عام

الفضيلة أم النجاح؟

لماذا أكون صالحاً بينما يبدو أن السيئين يحتلون المقدمة؟

  • جو همفريز
  • ترجمة: زينب عبد المطلب
  • مراجعة: مصطفى هندي
  • تحرير: ريمة بعث

“الكاذبون والمخادعون -مهما كانوا محترفين- فلا يمكنهم خداع أنفسهم في نهاية المطاف”.

(فيتوريو بوفاتشي)

ثمة اعتقاد شائع -خاصة في الأوساط التجارية والرياضية- أن الأشخاص الجيدين يكونون في المؤخرة.

ناهيك عن أن عامة البحوث النفسية التي تحاول دعم هذه النظرية قد فشلت (ابحث عنها إذا كان لديك وقت لتضيعه)، وبغض النظر عن أنه لا يوجد أي دليل علمي يثبت أن أنانية البشر توفر ميزة تطورية، إلا أنه قد يبدو من المنطقي أن ينظر الشخص العادي إلى رجل مثل دونالد ترامب ويعتقد أن طريق النجاح مرصوف بالكذب والخداع والفظاظة.

حتى إذا كان بإمكان المرء أن يتجاهل الأمثلة الكثيرة على أشخاص في المقدمة ممن ليسوا صالحين للغاية (انظر إلى سيرخيو راموس لاعب ريال مدريد، على سبيل المثال، وسترى الكثير من التهرب الضريبي، وخرق التنظيم، وغسيل الأموال)، قد يكون من الصعب تقديم مبرر إيجابي للتصرف بشكل أخلاقي عندما يحفزك مجتمعنا التنافسي لفعل خلاف ذلك.

لقد طلبت منصة Unthinkable هذا الأسبوع مساعدة الفيلسوف فيتوريو بوفاتشي من كلية كورك الجامعية لتقديم بعض الأسباب الملموسة التي تدفع الناس إلى أن يكونوا صالحين.

يقول بوفاتشي، المتخصص في الفلسفة السياسية (والذي يكتب حالياً كتاباً عن الخطيب الروماني شيشرون): “في تاريخ الفلسفة الغربية، هناك موقفان (عُرفان) مهيمنان في هذا الشأن:

العُرف الأول:

يشمل مفكرين من الرواقيين في اليونان القديمة وصولاً إلى فيليبا فوت في القرن العشرين، “ويشير إلى أنه يجب على المرء أن يكون صادقاً دائماً مع طبيعته؛ وأن تعيش حياة فاضلة يعني أن تعيش في انسجام مع طبيعتك البشرية” بعبارة أخرى، “الخير أو الفضيلة هما سمات ذاتية في الأشياء”.

العُرف المنافس:

يدحض النهجَ الأصيل لصالح نهج أكثر انتهازية وذرائعية: “فإذا كان هناك أي سبب لكونك صالحاً، فهو فقط لأن كونك خيّراً يجلب عواقب أو مكاسب أفضل من كونك سيئاً”. في حين أن هذا المنهج “غالباً ما يكون مرتبطاً بالفيلسوف توماس هوبز الذي عاش في القرن السابع عشر”، كما يقول بوفاتشي، فإن هذا الاتجاه يُدعم عادةً اليوم من قبل المفكرين النفعيين/البراجماتيين الذين يشجعوننا على تقييم الأخلاق ببساطة من خلال نتائجها النهائية.

النقطة المهمة هي أنه -بغض النظر عن الجانب الذي تتخذه- لا يوجد سبب للاعتقاد بأن الأخلاق ليس لها أساس. وإذا كنت في حيرة عما إذا كنت ستقوم بالشيء الخاطئ للمضي قدماً في الحياة، يقترح بوفاتشي أنك تسأل نفسك السؤال الخاطئ.

إذا لم يكن هناك إله ليعاقبك أو يكافئك، فهل هناك أي سبب لتكون صالحاً؟

“من الأفضل ألا نتحدث عن الإله، حيث يمكن تقييم الأخلاق بشكل مستقل عن الدين. ما تزال هناك أسباب وجيهة لتكون صالحاً حتى لو لم يكن هناك إله”.[1]

“أولاً وقبل كل شيء، إن الفرضية القائلة بأننا قد نكون صالحين فقط خوفاً من العقاب أو ترقباً للمكافأة يفسد فكرة الخيرية، لأنه يثير تساؤلات حول الدافع وراء كوننا صالحين.[2] السبب في أنني يجب أن أكون رجلاً صالحاً ليس لأن الله سيعرف إذا لم أكن كذلك، ولكن لأنني أنا سأعلم. أنا الشخص الذي يجب أن يعيش مع نفسي وأفعالي، لذا فإن سبب كوني صالحاً هو أنه أمر يعنيني، وليس بسبب ما قد يعتقده الآخرون عني -بما في ذلك الله”.

“كما قرر الرواقيون، لا يمكن للمرء أن يفخر بحياته إلا إذا كانت حياة فاضلة”.

يبدو أن الفضيلة تقف عائقاً في طريق النجاح؛ هل يوحي هذا أننا يجب أن نفعل الشيء الصحيح فقط عندما يكون مناسباً؟

“لنفترض أن النجاح يمكن تحقيقه في المستقبل القريب عبر وسائل شريرة أو عديمة الضمير، مثل الغش في الرياضة أو الفساد في السياسة؛ فما يزال هذا غير مستحسن لأنه في نهاية المطاف دائماً ما يتم اكتشاف المرء. وعلى المدى الطويل= الغش لا يؤتي ثماره”.

تمتع لانس أرمسترونغ بنجاحه بالفوز بسباق فرنسا للدراجات سبع مرات، وبالثناء الذي يجلبه هذا الإنجاز الذي يفوق طاقة البشر، ليتم فيما بعد تشويه سمعته وتجريده من انتصاره بعد فضيحة المنشطات الموثقة جيداً.

ولكن هناك أيضاً طريقة أخرى للنظر إلى هذا السؤال، والذي ربما يكون أكثر إثارة للاهتمام:

حتى لو تمكنت من النجاة بفعلتي، وإن لم يعرف أحد أبداً أنني غششت، ما يزال لدي أسباب وجيهة لعدم القيام بذلك، حيث سيكون هناك دائماً شخص واحد على الأقل يعرف الحقيقة: هذا الشخص هو أنا.

إذا خنت زوجتي، فسوف يتعين علي أن أعيش مع حقيقة أنني لست الشخص الذي اعتقدت نفسي إياه؛ وإذا حققت شهرة من خلال سرقة عمل شخص آخر، فسأعلم أنني لست الفيلسوف الرائع الذي يعتقد الجميع أنني هو.

في التحليل الأخير: أفعالي تُعرّفني؛ فالمرء بأفعاله. يجب أن يكون هذا دافعاً كافياً لفعل الشيء الصحيح دائماً. في هذه المسألة أتفق مع الفيلسوف الروماني شيشرون على أن الصفة البارزة للبشرية هي سعينا إلى الحقيقة.

أن تعيش في كذبة ليست طريقة للعيش أبداً”.

هل يمكنك أن تكون فاضلاً وناجحاً؟

لا أفهم لم لا؟ على الرغم من أنني غير مقتنع بفكرة وضع الفضيلة والنجاح على قدم المساواة، فهذه النظرة إلى النجاح مبالغ فيها. في مجتمعنا المهووس بالنجاح، ننسى أن النجاح له جانب قبيح.

كمفهوم مقارن، فإن النجاح يدور حول كونك أفضل من الآخرين، وهو ما يفسر جزئياً لماذا يقوم النجاح بإخراج أسوأ ما في الناس: النرجسية، الأنانية، الغرور، والغطرسة. النجاح منافٍ للمساواة بشدة. يجب على المرء أن يسعى من أجل حياة جيدة، وليس حياة ناجحة.

“إذا كانت الحياة الجيدة تؤدي إلى النجاح، فليكن ذلك، ولكن إذا كان عليّ أن أختار بين أن أكون صالحاً أو أن أكون ناجحاً، فأنا شخصياً سأختار الخيار الأول”.

اقرأ ايضاً: خمسُ تأملات في السّلطة والمظهر والبذاءة


[1] – يقول ريتشارد داوكنز -فارس الإلحاد الجديد- في كتابه “وهم الإله” أنه من المستحيل التأسيس لأخلاق مطلقة على أرضية غير الدين؛ هذا الاعتراف من ملحد يغني عن كثير من التنميق الذي يسعى خلفه العديد من المفكرين لإيجاد أساس للسلوك الأخلاقي بمعزل عن الدين. إن الأخلاق من منظور إلحادي هي في أحسن الأحوال: حزمة من السلوكيات التي يتعارف عليها المجتمع. لكن هذه الأعراف الاجتماعية لا يمكن تعميمها ولا النظر إليها كأخلاق تدل على الخير والشر بشكل موضوعي مستقل عن البيئة التي نشأت فيها. وليس السؤال هنا سؤال عن هل يمكن لمن لا يعترف بإله أن يسلك سلوكًا أخلاقيًا، بل السؤال: ما هو أساس هذا السلوك؟ باعتراف أحد رؤوس الملحدين أن هذا الأساس غير موجود بدون الإله.

[2] – تنظير الكاتب هنا قريب من “الواجب الكانطي”، الذي يعوّل على مصداقية وشفافية كل إنسان أمام نفسه، والمشاهد الواقع أن هذا ظن مسرف في المثالية في النفس البشرية.

المصدر
irishtimes

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى