تقارير ودراسات

مخاطر التربية المشتتة

عندما يتعلق الأمر بتربية الأطفال، يجب على الآباء القلق حيال أوقاتهم الخاصة أمام الشاشات الرقمية، عوضا عن القلق حيال أوقات أطفالهم

 

  • إريكا كريسكيتس
  • ترجمة: عبد الرحمن فتحي
  • مراجعة: الغازي محمد
  • تحرير: مريم سالم

 

أسفر الانهماك في استخدام الهواتف الذكية في أيامنا هذه عن سلسة من النتائج السلبية والمخاطر الجسيمة، مثل الوفيات الناجمة عن حوادث السيارات، واضطرابات النوم، وانحسار العواطف الإنسانية ، ومشاكل العلاقات الاجتماعية والإخفاق بشكل عام في ملاحظة كل ما يثير الانتباه من حولنا، فيما يبدو أنه من الأسهل تقريبا سرد الأشياء التي لم تفسدها الهواتف الذكية عوضًا عن سرد الأشياء التي أفسدتها. حتّى أن مجتمعنا اليوم قد وصل إلى ذروة انتقاده للأجهزة الرقمية.

غير أنه مع كل هذا الهجوم، تظل المشكلة الأخطر حسبما تشير إليه الدراسات المستجدة هي ما يتعلق بتربية الأطفال، لكن أرجو أن تستبعد ما تبادر لذهنك لأول وهلة! فليس الأمر متعلقًا بالوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الشاشات، لكن الأكبر خطرًا من الأطفال مدمني الشاشات الرقمية؛ هم آباؤهم مسلوبُوا الانتباه!

صحيح أن لدى الآباء الآن وقتا للاتصال بآبنائهم اتصالًا مباشرا أكثر من أي وقت مضى تقريباً. على الرغم من الزيادة المهولة في نسبة النساء العاملات، فإن الأمهات اليوم يقضين وقتا أطول في رعاية أطفالهن أكثر بكثير من الأمهات في الستينيات. ولكن التفاعل بين الآباء والطفل منخفض المستوى بشكل ملحوظ.

ورغم تواصل الآباء المستمر بأبنائهم في الحياة اليومية، إلا أنه تواصل مادي (جسدي) جاف، يفتقر للانسجام والعاطفة. وحتى أكون أكثر وضوحاً، أنا لست متحاملة على الآباء الواقعين في هذا المأزق. فقد اعتاد أطفالي البالغين دائما المزاح معي بأنهم ما كانوا ليمروا بطفولة سليمة  إذا كان هذا الهاتف الذكي في قبضتي قبل 25 عامًا، نحن جميعا -أنا والآباء- في ذات المركب.

ولنكن واضحين، فقولنا أن استغراق الوالدين في أوقاتهم أمام الشاشات يمثل مشكلة ضخمة، لا يعني أننا نغض الطرف عن مساوئ ومخاطر الجهة الأخرى، الخاصة بوقت الأطفال أمام الشاشات، فإن الأدلة الأساسية تشير إلى أن الكثير من الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الشاشات (خاصة المحتوى المتسم بسرعة الإيقاع، أو بالمشاهد العنيفة) = تلحق الضرر بأدمغة الصغار. كما تشير الدراسات أيضًا إلى أن أطفال مرحلة الروضة اليوم يقضون أكثر من أربع ساعات يوميًا أمام الشاشة. ومنذ عام 1970 ، تحوّل متوسط عمر الاستخدام “المنتظم” للشاشة ” من عمر 4 سنوات إلى أربعة أشهر فقط!.

قد تكون بعض الألعاب التفاعلية الحديثة التي يلعبها الأطفال على الهواتف أو الأجهزة اللوحية (تابلت) أفضل من مشاهدة التلفزيون أو يوتيوب، من حيث أنها تحاكي سلوكيات اللعب الطبيعية للأطفال بشكل أفضل، وعلى الرغم من ضرر المشاهدة، فقد نجا الكثير من البالغين (المتمتعين بالكفاءة الآن) من تبعيات طفولة التنميل الدماغي التي أمضوها في مشاهدة الكثير من القمامات المعرفية.(أتذكر أن أمي –وعلى خلاف العادة في وقتها- قد منعت مشاهدة مسلسلي (سبيد ريسر) speed racer و(جزيرة جيليجين)  gilligan’s island لرداءة المحتوى، إلا أنني بطريقة ما تمكنت من مشاهدة كافة حلقات كلا العرضين عشرات المرات ولم أجد تفسيراً  لهذا الفعل حتّى اليوم)

ومع ذلك، وعلى الرغم من كل الحديث عن وقت الأطفال أمام الشاشات، فإنه من المثير للدهشة قلة الانتباه إلى استخدام الشاشات من قبل الآباء والأمهات أنفسهم، والذين يعانون الآن مما أطلقت عليه خبيرة التكنولوجيا ليندا ستون منذ أكثر من 20 عامًا “الاهتمام المتقطع المزمن”continuous partial attention ، هذه الحالة  لا تضرنا نحن كآباء فقط، كما جادلت ليندا، إنما تضر أطفالنا أيضاً. حيث يمكن لأسلوب التفاعل الأبوي الجديد هذا أن يضرّ بنظام التلقين العاطفي -كما عرفه الأقدمون ، وسمته المميزة هي (التواصل المتجاوبresponsive communication، والذي يمثل أهم عنصر إنساني في التفاعل مع الآخرين.
وبغيابه يكون مثلنا كمثل من فقد الدليل في صحراءٍ شاسعة!

لدى خبراء نمو الطفل تسميات مختلفة لنظام الإشارات الثنائية بين البالغين والأطفال dyadic signaling system ، هذا النظام هو المسؤول عن تهيئة البنية الأساسية اللغوية للدماغ، والتي يطلق عليها طبيب الأطفال ومدير مركز هارفرد المعني بنمو الأطفال : التواصل بطريقة “هات وخذ” Serve and return ؛ بينما عالما النفس كاثي هيرش-باسيك وروبيرتا ميشنيك جولينكوف يصنفانها بمسمى “المحادثات الثنائية” conversational duet.حيث تتميز الأنماط الصوتية  التي يميل الآباء في كل مكان إلى تبنيها أثناء التبادل الكلامي مع الأطفال الرضع والصغار بنبرة التدليل (اللطيفة) في الغالب، إضافة إلى استخدام القواعد اللغوية المبسطة، مع بعض الحماس المبالغ فيه.

وعلى الرغم من أن الكبار المراقبِين يمتعضون من طريقة الكلام تلك، إلا أن الأطفال الصغار لا يستيطعون الاكتفاء منها، وليس ذلك فحسب: فقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن الأطفال الذين تعرضوا لهذا النمط التفاعلي العاطفي في عمر 11 شهرا و 14 شهرا كانوا يعرفون في عمر سنتين ضعف عدد الكلمات التي يعرفها من لم يتعرضوا لهذا النمط التفاعلي نفسه.

إن نمو الأطفال مبني على العلاقات relational ، ففي واحدة من التجارب التي أجريت على مجموعتين من الأطفال  يبلغون من العمر تسعة أشهر، استقبلت كلتا المجموعتان عدد ساعات معين من تعليمات خاصة بلغة الماندرين فوجد أن هؤلاء الذين تلقوا التعليمات من قبل إنسان حي تمكنوا من عزل عناصر صوتية معينة في اللغة، بينما لم تتمكن المجموعة الأخرى والتي تلقت نفس التعليمات من فيديو مسجل  من تحقيق ذلك، و وفقا لهيرش بيسيك الأستاة بجامعة  (تيمبل) والزميلة القديرة في معهد بروكينجز، فإن المزيد والمزيد من الدراسات تؤكد على الأهمية القصوى للمحادثة، حيث قالت لي: “اللغة هي المؤشر الأفضل والأوحد للإنجاز الدراسي. ومفتاح المهارات اللغوية القوية هو المحادثات الحرة جيئة وذهابا بين الأطفال الصغار والكبار.

عندما يحدث انقطاع مفاجئ لنظام التلقين المتبادل بين الأطفال والكبار والذي يعد ضرورياً خاصة في مراحل التعليم المبكر عن طريق رسالة ما أونظرة سريعة  في انستغرام، تنشأ المشكلة.
أحد تبعيات السيناريوهات المماثلة لهذا قد لاحظها أحد الاقتصاديين  الذين تتبعوا الارتفاع في معدل إصابات الأطفال تزامنا مع  انتشار الهواتف الذكية. فقد حدث أن أطلقت شركات (أيه تي آند تي) خدمة الهاتف الذكي الخاصة بها في أوقات مختلفة لأماكن مختلفة، مما أثمر عن تجربة طبيعية مثيرة للاهتمام. وبمنطقة و أخرى، لوحظ أنه كلما زاد اعتماد الهواتف الذكية في مكان ما، ارتفع عدد زيارات الأطفال لغرف الطوائ!.
يمكن لأي شخص اصطدم بعربة أطفال قائدها مشتت الانتباه بهاتفه الذكي، أن يشهد بنفسه على انتشار تلك الظاهرة.

ومن الجدير بالذكر أن هذه النتائج قد جذبت القليل من اهتمام وسائل الإعلام بطبيعة المخاطر الجسدية التي تسببها الأبوة المشتتة ، إلا أننا كنا أكثر تهاونا أمام تأثيرها على نمو الأطفال الإدراكي، وفي هذا السياق تقول هيرش-باسيك:
” لا يمكن للأطفال الصغار التعلم بطريقة جيدة عندما نقطع تدفق المحادثات من خلال التقاط هواتفنا المحمولة أو النظر إلى النص الذي يظهر أعلى شاشاتنا على فجأةً”
كما أنه في أوائل عام 2010، راقب باحثون في بوسطن بشكل خفي  55 من الحاضنين الذين يتناولون الطعام مع طفل أو أكثر في إحدى مطاعم الوجبات السريعة، وقد لوحظ التالي: 40% من الكبار كانوا منجذبين تماما لهواتفهم بدرجات متفاوتة، حتى أن بعضهم قد تجاهل الأطفال بشكل كامل تقريبا. (وجد الباحثون أن الكتابة والتصفح كانا أكبر الجناة في هذا الصدد أكثر من إجراء المكالمات).

ونتيجة لهذا، كان من غير المفاجئ أن العديد من الأطفال قاموا ببعض المحاولات للفت الانتباه، ولكن تم تجاهلها بشكل متكرر.

اقرأ ايضاً: كيف يؤثر التعرض المبكر للوسائط على وظائف الإدراك: استعراض النتائج من الملاحظات في البشر والتجارب على الفئران.

في دراسة مماثلة جمعت 225 أمّا مع أطفالهن من ذوي السادسة في وضع مألوف ثم قاموا بتسجيل فيديو لتفاعلاتهم معاً، خلال فترة الملاحظة، استخدم ربع الأمهات هواتفهن تلقائيًا وأولئك اللواتي قمن بذلك كنّ أقل تفاعلاً سواء في التفاعل الخطابي أو غيره مع أطفالهن.

وفي تجربة  أخرى مصممة بدقة شديدة، أجريت في منطقة فيلادلفيا بواسطة كل من هيرش باسيك، وجولينكوف، وباحثة جامعة تمبل تيمس جايسا ريدو، تم اختبار تأثير استخدام الآباء للهواتف  على تعلم الأطفال للغات. وهكذا أُحضرت ثمان وثلاثين أمّاً بصحبة أطفالهن ذوي العامين إلى غرفة معينة، ثم أخُبرَ الأمهات أنهن بحاجة إلى تعليم أطفالهن كلمتين جديدتين الأولى blicking والتي تعني “وثب” bouncing  والثانية frepping والتي تعني “اهتزاز” shaking، و زُودت كل أم بهاتف ليتمكنوا من التواصل معهن عبر الغرفة الأخرى.
لوحظ أنه عندما يتم مقاطعة عمل الأمهات بوساطة إتصال هاتفي مفاجئ، فإن الأطفال لا يتعلمون الكلمة المطلوبة، أما الأطفال على الناحية الأخرى ينجحون في ذلك.
وفي قطعة ختامية ساخرة ضمتها الدراسة، ذُكر أن الباحثين اضطروا  إلى استبعاد سبع أمهات من التحليل، ذلك بأنهن لم يجبن على الهاتف أثناء التجربة، و”فشلوا في اتباع البروتوكول”.أحسنتن صنعاً !

لطالما كان من الصعب الموازنة بين احتياجات الآباء والأطفال فما بالك بالموزانة بين رغباتهم، ومن السذاجة تخيل أن الأطفال سيكونون دائما بؤرة اهتمام آبائهم المركزية والمتيقظة. لطالما ترك الآباء الأطفال وحدهم ليرفهوا عن أنفسهم في أوقات كثيرة ، ليعبثوا بالقوارب أو بتركهم وشأنهم للتسكع بلا هدف في المتنزهات.
في قرننا الحالي، وفي بعض النواحي، لا يختلف الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الشاشات اختلافًا كبيرًا عن الدور التقليدي لجليسات الأطفال اللاتي اعتمدت عليهن الأجيال السابقة، والهدف الأساسي كان الإبقاء على أطفالهم منشغلين دائما.

في الماضي، عندما افتقد الآباء لوسائل الإشغال الحقيقية أوالكلامية، فقد كان الأذى المحتمل أبعد وأكبر بكثير عن الأذى الحاصل اليوم، ففي سيرة كارولين فريزر الأخيرة عن لاورا إنجولز ويلدر، مؤلفة كتاب بيت صغير على المرج ، تصف أسلوب التربية المتهور والذي اتسم به تحديدًا آباء القرن التاسع عشر، والذين تركوا أطفالهم أمام بوابات الأفران في البيوت طلبًا للدفء، وبالتالي تركهم عرضة لأخطر أنواع الحوادث، في الوقت الذي تحاول فيه أمهاتهم التعامل مع المسؤوليات المتلاحقة.

حتى أن وايلدر نفسها قد حكت مجموعة متنوعة من المصائب الوشيكة التي حدثت بالقرب من ابنتها الصغيرة روز؛ ففي إحدى المرات نظرت وايلدر بانتباه وسط زحام أعمالها المنزلية إلى ابنتها الرضيعة لتجد زوج من الأحصنة يقفزون فوق رأس طفلتها.

بشكل عام، فإن قلة الاهتمام الأبوية من حين لآخر ليست أمراً كارثيًا (بل إنها قد تورث الجَلَد والمرونة لدى الأطفال)، لكن هذا التشتيت المزمن أمر آخر. فاستخدام الهواتف الذكية أصبح أمراً مرتبطاً بعلامة مألوفة للإدمان: حيث وُجد أن البالغين المشتتين بوساطة هواتفهم يصيبهم التوتر المحموم عندما ينقطع استخدامهم للهاتف، وبالتالي لا يقتصر الأمر فقط على عدم انتباههم للإشارات العاطفية، ولكنهم كذلك، يسيئون فهمها!.

فالوالد عديم الانتباه tuned-out أسرع غضبًا من الآخر المتفاعل مع ابنه، هذا أصلاً على افتراض أن الطفل يحاول أن يكون مشاغباً، لكنه  في الحقيقة لا يبغي إلا بعض الاهتمام.
الفواصل القصيرة والمتعمدة كذلك يمكنها أن تكون غير مؤذية، بل قد تكون صحيّة للوالد والطفل على السواء (خاصة وأن الأطفال يكبرون ويحتاجون إلى المزيد من الاستقلال)، ولكن هذا النوع من الفواصل يختلف عن عدم الانتباه الذي يحدث عندما يكون الوالد مع الطفل ولكنه يتواصل معه خلال الاتصال اللا-تفاعلي non-engagement والذي يكون الطفل فيه أقل قيمة من البريد الإلكتروني.
كأنْ تخبر الأم أطفالها بأن يخرجوا ليلعبوا، وأن يقول الأب أنه بحاجة للتركيز في عمل روتيني ما لنصف ساعة تالية. هذه استجابات منطقية للمتطلبات اليومية المتلاحقة في حياة الكبار، إلا أن ما يحدث اليوم ليس من هذا النوع، إنه في الحقيقة  تصاعد لنمط تربوي لا يمكن التنبؤ بعواقبه، نمط تتحكم به صافرات وإغراءات الهواتف الذكية.
على ما يبدو أن خطانا تعثرت في أسوء نموذج للتربية يمكن تخيله- هذا الذي يكون فيه الأب دائما حاضرا جسديا: وبالتالي يكون متسلطاً على المساحة الذاتية للأطفال، ويكون مع ذلك حضوره العاطفي بشكل متقطع.

لن يكون من السهل إصلاح تلك المشكلة، ولا سيما بالنظر إلى أنها تتفاقم بالتغييرات الدراماتيكية المستمرة في أساليب التعليم،  أعداد كبيرة من الأطفال الصغار أكثر من أي وقت مضى (حوالي الثلث من الأطفال في عمر الأربع سنوات) جميعهم في شكل من أشكال الرعاية المؤسسية، كما أن الاتجاهات الحديثة في تعليم مراحل الطفولة المبكرة قد أدخلت في العديد من المواد الدراسية  نوعية الدروس المعدة مسبقاً حيث يغلب عليها التلقين الممل من المعلم إلى التلميذ في أسلوب أحادي الطرف يتحدث فيه المعلم وحده، ففي مثل تلك البيئات، يكون لدى الأطفال فرص شحيحة للمحادثات التفاعلية التلقائية.
وبالرغم من هذا، لدينا بعض من الأخبار السارة: فالأطفال مجبولون على الحصول على ما يحتاجون إليه من الكبار، فمعظمنا يكتشف أن بصره الملهي بالتكنولوجيا ومشاغل الحياة يعود إلى مساره الصحيح بفضل تلك الأيدي الصغيرة المستاءة.

سيفعل هؤلاء الصغار الكثير للحصول على انتباه الكبار المشتت، ونحن إذا لم نغير من سلوكياتنا، فإنهم سيسعون إلى القيام بذلك نيابة عنّا؛ يمكننا توقع رؤية الكثير من نوبات الغضب مع تقدم أطفال اليوم إلى المدرسة. ولكن في النهاية، قد يستسلم الأطفال. تتطلب رقصة التانجو فردين، وأظهرت للعالم دراسات أجرتها دور الأيتام الرومانية أن هناك حدوداً لما يمكن لعقل الطفل القيام به بدون شريك حقيقي راغب في الرقص، نحن في الحقيقة لا ندري كم سيعاني أطفالنا عندما نفشل في التفاعل معهم.

وبالطبع، يعاني الكبار كذلك من الوضع الحالي لقد بنى الكثيرون حياتهم اليومية حول فرضية بائسة تتمثل في أنهم دائما في وضع التشغيل ON كونهم دائما يعملون، دائما يربون، دائما متاحون لأقرانهم وآبائهم ولأي شخص آخر يحتاجهم، بينما يبقون على دراية بما جد من الأخبار كذلك، بالإضافة إلى أن يتذكروا وهم في طريقهم إلى السيارة أن يطلبوا المزيد من أوراق التواليت من موقع أمازون.
إنهم جميعاً عالقون في العجلة الدوارة الرقمية .

في ظل هذه الظروف، يبدو من الأسهل بالنسبة لنا نحن الآباء تركيز مخاوفنا على وقت الأطفال أمام الشاشة بدلاً من إغلاق أجهزتنا نحن.
أنا أتفهم تماماً هذا الأسلوب. بالإضافة إلى أدواري كأم وكأم-حاضنة، فأنا الأم الوصية على كلب دشهند الألماني زائد الوزن البالغ منتصف العمر.
ونظرا لكوني  في منتصف العمر وأعاني من زيادة في الوزن، فإنني سأكون أكثر هوساً بشأن مقدار السعرات الحرارية التي يحصل عليها كلبي، كما سأجبره على اتباع نظام غذائي قاسٍ من الأطعمة الليفية، في حين أنني لن أشق على نفسي بنظامي الغذائي أو أتخلى (لا سمح الله) عن كعكة القرفة في كل صباح.

من ناحية سيكولوجية، هذه حالة كلاسيكية من الإسقاط النفسي—الإزاحة الدفاعية لفشل المرء على الأخرين الأبرياء غير الملومين نسبياً إذا تمكنا من السيطرة على “التشتت التكنولوجي” technoference*، كما أطلق عليه بعض علماء النفس، فمن المحتمل أن نجد أنه يمكننا فعل الكثير من أجل أطفالنا ببساطة عن طريق القيام بالقليل- بغض النظر عن جودة تعليمهم وبصرف النظر تمامًا عن عدد الساعات التي نكرسها لهم. على الآباء أن يسمحوا لأنفسهم بالتخلي عن هذا الضغط الخانق في أن يكونوا كل شيء لكل الناس. ضع ابنك في سرير الألعاب كما تحب، هو هناك بالفعل! حسناً، تخلص من هذا المظهر المفرط في الجدية، سيكون ابنك على ما يرام. ولكن عندما تكن مع طفلك، ضع هاتفك اللعين جانبًا!


  • التشتت التكنولوجي technoference: يشير إلى الإنقطاعات المستمرة التي تحدث في التواصل بين الأشخاص بسبب الاهتمام بالأجهزة الرقمية الشخصية، بصيغة أخرى، إنه الوقت الذي تنظر فيه إلى هاتفك أو جهازك اللوحي ولا تسمع السؤال المطروح عليك من أحدهم. (المترجم)

المصدر: the atlantic

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى