التربية والتعليم

لماذا تعتبر استقلالية المعلم مِحورية لنجاح عملية تطوير قدراته؟

  • جيم نايت
  • ترجمة: سمية محمد يسري
  • تحرير: البراء بن محمد

 

“إن دفع عملية التطوير الذاتي للمعلم وتعزيز شعوره بالمسؤولية يوجب على المدربين المختصين بعملية التطوير أن يحترموا خياراته ونظرته للأمور”

“عندما يُسلب (البشر) حق الاختيار فلن يكونوا (بشرًا)”

أنتوني بيرجس

 

ما زال المدربون المختصون بتطوير قدرات المعلم يرغبون بإلحاح في إحداث التغيير. وبما أنهم منخرطون في العملية التعليمية فإنهم يريدون -كغيرهم من المنخرطين فيها- أن ينجح الطلاب كما أنهم يقيسون نجاحهم بالتغييرات التي أحدثوها والتي من شأنها أن تحسن من قدرة الطلاب على التعلم ومن حياتهم بشكل عام. قد تدفع هذه الرغبة الملحة المدربين والعاملين في إدارة التعليم لانتهاج نهجٍ توجيهيٍ مختصٍ بالتدريب -ومن ثم يعلقون على كل ما يفعله المعلمون من صواب أو خطأ ويوجهونهم لما يتوجب عليهم فعله كي يحسنوا من أدائهم. ولكن ما أظهرته الأبحاث في الواقع -بالإضافة لما وجدته خلال عملي في التدريب- هو أن هذا النهج ليس مساعدًا للمعلمين على تطوير أنفسهم. وفي الحقيقة، فقد استنتجت بعد أكثر من 20 عامًا في دراسة عملية التدريب أن تقدير استقلال المعلم والاعتراف به من أهم دعائم العملية التدريبية الفاعلة.

 

  • ما لا يعد من استقلالية المعلم

من المهم -قبل أن نناقش أسباب أهمية الاستقلالية- أن نحدد الأمور التي ليست من الاستقلالية في شيء. هناك -في أي مؤسسة- بضعة أمور لا تقبل التفاوض ولا بد من الالتزام بها؛ فلا تكاد توجد مدرسة يمكن للمعلم فيها أن يقول “أنا أحب النوم بالنهار أكثر من الليل لذلك، أريد أن أبدأ التدريس في منتصف النهار”. كما أن اختيار المرء اتباع أسلوبٍ غير مهنيٍ في التعامل يجب ألا يكون خيارًا متاحًا لأي شخص له دور في تعليم أبنائنا؛ فلا يُسمح لأي شخص في المدرسة أن يتنمر على الطلاب، أو أن يكون فردًا غير متعاون في الفرق أو المجموعات، أو أن يقرر أنه لم يعد بحاجه لتحسين نفسه. ولحسن الحظ، فإن هذه السلوكيات غير المهنية نادرة، ولكن يجب أن تتعامل الإدارة معها مباشرة -إن وجدت-. ذلك وأن الامتناع عن الالتزام بالمعايير المهنية للتدريس ليس أمرًا داخلًا في استقلالية المعلم.

وفي حين أن الاستقلالية الحقيقية جانبٌ ذو أهمية بالغة لنجاح العمل التدريبي، فهي معقدة بعض الشيء وهي تحدٍ يواجه المدربين. والواقع أن إدراك المدربين والقادة لأهمية الاستقلالية يضطرهم إلى إعادة النظر في العديد من عناصر التطوير المهني التقليدية كالمحاسبة والملاحظة (feedback) والأمانة.

 

  • تعزيز العزم الذاتي

أوضحَت مجموعة من الأبحاث المتزايدة أن العاملين في أي مهنة يفقدون الدافعية عندما تُقنَّن استقلاليتهم. بين الباحثون أن شعور المرء بالاستقلالية محوري للحفاظ على دافعيته وأن محاولات التغيير التي تبدأ من أعلى السلم الوظيفي إلى أسفله محكومة -غالبًا- بالفشل.

خرج ادوارد ديسي وريتشارد ريان من بحثٍ استمر عقودًا في قضية الدافعية بما أسمياه نظرية العزم الذاتي؛ حيث افترضا أن الاحتياجات الفطرية الثلاثة للناس -الكفاءة والاستقلالية والانتماء- من شأنها أن تزيد من دافعية المرء إذا لُبيت وأنها تقلل دافعيته إذا لم تُلّبى. مما يعني، أن دافعية الناس تزيد إذا شعروا بأنهم أكفاء فيما يقومون به، وأنهم يتحكمون -بقدر كبير- في حياتهم، وأن علاقاتهم أيضًا جيدة وإيجابية. والعكس صحيح: فإنهم يحطمون وتقل دافعيتهم إذا لم يمسكوا بزمام السيطرة فكانوا مأمورين بالفعل، ووضعوا في أماكن لا تمكنهم من زيادة كفائتهم، ولم يكن لديهم أية علاقات إيجابية. لقد أثبت البحث في مجال التعليم بما لا يدع مجالًا للشك أن هذا التسلسل الآنف ينطبق أيضاً على المعلمين.

وبالرغم من وجود أدلة وبراهين على أهمية استقلالية المعلِّم فإن البحث يشير إلى أنها آخذة في النقص في المدارس. أوضحت احدى الدراسات الاستقصائية أن وعي المعلمين باستقلاليتهم قد انحدر من عام 2003 وحتى عام 2012 (سباركس ومالكوس، 2015). صرح واحد من كل أربعة معلمين -تقريبًا- بأنه لا يتحكم مطلقًا -أويتحكم قليلًا- في الكتب التي يستخدمها، والمحتوى الذي يدرسه، ووسائل التعليم التي يستخدمها، وطريقة تقييم الطلاب ومساعدتهم على الانضباط، فضلًا عن كمية الواجب المنزلي الذي يطلبه منهم.

لابد أن يعمل المدربون على تغيير هذا التسلسل. وإذا كنا نريد معلمين متفاعلين ذوي دافعية فلا بدّ أن نضمن لهم حق الاختيار في ما يفعلون، بما في ذلك حقهم في رفض اقتراحات وعروض معينة. الاختيارات هي الوسيلة التي نثبت بها بشريتنا- من نكون- لذلك فإن سلب الناس حقهم في الاختيار هو سلب لبشريَّتهم.

إن أفضل ناتج ممكن لتوجيه الأوامر للأساتذة مع عدم الحق في الاختيار، هو امتثالهم للأوامر امتثالًا غير كافٍ لمباشرة العمل الشاق المطلوب في مدارسنا. وكما كتب دانيال بينك في الدافعية: الحقيقة المفاجِئة حول ما يزيد من دافعيتنا 2009:

“عيش الحياة الهانئة يتطلب أكثر من مجرد تلبية طلبات من هم في السلطة. ومع ذلك فإننا نجد في مكاتبنا وفصولنا الكثير من امتثال الأوامر والقليل من المشاركة في أخذ القرار. الأول قد يساعدك على مباشرة المهام بينما الثاني وحده هو الذي سيساعدك على تخطي الصعاب” ص112.

 

  • المسؤولية الفاعلة

إن مما يعيق احترام استقلالية المعلمين -برأيي- هو أن إدارة المدارس وصانعي السياسات يسيئون -غالبًا- فهم دور المسؤولية الفاعلة. وهو مصطلح يُستخدم -عادةً- لوصف كيفية فرض شيء ما على المعلمين لأسبابٍ خارجية. من الشائع -على سبيل المثال- أن تسمع أنه يجب تطبيق التعليم المهني للمعلمين بالالتزام ببرنامج تعليمي أو مبادرة إلزامية. أو أنه يجب توجيه الأوامر للمعلمين بما عليهم فعله بناءً على أولويات المدرسة أو الحي.

وأنا أسمي تفسيرات المسؤولية -هذه وما يشابهها- مسؤولية غير فاعلة. إن هذا النوع من المسؤولية يضع مسؤولية صنع القرار كلها خارج دائرة المعلم. ومنهج كهذا حري بالفشل. نادرًا ما يجد الناس الدافعية لتحقيق أهداف غيرهم، كما أن نموذج التغيير الذي يُظن بأنه يناسب الجميع يوفر -نادرًا- حلولًا نافعة للحالات الفردية المعقدة الموجودة في كل فصل دراسي فريد من نوعه.

حدث مؤخرًا -في ورشة تدريبية قدمتها في كانساس- أن رسمت إحدى المدربات صورة حية لما يمكن أن تبدو عليه المسؤولية غير الفاعلة في المدارس حيث قصَّت علينا حواراً دار بين ناظر المدرسة وإحدى المعلمات بشأن الدرجات المنخفضة لطلابها في الاختبار. عندما أثار الناظر الموضوع، أوضحت المعلمة بأنها نفذت البرنامج الذي طالبها الحي بتنفيذه. قالت: “فعلت كل ما طُلب مني أن أفعل، وبإخلاص”. “إذا كان طلابي لا يؤدون جيدًا فليس هذا خطأي بل خطأ برنامجكم”.

المسؤولية الفاعلة تختلف عن هذا. إذا كان المعلمون مسؤولين فعلًا، فإن تطويرهم لأنفسهم في مجالهم يكون مدفوعًا بما قرروا هم أنه سيؤثر في تعلم طلابهم. إنهم -بهذه الطريقة- مسؤولون عن عملية التطوير والطلاب وأولياء الأمور وأصحاب المصلحة الآخرين ومهنة التدريس. المسؤولية الفاعلة تقتضي التزامًا فرديًا حقيقيًا تجاه التعلم والنمو.

 

  • مثال على المسؤولية الفاعلة

إذا نُفِّذ التدريب المهني للمعلمين كما ينبغي فإن من شأنه أن يعزز المسؤولية الفاعلة. يجب أن يُمنح المعلمون -أثناء التدريب- قدرًا كبيرًا من الاستقلالية حتى وإن كانوا يتعلمون على يد مدرِّب. فالمدرب الذي يعمل مثلًا وفق دائرة التأثير بمراحلها الثلاث (التعرُّف والإدراك والتحسين) بإمكانه أن يسجِّل درسًا بكاميرا الفيديو ثم يعرضه ويقدم بعض الاقتراحات التي تساعد المعلم على تحديد ما يدل عليه المقطع. ثم يتناقش المعلم والمدرب لتحديد الهدف الذي

يهتم المعلم به حقيقةً ويشعر أنه سيكون له تأثير إيجابي مؤكد على تعلم الطلاب وحياتهم بشكل عام. وسرعان ما يحدَّد الهدف، يشرع [المعلم والمدرب] في وضع استراتيجية تدريس ينفذها المعلم في محاولة لتحقيق الهدف أو الاقتراب من تحقيقه.

يتعاون المدرب والمعلم -أثناء العملية التدريبية- على تنفيذ الاستراتيجية كما ينبغي. ويتضمن ذلك  أن يشرح المدرب الاستراتيجية فيعدل عليها المعلم لتلائم احتياجات طلابه. يشاهد المعلم -غالبًا- المدرب أو أي معلم آخر أو مقطع فيديو ليفهم الاستراتيجية قبل تنفيذها. وفي النهاية -وأثناء مرحلة التطوير- يشترك المدرب والمعلم في إحداث بعض التعديلات حتى يحققوا الهدف.

لنرَ كيف يمكن تطبيق هذه الطريقة على أحد المعلمين. تخيل معلمًا يشاهد تسجيلًا مصورًا لحصته الدراسية ثم يجد أن خمسة فقط من بين 31 طالبًا هم الذين أجابوا على الأسئلة التي طرحها. قد يحدد هدفًا -أثناء الحوار مع المدرب- وهو زيادة عدد الطلاب الذين يجيبون عن الأسئلة إلى عشرين طالبًا. وبمجرد أن يحدد الهدف يبدأ في مناقشة الاستراتيجيات التي بإمكانه أن يطبقها لتحقيق هدفه. يمكنه -على سبيل المثال- أن يجرب محفِّزات التفكير، أو الأسئلة الفعالة، أو أي طريقة تعليمية- تفاعلية مثل فكِّر وجمِّع وشارك. ثم يسجل المعلم أو المدرب الدروس بكاميرا الفيديو لمراقبة التحسن. كلما كان المعلم ملتزمًا بتحقيق هدفه أمكنه أن يظل مشاركًا للمدرب لتحديد استراتيجيات أخرى أو لتحسين الاستراتيجية التي ينفذها حتى يصل إلى تحقيق هدفه.

هذا هو التدريب المهني الذي يمكن الاعتماد عليه بلا شك، وهو ما سينتج تغييرات قابلة للقياس تؤدي إلى تطوير حقيقي للطلاب. إن نوع التعليم المهني هذا يتضمن – في كل الأحوال- درجة كبيرة من الاستقلالية: حيث يشاهد المعلم -المدعوم من مدربه- درسه ثم يحدد هدفه ويعدل استراتيجيات التدريس التي ينفذها، يراقب التقدم ويحدد متى حقق الهدف.

 

  • تعقيد عملية التدريس

لا بد وأن تفهم قيادة المدارس والمدربين أن التدريس ليس أمرًا يمكن تلخيصه في مجموعة من الخطوات الإرشادية. إنَّ تعقيد عملية التدريس يتطلب استقلالية في أخذ القرارات ونموًا ذاتيًا.

استطاع الباحثان شولوم جلوبرمان و بريندا زيمرمان – في دراسة نوعية أجريت عام 2002م- أن يقسِّما مستويات تعقيد مهام العمل المختلفة. حدد الباحثان ثلاث أنواع مختلفة للمهام: بسيطة ومركبة ومعقدة. فالمهمة البسيطة -كصنع الكعكة مثلًا- تتضمن مجموعة من الخطوات تعطي نفس النتيجة عندما تطبق كل مرة. والمهمة المركبة -كوضع شخص ما على القمر- تتضمن الكثير من العمل الشاق ولكنها تتضمن أيضًا معادلات وخطوات يجب أن ينتج عنها نتائج يمكن توقعها. والمهمة المعقدة -كتربية طفل يبلغ من العمر ثلاثة أعوام- لا يمكن تقسيمها إلى مجموعة من الخطوات لأن كل يوم وكل طفل يخلتفان عن غيره. وصف خبراء القيادة اليكساندر جراشو، ورونالد هيفيتز، ومارتي لينسكي التحديات التي تمثلها كلاً من المهمة البسيطة والمركبة بأنها تحديات فنية. وهذه التحديات “لها حلول يمكن تنفيذها عند معرفة كيفية تطبيقها ويمكن التغلب على هذه التحديات من خلال الاستفادة من الخبرات الجيدة والموثوق فيها”. وفي المقابل، فإن التحديات التي تمثلها المهام المعقدة هي تحديات تتطلب تطويعًا:

التحديات التي تتطلب تطويعًا يمكن التعامل معها فقط من خلال التغيرات في أولويات الناس واعتقاداتهم وعاداتهم وولاءاتهم. كما أن تحقيق التقدُّم في التعامل معها يتطلب تجاوزًا للخبرات الثابتة من أجل دفع عملية الاكتشاف والتخلص من بعض الطرق المرسَّخة وتحمل الخسائر و توليد أفكار جديدة للنمو من جديد.

إذا كانت تربية طفل واحد مهمة مركبة فإن تعليم غرفة مليئة بالطلاب والتأثير فيهم هو -قطعًا- مهمة شديدة التعقيد. من المؤكد أن أي شخص مارس التدريس يعلم حق العلم كمّ المتغيرات الموجودة داخل الفصل الدراسي. وبعبارة أخرى، فإن جزءًا كبيرًا من التدريس يتطلب قابلية للتكيُّف مما يعني أن حرية التصرف ومهارة الاستكشاف الفردي مهمان للنجاح وأن قصارى ما تفعله الحلول التي توصف بأنها مناسبة للجميع أو الإملاءات الخارجية هو أنها ستعيق التقدم.

ولتتأكد من ذلك، فإن الحلول الفنية مناسبة لمهام الفصول الدراسية البسيطة والمركبة مثل تنظيم لوحة الجلوس أو تدريس بعض الأمور الأساسية. ولكنَّ جزءًا كبيرًا من التدريس يعد عملًا معقدًا لا يكفي فيه تطبيق الحلول الفنية. وفي الواقع، فقد قرر هيفتيز وجراشو ولينسكي أن أكثر حالات الفشل القيادي سببها معاملة التحديات التي تحتاج إلى تكيُّف كما لو كانت تحديات فنية”.

 

  • الملاحظة حوارًا

عندما يصف الناس عمل المدرِّب، فإن واحدة من المهام التي يعبرون عنها تكون تقديم الملاحظة. ومع ذلك، فإن كلاً من باكينجهام و جودول قد صرحا في Harvard Business Review بأن فهم الكثير من الناس للملاحظة فهم خاطيء تمامًا. إن الملاحظة -بالنسبة إلى أكثرنا- ” هي أن نخبر الناس برأينا في أدائهم وكيف يمكن تحسينه”. ولكن باكينجهام وجودول شرحاه بما يلي ” البحث واضح: إخبار الناس برأينا في أدائهم لا يساعدهم في النمو والتميز و إخبار الناس بالكيفية التي نظن أنهم يجب أن يتبعوها لتطوير أنفسهم يعيق التعلم”

يحدد باكينجهام و جودول ثلاث عيوب أساسية في الفهم السائد لكيفية الملاحظة. أولًا، لسنا جيدين للغاية في تقييم أداء الآخرين؛ فتقييمنا للآخرين يتعلق بنا أكثر من تعلقه بالأشخاص الذين نقيمهم. ثانيًا، إخبار الناس بما أخفقوا فيه يثبِّط عملية التعلم ولا يحفِّزها. قدم باكينجهام وجودول بحثاً مقنعاً يظهر أن سماع النقد ينقل الناس إلى وضع الدفاع ليشل عملية التعلم. “التعلم” كما كتب المؤلفان ” يُبدي لنا ما نحسنه لا ما نُسيئه، وليس قطعًا ما يرى الآخرون أننا نسيئه”. ثالثًا، ليس التميز منحصرًا في تفسيراته المشتهرة والبسيطة.

وكما أوضح باكينجهام وجودول: فإنه بما أن التميز مميز ولا يمكن تعلمه من خلال دراسة الفشل فاننا لن نستطيع أبدًا مساعدة أي شخص آخر كي ينجح عن طريق مقارنة أدائه بأداء نموذج للتميز موضوع مسبقًا؛ مما يعني التعليق على المواضع التي لا يتبع فيها هذا النموذج و مطالبته بمحاكاته وملء الفجوات بين أداءه وبين النموذج.

ماذا يعني هذا في سياق التدريب التعليمي؟ أولاً، الدرس -مرة أخرى- هو أن احترام استقلالية المعلمين في التدريب أمرٌ أساسي إذا كنا نريد للتغذية الراجعة أن تُفضي إلى أداء أفضل. فبدلاً من إخبار المعلمين بما أعجبنا وما لم يعجبنا في دروسهم، لا بد للمدربين أن يعقدوا محادثات مع المعلمين في هيئة حوارات بين شريكين على نفس المستوى حيث يُستمع فيها إلى طرفي المحادثة و تحترم آرائهما.

ثانيا، وكما أوضح من ألفوا في مجال التعليم (William Sommers وParker Palmer وRobert Garmston) فإن ممارسة الحوار الفعال ممكنة من خلال إيجاد بُعد ثالث للحوار ينزع التركيز عن المعلم والمدرب ويوجهه نحو ما يحاول الاثنان استكشافه معًا. وهذا يزيد من دور المعلم في إجراء الملاحظة. ومن الأمثلة الفعالة للبعد الثالث هي عمل الطلاب وتسجيلات الفيديو للمعلم أثناء التدريس.

 ثالثًا، تكون محادثات التدريب أكثر فاعلية عندما لا تكون انتقادية. وهذا لا يعني أنه ليس للمدربين أن يشاركوا ما يجول بخاطرهم؛ بل عليهم أن يشاركوا أفكارهم حول ما يجري في الفصل الدراسي بتواضع يليق بأي محادثة.

 

  • مسائل تتعلق بالأمانة

إن آخر مسألة تثار لصالح التعليم المهني الإلزامي للمعلمين -غالبًا- هي أن الممارسات التعليمية الفعَّالة لا بد وأن تنفذ بأمانة وإخلاص، لذا فإن المدربين بحاجة لضمان أن المعلمين يتقدمون بالقدر المطلوب. إن من اليسير تسويغ وجهة النظر هذه نظريًا. إذا لم يطبق المعلم وسائل التدريس المبرهنة بأمانة وإخلاص فإن المتوقع بداهةً أنه لن يحصل على نتائج. ولذا، فإن المدرب بحاجة إلى التحقق من أن المعلم ينفذ وسائل التدريس بالطريقة المطلوبة.

ولسوء الحظ، فإن التركيز المحدود على الأمانة يمكن أن يقف في طريق تحقيق الجودة. إن المدربين بحاجة -قطعًا- لمشاركة المعلمين في تقديم الدعم الذي يقويهم لتنفيذ وسائل جديدة بطرق تجعلها تؤتي ثمارًا. ولكن ما يهم هو النتائج وليس الأمانة في العملية نفسها. أعني بالنتائج التغييرات الإيجابية في تعلم الطلاب و في حياتهم بشكل عام. ليست قيمة الأمانة في التنفيذ كبيرة إذا لم تحدث تغييرات إيجابية للطلاب.

من المشاكل المتعلقة بالأمانة هي أن مطالبة المعلمين بتنفيذ ما هو مدون بالضبط يجعلهم كعمال خط التجميع أو التصنيع لا كالمهنيين. ما قد ينتج عن التأكيد الزائد على الأمانة هو معلم يفعل كل ما يطلب منه بلا شغف ولا انخراط في العملية التعليمية بالإضافة وربما استخدم أساليب ووسائل تفشل في تحسين قدرة الطالب على التعلم.

أما القضية الثانية الأكثر أهمية فهي أن التدريس أعقد من أن يكون نموذجًا ثابتًا ملائمًا للجميع. يتضمن نهج الأمانة فكرة أن الحلول التي تتعامل مع التحديات التعليمية حلول فنية- في حين أنها في الواقع [حلول] تكيفية.

لا شك أن المدربين التعليميين بحاجة إلى أن يكونوا على دراية تامة وعميقة بأساليب التدريس التي  يشاركونها مع المتدربين وأن يكونوا ماهرين للغاية في العثور على تفسيرات دقيقة وسهلة الفهم لهذه الأساليب. ومع ذلك، فإنه يجب عليهم أن يقدموا المعلومات بطريقة تسمح للمعلم أن يفكر. يمكن -مثلًا- لأحد المدربين أن يقول -أثناء شرح أسلوب من أساليب التدريس-: “هذا ما يقوله البحث. ما الذي نحتاج أن نكيفه -برأيكم- ليكون مناسبًا لكم ولطلابكم؟ ما رأيكم في هذا النهج؟” عندما يكتفي المدربون بإخبار المعلمين بما عليهم فعله –تحقيقًا للأمانة- من غير أن يحترموا أفكارهم وآراءهم فإنهم يسحقون دافعيتهم ويستجلبون مقاومتهم.

يجب أخيرًا أن يكون التدريب عملية يوجهها الهدف منها. إن أسلوب التدريس الذي ينفذ بكفاءة هو -حصرًا- ما سوف يؤدي إلى نتائج إيجابية للطلاب. ولذا، فيجب على المدربين -بدلًا من إخبار المعلمين بما عليهم فعله تحديدًا- أن يشركوهم في محادثات يُنَاقش فيها ما يعتقد المعلمون أنه قد يحقق نتائج طيبة عند تطبيقه في فصولهم. إن التعامل مع المعلمين باعتبارهم مهنيين هو أفضل فرصة للمدربين لتحقيق تدريس ذي جودة عالية وقابلية تعلم أفضل للطلاب، أليس هذا هو المطلوب في نهاية المطاف؟

 

  • الاختيارات الحقيقية

عندما تهمل إدارة المدارس والمدربين أهمية استقلالية المعلم فإنهم يفعلون ذلك -غالبًا- لأنهم مهتمون جدًا بحاجات الطالب. [فلذلك] لا يشعرون قط بارتياح إذا لم يمسكوا بزمام كل شيء يخصهم. ولكن الإصرار الأعمى على المسؤولية والسيطرة يؤدي -كما رأينا- إلى إعاقة عملية تطور المعلم. يفشل الإلزام الخارجي والتدريب الإلزامي دومًا لأنه يضعف قوة المعلم ويقوض بشريته و يفشل في التعامل مع التعقيد الموجود داخل الفصل الدراسي. والخيار الأفضل هو أن ندمج الاستقلالية في التدريب. فعندما يملك المعلم حرية الاختيار ويشترك في التدريب الذي يمنحه المسؤولية الفاعلة يصبح النمو الحقيقي للطلاب ممكنًا.

 

فكر وناقش

  • هل تذكر مرة في مدرستك أو حيك ما إذا كان تأثير “النهج التوجيهي” في التدريب تأثيرًا عكسيًا في المعلمين؟ هل أمكن تقديم التدريب بصورة مختلفة؟
  • هل يمكنك أن تصف نماذج “للمسؤولية الفاعلة” في مدرستك؟ ما هي الظروف التي ساعدت على تكوينهم؟
  • ما الذي يمكنك تغييره في نظام تدريبك أو إشرافك من أجل احترام أكبر لاستقلالية المعلم؟ إلى أي مدى يشعرك إحداث التغيير هذا بالراحة؟

المصدر: ascd

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى