عام

أنا، أنا، أنا، الملذات العصبية لجيل السيلفي

  • جوليان روز
  • ترجمة: محمود مصطفى
  • مراجعة: الغازي محمد
  • تحرير: ناريمان علاء الدين

نحن البشر مخلوقات فضولية إلى حدٍ ما، سأعترف بذلك. العديد من الجوانب لجهتنا، العديد من الألوان لعاطفتنا، والعديد من الرحلات لمُخيّلتنا. ولكن السؤال الذي يجب أن يُطرحَ هو: هل نعرف المزيد عن هذه الصفات من خلال جعل أنفسنا هدفًا دائمًا للافتتان؟

من الممكن للمرء أن يفترض هذا بناءً على عبادة (السيلفي) والتي تتأجج في مختلف أنحاء العالم في هذه الحقبة من التطور البشري. وأنا أميل لقول (تدهور)، إن العودة إلى الوراء على الأقل تشكل فرصة للتواصل مع شيء ملموس وصلب، أما عيش الحياة كتجربة افتراضية حيث تكون صورة المرء الفوتوغرافية نقطة الجذب الرئيسية، فهي تفشل في استفزاز شعوري بالإعجاب للجنس البشري.

لقد ذهبت عبادة (السيلفي) بعيدًا حتى أن التقارير الآن بدأت تُظهر أن المدمنين كثيرًا ما يضعون أنفسهم في مواضع بها خطرٌ حقيقيٌ لأجل الحصول على لقطة مثالية. لقد مات العديد بالفعل نتيجة تهورهم من أجل الحصول على (سيلفي) مثالي.

لو كان لي أن أسترخي، وأرجع للوراء قليلًا لألقي نظرة على كل هذا، لكنت سأقول: (حسنًا، جميعنا نحتاج أن نحصل على إثارة من نوع ما، دع الناس وكاميراتهم يستمتعون بها، بعيدا عمّا نسمعه من إفراط مؤذٍ، أليس كذلك؟

سيكون الأمر بسيطًا بما فيه الكفاية لمواكبة مثل هذا التوقع، لولا حقيقة أن الأمر برُمّته بالتأكيد يخبرنا شيئًا أبعد بكثير من هوس اللحظة المجنونة هذه. إنه يخبرنا شيئًا عميقًا حول الانشغال العميق بالسطحية ذاتها.

نوع من رياضة إطراء الأنا والتي وصلت شعبيتها الآن حد الوباء.

هل هذه مجرد ردة فعل ضد الشعور بالوحدة والشعور بعدم الأهمية في عالم يبدو غير مبالٍ بمصير الفرد؟ هل هذه رغبة بأن تتم ملاحظتنا في عصر من الترويج المبالغ فيه لنجومٍ تتم هندستهم على المسرح، الفيديو، والوسائط الاجتماعية، وأشياء أخرى؟ قدر كبير من الاهتمام بالذات والذي يخرج من الشيف التلفزيوني إلى نجم الإباحية، إلى المتصنّع السياسي.

أيًا يكن السبب، فإن طبيعتها واسعة الانتشار التي لا يمكن إنكارها، قد أضافت المزيد من الحقائب التكنولوجية لترسانة سائح القرن الحادي والعشرين، والتي يبدو أنها أدواتٌ لا يمكن الاستغناء عنها. إن لم يكن المرء محدقًا لشاشة هاتفه المضيئة أثناء السير عبر منظرٍ طبيعي جميل، أو أن المرء يقف أمام نفس الخلفية وهو يبتسم بتفاهةٍ لالتقاط (سيلفي). في حين أن التواصل مع الطبيعة نفسها، التي هي مصدر جميع احتياجاتنا العميقة والعملية = يتم إهماله. متروكة خارج الصورة إلا بالقدر الذي يجعلها تشكل خلفية لغرور النفس المتضخم.

هنا تكمن فكرةٌ عن هذا الضرر. الحياة الحديثة تم اختلاقها لتكون شكلًا من أشكال الواقع الافتراضي، والتي عزلت البشر عن جذورهم. القدرة على إيجاد تقدير عميق للجمال، والهدوء، والقوة الفعلية للمناظر الطبيعية تم خنقها بواسطة ضبابِ دخانٍ كهربائيٍ لمحاولات سطحية لإرضاء الذات. وقد شكَّل مجموع هذه التجارب حاجزًا حقيقيًا ضد الغرائز الحقيقية، التصورات، وخبرات الحياة المُرضية الحقيقية.

هذه المسألة الراهنة خطيرة؛ لأننا نحتاج أن تكون هذه الخصال في طليعة حياتنا اليومية لأجل كسب/استعادة إحساس حقيقي من الموازنة والاتزان. لنجد في أنفسنا ما يعطينا الشجاعة والرؤية التي نحتاجها للاشتباك ولدحض هذا الجو الخانق من الخدع والحقائق الملتوية وجحافل الأكاذيب في عصرنا.

أولئك الذين يشعرون بضرورة إحاطة أنفسهم بمنبهات لتغذية ذواتهم السطحية ليس بإمكانهم مقاومة الرِق للقُوى المُسيطرة التي تقوم بهذا. ليس بإمكانهم مقاومة كونهم رهائنَ لعروض البيع المخطط لها بعناية، والتي تجعل هؤلاء الناس يشعرون أن عليهم دائما أن يمتلكوا الأحدث والأكثر تقدمًا والأكثر ضرورية.

والتي تتضمن أيضًا موافقةً عمياء لعملية التجهيل التي تشكّل معظم ما تُظهره وسائل الإعلام من تلفاز وصحف ومجلات وكل قنوات الاتصال التي تبني حائطا منيعا بين الإنسان وبين وعيه من خلال الأخبار الملفّقة المطبوعة والمرئية على مدار الساعة.

فقط خطوة صغيرة من هنا لفتح القبول المُسلّح للحياة في (المدينة الذكية). حياة تأتي فيها موجات كهرومغناطيسية دقيقة مع كل هواء تتنفسه. المكان الذي يكون فيه (كونك مراقبًا)، و(المراقبة) يشكلان إطارًا حول الأنشطة الرئيسية لليوم، وبلا شك الليل. مكان صُمِمَ وبُني لمدمني التكنولوجيا، والمرء قد يتغلب عليه. لكنه في الواقع سجن خبيث ومعسكر لفرض سيطرة برنامج التحكم (السيبورجيني).

إنه مكان حيث لا أشجار موجودة؛ لأنها تقاطع إشارات شبكة الجيل الخامس، والتي تتحكم في حركة كل شيء يحدث في هذا العالم القاحل، والذي يتكون من الخرسانة، والزجاج، والموجات الدقيقة. والويل لك إذا فقدت رقاقتك الشخصية والتي تتيح لك الوصول لكل شيء، بما في ذلك سيارتك ذاتية القيادة، والقدرة على فتح الباب الأمامي لمنزلك. في المدينة الذكية فقد رقاقتك أو تدميرها يعني أنه ينبغي عليك أن تحصل على الإذن من الأخ الأكبر للعودة لمنزلك، إنارة الأضواء، وفتح الثلاجة.

(إنترنت لكل شيء)* والذي من المقرر أن يكون المحور التقني لشبكة الجيل الخامس للمدينة الذكية سيضمن أن لا مواطن يستطيع التصرف بعيدًا عن كمبيوتر التحكم المركزي.

خيالات أورويل؟ كلا، إنه واقع قائم بالفعل في مراحله الأولى.

لكن افترض أن كل هذا سوف يكون مصدرًا لأولئك الذين يقبلون مصيرًا يتم التحكم فيه عن طيب خاطرٍ بواسطة أي شخص آخر غير أنفسهم. الذين يجدون مثل هذا الوجود التقني المختل- امتدادًا مباشرًا لانبهارهم بكل ما يوصف بأنه (سطحي). وهذا يعيدنا مرةً أخرى للأساس النرجسي للسيلفي، والذي يجوب العالم مع  ذراع الكتروني للكاميرا ليكون بإمكانهم التقاط الصور لأنفسهم مقابل خلفيات عجيبة، وأعمال معمارية شهيرة كما لو كانت مجرد قصاصات فارغة لكراسي المسرح. بعد كل ذلك، الأساس في السيلفي أن الشيء الحقيقي الوحيد ذو الأهمية هو أنفسهم.

إنها سمة مغرية ملحوظة تؤدي إلى حبس روح الإنسان. الصدمة الأساسية في كل هذا أن الأمر برُمّته يبدو طبيعيًا جدًا، وأن من لا يتماشون؛ يُنظر لهم بشكٍ، وينزِلون إلى متحف السلالات النادرة في المراعي القديمة لإجراء أبحاث خاصة في سماتهم الفردية الغريبة.

سلالات نادرة، ومع ذلك تبين أن لديها جيناتٌ قوية، وأجهزة مناعة تقاوم. لم يهجروا الطبيعة لأجل شبكات الجيل الخامس القاحلة المدعومة. بدلًا من ذلك، نظموا المقاومة، وكانوا مَدعُومين بمصادر الطاقة التي لم يتم التعرف عليها أو فهمها من قبل .

لقد أَبْقُوا على قيد الحياة شعلة العدالة والحقيقة وتزايد عددهم على الرغم من المشهد الدستيوبي (الواقع المرير) من حولهم.

لقد احتفظوا بالاسم الجماعي “الإنسانية” والمشاعر الدافئة التي يقوم عليها هذا الاسم – الهيئة التي نسميها (إنسان). وفي غضون ذلك عادوا لرعاية الكوكب الذي احتضنهم، ولإنقاذ الغارقين في نرجسية الحساء الكهرومغناطيسي الناتج عن اختيارهم الساذج. لقد استجابوا لصرخات يأس هؤلاء الأسرى، لإيجاد طريق للعودة من السجن السام الذي فرضوه على أنفسهم. كانت فقط (سيلفي) تستعصي على الحل، والتي لم تجعلهم يعودون للحياة الحقيقية، وشهد الباقي ازدهار الذات الذي لم يعلموا بوجوده: الذات غير الأنانية.

كيف تم بنجاح إقصاء هذه الذات غير الأنانية في وسط كل هذه المشتات والزيف المدفوع بمساحاتنا “الذكية” عديمة الروح.

وكما لوحظ دائما خلال هذه الألفية، الطريق الحقيقي للتعلم، دائما وأبدا يكون عن طريق التجربة.

اقرأ ايضاً: فن الاعتزال: أهم مهارة لم يعلمك إياها أحد


*كلمة Selfie تعني صورة شخصية التقطها الشخص نفسه، وعادة ما يتم التقاطها بهاتف ذكي أو كاميرا رقمية ومشاركتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

أول ظهور معروف لمصطلح Selfie كان في عام 2002 في أستراليا، ومع ذلك فإن مفهوم الـ Selfie أو اتخاذ صورة ذاتية في التصوير الفوتوغرافي يعود إلى أوائل القرن التاسع عشر، عندما التقط المصور الأمريكي روبرت كورنيليوس عام ١٨٣٩ صورة ذاتية لنفسه، لتكون أول Selfie في تاريخ التصوير الفوتوغرافي. (المترجم).

*إنترنت الأشياء (بالإنجليزية:Internet of Things – IoT)

واحدة من أقوى الظواهر النفسية في الاقتصاد السلوكي هي: تأثير الحيازة، الذي أعلن عنه ريتشارد تالر ودانييل كانيمان وجاك نتيتش لأول مرة في عام 1991، وهناك مظاهر ومعانٍ مختلفة لهذا التأثير … أكمل قراءة مقال: ممتلكاتنا: نملكها أم تملكنا؟
المصدر
globalresearch

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى