- اليساندرا تانسيني
- ترجمة: الجراح القويز
- تحرير: البراء بن محمد
لا يتصالح المتعجرفون -غالباً- مع فكرة انتقادهم أو التشكيك فيما يقولون، بل ويواجهون ذلك بغضبٍ حتى وإن ووجهوا بالحقيقة بأسلوب مهذب. إنهم يخوِّفون ويقللون مقدار من يخالف آرائهم وهذا ناتج عن شعور المتغطرس بأنه متفوق على الآخرين وأنه ذو امتيازات خاصة.
إن هذا الإحساس بالاستحقاق والرغبة بإخماد الآخرين هو ما يفسر الغضب الشديد والنفور من النقد والسلوك العدواني الذي يتبع ذلك وهو ما يختص به أولئك الاشخاص.
إذا تحدث المتحدث -عادةً- بكلامٍ يتضمن ادعاءً أو مزاعمَ يعتقد صحتها فإنه يتوقع ردود فعل من الجمهور، وأن تصاغ هذه الردود باحترام، فالمتحدث يدين لجمهوره ومستمعيه بأن يكون صادقاً، وأنه -لأسباب مشروعة- يقول ما يعتقد صحته، وأنه سيدافع عن آرائه حتى وإن خالفه بعضهم. والفارق هنا هو أن المتعجرف يتغافل عن وجهات النظر التي تخالف آراءه والتي تحتمل الصحة، فهو يعتقد أن ما يراه هو الصواب [قطعاً] ويتصرف بناءً على ذلك كما لو أنه يمتلك صلاحيات خاصة بإصدار الأحكام عوضاً عن غيره .
ثمة ظروف يكلّف بعض الأشخاص فيها إصدار الأحكام، ولكنها أحوال يُطلب فيها هؤلاء الأشخاص بصفتهم أعضاء في هيئة المحلفين أو محكمين، وهذا يمنحهم سلطة فريدة لاتخاذ حكم يستند إلى وقائع المسألة. لكن ذلك غير قابل لنقاش أفراد المجتمع الآخرين. وهناك -في العادة- إجراءات للطعن في الأحكام ولكن الأحكام مغايرة للدعاوى العادية، وليس لأحد حق إصدارها عدا السلطات الخاصة.
والإشكال هنا أن المتغطرس يعتقد في قرارة نفسه أنه -بفضل تفوقه المزعوم- صاحب سلطة خاصة، ويعد -لذلك- مسائلة أفعاله عملاً غير مشروع. ولا يقف الأمر عند هذا الحد إذ إنه يعد أي نقد إهانة له فهو -بنظره- جحود لصلاحياته أو تفوقه المزعوم، ويتبع ذلك ردة فعل غاضبة. فالغضب هنا عاطفة سلبية موجهة لمن يظنُّ تعمده للإهانة، ويرافق ذلك أيضاً رغبة جامحة في الانتقام. إن انتقاده يعني إهانته باعتباره شخصاً عادياً، وهو ليس عادياً -كما يعتقد- ولذا يطالبك بمعاملته كما لو أنه متعال أو متفوق على البقية.
يستخدم المتعجرف أسلوب التخويف والإذلال عند غضبه محاولًا ردع أو كبح جماح المنتقدين له، وهو سلوك يجعله يحتفظ بمكانته العالية عن النقد، لأن منتقديه يتجنبون ردة فعله الجامحة بالتزام الصمت ابتعاداً عن الجدل. تكون ردة الفعل هذه -غالباً- عند الخجولين أو المفتقرين إلى الشجاعة لتحدي أولئك الذين يدافعون بغطرسة عن مكانتهم البارزة. وفي حين أن للإذلال آثاراً مماثلة، فإن الذين يتعرضون -غالباً- للإهانة العلنية يتشجعون -نادراً- لردها أو مقاومتها ويقفون -عوضاً عن ذلك- بصمتٍ وخجل.
إن معاملتك بأسلوب كهذا مراراً وتكراراً يقلل احترام ذاتك شيئاً فشيئاً. وهنا تكمن فاعلية أساليب التخويف والإذلال التي يستعملها المتعجرف، فتقليل احترام الناس أنفسهم يضمن بقاءه في مرتبة عليا عنهم.
ويظل السؤال مطروحاً : لماذا يحاول هؤلاء التقليل من شأن الاخرين؟ ولماذا هم غاضبون جداً؟ وجواب ذلك كما ذكر أرسطو في كتابه (الخطابة) يكمن في إحساسهم بانعدام الأمن. والمتكبر يقر في أعماقه عدم تفوقه وفرادته عن الناس ولذلك تجده يمارس العدوانية على الناس لكي يدافع عن آرائه الهشة، ثم يحاول تبرير ذلك بعقلانية لأنه يحتاج دوماً إلى تغذية غروره ليقمع الشكوك في عدم تميزه.
اقرأ ايضاً: ميشيل فوكو “عن الحمقى، والمجرمين، والمنحرفين جنسيًّا”
المصدر: oup blog