- كريستوفر مينستر
- ترجمة: زينب عبد المطلب
- تحرير: عائشة السلمي
- مراجعة: نجوى الشمري
في ثاني اثنين من تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام، يحتفل الملايين من الأمريكيين بيوم كولومبوس، وهو واحد من عطلتين فدراليتين فقط مخصصتين للاحتفال برجال معينين. وقد تمت إعادة رواية وكتابة قصة مستكشف وملّاح جنوة الأسطوري كريستوفر كولومبوس عدة مرات. ويرى البعض أنه كان مُستكشفاً مِقداماً متتبعا لحدسه نحو عالم جديد . بينما يرى آخرون أنه كان وحشاً، تاجراً للرقيق والذي أطلق العنان لأهوال الغزو على المواطنين الأصليين المطمئنين. فما هي الحقائق حول كريستوفر كولومبوس ؟
أسطورة كريستوفر كولومبوس
يُلقَّن تلاميذ المدارس أن كريستوفر كولومبوس أراد أن يكتشف أمريكا ، أو في بعض الحالات ، أنه أراد أن يُثبت أن الأرض دائرية. وقد أقنع ملكة إسبانيا إيزابيلا بتمويل رحلته فباعت لذلك مجوهراتها الشخصية. واتّجه بشجاعة نحو الغرب فوجد الأميركيتين ومنطقة الكاريبي، فعمل على تكوين صداقات مع المواطنين الأصليين إلى جانب ذلك. ثم عاد إلى إسبانيا بفخر بعد أن اكتشف العالم الجديد.
ما الخطأ في هذه القصة ؟ إنها خاطئة إلى حدّ ما في الواقع.
الأسطورة الأولى : أراد كولومبوس إثبات أن الأرض غير مسطحة
كانت نظرية الأرض المسطحة وإمكان الإبحار إلى حافة الأرض شائعة في العصور الوسطى، ولكنها كانت قد فقدت مصداقيتها في زمن كولومبوس. غير أن رحلته الأولى إلى العالم الجديد ساعدت في تصحيح خطأ شائع. فقد أثبتت أن الأرض أكبر بكثير مما تصوّره الناس من قبل.
يستند كولومبوس في حساباته على افتراضات خاطئة حول حجم الأرض، وافترض أنه من الممكن الوصول إلى أسواق شرق آسيا الغنية عبر الإبحار غرباً. فلو أنه نجح في إيجاد طريق تجاري جديد، لكان ذلك قد جعله رجلاً ثرياً للغاية. لكنه وجد بدلاً من ذلك منطقة الكاريبي، التي كانت مأهولة بثقافات لا تملك إلا القليل من الذهب والفضة أو السلع التجارية. ومع عدم رغبته في التخلي تماماً عن حساباته، فقد جعل كولومبوس من نفسه أضحوكة في أوروبا بادعائه بأن الأرض لم تكن مستديرة بل كانت على شكل إجاصة. وقال أنه لم يعثر على آسيا بسبب الجزء المنتفخ من الإجاصة بالقرب من العود.
الأسطورة الثانية : أقنع كولومبوس الملكة إيزابيلا ببيع مجوهراتها لتمويل الرحلة
إنه لم يكن بحاجة إلى ذلك. فقد كانت إيزابيلا وزوجها فرديناند، حديثي العهد بغزو الممالك البربرية في جنوب إسبانيا، يملكان أكثر من القدر الكافي من المال لإرسال شخص مثل كولومبوس ليبحر إلى الغرب في ثلاث سفن من الدرجة الثانية. حاول كولومبوس الحصول على التمويل من ممالك أخرى مثل إنجلترا والبرتغال ولكن دون جدوى. وقد أمضى كولومبوس سنوات طويلة حول البلاط الإسباني، متعلقاً بوعود مبهمة. وقد استسلم في الواقع وكان ينوي التّوجه إلى فرنسا ليجرب حظه هناك عندما وصل إليه خبر أن ملك وملكة إسبانيا قررا تمويل رحلته لعام 1492.
الأسطورة الثالثة: كَوّن كولومبس صداقات مع السكان الأصليين الذين قابلهم
لقد ترك الأوروبيون، بسفنهم وبنادقهم وملابسهم الفاخرة وحليهم اللامعة، انطباعاً لا بأس به عند قبائل الكاريبي والتي كانت متأخرة تقنياً كثيراً عنهم. لقد ترك كولومبوس انطباعا جيّدا عندما أراد ذلك. فعلى سبيل المثال، أقام علاقة صداقة مع زعيم قبيلة محلي في جزيرة إيسبانيولا يدعى غواكاناجاري لأنه كان في حاجة إلى ترك بعض رجاله وراءه.
ولكن كولومبوس أَسَرَ أيضاً سكاناً أصليين آخرين لاستخدامهم كعبيد. فقد كانت ممارسة الرق شائعة وقانونية في أوروبا في ذلك الوقت، كما كانت تجارة الرق مربحة للغاية. فلم ينسَ كولومبوس قط أن رحلته لم تكن رحلة استكشاف، بل رحلة لأهداف اقتصادية. وكان تمويله نابعاً من الأمل في العثور على طريق تجاري جديد مربح. وهو لم يفعل شيئاً من هذا القبيل: فالناس الذين قابلهم لم يكن لديهم الكثير ليتاجروا به. ولكونه شخصا انتهازيا، فقد أسر بعض المواطنين الأصليين كي يثبت أنهم سيكونون عبيداً جيدين. وبعد سنوات، انهار لعلمه أن الملكة إيزابيلا قررت إعلان أن العالم الجديد محظور على النخّاسين.
الأسطورة الرابعة: عاد إلى إسبانيا بفخر بعد أن اكتشف الأمريكتين
مرة أخرى، هذه الأسطورة هي نصف حقيقية. في البداية، اعتبر أغلب المراقبين في إسبانيا أن رحلته الأولى فشلت فشلاً ذريعاً. فهو لم يجد طريقاً تجارياً جديداً وقد غرقت أكثر سفنه الثلاث قيمة (سانتا ماريا). وعندما بدأ يدرك الناس لاحقاً أن الأراضي التي عثر عليها كولومبوس لم تكن معروفة من قبل، نمت مكانته وتمكن من الحصول على التمويل لرحلة ثانية أضخم بكثير من أجل الاستكشاف والاستعمار.
أما عن اكتشاف الأمريكتين، فقد أشار العديد من الناس على مر السنين إلى ضرورة كون شيء ما “مفقودا” ليتم اكتشافه، ومن المؤكد أن الملايين من البشر الذين يعيشون بالفعل في العالم الجديد لا يحتاجون إلى أن يتم “اكتشافهم”.
ولكن علاوة على ذلك، تشبث كولومبوس بآرائه بعناد طوال حياته الباقية، فكان يعتقد دوماً أن الأراضي التي عثر عليها هي الطرف الشرقي الأقصى من آسيا وأن أسواق اليابان والهند الغنية كانت على مسافة أبعد قليلاً. حتى أنه طرح نظريته السخيفة حول الأرض الإجاصية الشكل لجعل الحقائق تتناسب مع افتراضاته. لم يمض وقت طويل قبل أن يدرك الجميع حوله أن العالم الجديد كان شيئاً لم يسبق للأوروبيين رؤيته، إلا أن كولومبوس ذاته وافته المنية دون أن يعترف بأنهم كانوا على حق.
كريستوفر كولومبوس: بطل أم شرير ؟
منذ وفاته في عام 1506، خضعت قصة حياة كولومبوس إلى العديد من المراجعات. لقد تمت شيطنته من قبل جماعات حقوق السكان الأصليين، بينما كان في يوم من الأيام في موقع قداسة. فما هو الخبر الحقيقي ؟
كولومبوس لم يكن وحشاً ولا قديساً. كانت لديه بعض الصفات المثيرة للإعجاب وبعض الصفات السلبية للغاية.
من الناحية الإيجابيّة، كان كولومبوس بحّارا وملاحاً وقبطان سفينة موهوب جدّاً. فقد ذهب بشجاعة إلى الغرب دون خريطة، واثقاً في حدسه وحساباته. وكان مخلصاً للغاية لأسياده، ملك وملكة إسبانيا، وقد كافأوه بإرساله إلى العالم الجديد لأربع مرات. وبينما أخذ العبيد من القبائل التي حاربته ورجاله، يبدو أنه تعامل بنزاهة نسبية مع القبائل التي صادقها، كقبيلة الزعيم غواكاناجاري .
ولكن هناك العديد مما يشوب أسطورته أيضاً. ومن المفارقات هنا أن منتقدي كولومبوس يلومونه على بعض الأشياء التي لم تكن تحت سيطرته ويتجاهلون بعضا من أشد عيوبه الفعلية وضوحاً. فقد جلب هو وطاقمه أمراضاً شنيعة، مثل الجدري، والتي لم يكن لدى رجال ونساء العالم الجديد أي مناعة ضدها فمات الملايين. وهذا أمر لا يمكن إنكاره، ولكنه كان أيضاً غير مقصود وكان سيحدث في نهاية المطاف على أية حال. لقد فتح اكتشافه الأبواب أمام الغزاة الذين نهبوا إمبراطوريتي الأزتيك والإنكا العظيمتين وذبحوا المواطنين الأصليين بالآلاف، ولكن هذا أيضاً كان ليحدث على الأرجح حينما يكتشف شخص آخر العالم الجديد لا محالة.
إذا كان على أحد أن يكره كولومبوس، فإنه من المعقول أن يفعل ذلك لأسباب أخرى. لقد كان تاجراً للعبيد والذي قام بأخذ الرجال والنساء بعيداً عن أسرهم دون رحمة من أجل التخفيف من وطأة فشله في إيجاد طريق تجاري جديد. لقد احتقره معاصروه. وبوصفه حاكما لسانتو دومينغو في إسبانيولا، كان مستبداً حيث احتفظ بكل ما لديه من أرباح لنفسه وإخوته، وكان مكروهاً من قبل المستعمرين الذين كان يسيطر على حياتهم. بُذلت محاولات في حياته لإقصائه وقد أعيد بالفعل إلى إسبانيا مقيّداً بالسلاسل في مرحلة ما بعد رحلته الثالثة.
وخلال رحلته الرابعة، تقطّعت به السبل مع رجاله في جامايكا لمدة عام عندما تعفّنت سفنه. ولم يرغب أحد في السفر إلى هناك من إسبانيولا لإنقاذه. كما كان بخيلاً أيضًا. فبعد أن وعد بتقديم مكافأة لمن تقع عينه على اليابسة أولاً في رحلته لعام 1492، رفض أن يمنح المكافأة للبحار رودريغو دي تريانا عندما فعل ذلك، فمنحها لنفسه بدلاً من ذلك لأنه كان قد رأى “توهجاً” في الليلة السابقة.
في السابق، كان ارتقاء كولومبوس إلى مكانة البطل سبباً في دفع الناس إلى تسمية المدن (ودولة هي كولومبيا) باسمه، وما زالت العديد من الأماكن تحتفل بيوم كولومبوس. ولكن في أيامنا هذه، يميل الناس إلى رؤية كولومبوس على حقيقته: رجل مؤثّر بإرث مشوش.
اقرأ ايضاً: لقد وصل المسلمون إلى أمريكا قبل البروتستانت بأكثر من قرن، وبأعداد كبيرة. فكيف نُسيَ تاريخهم؟
المصادر:
Carle, Robert. “Remembering Columbus: Blinded by Politics.” Academic Questions 32.1
(2019): 105–13. Print.
Cook, Noble David. “Sickness, Starvation, and Death in Early Hispaniola.” The Journal of Interdisciplinary History 32.3 (2002): 349–86. Print.
Herring, Hubert. A History of Latin America From the Beginnings to the Present. New York: Alfred A. Knopf, 1962.
Kelsey, Harry. “Finding the Way Home: Spanish Exploration of the Round-Trip Route
across the Pacific Ocean.” Science, Empire and the European Exploration of the Pacific. Ed.
Ballantyne, Tony. The Pacific World: Lands, Peoples, and History of the Pacific, 1500–1900. New York: Routledge, 2018. Print.
Thomas, Hugh. “Rivers of Gold: The Rise of the Spanish Empire, from Columbus to
Magellan.” New York: Random House, 2005.