الفلسفة

معظم البشر ليسوا غربيين

لفهم علم النفس البشري، يجب على علماء السلوك التوقف عن إجراء معظم تجاربهم على الغربيين، كما يجادل جوزيف هنريش وستيفن هاين وأرا نورينزايان.

ترجمة: أحمد زايد

تحرير: أحمد العسيلان

تفترض الكثير من الأبحاث حول علم النفس والسلوك البشري أن كل البشر يشتركون في معظم العمليات المعرفية والعاطفية الأساسية، وأن النتائج من مجموعة سكانية واحدة تنطبق على كافة الناس في جميع أنحاء العالم، بينما تشير مجموعة متزايدة من الأدلة إلى أن الأمر ليس كذلك.

تشير النتائج التجريبية للعديد من التخصصات إلى وجود تباين كبير بين السكان في مجالات متنوعة، مثل الإدراك البصري والتفكير التحليلي والإنصاف والتعاون والذاكرة وتوريث نسبة الذكاء، يتماشى هذا مع ما اقترحه علماء الأنثروبولوجيا منذ فترة طويلة من أن الأشخاص من المجتمعات الغربية المُتعلمة والصناعية والثرية والديمقراطية  – خاصة الطلاب الجامعيين الأمريكيين – هم من أكثر الناس غرابة نفسيًا على وجه الأرض.

لذا فإن حقيقة أن الغالبية العظمى من الدراسات تستخدم مشاركين من المجتمعات الغربية المُتعلمة والصناعية والثرية والديمقراطية تمثل تحديًا لفهم علم النفس والسلوك البشري، وقد وجد استطلاع عام 2008 لأهم المجلات المتخصصة في علم النفس أن 96% من الأشخاص كانوا من الدول الصناعية الغربية التي تضم 12% فقط من سكان العالم، و من الغريب أن المقالات البحثية تفترض بشكل روتيني أن نتائجها تمثيلية على نطاق واسع، ونادراً ما تضيف حتى حاشية تحذيرية حول مدى إمكانية تعميم نتائجها.

أصبح من الصعب تجاهل الأدلة القائلة بأن العمليات المعرفية والعاطفية الأساسية تختلف باختلاف السكان، على سبيل المثال أظهرت العديد من الدراسات أن الأمريكيين والكنديين والأوروبيين الغربيين يعتمدون على استراتيجيات التفكير التحليلي أكثر من غيرهم، وتشير الأبحاث أيضًا إلى أن الأمريكيين يستخدمون التفكير التحليلي أكثر من الأوروبيين، على النقيض من ذلك يميل الآسيويون إلى التفكير بشكل شمولي.

 يركز المُفكرون التحليليون على الأشياء بطريقة فردية، ويقسمونها لفئات بناء على سماتهم، في حين ينظر المُفكرون الشموليون إلى السياق ككل مع التركيز على العلاقات بين الأشياء، فعلى سبيل المثال عندما يُطلب من المُفكر التحليلي وصف طاولة طعام، قد يقول إن الطاولة مصنوعة من الخشب الداكن وحولها ستة كراسي وتتسع لستة أشخاص، في حين قد يصفها المُفكر الشمولي بدلاً من ذلك بأنها مكان للالتقاء ومشاركة الوجبات، ومع ذلك فإن العديد من النظريات القديمة حول كيفية إدراك وتصنيف وتذكر البشر تؤكد على مركزية التفكير التحليلي.

القصة متشابهة عندما نتحدث عن السلوك الاجتماعي المرتبط بالعدالة والمساواة، فغالبًا ما يستخدم الباحثون تجارب اقتصادية مثل لعبة الإنذار، حيث يُمنح لاعب واحد (مُقدم الاقتراح) مبلغًا من المال، ويتم تكليفه بتقسيمه مع لاعب آخر (المُستجيب)، و بمجرد إبلاغ مُقدم الاقتراح بقراره يجوز للمُستجيب قبوله أو رفضه، فإذا وافق المُستجيب يتم تقسيم الأموال حسب الاقتراح، وفي حال رفضه فلن يتلقى كلا اللاعبين شيئًا، ويميل المشاركون من المجتمعات الصناعية إلى تقسيم الأموال بالتساوي ورفض العروض المنخفضة، أما الأشخاص من المجتمعات غير الصناعية فيتصرفون بشكل مختلف، لا سيما في أصغر تلك المجتمعات مثل الباحثين عن الطعام في إفريقيا والمزارعين في أمريكا الجنوبية، حيث لا يميل الناس إلى تقديم عروض متساوية ولا إلى معاقبة أولئك الذين يقدمون عروضاً منخفضة.

تشير التطورات الأخيرة في علم الأحياء التطوري وعلم الأعصاب والمجالات ذات الصلة إلى أن هذه الاختلافات تنبع من الطريقة التي تكيف بها السكان مع بيئات وثقافات متنوعة، فالجماعات الأمازونية المُنعزلة مثل قبيلة بيراها التي لا تتضمن لغاتها أرقامًا فوق ثلاثة، أسوأ في تمييز الكميات الكبيرة رقميًا من الجماعات التي تستخدم أنظمة عد واسعة النطاق، ولكنها متشابهة في قدرتها على تقريب الكميات،  يشير ذلك إلى أن نوع نظام العد الذي ينشأ فيه الناس يؤثر على طريقة تفكيرهم في الأعداد الصحيحة.

  • تعميمات عريضة

استخدام مشاركين من المجتمعات الغربية المُتعلمة والصناعية والثرية والديمقراطية فقط مع التعميم على بقية سكان العالم قد يكون له عواقب عملية مهمة، على سبيل المثال عمل الاقتصاديون على تطوير نظريات صنع القرار بدمج رؤى من علم النفس والعلوم الاجتماعية – مثل كيفية تحديد الأجور – ودراسة كيفية ترجمة هذه النظريات إلى سياسة، وهنا يجب على الباحثين وصانعي السياسات إدراك أن السكان يختلفون بشكل كبير في تحيزاتهم وأنماطهم وتفضيلاتهم في القرارات الاقتصادية، و يمكن أن تؤثر هذه الاختلافات على الطريقة التي يتخذ بها المُستثمرون المُتمرسون قراراتهم بشأن سوق الأوراق المالية (البورصة).

نقدم أربعة مقترحات للمساعدة في وضع نظريات السلوك وعلم النفس البشري على أسس تجريبية أكثر ثباتًا.

 أولاً: على المحررين والمراجعين دفع الباحثين لدعم أي تعميمات بالأدلة.

 ثانيًا: أن توصي الوكالات التي تمول الأبحاث والباحثين بضرورة مقارنة مجموعات متنوعة وواسعة من السكان.

ثالثًا: على الوكالات التي تمول الأبحاث إعطاء الأولوية للبحث متعدد التخصصات والثقافات.

 رابعًا: على الباحثين السعي لتقييم كيفية تطبيق نتائجهم على مجموعات سكانية أخرى، وهناك العديد من الطرق الأقل تكلفة للتعامل مع هذا الأمر على المدى القصير، أحدها هو الاختيار الحكيم لعدد قليل من المجموعات السكانية والتي توفر اختبارًا عالمياً صعبًا في بعض المجالات، مثل المجتمعات ذات أنظمة العد المحدودة لاختبار النظريات حول الإدراك العددي.

تتمثل أحد الأهداف الهامة طويلة المدى في إنشاء مجموعة من المبادئ التي يمكن للباحثين استخدامها للتمييز بين ما هو متغير وما هو عالمي في علم النفس والسلوك البشري، وسيظل إنشاء مثل هذه المبادئ أمرًا صعبًا حتى يطور علماء السلوك شبكات بحث دولية متعددة التخصصات لإجراء دراسات طويلة الأمد على مجموعات سكانية متنوعة باستخدام أساليب متعددة من التقنيات التجريبية والأثنوجرافيا (دراسة الأعراق البشرية) إلى تصوير الدماغ والدلالات الحيوية.

إن إدراك النطاق الكامل للتنوع البشري لا يعني التخلي عن السعي لفهم الطبيعة البشرية، على العكس من ذلك فإن هذا الاعتراف يضيء رحلة إلى الطبيعة البشرية تكون أكثر إثارة وتعقيدًا مما كان يُعتقد سابقًا.

المصدر
https://www.nature.com/articles/466029a

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى