عام

فرط الحساسية والمنحة الإلهية

  • جون هيوز
  • ترجمة: سارة عبد المنعم
  • تحرير: فاطمة إنفيص

لمَ ليس بمقدوري أن أكون “عاديًا” فحسب؟!

لقد أرقني هذا السؤال كثيرا؛

طرق هذا السؤال سمعي أول مرة من أحد الحاضرين في أول مؤتمر للرجال مفرطي الحساسية في مارس الماضي في كاليفورنيا، فدونته، ومنذ ذلك الحين وأنا أفكر في الأمر!

لقد كان حقا يصف ما أشعر به حيال ذاك الشيء المسمى فرط الحساسية. إن الأشخاص شديدي الحساسية يواجهون الحياة بشكل مختلف عن البقية!، ويتضح ذلك في الكيفية التي نتواصل بها مع الآخرين، وأيضا يتضح بالطريقة التي نكافح بها في الحياة المهنية والعلاقات.

لقد مررت بوقت عصيب حين كنت أبحث عن طريق ومكان لي في هذا العالم؛ قد يعتقد البعض أني تجاوزت الأمر ونجحت، لكنني ما زلت أمر بوقت صعب حال الصراعات، لذا ما زلت أعتقد أنني لم أنجح بعد.

لقد سئمت كوني مفرط الحساسية، ولم أعد أريد تحمل هذا العبء. لم أعد أريد أن أغرق في التفاصيل اليومية في كل ما أسمع أو أرى أو أشعر، لم أعد أريد أن أجد نفسي مستغرقا في معالجة كل تلك المدخلات دون خيار مني؛ وما زاد الأمر سوءا أنه سرعان ما وصل هذا الإحساس المفرط بالمسؤولية ليخبرني أنه يجب أن أفعل شيئا حيال كل تلك الأفكار التي تدور في رأسي. إنه عبء عقلي وعاطفي مرهق، وفي بعض الأحيان يجعلني مستاءً.

كوني مفرط الحساسية أمر مرهق!

تلك السمة حقا مرهقة!

كل ما أريده هو أن أكون طبيعيا وحسب!

(نعم، الدكتورة آرون تذكرنا بأن تلك السمة طبيعية، وأننا طبيعيون، وأنا بالتأكيد لست في وضع يسمح لي بمخالفتها حيال هذا الأمر، لكنني لا أشعر بأنني طبيعي)

 

زومبي نهاية العالم

تُرى ماذا سيحدث إن استيقظت ذات يوم واكتشفت أنني “تعافيت”، اكتشفت أنني أصبحت أخيرا “طبيعيا”؟ وليس أنا فقط، بل كل مفرطي الحساسية أيضا تخلصوا من ذاك العبء والإحساس المفرط والاستغراق الدائم في جميع المثيرات الخفية -والتي ليست خفية بالقدر الذي تعتقده- حتى تفرط في الإرهاق ويبلغ بك الأمر أن تريد الخروج من المنزل والجري والصراخ في الشارع، وفي الصحراء.

ماذا يُمكن أن يحدث لو أننا بالفعل تعافينا جميعًا، كما لو أن زومبي نهاية العالم اجتاح الأرض، وامتص الحساسية العالية منا.

ألا يبدو هذا رائعا؟

في الحقيقة، ليس الأمر كذلك.

أنا بالفعل ممتلئ بالضغط والعبء حتى أني أشعر وكأنهما يتساقطان مني…

يمكننا أن نجلس ونسترخي، وندع رياح الحياة تعصف بنا بقوة، وبالعالم أيضا، وكما هي الحال مع الذين لا يملكون صفة مفرطي الحساسية فيمن حولنا، لا يهتمون بشخص واحد. يمكننا أن نترك الأمر للآخرين ليشعروا بعمق بالمسؤولية والتفكير والقلق والاهتمام والرعاية والابتكار والإبداع، ونسترخي نحن على الأريكة، نأكل الآيسكريم ونشاهد التلفاز.

من يتفق معي؟

أيبدو ذلك رائعا؟

في الحقيقة: لا.

حسنا، ربما سيكون الأمر لطيفا، لكنه لن يكون عادلا أبدا. لن يكون هذا الأمر عادلا نحو العالم ولا نحو أولئك الذين يعيشون فيه؛ لا الآن، ولا لاحقا، خاصة مع أولئك المقربين منا.

بالتأكيد، لن نُخدع بعد اليوم ولن نُتخذ سخريا، ولن يُتفقد أمرنا ثلاثين مرة في اليوم إذا كان كل شيء على ما يرام، لكن مساهماتنا ستُفتقد.

لذا، تنازل عن فكرة “الشفاء”، وتقبل كونك مفرط الحساسية كأمر طبيعي ولازم في الحياة.

بصراحة لو حدث فعلا ذلك الأمر، وتخلصنا من الحساسية، لا أعتقد أن نتيجة هذا الأمر ستروق لنا و للعالم؛ بالتأكيد سوف يفتقدنا العالم، سيُفقد تفردنا، ستُفتقد مساهماتنا في كل ما هو جميل.

نعم نحن طبيعيون، وجودنا في الحياة طبيعي ولازم، بالتأكيد سيكون لطيفا جدا لو تخطى الناس بنظرهم طبيعتنا التي يعتقدونها غريبة إلى ما وراءها من القيم التي نتمتع بها، والمواهب والاعتناء والمشاعر والجمال. لكن على الرغم من ذلك، فإن طبيعتنا التي يرونها غريبة هي ما يظهر في المشهد، وليس جوهرنا، كما لو أن تلك الطبيعة المختلفة عنهم صنفتنا وصنفت مكاننا، كما لو أننا الجزء المعتم في لوحة جمال بقية العالم.

أتفهم جيدا مدى سوء هذا الأمر، وأشعر بقدر إيلامه، ولكنه مجرد عبء آخر نحمله.

 

رسالة أسمى واستدعاء أعلى

ما أعتقده هو أننا -مفرطي حساسية- لدينا رسالة أسمى، واستدعاء من جهة أعلى فوق البشر لإتمام مهمة ما في هذا العالم. ومع كل استدعاء أعلى تأتينا دعوة للارتقاء من ذواتنا، وتوظيف تلك الهبة التي نُسجت بإتقان فينا. حتى لو كنا نبدو مثل لوحة بيكاسو “in the flesh”؛ تلك اللوحة التي يظهر فيها كائن غريب، انحناءاته زاوية وحادة جدا، وملتوٍ، تبرر بما لا يقبل الجدال الحاجة إلى تحقيق قاعدة التباعد المكاني دائما بمقدار ستة أقدام.

نعم، نحن مختلفون، ومتفردون

لكن دعنا ننظر لهذا الأمر باعتباره اتصالًا أعلى ورسالة أسمى… ونتقبلها بصدر رحب.

نعيش به كجزء من هويتنا، كما لو أنه لن يكون بمقدورنا أن نتنفس إذا أنكرنا حقيقة حساسيتنا العالية وغرضها.

إن العالم في أمس الحاجة إلينا، وإن لم يستطع البوح بتلك الكلمات.

العالم يحتاجك..

يحتاج إلى أسلوب تفكيرك المتفرد.. عاطفتك.. إبداعك.. قدرتك على التواصل بعمق مع الآخرين… قدرتك على الرعاية والاعتناء بما يتجاوز ما يبدو أنه مُمكنٌ إنسانيا.

ويحتاج منك أن تظهر باستمرار، وأن تكون حاضرا في المشهد..

لا… إنك لست عاديا على الإطلاق، لذا كُفّ عن المحاولة.

كن أنت… ودع الهبة التي تكمن بداخلك تفيض على العالم.

اقرأ ايضاً: لمَ يعاني الأشخاص الأذكياء جداً من الأمراض النفسية والجسدية أكثر من غيرهم؟

المصدر
hsperson

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى