- جيسي إيزنجر ، جيف إرنستهاوزن ، بول كيل
- ترجمة: منال الظاهري
حصلت ProPublica[1] على معلومات لا يمكن الوصول إليها بسهولة من مصلحة الضرائب توضح كيف أن المليارديرات مثل جيف بيزوس وإيلون ماسك ووارن بافيت يدفعون القليل من ضريبة الدخل مقارنة بثروتهم الهائلة؛ وأحيانًا لا يدفعون شيئًا أصلاً.
في عام ٢٠٠٧ لم يدفع (جيف بيزوس) فلساً واحداً من ضرائب الدخل الفيدرالية، والذي كان ملياردير آنذاك، ويعتبر حالياً أغنى رجل في العالم، واستطاع تحقيق الأمر نفسه مرة أخرى في عام ٢٠١١. وفي عام ٢٠١٨ لم يدفع مؤسس تسلا (إيلون ماسك) -ثاني أغنى شخص في العالم- أي ضرائب دخل فيدرالية.
تمكن (مايكل بلومبرغ) من القيام بنفس الشيء في السنوات الأخيرة، وقام المستثمر الملياردير (كارل ايكان) بذلك مرتين. كما لم يدفع (جورج سوروس) أي ضريبة دخل لمدة ثلاث سنوات متتالية.
حصلت منظمة ProPublica على مجموعة كبيرة من بيانات دائرة الإيرادات الداخلية حول الإقرارات الضريبية للآلاف من أغنى الناس في البلاد، والتي تغطي أكثر من ١٥ عاماً، وتوفر البيانات نظرة غير مسبوقة داخل الحياة المالية لعمالقة أمريكا، بما في ذلك (وارن بافيت) و(بيل غيتس) و(روبرت مردوخ) و(مارك زوكربيرج)، وهي لا تُظهر فقط دخلهم وضرائبهم فحسب، ولكن أيضاً استثماراتهم وتداولات الأسهم ومكاسب القمار، وحتى نتائج عمليات التدقيق الضريبي.
وإذا ما جُمعت هذه المعلومات معاً، فإنها تهدم حجر الأساس في النظام الضريبي الأمريكي؛ وهو أن على الجميع دفع نصابهم العادل وأن الأغنياء منهم يدفعون أكثر من غيرهم، حيث تُظهر سجلات مصلحة الضرائب أن الأثرياء يستطيعون -من الناحية القانونية- دفع ضرائب الدخل والتي لا تشكل سوى جزء ضئيل من مئات الملايين، إن لم يكن المليارات، فثروتهم تتزايد كل عام.
يعتمد الكثير من الأمريكيين بشكل كامل على دخلهم الشهري للعيش، ويدخرون مبلغاً ضئيلاً ويدفعون للحكومة الفيدرالية نسبة من دخلهم ترتفع كل ما زاد ما يجنونه.
في السنوات الأخيرة كانت الأسرة الأمريكية متوسطة الدخل تكسب حوالي ٧٠ ألف دولار سنوياً وتدفع ١٤٪ كضريبة، وقد تحقق أعلى معدل لضريبة الدخل هذا العام وهو ٣٧٪ للأزواج الذين تجاوزت أرباحهم ٦٢٨٣٠٠ دولار.
كما تُظهر السجلات الضريبية السرية التي حصلت عليها ProPublica أن الأثرياء يتفادون هذا النظام بنجاح. فأصحاب المليارات في أمريكا يطبقون استراتيجيات تجنب الضرائب بمنأى عن الناس العاديين، حيث تعتمد ثروتهم على القيمة الهائلة لأصولهم مثل الأسهم والممتلكات، وطبقا للقانون الأمريكي لا تدخل هذه الممتلكات تحت الضريبة، مالم يبعها أصحابُها.
أجرت ProPublica تحليلاً غير مُسبق لكشف الوضع المالي للأثرياء في أمريكا، حيث قامت بمقارنة مقدار الضرائب التي يدفعها أغنى ٢٥ أمريكياً كل عام والذي قدرته مجلة فوربس بأن ثروتهم نمت في نفس الفترة الزمنية، وهو ما يُطلق عليه “المعدل الضريبي الواقعي”، وكانت النتائج صادمة، فوفقاً لمجلة فوربس فقد شهد هؤلاء الخمسة وعشرون شخصاً ارتفاعاً في ثروتهم بلغ ٤٠١ مليار دولار في الفترة ما بين ٢٠١٤ و٢٠١٨، وكما تُظهر بيانات مصلحة الضرائب فقد بلغ مجموع ما قاموا بدفعه ١٣,٦ مليار دولار من ضرائب الدخل الفيدرالية في تلك السنوات الخمس، ومع أنه مبلغ ضخم إلا أنه يصل إلى معدل ضريبي حقيقي يبلغ ٣,٤٪ فقط.
وهو وضع مختلف تماماً بالنسبة للأمريكيين من الطبقة المتوسطة، فعلى سبيل المثال أصحاب الأجور في أوائل الأربعينات من العمر الذين جمعوا قدراً نموذجياً من الثروة بالنسبة لمن هم في مثل سنّهم. ففي الفترة من عام ٢٠١٤ إلى عام ٢٠١٨ شهدت هذه الأسر توسعاً في صافي الدخل بمعدل ٦٥ ألف دولار بعد الضرائب ويرجع ذلك في الغالب إلى ارتفاع قيمة مساكنهم، ولكن لأن الجزء الأكبر من أرباحهم كان رواتبهم الشهرية، فإن فواتيرهم الضريبية كانت تقريباً بنفس القدر أي ما يقارب ٦٢ ألف دولار في تلك الفترة.
ولم يستطع أحد من بين الأغنياء الخمسة والعشرون تجنب الضريبة مثلما فعل (بافيت) وربما كان ذلك مفاجئاً نظراً لموقفه العلني كمدافع عن زيادة الضرائب على الأغنياء، ووفقاً لمجلة فوربس فقد ارتفعت ثروته بمقدار ٢٤,٣ مليار دولار بين عامي ٢٠١٤ و٢٠١٨، وأظهرت البيانات أن (بافيت) قد أبلغ عن دفع ضرائب مقدارها ٢٣,٧ مليون دولار على مدى تلك السنوات. وهو شيء قابل للتحقيق بمعدل ضريبة حقيقي مقداره ٠,١٪ أو أقل من ١٠ سنتات لكل ١٠٠ دولار تضاف إلى ثروته.
وستستخدم ProPublica في الأشهر المقبلة بيانات مصلحة الضرائب التي حصلت عليها للكشف بالتفصيل عن طرق تفادي الأثرياء لدفع الضرائب واستغلال الثغرات والتهرب من مدققي حسابات الضرائب الفيدراليين.
لقد فهم الخبراء منذ فترة طويلة الخطوط العريضة لمدى قوة الضرائب المفروضة على الأثرياء في الولايات المتحدة، كما كانت الضرائب مصدر تساؤل لدى المتحررين؛ ولكن لا يظهر على الملأ سوى القليل من التفاصيل حول الأفراد أكثر من أي وقت مضى، فالمعلومات الضريبية من أكثر الأسرار التي يتم حراستها بطريقة مشدده من قبل الحكومة الفيدرالية.
وقد قررت منظمة ProPublica الكشف عن المعلومات الضريبية لبعض أثرياء أمريكا، فمن خلال رؤية بعض التفاصيل يمكن للجمهور فهم واقع النظام الضريبي في البلاد.
ولنلق نظرة على عام ٢٠٠٧، وهي إحدى السنوات التي لم يدفع فيها (بيزوس) أي ضرائب، في حين تضاعفت فيها أسهم شركة أمازون، ووفقاً لمجلة فوربس فقد ازدادت ثروته بمقدار ٢٤,٣ مليار دولار بين عامي ٢٠١٤ و٢٠١٨.
والسؤال هو كيف يستطيع المرء الاستمتاع بمثل هذا التضخم في الثروة إذا كان يدفع ضريبة ما يكسبه في نهاية المطاف؟
في ذلك العام أبلغ (بيزوس) الذي قدم ضرائبه بالاشتراك مع زوجته آنذاك ماكنزي سكوت عن دخل بسيط -بالنسبة له- قدره ٦٤ مليون دولار، ويرجع مصدرها إلى فوائد وأرباح الاستثمارات الخارجية، فقد تمكن من تعويض كل قرش كسبه مقابل خسائر من الاستثمارات الجانبية وخصومات مختلفة، مثل نفقات الفائدة على الديون وفئة “النفقات الأخرى” الغامضة.
في عام ٢٠١١ عندما استقرت ثروته تقريباً عند ١٨ مليار دولار قدم (بيزوس) إقراراً ضريبياً يفيد فيه بأنه خسر مبلغاً من المال وكان دخله في ذلك العام أكثر مما قابله من خسائر استثمارية، لأنه وفقاً لقانون الضرائب فقد قال إنه أقر بمبلغ قليل، حتى أنه ادعى حصوله خصم ضريبي قدره ٤٠٠٠ دولار لأطفاله.
وكان تجنبه للضرائب أكثر لفتاً للنظر إذا ما قمنا بالتدقيق في الفترة مابين ٢٠٠٦ إلى ٢٠١٨ وهي الفترة التي حصلت فيها ProPublica على البيانات كاملة، ووفقاً لمجلة فوربس فقد زادت ثروة بيزوس بمقدار ١٢٧ مليار دولار لكنه أبلغ فقط عمّا مجموعه ٦,٥ مليار دولار من الدخل، ورغم أن مبلغ ١,٤ مليار دولار الذي دفعه من الضرائب يعتبر رقم هائل ومع ذلك فهو لا يشكل إلا ١,١٪ من ثروته.
وتأتي المعلومات التي توفرها بيانات مصلحة الضرائب في لحظة حاسمة، في الوقت الذي أصبحت قضية عدم المساواة في الثروة إحدى القضايا الشائكة في عصرنا، ويدرس الرئيس الأمريكي والكونغرس الزيادات الضريبية الأكثر تحقيقاً منذ عقود على ذوي الدخول المرتفعة، ولكن النقاش عن التغييرات التدريجية هيمن على الحديث الضريبي الأمريكي مثل ما إذا كان ينبغي أن يكون معدل الضريبة الأعلى ٣٩,٦٪ بدلاً من ٣٧٪.
وتظهر بيانات ProPublica أنه في حين سيدفع بعض الأمريكيين الأثرياء -مثل مديري صناديق التحوط- المزيد من الضرائب بموجب مقترحات إدارة بايدن الحالية، فإن الحال لن تتغير بشكل ملحوظ بالنسبة للغالبية العظمى من الأثرياء.
تم توفير البيانات الضريبية لمنظمة ProPublica بعد أن نشرنا سلسلة من المقالات التي دققت في مصلحة الضرائب وكشفت المقالات كيف أعاقت سنوات من التخفيضات في الميزانية قدرة الوكالة على تطبيق القانون وكيف استفادت أكبر الشركات والأغنياء من ضعف مصلحة الضرائب. كما أظهرت كيف أن الناس في المناطق الفقيرة هم الآن أكثر عرضة للمراجعة من أولئك الذين في المناطق الغنية.
لا تكشف ProPublica عن كيفية حصولها على البيانات والتي أُعطيت لنا في شكلها الخام مع عدم وجود شروط أو استنتاجات، فقد أمضى مراسلو ProPublica أشهراً في معالجة وتحليل المواد لتحويلها إلى قاعدة بيانات قابلة للاستخدام.
ثم تحققنا من المعلومات من خلال مقارنة عناصرها بمجموعة من تفاصيل الضرائب العامة في وثائق المحكمة والكشف المالي للسياسيين والقصص الإخبارية وكذلك من خلال فحصها مع بيانات الأفراد الذين ترد معلوماتهم الضريبية في الدفين، تم طلب التعليق من كل شخص تم نشر معلوماته الضريبية في هذه القصة، وقال جميعهم بمن في ذلك (بافيت) و(بلومبرج) و(إيكان) بأنهم قاموا بدفع الضرائب المستحقة عليهم.
وقال متحدث باسم (سوروس) في بيان: “بين عامي ٢٠١٦ و٢٠١٨ خسر (جورج سوروس) وضع جل أمواله في استثماراته”، وبالتالي لم يكن مديناً لمصلحة الضرائب في تلك السنوات، وقد أيد السيد (سوروس) منذ فترة طويلة فرض ضرائب أعلى على الأمريكيين الأثرياء. ورفض ممثلو (بيزوس) الشخصيون والشركات تلقي أسئلة مفصلة عن هذه المسألة، وقد حاولت ProPublica الوصول إلى (سكوت) من خلال محامي الطلاق الخاص بها وهو ممثلها الشخصي ولم يتم الرد من قبل أفراد الأسرة، وقد رد (ماسك) على استفسار أولي بعلامة استفهام ولكن بعد أن أرسلنا إليه أسئلة مفصلة لم يرد.
وقد اعترض أحد المليارديرات المذكورين في هذه المقالة بحجة أن نشر المعلومات الضريبية الشخصية يعد انتهاكاً للخصوصية، وقد خلصنا إلى أن المصلحة العامة في معرفة هذه المعلومات في هذه اللحظة المحورية تفوق ذلك الشاغل المشروع.
وكانت عواقب السماح لأكثر الناس ازدهاراً بلعبة النظام الضريبي وخيمة، فقد ظلت الميزانيات الفيدرالية إلى جانب الإنفاق العسكري مقيدة لعقود من الزمان. كما انهارت الطرق والجسور وذبلت الخدمات الاجتماعية، كما أن ملاءمة الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية موضع تساؤل دائم.
هناك مسألة أكثر جوهرية من مسألة البرامج التي تحصل على تمويل أم لا، إذ تعتبر الضرائب نوع من أنواع التضحية الجماعية، لا أحد يرغب بإعطاء أمواله التي اكتسبها بشق الأنفس للحكومة، ولكن يتم الاستمرار بتطبيق النظام طالما يُنظر إليه على أنه عادل.
ففي تحليلنا للبيانات الضريبية لأغنى ٢٥ أمريكياً يحدد كمياً مدى الظلم الذي أصبح عليه النظام، وبحلول نهاية عام ٢٠١٨ بلغ مجموع ثروة ال٢٥ تريليون دولار.
وعلى سبيل المقارنة فإن الأمر يتطلب ١٤,٣ مليون من الأمريكيين أصحاب الأجور العادية لمعادلة نفس القدر من الثروة.
في عام ٢٠١٨ بلغت قيمة الضرائب الفيدرالية لأغنى ٢٥ أمريكي ١,٩ مليار دولار، أما فاتورة أصحاب الأجور فقد بلغت ١٤٣ مليار دولار.
ولا تظهر الوثائق التأسيسية للدولة فكرة فرض ضريبة منتظمة على الدخل ناهيك عن فرض ضريبة على الثروة، في الواقع فإن المادة ١ من دستور الولايات المتحدة تحظر فرض ضرائب مباشرة على المواطنين في أغلب الظروف، وهذا يعني أن الحكومة الأمريكية مولت نفسها بشكل رئيس على مدى عقود من خلال فرض الضرائب غير المباشرة مثل التعريفات الجمركية والرسوم على السلع الاستهلاكية مثل التبغ والكحول.
ومع اقتراب دفع تكاليف الحرب الأهلية فرض الكونغرس ضريبة دخل وطنية في عام ١٨٦١، ساعد الأثرياء في فرض إلغائها بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب، وكان من الممكن أن يتفاقم موقفهم فقط من حقيقة أن القانون يتطلب الكشف العلني، فعلى سبيل المثال يبلغ الدخل السنوي اليوم لـ(وليام أستور) يساوي ١,٣ مليون دولار، و ٥٧٦٠٠٠ دولار لـ(كورنيليوس فاندربيلت) وتم إدراجه في صفحات صحيفة نيويورك تايمز في ١٨٦٥.
وبحلول أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين كان التفاوت في الثروة حاداً بالإضافة إلى تغير المناخ السياسي، فقد بدأت الحكومة الاتحادية في التوسع وأنشأت وكالات لحماية الغذاء والعمال وما هو أكثر من ذلك، فقد كانت بحاجة إلى التمويل ولكن التعريفات الجمركية كانت تصعب على الأمريكيين العاديين أكثر من الأغنياء، وكانت المحكمة العليا قد رفضت قانوناً في عام ١٨٩٤ كان من شأنه أن يفرض ضريبة دخل، لذا تحرك الكونغرس لتعديل الدستور.
وتم اعتماد التعديل السادس عشر في عام ١٩١٣ مما أعطى الحكومة سلطة وضع وتحصيل الضرائب على الدخل بغض النظر عن مصدره.
ومع اقتراب دفع تكاليف الحرب الأهلية فرض الكونغرس ضريبة دخل وطنية في عام ١٨٦١ وفي عام ١٩١٨ كانت ١٥٪ من الأسر الأمريكية فقط مدانة بدفع الضرائب، ووفقاً للمؤرخ (دبليو إليوت باونلي) قامت نسبة ١٪ بدفع ٨٠٪ من الإيرادات التي تم جمعها.
ولكن يبقى السؤال: ما الذي يمكن أن يحسب كدخل ومالذي لا يمكن أن يحسب؟ في عام ١٩١٦ حصلت امرأة تدعى (ميرتل ماكومبر) على أرباح أسهمها في Standard Oil of California، وبحسب القانون الجديد فقد كانت مدينة بدفع الضرائب غير أن الأرباح لم تكن نقدية بل جاءت على شكل حصة إضافية لكل سهمين كانت تحتفظ بهما مسبقاً، وقامت بدفع الضرائب ثم رفعت دعوى قضائية. نعم لقد أصبحت أكثر ثراءً بعض الشيء لكنها لم تحصل على أي مال لذلك قالت بأنها لم تتلق أي دخل.
وكانت المحكمة العليا قد رفضت قانوناً في عام ١٨٩٤ كان من شأنه أن يفرض ضريبة دخل، ففي قضية (آيزنر) ضد (ماكومبر) حكمت المحكمة العليا أن الدخل مستمد فقط من العائدات المالية، ويحتاج الشخص إلى بيع أصول أسهم أو سندات أو بناء وجني بعض المال قبل أن يتم فرض ضرائب عليه.
ومنذ ذلك الحين أصبح أساس النظام الضريبي الأمريكي الراسخ هو أن الدخل لا يأتي إلا من العائدات وعندما يتم تحقيق المكاسب يتم فرض ضرائب على الأجور، وعلى الأرباح النقدية وعلى الأرباح من بيع الأصول، ولكن إذا كان دافع الضرائب لم يبع أي شيء فلا يوجد دخل وبالتالي لا توجد ضريبة.
كان النقاد المعاصرون لـ (ماكومبر) و(فيرين) ذوي بصيرة، ووفقاً لما ذكرته الباحثة (مارجوري كورنهاوزر) هاجم (كورديال هال) عضو مجلس الكونغرس المعرف باسم (أبو ضريبة الدخل) هذا القرار، وتوقع هال أن يصبح تجنب دفع الضرائب أمراً شائعاً وحذر (هال) من أن الحكم قام بعمل ثغرة كبيرة مما سمح للصناعيين ببناء شركات والاقتراض مقابل السهم لدفع نفقات المعيشة، وقال إن باستطاعة أي شخص العيش على قيمة أسهم شركته دون بيعها وبالطبع دون دفع أي ضريبة.
ولن تصبح تنبؤات (هال) واقعية إلا بعد عقود، مدفوعة بسلسلة من التغيرات الاقتصادية والقانونية والثقافية التاريخية التي بدأت تكتسب زخماً في سبعينيات القرن العشرين، وقبلت هيئة مكافحة الاحتكار على نحو متزايد عمليات الاندماج وتوقفوا عن محاولة تفكيك الشركات الضخمة، من جانبها أصبحت الشركات مهووسة بقيمة أسهمها أكثر من أي شيء آخر، وقد ساعد ذلك في زيادة عدد الشركات المتجانسة في الأربعين عاماً الماضية بدءاً من Microsoft و Oracal في الثمانينات والتسعينات وحتى Amazon و Google و Facebook و Apple اليوم، والتي تركز غالباً على ملكيتها وهوامش ربحها المرتفعة وأسعار أسهمها الغنية. وقد خلق الاقتصاد أن الفائز يأخذ كل شيء من ثروات حديثة غير أن بعض التدابير تتفوق عليها؛ مما دفع ذوي الطبقة العادية إلى استخدام مجموعة من التقنيات الغير متاحة لتلك الوسائل الأقل التفافاً على النظام الضريبي. ومن المؤكد أن من بينهم المتهربين من الضرائب غير المشروعة ولكن تبين أن أصحاب المليارات ليسوا مضطرين للتهرب من الضرائب بشكل غريب وغير مشروع بل يمكنهم تجنبها بشكل روتيني وقانوني.
يعمل معظم الأمريكيين بكد لكسب عيشهم وعندها فإنهم يحصلون على رواتبهم بالإضافة لدفع للضرائب، وترى الحكومة الفيدرالية أن كل دولار يكسبه العامل يعتبر دخلاً ويستقطع أصحاب العمل الضرائب مباشرة من رواتبهم؛ بينما ليس للعاملين في (بيزوس) حاجة لتقاضي أي رواتب طالما تم تحديد أجور (بيزوس) في Amazon عند مستوى الطبقة المتوسطة البالغ حوالي ٨٠٠٠٠ دولار سنوياً.
كانت هناك بعض المنافسة امتدت لسنوات بين نخبة المؤسسين والمدراء التنفيذيين لتقليل الاستقالات، فقد تقاضى (ستيف جوبز) راتباً مقداره دولار واحد فقط عندما عاد إلى Apple عام ١٩٩٠. Facebook و Oracalو Googleفعلوا الشيء نفسه مع كل من (زوكربيرج) و(لاري أليسون) و(لاري بيج).
ومع ذلك فهي لا تعتبر مبادرة لإنكار الذات كما تبدو؛ حيث يتم فرض ضرائب مرتفعة على الأجور.
وقد أقرّ أغنى ٢٥ أمريكياً بأجور بلغت ١٥٨ مليون دولار في عام ٢٠١٨ وفقاً لبيانات مصلحة الضرائب، وهذا مجرد ١,١٪ مما تم إدراجه في نماذج الضرائب الخاصة بهم كدخل إجمالي تم الإبلاغ عنه، أما الباقي فقد جاء في الغالب من أرباح الأسهم وبيعها أو بيع السندات أو الاستثمارات الأخرى التي تفرض عليها ضرائب بمعدلات أقل من الأجور.
وكما توقع عضو الكونغرس (هال) منذ فترة طويلة فإن الأثرياء عادة ما يتمسكون بالأسهم في الشركات التي أسسوها، ولذا يجلس العديد من جبابرة القرن الحادي والعشرين على جبال تعرف باسم “المكاسب غير المحققة” التي يتقلب حجمها الإجمالي كل يوم مع ارتفاع وهبوط أسعار الأسهم، ووفقاً للاقتصاديين في جامعة كاليفورنيا بيركلي (إيمانويل سايز) و(غابرييل زوكمان) من بين ٤,٢٥ تريليون دولار من الثروة التي يملكها المليارديرات الأمريكيون مالم يتم تحقيقه كان حوالي ٢,٧ تريليون دولار.
وقد تمسك (بافيت) بأسهمه في الشركة التي أسسها، كما فعل (وبيركشاير هاثاواي) بالتكدس الذي يملكه و(جيكو دوراسيل) وحصص كبيرة في American Express و Cocacola وقد سمح ذلك لـ (بافيت) إلى حد كبير بتجنب تحويل ثروته إلى دخل، وفي الفترة بين عامي ٢٠١٥ و٢٠١٨ سجل إيرادات سنوية تتراوح بين ١١,٦ مليون دولار و٢٥ مليون دولار. قد يبدو هذا كثيراً لكن يحتل (بافيت) المرتبة السادسة فثي العالم حيث تبلغ ثروته ١١٠ مليار دولار وفقاً لتقديرات فوربس، وفي مايو ٢٠٢١ أفاد ما لا يقل عن ١٤٠٠٠ من دافعي الضرائب الأمريكيين في عام ٢٠١٥ عن دخل أعلى منه وفقاً لبيانات مصلحة الضرائب.
هناك أيضاً استراتيجية أخرى يعتمد عليها (بافيت) لتقليل الدخل وبالتالي تقليل الضرائب.
فعلى سبيل المثال، لاتدفع بيركشاير أرباحاً، والعديد من الشركات تدفع كل ثلاثة أشهر لأولئك الذين يملكون أسهمهم، ولذا فكثيراً ما جادل (بافيت) بأنه من الأفضل استخدام هذه الأموال للعثور على استثمارات لبيركشاير من شانها ان تزيد من قيمة الأسهم التي يمتلكها هو ومستثمرون آخرون، ولو كانت بيركشاير قد قدمت عرضاً قريباً من متوسط أرباح الأسهم في السنوات الأخيرة لكان (بافيت) قد تلقى أكثر من مليار دولار من إيرادات الأرباح وكان مديناً بمئات الملايين من الضرائب كل عام.
وقد حاكت العديد من شركات وادي السليكون وتكنولوجيا المعلومات نموذج (بافيت) متجنبة أرباح الأسهم على الأقل لبعض الوقت، ففي الثمانينات والتسعينات عرضت شركات مثل: Microsoft، Oracal، على المساهمين نمواً هائلاً في الأرباح ولكنها لم تدفع شيئاً. Google، Facebook، Amazon، Tesla، لايدفعون أرباح الأسهم.
في رد مكتوب بالتفصيل دافع (بافيت) عن ممارساته لكنه لم يتطرق مباشرة إلى حساب معدل الضريبة الحقيقي لـ ProPublica، وكتب “مازلت أعتقد أنه يجب تغيير قانون الضرائب بشكل كامل” وأضاف أنه يعتقد بأن توارث المبالغ الضخمة غير مرغوب في مجتمعنا.
وقد أيدت الغالبية العظمى من حملة أسهم بيركشاير قرار عدم دفع أية أرباح وقد كتب “لا أتذكر أي شركة عامة وكبيرة قد اتحد مساهموها في معتقداتهم بخصوص إعادة الاستثمار”، وأشار إلى أن بيركشاير هاثواي تدفع ضرائب كبيرة على الشركات، حيث تمثل ١,٥٪ من إجمالي ضرائب الشركات الأمريكية في ٢٠١٩ و٢٠٢٠.
وأكد (بافيت) من جديد أنه بدأ في التخلي عن ثروته الهائلة ويخطط في نهاية المطاف للتبرع بنسبة ٩٩,٥٪ منها للجمعيات الخيرية، وقال “أعتقد أن الأموال ستكون ذات فائدة اجتماعية أكبر إذا تم صرفها بشكل خيري أكثر مما لو استخدمت لخفض الديون الأمريكية المتزايدة بشكل طفيف”.
فكيف يدفع أصحاب المليارات فواتيرهم الضخمة بينما يختارون رواتب دولار واحد ويتشبثون بأسهمهم؟ ووفقاً للوثائق العامة والخبراء فإن الجواب بالنسبة للبعض هو اقتراض الكثير من المال.
بالنسبة للأشخاص العاديين فإن اقتراض المال غالباً ما يكون شيئاً بدافع الضرورة، لشراء سيارة أو منزل، ولكن بالنسبة للأثرياء يمكن أن تكون وسيلة للوصول إلى المليارات دون وجود دخل وبالتالي وجود ضريبة لذلك الدخل.
وتوفر الحسابات الضريبية حافزاً واضحاً لذلك، فإذا كنت تملك شركة وتتقاضى راتباً ضخماً فستدفع ٣٧٪ من ضريبة الدخل على الجزء الأكبر منها، وعند بيع الأسهم عليك أن تدفع ٢٠٪ في ضريبة الأرباح الرأسمالية وتفقد بعض السيطرة على شركتك، ولكن هذه الأيام عند الحصول على قرض سوف يتم دفع مبلغ فائدة من رقم واحد وليس ضريبة، وبما أن القروض يجب أن تسدد، فإن مصلحة الضرائب لا تعتبرها كدخل بالنسبة لهم، وعادة ما تحتاج البنوك إلى ضمانات ولكن الأثرياء يستطيعون الحصول عليها بسهولة.
ولذا فإن الغالبية العظمى من القروض لا تظهر في السجلات الضريبية التي حصلت عليها ProPublica لأنه لا يتم الكشف عنها عموماً لمصلحة الضرائب، ولكن في بعض الأحيان يتم الكشف عن القروض في إيداعات الأوراق المالية، ففي عام ٢٠١٤ على سبيل المثال كشفت شركة Oracal أن رئيسها التنفيذي (إليسون) كان لديه خط ائتمان مضمون بنحو ١٠ مليار دولار من أسهمه.
وفي العام الماضي ذكرت Tesla أن (ماسك) تعهد بتقديم ٩٢ مليون سهم بلغت قيمتها نحو ٥٧,٧ مليار دولار حتى ٢٩ مايو ٢٠٢١ كضمان على القروض الشخصية.
باستثناء عام واحد عندما حصد أكثر من مليار دولار من الأسهم، فإن فواتير (ماسك) الضريبية لا تعكس بأي حال من الأحوال الثروة التي يملكها تحت تصرفه. ففي عام ٢٠١٥ دفع ٦٨٠٠٠ دولار ضريبة دخل، وفي عام ٢٠١٧ كانت ٦٥٠٠٠ دولار، أما في ٢٠١٨ لم يدفع أي ضريبة، وبين عامي ٢٠١٤ و٢٠١٨ كان معدل الضريبة الحقيقي ٣,٢٧٪.
تقدم سجلات مصلحة الضرائب لمحات عن القروض الضخمة الأخرى، ففي عامي ٢٠١٦ و٢٠١٧ لم يدفع المستثمر (كارل إيكان) الذي يحتل المرتبة ٤٠ بين أغنياء أمريكا في قائمة فوربس أي ضرائب دخل على الرغم من الإبلاغ عما مجموعه ٥٤٤ مليون دولار من إجمالي الدخل الذي تعرفه مصلحة الضرائب بأنه أرباح ناقص بنود مثل مدفوعات فوائد قروض الدراسة أو النفقة، وكان إيكان قد حصل على قرض غير مسدد من ١,٢ مليار دولار من أحد بنوك أمريكا من بين عدة قروض أخرى وفقاً لبيانات مصلحة الضرائب، من الناحية الفنية تم على الأقل تأمين الرهن العقاري من قبل شقق بنتهاوس مانهاتن وغيرها من الممتلكات.
يعتبر الاقتراض مفيد لـ (إيكان) من عدة نواحي: يحصل على مبالغ نقدية ضخمة لشحن عائدات استثماره، ثم يحصل على خصم الفائدة من ضرائبه، وفي المقابل أوضح إيكان أنه يبلغ عن أرباح وخسائر إمبراطوريته التجارية على ضرائبه الشخصية.
واعترف (إيكان) بأنه مقترض كبير “أنا أقترض الكثير من المال” وردّاً على سؤال حول ما إذا كان يأخذ قروضاً أيضاً لخفض فاتورته الضريبية فقد قال: “لا على الإطلاق، الاقتراض هو بمثابة الفوز بالنسبة لي، أنا أستمتع بالمنافسة كما أستمتع بالفوز”.
وقال إن الدخل الإجمالي المعد بالنسبة له ليس سوى لغرض التضليل، وذكر أنه بعد أن أخذ مئات الملايين من الخصومات مقابل الفائدة على قروضه سجل خسائر ضريبية لكلا العامين: “لم أجنِ المال لأن اهتماماتي كانت أعلى بكثير من التركيز على دخلي”.
وردّاً على سؤال حول ما إذا كان من اللائق عدم دفع أي ضريبة في سنوات معينة، قال (إيكان) أنه يشعر بعدم الراحة تجاه هذا السؤال وقال: “هناك سبب وراء تسميتها بضريبة الدخل، والسبب هو سواء كنت فقيراً أو غنياً أو حتى إذا كنت Apple نفسها، إذا لم يكن لديك دخل فإنه لا يتوجب عليك دفع الضرائب” وأضاف: “هل تعتقد أن الشخص الغني يجب أن يدفع الضرائب بجميع الأحوال؟ لا أعتقد أن هذا الأمر له علاقة وثيقة، كيف يمكنك أن تسألني سؤالاً كهذا؟”.
قد يشكك البعض في تحليلنا لمدى ضرورة دفع الأثرياء للضرائب، فقد يزعمون أن مالكي الشركات معرضون لدفع الضرائب المفروضة على شركاتهم، كما أنه قد يصعب على بعض أصحاب المليارات تجنب الحصول على الدخل وبالتالي دفع الضرائب، وبعد الوفاة هناك ذلك المصطلح الشائع وهو شرط نهائي لعدم التهرب وهو الضريبة العقارية التي تفرض معدل ضريبة حاد على المبالغ التي تزيد عن ١١,٧ مليون دولار.
وجدت ProPublica أن أياً من هذه العوامل لا يغير الصورة الأساسية وهي تحصيل ضرائب الشركات.
ويقول خبراء الاقتصاد أنه عندما تدفع الشركات لهم فإن هذه التكاليف تنتقل إلى مالكي الشركات أو عمالها أو حتى المستهلكين، وتختلف النماذج ولكنها تفترض عموما أن كبار حملة الأسهم يتحملون نصيب الأسد.
ومع ذلك فقد انخفضت الضرائب المفروضة على الشركات في العقود الأخيرة مما جعله العصر الذهبي لتجنب الضرائب على الشركات، دفعت شركات مثل: Google، Facebook، Microsoft، Apple، في كثير من الأحيان ضرائب شركات أمريكية قليلة أو معدومة من خلال إرسال الأرباح إلى الخارج.
وبالنسبة لبعض أغنى الناس في البلاد وخاصة بيزوس وماسك فإن إضافة ضرائب الشركات إلى المعادلة لن يغير أي شيء على الإطلاق، بينما هناك شركات أخرى مثل بيركشاير هاثواي و وول مارت لا تدفع أكثر من ذلك، مما يعني أن ضريبة الشركات يمكن أن تضيف عبئاً آخر بالنسبة لأشخاص مثل (بافيت والتون).
وصحيح أيضاً أن بعض أصحاب المليارات لا يستطيعون تجنب الضرائب عن طريق تجنب على الحصول على دخل، ففي عام ٢٠١٨ أقر تسعة من ال ٢٥ الأغنياء بأكثر من ٥٠٠ مليون دولار من الدخل وثلاثة بأكثر من مليار دولار.
وعلى الرغم من البيانات التي حصلت عليها ProPublica فإنه في مثل هذه الحالات يظهر أن المليارديرات لديهم لائحة من خيارات تجنب الضرائب لتعويض مكاسبهم باستخدام الائتمانات والخصومات (التي يمكن أن تشمل التبرعات الخيرية) أو الخسائر لخفض أو حتى تصفير فواتير الضرائب الخاصة بهم، وفي بعض الفرق الرياضية الخاصة التي تقدم مثل هذه الصفقات المربحة التي ينتهي حال أصحابها بدفع معدلات ضريبية أقل بكثير من لاعبها المليونير، وتملك مبان تجارية أخرى ترتفع قيمتها باستمرار ولكن مع ذلك يمكن استخدامها للتخلص من الخسائر الورقية التي تعوض الدخل.
يبلّغ (مايكل بلومبرغ) -وهو رقم ١٣ بين أغنياء أمريكا حسب قائمة فوربس- عن دخل مرتفع لأن أرباح الشركة الخاصة التي يديرها تتدفق إليه بشكل رئيسي.
وقد بلغ دخله عام ٢٠١٨، ١,٩ مليار دولار، وعندما يتعلق الأمر بضرائبه يتمكن (بلومبرغ) من خفض فاتورته باستخدام الخصومات التي تحققت بفضل التخفيضات الضريبية التي تم تمريرها خلال إدارة (ترامب) والتبرعات الخيرية التي بلغت ٩٦٨,٣ مليون دولار والائتمانات لدفع الضرائب الأجنبية، وكانت النتيجة النهائية أنه دفع ضريبة تساوي ٧٠,٧ مليون دولار على ما يقارب ٢ مليار دولار من الدخل، وهذا لا يعادل سوى معدل ضريبة الدخل التقليدي وهو ٣,٧٪.
بين عامي ٢٠١٤ و٢٠١٨ كان لدى (بلومبرغ) معدل ضريبي حقيقي قدره ١,٣٠٪. وأشار متحدث باسم (بلومبرغ) في بيان إلى أن الأخير دعا إلى مجموعة متنوعة من الزيادات الضريبية على الأثرياء، وكتب المتحدث أن (مايك بلومبرغ) يدفع الحد الأقصى لمعدل الضريبة كما ينص القانون على جميع المدخولات الفيدرالية والحكومية والدخل الخاضع للضريبة على المستوى المحلي والدولي، واستشهد بعطائها الخيري حيث قدم الحسابات التي تثبت أن مجموع ما يقدمه (مايك) للجمعيات الخيرية ويدفعه كضرائب يبلغ حوالي ٧٥٪ من دخله السنوي.
كما أشار البيان إلى ما يلي: إن الإفصاح عن الإقرارات الضريبية للمواطن العادي ينبغي أن يثير مخاوف حقيقية بشأن الخصوصية بغض النظر عن الانتماء السياسي أو وجهات النظر بشأن السياسة الضريبية، ففي الولايات المتحدة الأمريكية لا ينبغي لأي مواطن عادي أن يخشى الإفصاح بشكل غير قانوني عن ضرائبه، ونحن نعتزم استخدام جميع الوسائل القانونية المتاحة لنا لتحديد أي كيان فردي أو حكومي سرب هذه الوسائل وضمان تحمله مسؤولياتها.
بعد عقود من تراكم الثروة من المفترض أن تكون الضريبة العقارية في نهاية المطاف بمثابة دعم، مما يسمح للسلطات بفرصة أخذ قطعة من الثروات العملاقة قبل أن تنتقل إلى جيل جديد، ولكن في حقيقة الأمر فإن الاستعداد للموت اشبه بالمرحلة الأخيرة من مراحل تجنب الضرائب بالنسبة للأثرياء.
لخص أستاذ قانون الضرائب في جامعة جنوب كاليفورنيا McCaffery الوضع بأكمله في شعار: “اشتر، اقترض، مُت“.
إن فكرة الوفاة كفائدة ضريبية تبدو متناقضة، فعادة عندما يبيع شخص ما أحد الأصول حتى قبل دقيقة من وفاته فإنه مدين بضريبة أرباح رأس المال بنسبة ٢٠٪، لكنها تتغير بعد الوفاة ولا تفرض ضرائب على أي أرباح رأسمالية حتى تلك اللحظة، وهذا يسمح للأغنياء وورثتهم بتجنب دفع المليارات من الضرائب، ويعترف الخبراء من مختلف الفئات السياسية على نطاق واسع بأن تلك القاعدة تعتبر عيباً في المدونة.
ثم تأتي ضريبة العقارات بنسبة ٤٠٪ وهي من بين أعلى الضرائب في القانون الاتحادي، ومن المفترض أن تعطي هذه الضريبة الحكومة فرصة أخيرة للحصول على جزء من كل تلك المكاسب غير المحققة وغيرها من الأصول التي يتهافت عليها أغنى الأمريكيين خلال حياتهم.
على الرغم من البيانات الإجمالية لمصلحة الضرائب والبحوث الضريبية وما يتساقط قليلاً في الساحة العامة حول التخطيط العقاري للأثرياء التي يمكن أن تلخّص بسهولة تحول ما يقرب من نصف قيمة ممتلكاتهم، العديد من الأغنياء قاموا بإنشاء مؤسسات العطاء الخيري والتي توفر خصومات ضريبية خيرية كبيرة خلال حياتهم وتجاوز الضريبة العقارية عندما يموتون.
ويقدم مدراء الثروات للعملاء مجموعة من الصناديق الائتمانية المبهمة والمعقدة التي تسمح لأغنى الأمريكيين بإعطاء مبالغ كبيرة لورثتهم دون دفع الضرائب العقارية، وتلقي بيانات مصلحة الضرائب التي حصلت عليها ProPublica بعض الضوء على التخطيط العقاري للأثرياء والتي تبين المئات منها.
والنتيجة هي أن الثروات الضخمة التي يمكن أن تمر وتتناقل بطريقة سليمة إلى حد كبير من جيل إلى آخر.
ومن بين أغنى ٢٥ شخصاً في أمريكا اليوم حوالي ربعهم ورثة: ثلاثة هم ورثة والتون، واثنان من ثروة حلويات Mars وواحد ابن (استي لودر).
وفي العام ونصف العام الماضيين توفي مئات الآلاف من الأمريكيين بسبب كوفيد-١٩ في حين طرد الملايين من العمل، ولكن واحدة من أكثر الفترات كآبة في التاريخ الأمريكي تبين أنها واحدة من أكثر الفترات ربحاً للمليارديرات، وأضافوا ١,٢ تريليون دولار إلى ثرواتهم من يناير ٢٠٢٠ إلى نهاية ابريل من هذا العام وفقاً لمجلة فوربس.
وهذا الكسب غير المتوقع يعتبر أحد العوامل التي أدت بالبلاد إلى نقطة انقلاب، وهي نقطة تعود إلى نصف قرن من التفاوت المتزايد في الثروة والأزمة المالية في عام ٢٠٠٨ والتي خلفت للكثيرين أضراراً اقتصادية دائمة، لأن التاريخ الأمريكي غني بمثل هذه المنعطفات، فقد كانت هناك أعمال مشهورة للمقاومة الضريبية مثل حزب الشاي في بوسطن، تصدت لها أحزاب أقل شهرة منها لجعل الأغنياء يدفعون أكثر.
وقبل أكثر من نصف قرن ظهرت واحدة من هذه الحوادث كما لو أنها قد تثير تغييراً كبيراً، فقد صدم وزير المالية السابق (جوزيف بار) الأمة عندما كشف أن ١٥٥ أمريكياً يكسبون أكثر من ٢٠٠ ألف دولار (حوالي ١,٦ مليون دولار اليوم) لم يدفعوا أي ضرائب، وقال لمجلس الشيوخ إن هذه المجموعة تضم ٢١ مليونيراً.
وقال (بار): “إننا نواجه الآن احتمالية حدوث ثورة من قبل دافعي الضرائب إذا لم نقم قريباً بعمل تعديلات كبرى في نظام ضرائب الدخل”، فقد تلقى أعضاء الكونغرس رسائل غضب حول السخرية من الضرائب في ذلك العام أكثر مما تلقوه بسبب حرب فيتنام.
لقد قام الكونغرس ببعض الإصلاحات ولكن على المدى الطويل كانت هناك ثورة في الاتجاه المعاكس والتي تسارعت بعد ذلك بانتخاب (رونالد ريغان) في عام ١٩٨٠ ومنذ ذلك الحين ومن خلال مزيج من التبرعات السياسية ساعد ذلك الأثرياء في تحويل النقاش حول الضرائب لصالحهم.
باستثناء شيء واحد، (بافيت) الذي كسر صفوفه مع جماعته المليارديرات للدعوة إلى زيادة الضرائب على الأغنياء كتب في مقال رأي شهير نشرته صحيفة نيويورك تايمز في عام ٢٠١١: “لقد تم تدليلنا أنا وأصدقائي لفترة كافية من قبل كونغرس صديق للملياردير، لقد حان الوقت لحكومتنا أن تكون جادة بشأن التضحية المشتركة”
ذكر (بافيت) نقطة في تلك المقالة قام بها القليل من الأمريكيين وكشف علناً عن المبلغ الذي دفعه من الضرائب الإتحادية الشخصية في العام السابق وهو ٦,٩ مليون دولار، وبشكل مفصّل قدرت فوربس أن ثروته ارتفعت بمقدار ٣ مليار دولار في ذلك العام، وباستخدام هذه المعلومات كان بإمكان المراقب أن يحسب معدل الضريبة الحقيقي وهو ٠,٢٪ ولكن تركزت المناقشة التي تلت ذلك بشأن الضرائب على معدل ضريبة الدخل التقليدي.
وفي عام ٢٠١١ اقترح الرئيس (باراك أوباما) تشريعاً يعرف باسم قاعدة بافيت، وكان من شأنه أن يرفع معدلات ضريبة الدخل على الأشخاص الذين يبلغون عن أكثر من مليون دولار سنوياً، ولكن لم تنجح، حتى لو نجحت فإن قاعدة بافيت لم تكن لرفع الضرائب بشكل كبير، إذا كنت تستطيع تجنب الدخل فيمكنك تجنب الضرائب.
واليوم وبعد بضع سنوات فقط من نجاح الجمهوريين لخفض الضرائب بشكل هائل أفاد الأثرياء بأنه قد تواجه البلاد تأرجحاً آخر، والعودة إلى مطالب شعبية بزيادة الضرائب على الأثرياء.
وفي مواجهة عدم المساواة ومع طموحات الإنفاق التي تنافس طموحات (فرانكلين روزفلت) أو (جونسون)، اقترحت إدارة بايدن قائمة من التغييرات وتشمل رفع معدلات الضرائب على الناس وجعلها أكثر من ٤٠٠٠٠٠ دولار ورفع نسبة أعلى معدل ضريبي للدخل من ٣٧٪ إلى ٣٩,٦٪ مع معدل أعلى لأرباح رأس المال على المدى الطويل لتتناسب معاً، كما تريد الإدارة رفع معدل ضريبة الشركات وزيادة ميزانية مصلحة الضرائب.
بل لقد ذهب بعض الديمقراطيين إلى أبعد من ذلك، حيث طرحوا أفكاراً تتحدى الهيكل الضريبي كما كان الوضع في القرن الماضي، واقترح كل من السيناتور (أوريغون) و(رون وايدن) رئيس اللجنة المالية في مجلس الشيوخ فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية غير المحققة ما كان بمثابة صدمة بالنسبة لـ (ماكومبر). لأن (إليزابيث وارن) و(بيرني ساندرز) كانا قد اقترحتا ضرائب على الثروة.
ومن المرجح أن تلهمهم القوانين الجديدة التعسفية تقنيات جديدة ومتطورة لتجنب الضرائب، وهناك عدد قليل من البلدان فرضت ضرائب على الثروة على نطاق صغير بما في ذلك سويسرا واسبانيا. وقد تخلت عنها عدة بلدان كانت آخرها فرنسا باعتبارها غير قابلة للتطبيق، ويزعم المعارضون أن إدارتها معقدة لأنه من الصعب تقييم الأصول ولاسيما الأصول الخاصة والممتلكات.
من غير الواضح معرفة ما قد يستوجبه الأمر لإجراء إصلاح جذري للنظام الضريبي الأمريكي، ولكن بيانات مصلحة الضرائب التي حصلت عليها منظمة ProPublica تُظهر أن كل هذه المحادثات كانت تجري في فراغ، فلم يكن لدى القادة السياسيين ولا الجمهور صورة دقيقة عن مدى شمولية تجنب الأغنياء دفع الضرائب.
يعرف (بافيت) ورفاقه المليارديرات هذا السر منذ فترة طويلة، وكما قال (بافيت) في عام ٢٠١١: “كانت هناك حرب طبقية مستمرة على مدى السنوات ال٢٠ الماضية. وقد فاز منهم من كان في صفّي”.
اقرأ ايضًا: عندما تتصادم الرأسماليات
[1] ProPublica هي منصة أخبار غير ربحية، تهتم بالتحقيق في قضايا الفساد وسوء استخدام السلطة.