عام

ماذا بعد ثقافة النفط؟

  • ليفيا جيرشون
  • ترجمة: زينب عبد المطلب
  • تحرير: فاطمة إنفيص

مع تفاقم تغير المناخ أكثر وأكثر، بات من الضروري على نحو متزايد أن نتخيل عالم ما بعد الوقود الأحفوري. لكن هذا ليس بالأمر السهل، يقدم الباحث فريدريك بويل، في بحث كتبه في مجلة Journal of American Studies ، قصة موجزة، و شاملة في نفس الوقت عن العلاقات الإنسانية مع الطاقة، والتي استنتج منها أن كل شيء تقريباً في ثقافتنا اليوم يعتمد على النفط.

يبدأ بويل بحثه بالطاقة المخزنة في الغذاء والتي أثارتها الثورة الزراعية، ومع استئناس النباتات والحيوانات، جاءت تقنيات تخزين وإعداد الأغذية، وأشكال جديدة من العلاقات الاجتماعية، وظهرت البلدان والمدن.

بعد فترة طويلة، تزامن تطور المحرك البخاري الذي يعمل بالفحم مع صعود الرأسمالية الصناعية، فأنتج ما يطلق عليه بويل أول نظام طاقة “وفيرة حقاً”. تحمس بعض كتاب القرن التاسع عشر تجاه قوة الآلات الجديدة  من أجل خلق حياة “متحضرة وراقية”، ودخول عصر “التقدم المستمر”. نظر آخرون إلى مناجم الفحم، والمصانع التي تزودها بالطاقة، باعتبارها قلب نظام طبقي وحشي يلقي بالعمال في جحيم، ويسمّم هواء وماء المدن ثم جاء النفط.

على الرغم من أن إنتاج طاقة الفحم الوفيرة كان يتطلب عملًا خطرًا ومضنيًا، إلا أن ثقافة النفط المبكرة كانت أكثر وفرة. فكان من الممكن أن يصبح المضاربون أغنياء بأقل قدر من الاستثمار أوالعمل. كما وصفها الصحافي التشهيري إيدا تاربيل، كانت ثقافة “الرجال الحالمون الذين تجرؤوا على المجازفة بكل ما لديهم في مغامرة السعي إلى النفط”.

فتح هذا الفيض من روح المغامرة المجالَ أمام ما أطلق عليه بويل “رأسمالية الفحم الكهربائية النفطية”؛ فقد احتكر جون روكفلر صناعة النفط، بإقصائه المضاربين الجسورين، وفي نفس الوقت غيَّر الحياة اليومية للمستهلكين. فقد تنظفت أوساخ المدن التي كانت تعتمد على الفحم مع حلول النفط محله، وأزالت السيارات النفايات الحيوانية التي غطت الشوارع، كما أدت الإنارة والطاقة الكهربائية إلى تغيير المساكن والمصانع. كما ولدت مجازات جديدة أيضاً: فالناس “عملوا بكامل الأسطوانات” (أي بأقصى قدرتهم)، ووجدوا عروض الأداء “مُكَهرِبة” (أي حماسية)، وفي بعض الأحيان “احترقوا” (أي عملوا بجهد أكثر من اللازم).

زوّد النفط أيضاً آلات الموت التي قاتلت في الحربين العالميتين بالطاقة، وغيرها من الحروب بعد ذلك. بعد عشرة أيام من الهدنة التي أنهت الحرب العالمية الأولى، أعلن اللورد البريطاني كيرزون: “لقد توصلت قضية الحلفاء إلى النصر على موجة من النفط”. وفي السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، أصبح البترول الأساس المادي لرخاء جديد على نحو متزايد، فتحول إلى مواد بلاستيكية، ومواد صيدلانية، ومبيدات حشرية. فظهر بذلك الجانب المظلم: الخوف من الحرب النووية، والربيع الصامت، وأخيراً، تغير المناخ.

في الوقت الذي كان بويل يكتب فيه بحثه عام 2012، بزغ نظام ثقافي جديد، نظام يمزج بين الوفرة والكارثة، أو لنقل هذا ما يقترحه بويل. فقد وعدت الروبوتات وتقنية النانو والإنترنت بتحقيق تقدم سريع للثقافة البشرية، في حين صوّر أدب ما بعد نهاية العالم احتمالية أن يكون كل ذلك خاطئا بشكل مريع.

يثير هذا العرض التاريخي التساؤل حول الشكل الذي قد تبدو عليه ثقافة ما بعد النفط. فهل تؤدي كارثة المناخ، أو ضبط النفس المتعمد، إلى إحداث ندرة جديدة تؤدي إلى تراجع التقدم المادي الذي تحقق في القرن العشرين؟ هل تؤدي مصادر الطاقة الخطيرة وذات الطابع التقني الفائق مثل المحطات النووية إلى دعم السلطات التكنوقراطية؟ هل يمكن لنظم الطاقة المتجددة الموزّعة والشبكات الصغرى أن تعزز أنواعاً جديدة من المحلية والديموقراطية؟ يشير تاريخ ثقافات الطاقة إلى أن العواقب المترتبة على اتباع أي من هذه المسارات سوف يكون أكثر تعقيداً مما يمكننا أن نتكهن به.

المصدر
jstor

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى