخمة مسترشدين بالثقافة السياسية الفارسية. فالعاصمة الإسلامية انتقلت من دمشق شرقًا إلى بغداد المدينة الأقرب للمحيط الثقافي الإيراني.
سرعان ما بدأت الثقافة السياسية الفارسية بالسيطرة على عاصمة الإمبراطورية الإسلامية بغداد. فالإيرانيون الدهاة المتمرسون المسؤولون عن تعيين الأسرة الحاكمة العباسية طوروا بشكل مماثل ثقافة إسلامية جديدة بناء على نسيج الثقافة الفارسية مع الأسرة العربية الحاكمة. وعلى هذا النحو تمكنت الثقافة الفارسية بنجاح في الصمود أمام العرب الغزاة. السلالة العباسية حكمت لمدة خمسمئة عام حتى ١٢٥٨ م حين اجتاح المغول بغداد.
المبادئ الرئيسية للثقافة الإيرانية
العديد من المفاهيم الثقافية الإيرانية المعروفة في العصور الإسلامية التقليدية موجودة في إيران حتى يومنا هذا. وبفهم هذه المفاهيم ستوضح لنا كيفية التعامل مع الحكومة الإيرانية المعاصرة وشعبها.
فهذه سلسلة لأهم المبادئ أو المشاهد للثقافة الإيرانية، تتضمن مقالات قصيرة ووقائع توضح هذه المفاهيم على الحقيقة. من الضروري أن ننتبه أن السخرية والحكم تزودك بنظرة عميقة داخل الثقافة، والثقافة الإيرانية غنية بهما.
- أ- احترام السلطة وتقديس الأبطال:
الإيرانيون يتطلعون إلى حاكم يظهر العزيمة والقوة ويفعل ما يتطلبه البقاء في السلطة، على سبيل المثال من حق حكام إيران أن يكونوا شُهُومًا أو قساة. فيهاب الإيرانيون القسوة ولكنهم يجلونها بصفتها أداة للمحافظة على السلطة. فمن المتوقع أن يكون الحكام قساة؛ فالإيرانيون لديهم تقاليد ممتدة من التصالح مع حكامهم.
المفهوم الغربي الذي يتطلب حاكمًا يتحلى بالأخلاق والقيم لا يجد له صدى عند الإيرانيين. فإخبار الإيرانيين أن حاكمهم وحشي لا يقنع العامة بأنهم بحاجة لحاكم جديد. على عكس ذلك، فهذا يعزز فكرة أن الحاكم قوي.
فالإيرانيون يحترمون القوة ولا يحترمون الضعف. فعندما يبدو على الحاكم ضعفٌ يسارعون إلى الانقلاب عليه ويبحثون عن حاكم آخر يقدسونه. ما يجعل الإيرانيين يقتنعون هو إما أن حاكمهم يفتقد للعزيمة المتطلبة للبقاء في السلطة أو أن سلطة أخرى أقوى ستحميهم من استبداد الحكام الحاليين فحينها سيتكلمون بجرأة ويطيحون بالقادة.
الخميني يستعيد شرف إيران والعالم الإسلامي ويهين أمريكا
اتضح للمسلمين ولعدة قرون أن غير المسلمين احتلوا وقسموا العالم الإسلامي وبهذا أهان الغرب المسلمين الذي أثبتوا أنهم عاجزين عن الدفاع عن أنفسهم. فتكمن عظمة آية الله الخميني -من وجهة نظر إسلامية- أنه استطاع أن يجعل الغرب يستجيب لإملاءاته وبخاصة إذلال الولايات المتحدة الأمريكية إضافة إلى استعادة شرف العالم الإسلامي.
النموذج الذي قدمه الخميني للعالم الإسلامي والذي من خلاله لوحظ بدقة رضوخ أمريكا لمطالبات الخميني خصوصا خلال أزمة رهائن السفارة التي امتدت لمئة وأربعة وأربعين يوما.
كان لدى أمريكا والغرب فرصة لاستعادة الشرف والاحترام وكذلك لإيقاف الخميني عند حده لكنهم لم يفعلوا. فالغرب أظهر ضعفا شجع الخميني ليصعد الحالة ويستمر في إذلال أمريكا.
فهذا هو السبب الذي جعل العديد من الشباب المسلم -شيعة وسنة- أن يعلقوا صورة الخميني في كل مكان في العالم الإسلامي، فالخميني استعاد شرف الإسلام. واستمرت إيران حتى اليوم في اتباع نهج الخميني من خلال سعيها الحثيث لبرنامجها النووي وإضعافها جيرانها. إضافةً إلى ذلك، يعزز النظام الإيراني وجوده -في أحسن الأحوال- من خلال ضعف رد فعل الغرب.
الطلاب الإيرانيون هتفوا في عام ١٩٧٨م: ” الموت للشاه، يعيش الخميني” فمن هو الخميني؟
خلال المراحل الأولى والمتوسطة من الثورة الإيرانية عندما كان الشاه ما يزال في السلطة، روى أمريكي يدرس في جامعة دينية إيرانية القصة الآتية: سألت زملائي الطلاب من مِن آيات الله العظمى الست تتبع عائلاتكم؟ ومن هؤلاء الستة آية الله الخميني الذي كان آنذاك غير معروفٍ لدى العامة. ادعى بعض الطلاب أنهم يجهلون والبقية ذكروا اسم المشهور آية الله العظمى محمد كاظم شريعة مداري صاحب التوجهات غير السياسية.
بعد ذلك بفترة قصيرة، بدأ الشعب بأعمال شغب في الطرقات ضد النظام. بعدما أظهر الشاه العجز أو عدم الرغبة في إخماد الشغب بدأ الطلاب الإيرانيون بالتظاهر في الطرقات مرددين ” الموت للشاه، يعيش الخميني”
بدا الشاه ضعيفًا أثناء الثورة لأنه لم يخمد الشغب فصرّح آية الله المسمى بالخميني علانية عما يخطط له بعد مغادرة الشاه. الشاه وحلفاؤه إما لم يمنعوا الخميني من الحديث أو لم يستطيعوا إيقافه.
الطلاب الذين شعروا بالتحول الحادث ظنوا أنه من الأفضل أن ينضموا إلى ركب الخميني لحماية أنفسهم. الهتافات التي هتف بها الطلاب في المظاهرات كانت تعني لهم قليلًا من الناحية العاطفية، ما كان يهمهم حقيقة ألا ينتهي بهم المطاف وهم يدعمون الطرف الخاسر.
بشكل مفاجئ، نفس الطلاب بعد تظاهرهم للخميني تواصلوا مع الأمريكي الذين يدرس معهم وسألوه: ” من هو الخميني؟”
أراد الطلاب معرفة الخميني الذي تظاهروا له فتذكروا الطالب الأمريكي الذي ذكر اسم الخميني سابقًا فافترضوا أنه يعرف عن الخميني أكثر مما هم يعرفون عنه لذلك تواصلوا معه. رأى الإيرانيون أن السلطة تحولت، وبحسب النمط الإيراني انجذبوا بسرعة للرجل القوي الجديد مع أن أكثرهم لا يعرفون عنه شيئًا.
من منظور غربي، هذا الموقف يعلمنا كثيرًا عن الثورة الإيرانية الإسلامية، في حين يبدو أن الشعب يدعم الخميني بصدق، كثيرٌ منهم لم يكن يعرف من هو الخميني.
- ب- احترام تاريخ إيران:
الإيرانيون فخورون بتاريخهم الممتد لألفين وخمسمئة عام ويريدون أن يروا مجد أمتهم وقد عاد. فيشعر الإيرانيون بالإهانة؛ لأن بلدهم المحبوبَ مذمومٌ خارج البلاد، ولأن عددًا كبيرًا من الناس يعرفون أن حكامهم المستبدين والإرهابيين هم السبب في أن يُنظر لها وكأنها منبوذة. فالإيرانيون يريدون أن يجوبوا العالم بحرية بصفتهم مواطنين لدولة محترمة كما كانوا في عهد الشاه.
فلا تزال العودة المنشودة إلى الحياة الطبيعية غير محتملة تحت النظام الحالي. التغير الإيجابي غير محتمل الحدوث حتى تُحكم إيران بنظام يسعى للحرية للشعب الإيراني ويوقف دعمه للإرهاب العالمي ويدعم نظام الحكم الشامل حيث يحصل كل إيراني على فرصته للنجاح.
ومع ذلك، وما دام يُنظر للقيادة الحالية باعتبارها أقوى سلطة في البلد، فالإيرانيون لن ينهضوا ويسقطوا النظام. ولسوء الحظ، ميزان القوى في إيران لا يرجّح التحول دون دعم -ربما صريح أو خفي على حد سواء- من الخارج.
كيف تشيعت إيران؟
قبل تولي الصفويين السلطة في إيران أوائل القرن السادس عشر الميلادي، كانت جميع المقاطعات المحيطة بإيران محكومة من قبل الأتراك السنة الذي كانوا متمسكين بالمذهب الحنفي (المذهب ليبرالي نسبيا).
باختيارهم التشيع، منح الصفويون – الذي كانوا أتراكا- إيران طبقة من الحماية ضد المقاطعات المحيطة بها وبالتالي أعطت إيران وسية أخرى للحفاظ على ثقافتها المتفردة وهويتها السياسية. والأعجب من ذلك أن أغلب إيران التي كانت ذات أغلبية سنية قبل الصفويين تحولت للمذهب الشيعي خلال مئة عام.
هل جعلت الحكومة الإيرانية الشعب الإيراني ضد الإسلام؟
على الرغم أن النظام يسمي نفسه نظامًا إسلاميًّا إلا أن عديدًا من الملالي يبغضون النظام لأنهم يعتقدون أنه يدمر الإسلام. يُقدّر بأن أكثر من ٧٥ بالمئة من الملالي ضد النظام ولكنهم لا يعارضون بشكل فعال بسبب المعارضة الشعبية التي قد تؤدي بهم للسجن أو إلى شيء أسوء.
العديد من الملالي اليوم خائفون من المشي في الشوارع بالزي الديني لأن السائقين بالاتفاق يقودون سياراتهم على بقع الماء ليرشوا الماء المتسخ عليهم أو يرمون عليهم أشياء من النافذة ثم يهربون. وعندما يسافر الملالي عبر الحافلات أو يسيرون في الطرقات بالزي الديني، يتعرض المسافرون الآخرون لهم بالازدراء والمضايقة.
- المساومة والنية الحسنة علامتان على الضعف:
عند الغرب، المساومة ومبادرات النية الحسنة تعتبر أدوات مفيدة تُظهر التفكير المنطقي لتحقيق النتائج المفيدة للطرفين، ولكن الإيرانيين يفسرون هذه المفاهيم بشكل مختلف جدًّا.
المساومة في إيران تعتبر علامة على الخضوع والضعف. بل إنها -في الحقيقة- تجلب العار على من يقبلها وعلى عائلاتهم. وعلى النقيض من ذلك، من يُكره الآخرين على المساومة يزداد شرفًا ومنزلة، وعلى الأرجح سيستمر في إكراه الآخرين ليخضعهم في المستقبل.
مقاييس النية الحسنة وبناء الثقة تُفسر وكأنها نقص في القوة أو العزيمة. فالإيرانيون ينظرون إلى هذه المقاييس وكأنها تنازل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى سلبي.
من له منصب قوي سيقدم تنازلًا فقط عندما يكون متيقنا تمام اليقين أنه سيقويه، ومن ثم يزيد سلطته. فلو اعتقد أن خصومه سيستفيدون – حتى لو كانت الفائدة قليلة – من هذا الإجراء فلن يتنازل قدر شبر.
الإيرانيون يبغضون المساومة ولا يعتبرون الضعف عذرًا لإقحام الخصوم في المساومات بل -على الأحرى- ينظرون للمساومات بوصفها فرصة لتدمير الخصوم. فلهذا السبب مقاييس النية الحسنة وبناء الثقة يجب أن تُجتنب بكل التكاليف.
المحادثات مع الإيرانيين
في أواخر عام ٢٠٠٦ م تحادث السفير الأمريكي للعراق وقائد القوات متعددة الجنسيات في العراق مع السفير الإيراني في العراق. من وجهة نظر إيرانية، حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية ستجلس للحديث مع إيران تثبت أن أمريكا ضعيفة وتتطلع إلى الخروج من العراق. تجاوب الإيرانيون بزيادة حدة الهجوم ضد الأمريكان داخل العراق. خمدت الهجمات فقط عندما رأى الإيرانيون عزم الجيش الأمريكي على الرد بقوة شديدة عندها فقط تراجع الإيرانيون.
عندما ألمحت إدارة أوباما لاحقًا رغبتها في الجلوس للمفاوضات مع الإيرانيين، تمسك الإيرانيون بشدة بموقفهم تجاه القضية النووية. فالحديث قبل الانتصار، كما فسرت الحكومة الإيرانية محاولات أوباما للحوار، مؤشر على الضعف. فما نعتبره في الغرب حسن نية يفهمه الإيرانيون على أنه ضعف، لذلك ليس لدينا حافز لتلطيف مواقفنا. فعندما يشم الإيرانيون رائحة الضعف، مثل الآخرين في الشرق الأوسط، يتأهبون للقتل.
ردود فعل إيران المعارضة تمامًا تجاه الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي التي تلت ردودهما على أعمال إيران العنيفة:
لماذا تفاعل الإيرانيون بعنف وقسوة تجاه الأمريكان خلال ثورة ١٩٧٨- ١٩٧٩م مع أنهم كفار ويؤمنون بإله ولكنهم تملقوا الروس الذين كانوا ملاحدة؟
الإيرانيون خافوا السوفييت، فالروس معروفون بقتل الشعب إذا تضرروا. بعكس الأمريكان الذين يُعرفون بأنهم يحاولون التفاوض. فالقادة والدبلوماسيين الأمريكان دائما ما يقولون: “ما الذي فعلناه وتسبب في إهانتك؟ وكيف نصحح ذلك؟ ربما يمكننا التسوية؟” فالإيرانيون يرون رد الفعل السوفييتي التقليدي بوصفه نوعًا من إظهار القوة، ويرون رد الفعل الأمريكي بوصفه نوعًا من إظهار للضعف.
عندما أخذ الإرهابيون الإيرانيون الرهائن الدبلوماسيين الأمريكان في عام ١٩٧٩م توقعوا في البداية أنهم سيحبسونهم لبضعة أيام آملين أن يفسدوا اللقاءات التي عقدت في الجزائر بين مستشار الأمن القومي بريجينسكي ورئيس الوزراء الإيراني بازرقان. الرئيس كارتر ومستشاريه دعوا للتفاوض لإنها الأزمة ففهم الإيرانيون أن رد الفعل الأمريكي ناشئ من تخوف، فلا أحد يدعو للتفاوض قبل أن ينتصر. فرأى الطلاب الإرهابيون أنه شيء جيد يحدث لتمديد أزمة الرهائن لمئة وأربعة وأربعين يومًا. المسلمون حول العالم أعجبوا بهم لإهانتهم الأمريكان ولاستعادة شرف إيران والعالم الإسلامي. متى ولماذا أطلق القابضون على الرهائن سراح الدبلوماسيين الأمريكيين؟ وضعت إيران الرهائن في طائرة قبل أقل من ساعة من تولي رونالد ريجان الرئاسة. غادر الرهائن الأجواء الإيرانية عندما رفع ريجان يده وأدى اليمين الدستورية. فالطلاب الإيرانيون يعتقدون أن ريجان راعي بقر(cowboy) فخافوا أن يهدم إيران.
المثير للاهتمام أنه خلال أزمة الرهائن احتلت أيضا مجموعة من الإرهابيين الإيرانيين سفارة السوفييت في طهران، ولكنهم غادروا بسرعة؛ لأن موسكو أبلغت طهران بأنه إن لم يغادروا السفارة السوفييتية خلال ساعات فإنهم سوف يقصفون طهران.
ما حدد تصرف إيران في حالتي أمريكا والسوفييت هو التهديد الحقيقي بالقوة مقابل موقف التسوية وليس أحكام الشريعة في مقابل النصرانية والإلحاد.
- الكتمان\التقية: إخفاء الشخص أفكاره الحقيقية:
مجتمع إيران ينحدر من العلو للأسفل طبقيًّا فتدفق المعلومات ينبعث من الأعلى للأسفل وليس العكس أبدًا؛ فالزعماء يملون على السكان ما يُتوقع منهم أن يفعلوا ثم يمتثل الشعب، فالإيرانيون لا يعكسون تيار تدفق المعلومات فما دام زعماؤهم يبدون غير ضعفاء فإن الشعب لا ينهضون ويخبرون الزعماء الحقيقة.
دائما ما يكتم الإيرانيون بما يؤمنون به حقيقة. في حين يخبرون أصحاب السلطة ما يعتقدون أن قادتهم يودون سماعه. هذا هو مفهوم الكتمان أو الإخفاء، فلا يعتبر الإيرانيون أن الكتمان (التقية) كذب. وتوسعوا فيها إلى أن اعتبروها فنًّا راقيًا وشكلًا مقبولًا من أشكال حماية النفس. فبالاستعمال المتفشي لهذه الحيلة أضحى تقريبًا من المستحيل معرفة ما يؤمن به الإيرانيون حقيقةً.
فمن غير المستغرب أن الإيرانيين دائمًا يفعلون عكس ما قالوا إنهم يؤمنون به عندما يظنون أنهم غير مراقبين. فنتيجة لذلك ليس للحكام الإيرانيين تقريبا أي وسيلة لمعرفة ما يؤمن به الشعب، فيلجؤون للتلاعب والقوة ليبقوا أنفسهم في السلطة.
الكتمان يجعل من الصعوبة قياس الرأي العام لأن الأهمية الأولى للناس الذين ستُجرى مقابلةٌ معهم هو ما إذا كان الشخص الذي سيقابله سيؤذيه، وكيف. سيقول الإيرانيون ما يؤمنون به حقيقة فقط عندما يتأكدون تمامًا أنهم لن يعانوا من أية عواقب سلبية.
البصلة
من غير المستغرب أن يحب الإيرانيون رمزية البصلة ليصفوا به ثقافتهم فجوهر البصلة محاط بعدة طبقات. لأكثر من ٢٥٠٠ سنة والإيرانيون يحيطون أنفسهم مثل البصلة بطبقات وطبقات لحماية جوهرهم، فالجوهر محمي جيدًا بطبقات من التعتيم، حتى الإيرانيون أنفسهم غالبًا لا يعرفون جوهر اعتقادهم لقضايا عدة.
هـ- التعامل مع الكتمان\ التقية:
التحيزات الثقافية الغربية المتعلقة والمتطلبة للمصداقية تجعل من السهل أن يساء فهم الإيرانيين. فالإيرانيون يؤمنون أن التاريخ لم يكن لطيفًا معهم، فتعلموا أن يواجهوا المواقف الصعبة بالود واللطافة والأدب والإذعان. الغرب -الأمريكان على وجه الخصوص الذين يحترمون الصراحة والوضوح والنزاهة- دائما ما ينخدعون بالإيرانيين الذين يعرفون أنه من السهل خداع الغربيين بالود واللطف والكرم المبالغ فيه والأسلوب الخلاب.
يبذل الإيرانيون جهدًا كبيرًا في التفكير في تحديد ماذا نريد أن نسمع، والأكثر من ذلك عندما يُشار إلى تعارض صريح، فالإيرانيون لا يريدون معالجته، فهم -بالعادة- يحدقون مرة أخرى وكأنهم لا يفهمون أو لا يرون التناقضات المنطقية.
سيعبر الإيرانيون غالبًا عن شفقتهم وتعاطفهم بكلمات جميلة ولطفية ولكن هذه الكلمات لن تُدعم على الأغلب بأي عمل ففي أحيان كثيرة يمكن أن تصبح بلا معنى. فالإيرانيون ماهرون في استدراج الأفراد إلى الفخاخ وفي ذر الرماد في العيون.
الإيرانيون أنفسهم يضفون قليلًا من المعنى للكلمات التي غالبا ما تكون خالية بسبب الكتمان، ويضفون أهمية بالغة على الفعل. فالغربيون يجب أن يحكموا على الإيرانيين على نحو مماثل من خلال أفعالهم بالمقام الأول، ولا يأبهوا كثيرا لخطاباتهم المرنة.
تجزئة الواقع: السفير الإيراني على برنامج قناة ABC “Nightline”
بعد بدء الحرب الإيرانية العراقية بقليل، استضاف تيد كوبل “Ted Koppel” مقدم برنامج “Nightline” على قناة ABC السفير الإيراني للأمم المتحدة منصور فارهانق ليظهر على البرنامج ويفسر موقف إيران من الحرب. عاش فارهانق العديد من السنوات في الولايات المتحدة الأمريكية واستوعب الثقافة الأمريكية جيدًا.
اتهم فارهانق العراقيين بانتهاك القانون الدولي باحتلال إيران، فرد كوبل عليه بسخط سائلًا ” كيف تجرؤ على الحديث عن انتهاك القانون الدولي؟ أنتم تحتجزون واحدًا وخمسين رهينة من الدبلوماسيين الأمريكان بانتهاك صارخ للقانون الدولي. فأجاب فارهانق دون أي تفكير: “دبلوماسيوكم هم ضيوفنا”
من قسمات وجه فارهانق لا يستطيع المشاهد أن يعرف ما إذا كان فارهانق يفكر أنه يكذب، ومن ثم لم يستطع المقدم كوبل أن يجعله أن يقول شيئا آخر.
و- الثقة، الولاء:
عندما بدأ نظام الشاه بالتداعي، انحاز عديدٌ من الموالين للشاه لسنوات لجانب الثورة الإسلامية. فعلوا ذلك بين عشية وضحاها آملين أن يحموا أنفسهم وعائلاتهم واستثماراتهم.. إلخ.
من الصعب جدًّا أن تعرف بدقة أين يكمن ولاء الإيراني، فما يهم أغلب الإيرانيين هو النجاة. يتخذ الإيرانيون الصفقات -غالبًا- وسيلةً لحماية أنفسهم، وليس بهدف الاصطفاف مع المتماثلين معهم فكريًّا.
لا يميل الإيرانيون عادة للتضحية كثيرًا لأجل فكرة أو قائد فضلًا عن التضحية بأرواحهم، وعندما يفعلون ذلك فهم يفعلونها بوصفهم جزءًا من مجموعة ضخمة.
تأتي الآراء والمعتقدات العميقة ثانيًا، فأغلب الإيرانيون مستعدون تماما لتغيير آرائهم لحظة ما يدركون أن اهتماماتهم تتطلب ذلك.
أن تكون داعما للشاه والملالي في نفس الوقت
لاحظ أمريكي قبل الثورة أن عائلة في طهران علقت صور لهم مع الشاه وزوجته في غرفة المعيشة وهذه العائلة لديها عديدٌ من الأصدقاء الأمريكان. عندما تولى الشاه في عام ١٩٧٩م بقيت هذه العائلة في طهران ويبدو هذا غريبًا -من زاوية خارجية- لأن الصور الحائطية وصداقتهم مع الأمريكان كانت عرضة للمشاكل مع النظام الجديد.
بعد خمس سنوات زار أمريكي آخر هذه العائلة في طهران وتناول العشاء في منزلهم وكان قد أُخبر من زملائه الأمريكان المشتركين عن الصور التي كانت على الحائط. لاحظ الزائر الأمريكي أن هناك صورًا على الحائط للعائلة مع كبار الملالي أُخذت قبل ١٠-١٥ سنة.
بعد العشاء وأثناء احتساء القهوة في الصالة، ذكر الضيف الأمريكي عرضًا أن معارفه الأمريكيين المشتركين وصفوا مجموعة مختلفة من الصور على الحائط فضحك أفراد العائلة وقالوا: “أخبر زملائنا الأمريكان المشتركين أن الصور المعلقة على جدراننا الآن كانت مخبأة في مكان آمن جدًّا أيام النظام السابق وأخبرهم أيضًا أن الصور التي ذكرهم من قبل في نفس المخبأ”
الإيرانيون باختصار يؤمنون أنهم يجب أن يكونوا مستعدين لأي شيء وهذه الصور دليل على أنه مهما حدث فهذه العائلة من الممكن أن تبدي أنها تدعم من يكون على السلطة. فالإيرانيون نمّوا إحساسًا جيدًا بكونهم قادرين أن يعرفوا اللحظة المناسبة لإظهار الصور أو الدليل الذي يحتاجونه لإثبات الولاء.
اللافت للنظر أن هذا مماثل للمأثور السياسي الأمريكي القديم الذي دائما ما نسمعه في واشنطن: ” لدي عدة مبادئ، ولكن إن لم تعجبني، فلدي غيرها”.
ز – ابق خياراتك مفتوحة: احظ بأصدقاء في كل معسكر:
من الممكن أن يغير الحكام آراءهم في أي لحظة، فالانقلابات ممكنة الحدوث دون أي إشعار، لهذا السبب من الجيد أن يكون لديك علاقات -قرابات على وجه الخصوص- مع جميع الأحزاب المنافسة على السلطة.
من الشائع أن تلحظ أن أبناء عائلة واحدة يميلون لأحزاب مختلفة، فابن واحد قد يكون مع مدرسة دينية وآخرون ينتمون لأحزاب معارضة مختلفة، وأيضا آخرون في عالم التجارة. ظاهريًّا، قد يبدو أن هؤلاء الأبناء لديهم وجهات نظر متعارضة تمامًا، ولكن الإيرانيين يرون هذا من التحوط لرهاناتهم. فبغض النظر عمن يتسنم السلطة فعائلاتهم ومصالحهم محمية.
أهمية أن يكون لديك علاقات في كل مكان
شاب إيراني كان يدرس الهندسة في جامعة أمريكية، لديه أخ كان يدرس ليصبح ملا في قم، ولديهم أخ آخر يعمل مع عمه في التجارة في مدينة طهران، وأخ آخر في حزب توده الشيوعي، وأيضا لديهم أخ آخر نشط في حزب معارض في لوس انجلس. فعندما سئل كيف من الممكن أن يكون الأخوة وأعضاء العائلة في كل معسكر تقريبًا، فضحك الطالب وفي لحظة من الصراحة قال: “أنت لا تفهمنا، نحن نحمي مصالحنا مثل أي عائلة إيرانية جيدة فلا أحد منهم يؤمن بأي شيء من ذلك، كل ما نهتم به هو أمننا الخاص فبوجود شخص في كل معسكر، عائلتك ستكون محمية بغض النظر عمن وصل للحكم في البلد”
ح – فن التفاوض:
المفاوضات عبارة عن فرص للتفوق على الآخرين ولإظهار القوة وأيضا لهزيمة الخصوم. فالإيرانيون لا يرون المساومة فرصة لإنشاء حالة الجميع رابح. فالعقود ليست أكثر من مجرد أوراق سيمضي عليها الإيرانيون إذا كانت تعزز من مصالحهم. فالإمضاء ليس ضمانًا على أنهم سينفذون جميع شروط العقد.
في السياسة، يتفاوض الإيرانيون فقط بعد أن يهزموا خصومهم. خلال هذه المفاوضات يملي المتغلب على المهزوم برحابة صدر كيف تُدار الأمور بعد ذلك. برأي الإيرانيين أن التلميح بالرغبة في الحديث قبل الانتصار علامة على الضعف أو عدم القدرة على الانتصار.
سيحاول الإيرانيون دائما أن يستفيدوا من أي ضعف ملحوظ، فعندما تتعامل مع الإيرانيين من المهم أن تفهم أن الدعوة لطاولة التفاوض قبل الانتصار يمكن أن تصعد العنف وتشجع المطالب الإيرانية إلى مزيد من التنازلات.
فن التفوق: التعامل التجاري مع الإيرانيين
رجال الأعمال الأمريكيين في إيران في ثمانينات القرن الماضي تعلموا أن الإيرانيين دائما ما ينتهكون العقود الموقعة. فإذا تطلب العقد اثنتا عشرة دفعة مالية شهرية لعمل يؤدى خلال سنة، فالإيرانيون -بالعادة- يرفضون دفع آخر دفعة مالية إذا حلت بعد الانتهاء من العمل، وأخذهم إلى المحكمة لا يجدي نفعًا.
بعض الأمريكان الأذكياء لاحقًا ابتكروا طريقة ذكية بالاستفادة مما تعلموه عن الثقافة الإيرانية ليحصلوا على أموالهم كاملة في العقود اللاحقة. قسم الأمريكان مجموع ما يريدونه من العقد إلى اثنتي عشرة دفعة مالية وأضافوا مالًا إضافيًّا أكثر بقليل مع الدفعات المالية، على أنه علاوة خاصة لهم، مع العلم أنه من المرجح ألا يستلموها. هذا يضمن للأمريكان أن يُدفع لهم ما يريدون ويسمح للإيرانيين أن يظنوا أنهم تفوقوا على الأمريكان، فالطرفان يتلاعبان في هذه اللعبة.
ط – الصبر: عنصر أساسي في حياة الإيراني:
الإيرانيون معروفون بإنتاجهم السجاجيد الجميلة، فصنع السجادات فن، وكل سجادة من الممكن أن تأخذ شهورًا أو حتى سنوات لإكمالها، ومن ثم فالصبر عنصر أساسي لصنع السجاجيد. فليس هناك جدول زمني فالسجادة تنتهي ببساطة عندما تنتهي.
تعلم الإيرانيون – نتيجة لذلك – كيف ينتظرون ويعدون بثبات ليصلوا إلى هدفهم. في المقابل، الثقافة الغربية تدعو إلى تحقيق النتائج الفورية. فمن وجهة نظر إيرانية، الذي يستطيع التريث لخصمه يفوز غالبًا.
ي- لعبة الشطرنج نافذة للعقلية الإيرانية:
قبل عدة قرون اخترع أو اتخذ الإيرانيون لعبة الشطرنج لعبةً وطنية، فهي لعبة المهارات حيث يحسب اللاعبون مقدمًا على الأقل نقلتين أو ثلاث، وبالمثل يحسب النقلات التي سوف يلعبها خصومه.
وعليه فالإيرانيون مخططون جيدون ويملكون قدرة عالية على تفكيك الفكرة، وفي الخلافات يفكرون عدة خطوات مقدما، وينظرون بعناية للخطوات التي سيمشيها خصومهم مقابل ذلك. فالإيرانيون مخططون جيدون ويبذلون جهدهم في التخطيط للفرص.
عديد من المسؤولين السابقين تحت نظام الشاه من ذوي الرتب العالية هربوا للغرب في عام ١٩٧٩م. فالممتلكات التي تركوها أُممت من قبل النظام الثوري الإسلامي. وعديد من هؤلاء المسؤولين بقوا بعيدًا عن الأضواء وهربوا من الشرطة الإيرانية سواء داخل إيران أو خارجها حتى منتصف العقد الأول من الألفية.
وفي منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، أحد هؤلاء المسؤولين السابقين قص القصة الآتية: بدأ هذا المسؤول بمقابلة أناس لهم صلات بحكومات أمريكا وأوروبا. وبمجرد أن علم المسؤولون الكبار في إيران عن هذه الاجتماعات، أرسل مسؤولو الحكومة الإيرانية الحالية وثائق عن طريق معارف مشتركين تبين أن ممتلكات العائلة في الحقيقة لم تؤمم على الإطلاق وأن الأصول التي كانت بحوزة هذا المسؤول الذي يعيش بالخارج ما زالت تنتمي له، والأكثر من ذلك أن الحكومة الإيرانية صرحت أنهم مستعدون حتى لشراء الممتلكات وتحويل الأموال له بالدولارات.
لماذا فعل مسؤولو الحكومة الإيرانية ذلك؟ لأنهم يريدون أن يتأكدوا أنهم لو أخفقوا في إيران فلديهم صلات جيدة خارج الدولة قادرة على توفير ملجأ آمن لهم. لم يعرض مسؤولو الحكومة الإيرانية إرجاع الممتلكات للمالك الحقيقي لأنه الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله، إنما لأن هؤلاء المسؤولين ببساطة يتطلعون إلى وسائل لإثبات أنهم يعملون مع المعارضة طوال الوقت في حالة سقط النظام الإيراني الحالي. كما يعرف كل إيراني أنه من المهم أن تحظى بحلفاء وعلاقات في كل المعسكرات.
إضافة إلى ذلك، بالتلويح باحتمالية إرجاع الممتلكات لأصحابها الذين يعيشون خارج الدولة، فإن الحكومة الإيرانية تحيدهم. كثيرٌ من المغتربين الإيرانيين أدركوا أنه إذا تكلموا ضد النظام الحالي فإنه من الممكن أن يخسروا فرصة استعادة ممتلكاتهم في إيران.
بخطوة واحدة شطرنجية، تمكنت الحكومة الإيرانية من تحييد خصومها المحتملين وهيأت وضعًا يحميها من انتقام محتمل في حال سقطت الحكومة.
ك- الهدف من عقد الاجتماعات:
تحمل الاجتماعات رمزية ضخمة للإيرانيين، في الحقيقة أن انعقاد الاجتماع أكثر أهمية مما يقال فيه، فالاجتماعات تضفي شرعية وتمنح هيبة. عندما يطلب الغربيون اجتماعًا مع بعض الإيرانيين، يفهمها الإيرانيون أنها اعتراف بالشرعية والقوة التي من الممكن أنهم لا يملكونها.
ل- العمل معا والتعاون:
مع أنهم يؤكدون الولاء الكبير للقضايا والأشخاص، ففي جوهر الإيرانيين لا يثقون ببعضهم البعض ولا بالغرباء، وعليه فالإيرانيون يجدون مشقة بالغة في العمل معًا. وهذا أحد الأسباب الرئيسية التي تصعب تكوين حركة معارضة موحدة، فجعل الإيرانيين يعملون معا يشبه رعي القطط، فهو أقرب للمستحيل.
كل قائد مجموعة معارضة يرى نفسه شاهًا مصغرًا، ودائمًا ما يشتم ويستخف بالآخرين حتى تبرز قوة فردية بصفتها الأكثر قوة. هذه الحالة من الممكن أن تشل صناع القرار السياسي في الغرب لأنه يصبح من الصعب إلى حد بعيد جدا أن تعرف من تصدق ومن تدعم.
وهكذا يقال إن هناك طريقة تجعل الإيرانيين يتعاونون، وهي إذا رأى الإيرانيون بجلاء أن القوى العظمى في الغرب -الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها- تدعم قائدًا محددًا أو حزبًا ما فإن التاريخ أظهر أن الإيرانيين بكل تأكيد سيتبعون هذا القائد.
م- القوة الغربية:
عندما يوطد الغرب نفسه بصفته قوة عظمى ويظهر صلابة وعزما، ففي الغالب سيستجيب الإيرانيون. فهم لا يريدون أن يكونوا مع الطرف الخاسر. فإذا بدا وكأن الغرب سينشئ حزبًا معارضًا أو شخصًا قائدًا فإنه من المتوقع أن ينحاز الإيرانيون لحزب المعارضة.
من المهم أن نلحظ أنه عندما يتحدى القادة الإيرانيون الغرب، فإنهم بكل تأكيد سيغيرون نظرتهم -بحكم طبيعة ثقافتهم- في محاولة لحماية أنفسهم. فمن المتوقع أن يتغير القادة الإيرانيون بشكل مفاجئ ويعارضون ما ادعوا أنهم يدعمون سابقًا إذا واجهتهم القوة الأمريكية.
إذا أراد الغرب أن يساهم في إنشاء نظام مختلف في إيران، فإنه يجب أن يدعم القوى داخل إيران التي تبدي من خلال أعمالها أنها تدعم القيم الغربية والحريات. عند هذه النقطة، من المحتمل أن يجد الغرب إيرانيين يعيشون في خارج إيران ويساعدون في تقديم ما يتطلب من الدعم المالي والتقني والسياسي الضروري لتغيير النظام.
قد يستخدم العمل العسكري بوصفه خطة تكميلية للمساعدة في تحقيق الهدف، فإذا تطلب الأمر عملا عسكريًّا في نهاية المطاف، فاستهداف الرموز الوطنية وحصون القيادة كاف لإظهار أن توازن القوى في إيران يتغير بسرعة. بتطبيق هذا المبدأ لن يحتاج الغرب لقصف منشآت المفاعلات النووية أو إرسال جيش جرار لإسقاط حكام إيران وإيقاف البرنامج النووي.
بينما الإيرانيون يمضون وقتًا طويلا في محاولة تحديد أي حزب يستخدم القوة، فإنه يجب تجنب أي مواجهة -عسكرية كانت أم دبلوماسية- حتى يستعد حزب واحد بصورة واضحة لاستخدام القوة المفرطة، وإلا فإن النصر سيكون باهظ الثمن في أحسن الأحوال.
كيف انتهت الحرب الإيرانية العراقية؟
قبل أسبوع من دعوة الخميني لإنهاء الحرب الإيرانية العراقية، تمركزت السفينة الحربية الأمريكية (فينسينس) في الخليج الفارسي وأسقطت بالخطأ طائرة إيرانية مدنية وقتلت كل الركاب الذي كانوا على متنها وكان عددهم ٢٧٨ راكبا، فبالنسبة لأمريكا كانت مأساة فظيعة. اعتذرت الحكومة الأمريكية بشدة لارتكابها خطأ بهذه الفظاعة. أما الخميني وأغلب الإيرانيين فهم مع ذلك رأوها علامة على أن أمريكا تحضر لاستخدام القوة. فأغلب الإيرانيين كان متأكدين جدًّا أن أمريكا ضربت الطائرة عن عمد، فهذا التصرف -كما فهمه الإيرانيون- إثبات أن أمريكا تستعرض عزمها وقوتها.
بعد أسبوع أعلن الخميني علانية إنهاء الحرب التي امتدت لثماني سنوات دامية، وقال إن إيران تجرعت السم من أجل تجنب العواقب الوخيمة على الدولة. من وجهة نظر إيرانية، حادثة “فينسينس” تثبت أن أمريكا تعتزم استخدام القوة بلا رحمة، ومن ثم فإن إيران لا خيار لها للتنازل للمطالب الأمريكية الظاهرة لإنهاء الحرب.
ن- الازدراء الحديث للإسلام:
اليوم وحتى مع وجود الرموز الدينية الذين يحبون الإسلام نشاهد الجيل الشاب الإيراني يعيش حياة ذات نمط غير إسلامي بأي طريقة ممكنة. على سبيل المثال: الرغبة العارمة في إيران بين المراهقين في حضور الحفلات وخلع الملابس الخارجية والكشف بصورة مذهلة عن ملابس غير محتشمة، والانخراط أيضا في نشاطات غير إسلامية في أحسن أوصافها.
وعندما يسألون عن الإسلام، عدد كبير من الشباب المطلعين جيدا على آخر الصرعات خارج إيران، يضحكون وعندما يشعرون بالأمن يوضحون أنهم في أحسن الأحوال لا يكترثون للإسلام ووفي أسوأ الأحوال أنهم يزدرون دينهم.
يحب الإيرانيون أن يقولوا نكت ضد المسلمين وضد الملالي والعديد منهم يرى الإسلام فرض من العرب على إيران. والإيرانيون يزدرون العرب ويسمونهم آكلي السحالي والقوارض.
الظهور المفاجئ للبهائية
ظهر الدين البهائي في إيران في القرن التاسع عشر الميلادي، ونبيهم بهاء الله الذي كان شيعيا في السابق ادعى أن الله يرسل أنبياء في كل عصر وهذا الشيء محرم في تعاليم الإسلام. يؤمن المسلمون التقليديون أن النبي محمد هو آخر الأنبياء وأن الله لن يرسل بعده أنبياء آخرين والبهائية تخالف هذا.
التحول للبهائية ردة وفقا للشريعة الإسلامية وعقوبته القتل ولكن بما أن البهائية تنتصر عسكريا، عدد كبير من الإيرانيين تحولوا للبهائية. عندما رجحت الكفة للشيعة وبدأوا يتغلبون تشيع الناس مرة أخرى مدعين أنهم لم يتحولوا عن التشيع أصلا من البداية.
ردود أفعال الناس عادة، وعند الإيرانيين -في كل حالة- يغيرون ولائهم للمتغلب. هذا يستدعي سؤال ما إذا كانت إيران نفسها ستتخلى عن الإسلام. في نهاية المطاف، إيران تبنت الإسلام لحماية نفسها من المحتل الخارجي، فهل من الممكن أن يتخلوا عنه إذا انتفت الحاجة منه؟
وهذه القصة ربما تفسر أن أعدادًا كبيرة من الشيعة الإيرانيين في الغرب يتحولون للمسيحية ولكن المسلمين غير الإيرانيين لا يفعلون ذلك.
س- القضية النووية:
الحكومة الإيرانية تدعي أنها تحتاج الطاقة النووية لاستهلاك الطاقة محليًّا. وهذا الادعاء غريب إذ إن إيران هي ثاني أكبر دولة تملك احتياطي مثبت للطاقة في الخليج الغني بالنفط، وهي أيضا تصدر الكهرباء للعراق وأفغانستان. فإذا كانت إيران بحاجة للطاقة فبإمكانها استخدام الطاقة التي تصدرها لحاجتها الداخلية.
القضية النووية تلعب دورًا مزدوجا للحكومة الإيرانية، فعندما تحصل إيران على القنبلة النووية ستكسب استقلالًا سياسيًّا تحتاجه للسيطرة على الشرق المتوسط، وتعزز صورة التشيع عبر العالم الإسلامي.
القادة الإيرانيون مخادعون جدًّا في هذه القضية، فالحكومة الإيرانية تعلم أن كل الإيرانيين أينما يعيشون يشعرون بالتهجم الشخصي عندما يقول القادة الغربيون يجب ألا يسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي. يلتفت الإيرانيون ويرون أن الآخرين في جوراهم مثل: روسيا، إسرائيل، باكستان، الهند والصين وهم يملكون القنبلة الذرية. فقول إن إيران ينبغي ألا تحصل على القنبلة الذرية يعتبر إهانة للروح الوطنية الإيرانية. يمكننا باستعمال بعض الذكاء أن ندق إسفينا بين الحكومة الإيرانية والشعب الإيراني. يجب أن نكون واضحين بأننا لسنا ضد امتلاك إيران أسلحة نووية. نحن فقط ضد امتلاك الحكومة الحالية ترسانة أسلحة نووية لأنها أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم. وإذا حظيت إيران بحكومة تهتم أكثر برفاهية شعبها بدلا من التدخل في شؤون الآخرين، سيصبح احتمال استخدام مثل هذه الأسلحة ضئيلًا جدًّا إذا ملكتها.
إذا امتلكت الحكومة الحالية سلاحًا نوويًّا فمن الممكن جدًّا أن تستخدمه وتجعل العالم الخارجي يثأر ضد إيران. فيجب أن نذكر الشعب الإيراني أنه إذا امتلكت الحكومة الإيرانية الحالية أسلحة نووية واستخدمتها، سيثأر العالم الخارجي مما قد يتسبب في موت عدد لا يحصى من الإيرانيين.
خاتمة
بصورة واضحة ومن عدة جوانب أن التاريخ الإيراني القديم مختلف جدًّا عن الغرب، وعليه فمن غير المستغرب أن نرتبك من كيفية تصرف إيران. ولسوء الحظ في كثير من الأحيان أننا نصر على استخدام فكرة المرآة العاكسة أو رؤية الإيرانيين كما نرى أنفسنا، مما مكن لإيران أن تستمر في التغلب على الغرب.
قد يكون الإيرانيون لاعبو شطرنج ماهرون، ولكن الغرب أخرج عديدًا من لاعبي الشطرنج ذوي الطراز العالمي أكثر مما أخرجت إيران. بقليل من البراعة والألاعيب سيكون الغرب قادرًا على الاحتيال على الإيرانيين في لعبتهم الخاصة.
باستخدام الأفكار المذكورة سلفًا، قد ينظر قادة الغرب أن الاجتماع علانية مع قادة المعارضة ودعم الإيرانيين الذي يريدون أن يحرروا بلادهم من الاستبداد وإجراءات كثيرة أخرى قد تضعف سيطرة النظام الحالي وفي نهاية المطاف تخضعه.
ولكن إذا أراد الغرب أن ينجح فيجب أن يُقنع الإيرانيين بأن أمريكا على استعداد لتهيئة نفسها بوصفها قوة عظمى تساعد الشعب الإيراني على تحرير أنفسهم من الاستبداد الذي يرزحون تحته.
باختصار، إذا رجع الغرب خطوة للخلف ونظر لأفضل طريقة يفهم فيها ويستخدم الثقافة الإيرانية من أجل تحقيق الأهداف السياسية فهناك فرصة جيدة لوضع السياسات التي تنفع الغرب والشعب الإيراني والعالم.
– – – – – – – – – –
التعريف بالكاتب:
درس الدكتور هارولد رود بجامعة فردوسي في مشهد بإيران عام ١٩٧٨م في المراحل المبكرة للثورة الإسلامية. في عام ١٩٧٩م حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة كولومبيا في التاريخ الإسلامي. انضم لمكتب وزارة الدفاع الأمريكي في عام ١٩٨٢م بصفته مستشارا لتركيا، العراق وإيران. منذ ذلك الحين وهو يعمل في وزارة الدفاع ومستشارًا في الشؤون الإسلامية مع طاقم البنتاجون للتخطيط السياسي. من عام ١٩٩٤م وحتى تقاعده حديثا، خدم دكتور رود في مكتب البنتاجون (Net Assessment). حاليا هو يعمل مستشارًا أعلى في معهد هدسون في نيويورك.
– – – – – – – – – – – –
الملاحظات:
1. ولاء العرب السنة بالمقام الأول للشعب العربي وليس بالضرورة لدولة معينة.
2. حتى الاحتلال العربي، الكثرة الغالبة من شعوب العالم العربي اليوم يتكلمون الآرامية، وهي لغة ذات ارتباط وثيق باللغة العربية. أما شعوب شمال افريقيا (المصريون والبربر على الغالب) فهم يتكلمون اللغات الحامية وهي لغويًّا مرتبطة باللغات السامية. وأما الإيرانيون فيتكلمون ما نسميه اليوم “الفارسية المتوسطة” التي كانت لغة هندو أوروبية.
3. ازدهر الفرس في سمرقند وبخارى (أوزباكستان اليوم) وهاتان المدينتان كانتا وما زالتا ذات طابع فارسي ثقافيا ولغويا. (منذ الفترة السوفييتية، الفرس كانوا يُسمون بالطاجيك في وسط آسيا، وحتى الآن الطاجيك، الدري في أفغانستان والفارسية في إيران أسماء مختلفة للهجات من نفس اللغة.)
4. حتى اسم بغداد في الفارسية معناه ” هبة الله”.
5. نحن نعرف فقط عن السلالة الذكورية. فوفقا للقوانين الإسلامية التقليدية، حاكم الدولة يجب أن ينحدر من الاب المؤسس للدولة. بالنسبة للمسلمين سلالة الأم هو بالأحرى غير مهم ونعرف قليلًا جدًّا عن أمهات الحكام. لن يكون من المستغرب إذا عرفنا في يوم من الأيام أن أمهاتهم كانوا إيرانيات\فارسيات.
6. من المثير للاهتمام أن الإيرانيين يسمون أنفسهم “Bod Parast” وتعني ” (عبدة الوثن) Idol worshippers ” وكلمة “idol” تعني هنا قائد قوي ” من جانب آخر كلمة “Bod” أخذت أصلا من كلمة “Buddha (بوذا)” وهي الأصنام التي حطمتها طالبان في أفغانستان.
7. من الناحية النظرية، من المفترض أن يقولب حياته وفقًا للآية العظمى والمعنى أن يتبعوا إملاءاته الدينية ويدعمونه ماليا.
8. هؤلاء الطلاب لن يتعرضوا لأي مشاكل إذا ذكر اسمه لأنه كان معروفا بابتعاده عن السياسة.
9. بالنسبة للإيرانيين والشرق أوسطيين الشرف معناه ” ما الذي يقوله ويفكر به الآخرون عنك” وهذه النظرة عن الشرف مختلفة بعض الشيء عن النظرة الغربية التي تعني فعل الشيء الصحيح.
10. الملاحدة مثل الشيوعيين، في هذه الحالة، يعرض عليهم في الدين الإسلامي إما الإسلام أو الموت في المقابل النصارى واليهود يُسمح لهم بالعيش تحت ظل الحكم الإسلامي ما داموا خاضعين لأحكام أهل الذمة، مما يعني أنهم يقبلون بمكانتهم من حيث كونهم سياسيًّا واجتماعيًّا دون المسلمين أو في الطبقة الثانية، فيُتسامح معهم.
11. ما تبع ذلك أُخذ من ذكريات الطالب الإيراني “محتجز الرهائن”.
12. تستخدم التقية من الشيعة ولكنها ليست مرفوضة من السنة، فقد ذكرت في القرآن عندما أخبر النبي محمد المسلمين الذين تحت التهديد بالقتل بأنه يمكنك أن تتخلى عن الإسلام علانية ما دامت مسلما في قلبك. والتقية والكتمان كلمتان عربيتان اعتمدتا في اللغة الفارسية وتستخدمان تبادليًّا في الفارسية.
13. هناك جاليات إيرانية ضخمة وثرية جدا لديها الموارد والعلاقات لدعم المعارضة.
14. يُعتقد أن اللغة الفارسية في المرتبة الثالثة أو الرابعة في تنصيف الأكثر لغات استخداما على الانترنت، والشباب الإيراني بارع في الالتفاف حول رقابة الإنترنت الحكومية.
15. الشيعة يتحولون للنصرانية وتحديدا في هولندا وجنوب كالفورنيا.
16. مما نعرف أنه يظهر أن انتصار أحمدي نجاد الرئاسي الأول والثاني كان انقلابًا انتخابيًّا قاده الحرس الثوري “الباسيج”. فخلال الحملة الانتخابية الأولى كان من الواضح أنه سيخسر. بعد إغلاق غرف التصويت، بدا عد الأصوات. فاتضح أن أحمدي نجاد كان متذيلا بفارق كبير. عند الساعة الثانية فجرًا، دخل الحرس الثوري المكان الذي يُعد فيه الأصوات وبأعجوبة وجدوا سبعة ملايين ونصف المليون صوتا إضافيا لأحمدي نجاد. ففاز في الجولة الأولى من الانتخابات الأولى. بعد ذلك فاز أحمدي نجاد بسهولة بالجولة الثانية من التصويت ورُشح رئيسًا. أما الانتخابات الثانية “الفوز” فهم الإيرانيون أن إعلان الحكومة نتائج الانتخابات كانت في أحسن الأحوال مسرحية. أعلنت الحكومة نتائج الانتخاب في كل انحاء البلاد خلال ساعة من إقفال التصويت. لو أردنا أن نصدق هؤلاء المسؤولين فهذا يعني أن إيران لديها نظام تقني مطور لفرز نتائج الانتخابات أفضل من الدول الغربية، عمل بطولي!
17. التشابه بين أحمدي نجاد وهتلر خلال أربعينيات القرن المنصرم مدهش. فضباط هتلر ألحوا على هتلر ألا يحتل مدينة سارلاند لأنهم يخافون من رد فعل الغرب العسكري ومن ثم تُهان ألمانيا، ولكن هتلر فكر بصورة مختلفة. فعندما لم يرد الغرب على العسكرة في سارلاند، تمادى هتلر بضم النمسا وبعد ميونخ خطف بلاد التشيك. بعد كل تصرف عدواني، يصمت الغرب أو يسترضي ومن ثم فقد أثبت هتلر لضباطه أن الغرب كان نمرًا من ورق.