الدين

تعاهد الحقائق

د. سعد بن دبيجان الشلاقي الشمري

تظلم كثير من البدهيات وحقائق الإسلام الأولية بتجاهلها والإعراض عنها في بعض مجالس العلم، ومحاضن التربية، ومنابر الوعظ، لكونها معروفة، ولكونها مما يقل الخلاف فيه، ولكونها من الواضحات البينات التي لا تحتاج لمزيد بيان، أو لكثير جدل، فينتج عن ذلك قضاء الأوقات بتتبع غيرها من الغرائب والغوامض والمشتبهات، فتكد لأجلها الأذهان، ويسود بها بياض الصحائف، لتكون مادة الندوات ومجالس الدرس والعلم، ولكونها – كما يقال – تحتاج للبيان والتوضيح، فهي مظنة الجهل والخلاف!.

والمفترض أن ما يقل الخلاف فيه هو الأكثر تداولاً، والأكثر أهمية، فلم يقل الخلاف فيه أو ينعدم إلا لإجماع أو اتفاق، لكونه لا يحتمل الخلاف، والفهم الخاطئ.

ومن استعرض كلام الله وجد البدهيات والحقائق لها شأن مختلف، فحضورها وتكرارها لا تخطئه العين، ولا تخلو منه آية، فتعظيم الله وتوقيره، وذكر أسمائه وصفاته وأفعاله وآلائه تحف كل أمر، وتتضمن كل خبر في كلام الله تبارك وتعالى، ومثلها حقائق الإيمان وأركانه، وشعائر الإسلام، وأصول الفرائض والمحرمات، ومكارم الأخلاق، فهي غالب حديث القرآن.

ومما يدل على أهمية الحقائق وتعاهدها، طريقة القرآن في عرضها، فتجد – على سبيل المثال – حقيقة البعث بعد الموت، كيف تناولها القرآن، وكيف تنوع خطاب الحق سبحانه وتعالى في عرضها، فتجدها تارة تذكر في صورة خبر يجب الصديق به قال تعالى: ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ [سورة الحج:7]. وتارة يؤكد سبحانه خبرها بالقسم قال تعالى: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا ۚ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ ۚ وَذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [سورة التغابن:7]. ومرة تُدرج ضمن قصة من قصص القرآن قال تعالى: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ ۖ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [سورة البقرة:259].، وتارة في مشهد حواري بينه سبحانه وبين أنبيائه قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [سورة البقرة:260].

وتجدها كذلك مادة حوار مع المعاندين قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ﴿78﴾ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [سورة يس: 78، 79]. ومرة تقرب حقيقتها وتوضح من خلال مثال يضرب قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ۚ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۚ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [سورة فصلت:39]، ولو تتبعنا كل أساليب القرآن في عرض البعث واليوم الآخر لكان ذلك رسالة علمية[1]، ومثلها بقية الحقائق،  وما كان ذلك إلا لأهميتها، وأهمية وصولها لعقل وقلب المكلف، بأكثر من أسلوب ووسيلة.

ومن مر على صحيح السنة، ومنهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة من خلال السيرة النبوية العطرة، وجد البدهيات وحقائق الإسلام الأولية هي مادة الدعوة، وهي أبرز مضامين الوحي، فإن أكثر ما كرره النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن في الصلاة الجهرية، وأكثر ما أمر بترديده وتكراره من الأذكار والأدعية، ما تضمن الحقائق والبدهيات الواضحة البينة، ومع هذا لم يكن وضوحها وبيانها سبباً لعدم الأمر بتكرارها وترديدها!

وعلى هذا درج العلماء الربانيون، والأئمة المهديون في نقلهم للعلم وبلاغهم له، فلا زالت دروسهم عامرة بحقائق التوحيد والإيمان وشعائر الإسلام، لا يملون تكراراها وترديدها، وكأنهم يتلذذون بمجرد ذكرها، فيتربى عليها الصغير، ويهرم عليها الكبير، بناءً للإيمان، وغرساً لليقين، وهي سمة خطاب العلماء الربانيين التي تميزهم عن غيرهم، الذين اتسق خطاهم مع خطاب القرآن، ووسع خطابهم ما وسع خطاب القرآن، فكرروا ما كرره، وقدموا ما قدمه، فالعالم الرباني تجده لا يمل من ذكر المحكمات البينات، ولا يكل من ترديدها على مسامع الناس في كل محفل، لعلمه أن الحقائق بحاجة إلى تعاهد وتواصي، حتى تبقى حاضرة في الأذهان، راسخة في الجنان.

لأنهم يجدون في كلام الله ما يأمرهم بتعاهد الحق والتواصي به كما في سورة العصر قال تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [سورة العصر:3].

ويجدون في كلام الله سبحانه ما يؤكد الأمر بالتعاهد، كأمر المؤمن بالإيمان في قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ ۚ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [سورة النساء:136].

ويجدون في كلام الله الأوامر المتكررة بالتذكير والذكرى حتى لمن اقترن به مسمى الإيمان قال تعالى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سورة الذاريات:55].

ومن ذلك النصوص التي تدل على زيادة الإيمان كقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾ [سورة الفتح:4]. وكذلك النصوص التي تدل على  زيادة الهدى قال تعالى: ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى﴾ [سورة مريم:76].

ويجدون في السنة ما يدل على تعاهد الحقائق كحقيقة الإيمان، وأهمية تجديده وترسيخه وتعاهده، يقول صلى الله عليه وسلم :”إنَّ الإيمانَ ليَخلَقُ في جوفِ أحدِكم كما يَخْلَقُ الثوبُ ، فاسأَلوا اللهَ أن يُجدِّدَ الإيمانَ في قلوبِكم[2] فإذا كانت حقيقة الإيمان تحتاج لتجديد وتعاهد حتى لا يبلى فكيف بغيرها، فإن الفقه كل الفقه في التعاهد، قال أبو الدرداء رضي الله عنه : “إن من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه، وما نقص معه، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد الإيمان أم ينقص”[3]

فعلى المسلم أن يتعاهد محكمات القرآن، وما أكثر الله ورسوله من ذكره، وما تحتم علينا علمه والعمل به، ومما يعين على ذلك:

  1. المحافظة على الورد القرآني قراءة وسماعاً، وأطر النفس عليه، وإلزامها به، فمن ربى نفسه على القرآن، وعرض حقائقه على قلبه صباح مساء، هُدي وبُشر وأُجر، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ [سورة الإسراء:9].
  2. المداومة على أذكار الصباح والمساء، وفقه معانيها، وتدبر مضامينها، فما أُمرنا بترديدها في كل يوم وليلة كما في قوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾ [سورة ق:39]. إلا لحاجتنا لما تضمنته من معاني التوحيد والعبودية لله سبحانه وتعالى، وتعظيمه وشكره والثناء عليه سبحانه.
  3. قراءة السور والآيات في المواضع التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر قراءتها فيها في الصلاة الجهرية، كقراءة سور سبح والغاشية والسجدة والإنسان والمعوذات والكافرون والإخلاص وغيرها، فتكرار النبي صلى الله عليه وسلم لها في مجامع الناس وجماعاتهم كان لما تضمنته من معاني يحتاجها المسلم في كل وقت.
  4. تربية النفس على عمل اليوم والليلة، والاستكثار من الباقيات الصالحات فهي علامة الهداية قال تعالى: ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ۗ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا﴾ [سورة مريم:76]. يقول ابن القيم رحمه الله : “فهكذا شجرة الإسلام في القلب إن لم يتعاهدها صاحبها بسقيها كل وقت بالعلم النافع، والعمل الصالح، والعود بالتذكر على التفكير، والتفكر على التذكر، وإلا أوشك أن تيبس” [4] فمن حكمة تكرار بعض الأعمال الصالحة في اليوم والليلة أنها تعاهد عملي للحقائق، فالصلاة على سبيل المثال، تذكير للعبد بعبوديته لله سبحانه وتعالى، وذله لباريه عز وجل، وانقياده لأوامره، وتعظيمه في كل عمل أو قول من أركان الصلاة وواجباتها وسننها، لهذا كانت ناهية عن الفحشاء والمنكر، وكانت من إقامة ذكر الله سبحانه وتعالى قال تعالى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [سورة العنكبوت:45]
  5. التواصي بالحق والتواصي بالصبر، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتواصون بقراءة سورة العصر فيقول أحدهم للآخر، تعال نؤمن ساعة فيقرؤونها، ويتدارسونها، ويذكرون أنفسهم بمعانيها الجليلة، فالعلم بحاجة للتواصي بالحق، والعمل بحاجة للتواصي بالصبر، قال تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [سورة العصر:3].
  6. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل بحسبه وحسب قدرته، فهو معيار خيرية هذه الأمة، يقول سبحانه قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [سورة آل عمران:110].
  7. .نشر العلم النافع، والانشغال به، وخير العلم وأشرفه العلم بالله سبحانه وبأسمائه وصفاته وأفعاله وآلائه قال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾ [سورة محمد:19]. ومن ذلك علوم الوحي التي مدارها على كلام الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
  8. اهتمام منابر التوجيه الشخصية والمؤسسية، ومراكز البحوث بالمحكم من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، دراسة وبحثاً واستنباطاً، واستنطاقها لفتح آفاق العمل العلمي والدعوي والخيري لتنطلق منها.
  9. تبسيط العلم ونشره بين عامة المسلمين في المساجد وعلى المنابر، حتى يكون الدين ومضامينه حاضرة في أذهان الناس، تملأ أسماعهم وأبصارهم في كل مناسبة.
  10. الوعظ بحقائق القرآن ومحكماته، وصحيح السنة وجوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، وطرقها على مسامع الناس في كل مجال، فهي من التذكير الذي أمرنا الله به، والذكرى تكون بالتكرار والترديد حتى لا ينسى الحق ويغفل عنه، قال تعالى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سورة الذاريات:55].
  11. صحبة من يعينك على الطاعة، ويذكرك ما نسيت منها، والصبر على ذلك، والبعد عن كل ما يلهيك عن الطاعة، وترك ما يشغلك عنها قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [سورة الكهف:28].
  12. الحذر من حال مرضى القلوب، الذين يعرضون عن المحكم، ويتبعون المتشابه، بلا علم الراسخين، ولا يقين الموقنين قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [سورة آل عمران:7].
  13. الاستكثار من الدعاء، وخصوصاً دعاء الأنبياء في القرآن والسنة، وتأمل هذا الدعاء النبوي الكريم، الذي أُمرنا أن نكرره في اليوم والليلة، كم تضمن من حقيقة، وكم حوى من مما لو عقلناه وتدبرناه لنلنا بسببه خير الدنيا والآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: “اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي، لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي، فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ. إذا قالَ حِينَ يُمْسِي فَماتَ دَخَلَ الجَنَّةَ – أوْ: كانَ مِن أهْلِ الجَنَّةِ – وإذا قالَ حِينَ يُصْبِحُ فَماتَ مِن يَومِهِ مِثْلَهُ[5]

لهذا كله كانت الحقائق والمحكمات، هي مادة الإصلاح والتجديد في الأمة، فمنها انطلق المجددون، فكانت منطلق تجديدهم وإصلاحهم، لأهميتها وإحكامها ووضوحها، وحضورها الكبير في كلام الله سبحانه وتعالى، ولقبولها بين جماهير الأمة، فعليها تجتمع القلوب، ولها تنقاد الأرواح المؤمنة، فكان تعاهدها من السير على سننهم، واقتفاء لأثرهم، على الصراط المستقيم، جعلنا الله وإياكم منهم، وحشرنا معهم مع من أنعم الله عليهم، قال تعالى: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [سورة الفاتحة:7].

وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا﴾ [سورة النساء:69].

وقال تعالى: ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ۩﴾ [سورة مريم:58].

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


[1] انظر كتاب اليوم الآخر في الكتاب والسنة للدكتور عبدالمحسن بن زبن المطيري

[2] رواه الطبراني في المعجم الكبير 84 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1585

[3] شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1710.

[4] ابن القيم إعلام الموقعين: 1/174

[5] رواه البخاري 6323

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. جزاك الله خيرا…
    نعم الحقائق هي لب القرآن و شجرته و فروعه و ثماره، بل الأرض التي يجب ان نتعاهدها دائما…
    لكن شهوة تتبع الغرائب جعلت غشاوة لنرى عجائب القرآن التي لا تنتهي…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى