- كوكترونج بوي وكلير كين ميلر
- ترجمة: محمود مصطفى
- مراجعة: الغازي محمد
- تحرير : أحمد هندى
أن تصبحى أمًا أمر كان دومًا علامة فارقة للمرأة في الولايات المتحدة. لكن دراسة تحليلية جديدة لأربعة عقود من المواليد تظهر أن العمر الذي تصبح فيه المرأة أمًا يختلف اختلافًا كبيرًا وفقًا للجغرافيا والتعليم. والنتيجة أن الأطفال يولدون في حيوات عائلية مختلفة جدًا، ويتوجهون نحو مستقبلٍ اقتصادي متباين.
فالأمهات، اللاتى تلدن للمرة الأولى، أكبر عمرًا في المدن الكبيرة والمدن التي تطل على السواحل، وأصغر في المناطق الريفية وفي السهول الكبرى، والجنوب. في نيويورك وسان فرانسيسكو يبلغ متوسط أعمارهن مابين 31-32 عامًا. أما في مقاطعة تود في ولاية داكوتا الجنوبية، وزاباتا في ولاية تكساس، فقد كنّ أصغر تقريبا بنصف جيل في عمر ال20-21عامًا، وفقًا للتحليل الذي اعتمد على جميع شهادات الميلاد في الولايات المتحدة منذ عام 1985م، ولخمس سنواتٍ سابقة على ذلك. وقد أُجري لجريدة النيويورك تايمز من قِبل كيتلين مايرز-الاقتصادية التي درست السياسة الإنجابية في جامعة ميدلبري- باستخدام بيانات من المركز الوطني للإحصاءات الصحية.
الاختلاف في الوقت الذي تبدأ فيه النساء تكوين عائلة يتقاطع مع الكثير من الخطوط نفسها التي تقسم البلاد بطرقٍ أخرى، وأكبرها: التعليم. فالنساء الحاصلات على درجةٍ جامعية يحظين بأطفالٍ بمتوسطٍ متأخرٍ 7 سنواتٍ عن اللاتي لم يحصلن على درجة جامعية- وغالبًا ما يستخدمن السنوات التي في المنتصف لإنهاء الدراسة، وبناء حياة مهنية، ومصدر دخل.
فالأشخاص ذوو الوضع الاجتماعي-الاقتصادي الأعلى “لديهم أشياء بإمكانهم القيام بها بدلًا من أن يكونوا آباء، مثل: الذهاب للجامعة، أو التعليم العالي (الدراسات العليا)، والحصول على مسارٍ مهني مُرضِي”، كما تقول هيذر راكين، عالمة الاجتماع بجامعة لوزيانا الحكومية والتي تدرس الخصوبة. “الأشخاص ذوو الوضع الاجتماعي- الاقتصادي الأدنى” قد لا يتحملون كُلفة الفرص البديلة، كما أن الأمومة لها فوائد متمثلة في الإشباع العاطفي، وجعلهم ذوي وضعٍ في مجتمعهم، وتمنحهم السبيل لأن يكونوا بالغين.
تقول السيدة مايرز: كان هناك لمدة طويلة فجوة في العمر بالنسبة للأمهات لأول مرة، والتي ضاقت قليلًا في السنوات الأخيرة، ويعزى ذلك إلى حدٍ كبير لانخفاض عدد المواليد في سن المراهقة. ومع ذلك، قد تكون الفجوة ذات دلالة أكبر اليوم. فالباحثون يقولون أن الاختلافات في العمر الذي تبدأ فيه النساء تكوين عائلات أحد دلالات عدم المساواة في البلاد ، وبما أن صعود السلم الاقتصادي أصبح أكثر صعوبة؛ فظروف الأمهات بإمكانها أن يكون لها تأثير كبير على مستقبل أطفالهن.
الدرجة الجامعية تتزايد أهميتها للحصول على أجر الطبقة المتوسطة، والآباء الأكبر سنًا لديهم المزيد من السنوات لكسب المال للاستثمار في دروس الكمان، دروس الرياضيات، وحسابات الادخار الجامعية. كل ذلك يمكن أن يضع الأطفال على مساراتٍ مختلفةٍ جدًا. ومع ذلك فإن التعليم والوظيفة عالية الأجر يبدوان بعيدا المنال للعديد من الناس.
“أنماط التعليم هذه تساعد في زيادة عدم المساواة بين الناس؛ فالنساء ذوات التعليم الجيد يتقدمن بالفعل فى المنافسة بتأخير الإنجاب” كما تقول كارولين هارتنيت، عالمة الاجتماع والديموغرافيا، التي تدرس الخصوبة والأسر في جامعة كارولاينا الجنوبية. “ولكن إذا كان الذهاب للجامعة، والحصول على نمط حياة الطبقة المتوسطة العليا أمرًا يتعذر تحقيقه؛ فالحصول على عائلة يبدو أنه المصدر الأكثر إتاحةً للمعنى لك”.
الجامعة عامل أقوى من الجغرافيا أو أسعار المنازل، فمتوسط أعمار الولادة الأولى بين النساء ذوات التعليم الجامعي لا يختلف كثيرًا بين المقاطعات ذات الحجم الكبير، والمدن مرتفعة التكاليف، وبين تلك الأصغر والأيسر كلفةً. نجد في مقاطعة هينيبين، منزل مينيابوليس، حيث تقول زيلو أن المنزل النموذجي يكلف 259,000 دولارًا، متوسط عمر الولادة الأولى للمرأة الحاصلة على تعليم جامعي يبلغ 31 عامًا، أما في بروكلين حيث يبلغ متوسط سعر المنزل 788,000 دولارًا، هو 32 عامًا.
المقاطعات ذوات النساء الأقدم أمومة لأول مرة
متوسط عمر الأم عند أول ولادة لها | ||||
الكل | متزوجات | جامعية+ | ||
1 | مقاطعة سان فرانسيسكو كاليفورنيا | 31.9 | 32.8 | 33.4 |
2 | مانهاتن نيويورك | 31.1 | 32.4 | 32.9 |
3 | مقاطعة بيتكين كولورادو | 31.1 | 31.5 | 32.5 |
4 | فولز تشيرش فرجينيا | 31.1 | 31.9 | 32.0 |
5 | مقاطعة مارين كاليفورنيا | 31.1 | 32.5 | 33.5 |
6 | مقاطعة أرلينغتون فرجينيا | 32.1 | 31.7 | 32.1 |
7 | مقاطعة تيتون ويو | 30.6 | 31.8 | 32.6 |
8 | مقاطعة نورفولك ماساتشوستس | 30.3 | 31.2 | 31.5 |
9 | مدينة الإسكندرية فرجينيا | 30.3 | 31.3 | 31.9 |
10 | مقاطعة ميدلسيكس ماسس | 30.2 | 31.3 | 31.7 |
تتماشى الفجوات مع أوجه التفاوت الأخرى التي يعيش بها الأمريكيون- بما في ذلك اختلاف وجهات النظر حول دور المرأة. وصف أساتذة القانون جون كاربوني ونعومي كان _في كتاب صدر عام 2010 _ كيف تعيش العائلات الحمراء والزرقاء حياةً مختلفة[1]. وقالوا إن أكبر عامل تمايز هو العمر الذي تنجب فيه الأمهاتُ الأطفالَ. الأمهات اليافعات أرجح أن يكن حذرات، ومتدينات، ويقدرن الأدوار التقليدية للجنسين، ويرفضن الإجهاض. أما الأمهات الأكبر سنًا يملن لأن يكن متحرراتٍ (ليبراليات)، ويجدن أنفسهن يتقاسمن مسؤوليات توفير الرعاية وتقديم العناية على قدم المساواة مع الرجال.
“في الأماكن التي يكون فيها للناس أطفال في وقتٍ أبكر وأصغر، فهذا لا يعني أنهم أقل سعادة، لكنهم أقل مساواة بين الجنسين من ناحية الاقتصاد” كما يقول فيليب كوهين، عالم اجتماع يدرس الأسر وعدم المساواة الاجتماعية في جامعة ماريلاند.
الآباء الجدد يميلون لأن يكونوا أكبر سنًا في العموم. فمتوسط أعمار الأمهات لأول مرة هو 26 عامًا، مقارنة بـ21 عام في سنة 1972، وللآباء 31 عام، مقارنة ب27عام.أيضًا، فالنساء ينجبن أطفال في عمر متأخر في البلدان المتقدمة الأخرى: سويسرا، واليابان، وإسبانيا، وإيطاليا، وكوريا الجنوبية -حيث متوسط عمر الولادة الأولى يبلغ 31 عامًا.
في الولايات المتحدة قد ازداد الأمر بشكلٍ حاد في سبعينيات القرن العشرين بعد تشريع الإجهاض. الآن، المزيد من الناس يذهبون للجامعة، ويتزوجون لاحقًا، وهناك انخفاض كبير في حمل المراهقات، وارتفاع في استخدام وسائل الحمل طويلة المفعول، مثل: اللولب.
لكن تجارب الأمهات الأمريكيات تبدو متباينة جدًا في جميع أنحاء البلاد. الناس يميلون الآن -وخلافًا لما مضى- للعيش في أماكن محاطة بأناس مثلهم. فالعوامل المحلية: كفرص الزواج، وأسعار المنازل، والأعراف الاجتماعية حول أشياء، مثل: الذهاب للكنيسة، واستخدام موانع الحمل- كلها تؤثر في التخطيط لعوائلهم.
“الأمر يبدو كما لو أنه لم يعد هنا لدى أي شخص أطفال، وهو دون الخامسة والثلاثين، قبسبب علاجات الخصوبة، والاختبارات الجينية؛ هناك خوف أقل من المضاعفات الصحية، وشعور أقل بالحرج بشأن إنجاب أطفال بعد سن الخامسة والثلاثين” كما تقول ماري نورتون، الرئيس المؤقت لطب الأم والجنين بجامعة كاليفورنيا – سان فرانسيسكو. وبحلول ذلك العمر، من المرجح أن يحصل الآباء على شهادة واحدة أو أكثر، ويخططون للاستثمار في تعليم أولادهم.
كما أن “عاقبة الأمومة”[2] للنساء الذين لديهن أطفال أعلى؛ لذا يحاول الكثيرون التقدم في حيواتهم المهنية قبل الولادة. إنهن أكثر عرضة للزواج من الأمهات اليافعات، وأقل عرضة للطلاق. كما أنهن أقل عرضة للعيش بجوار أجداد أطفالهم، أو لأن والديهم أكبر سنًا، أو يترددون بين رعاية الأطفال، ورعاية كبار السن من أقربائهم في نفس الوقت. كما أنهن قد يكون لديهن أطفال أقل مما كن يأملن؛ بسبب تناقص الخصوبة أثناء الثلاثينيات من عمر المرأة.
إلين سكانلون -التي تعيش في سان فرانسيسكو- أصبحت أمًا لأول مرة منذ 3 أشهر، بعمر الأربعين. أولًا: ذهبت لكلية إدارة الأعمال، وأسست مسارًا مهنيًا في مجال التمويل، ثم أنشأت شركة استراتيجية استشارية. التقت بزوجها المستقبلي عندما كان عمرها 31 عامًا، لكنهما لم يكونا على عجلةٍ من أمرهما لإنشاء أسرة.
“لقد كنا فقط نحظى بوقتٍ رائع. نحن نحب السفر، وسعداء حقًا بأن وجدنا بعضنا، وأنا أعتقد أنني نوعًا ما أؤمن بأنك قادر على إنجاب طفلٍ عندما تريد”.
لكن بعد زواجهما، وحين كانت بعمر السادسة والثلاثين عانيا مع الخصوبة؛ لقد أخذ الأمر منهم 3 سنواتٍ ونصف لزيارة المتخصصين في أنحاء البلاد قبل أن تصبح حاملًا عن طريق التلقيح الصناعي.
كونها تواصل حياتها المهنية أعطاها المرونة لأخذ إجازة للعلاج، وإجازة أمومة طويلة. لقد قالت: “لدي المزيد من الثقة من أن التماسك واستجماع القوى مرة أخرى؛ لن يكون أمرًا معجزًا”.
كما أنها منحتها هي وزوجها، الذي يعمل في مجال الخدمات المالية، ما يكفي من مال لبدء حساب توفير الجامعي لابنهما الرضيع، لي، وليكونا قادرين على تسجيله في مدرسة خاصة، والسفر. تقول: “إننا نتطلع بشدة لأجل إحضاره، وجعله يرى كم أن العالم كبير!”.
يميل النساء اللاتي يلدن أطفالهن في عمر مبكر للعيش في مناطق تعتبر الروابط الأسرية أساسية. الوالدان ربما يكونان أكثر صحة بدنيًا؛ بسبب شبابهما، وأجداد الأطفال أصغر عمرًا، وغالبًا ما يعيشان بالقرب. لكن الوالدين من غير المرجح أن يحصلا على مدخراتٍ كبيرة، أو درجةٍ جامعية، أو حياةٍ وظيفية. من المرجح أن يكون حملهن غير مقصود، وثلاثة أرباع الأمهات، اللاتى تلدن للمرة الأولى تحت سن الخامسة والعشرين، غير متزوجات.
ناتاليا ماني- طبيبة التوليد في مستشفى مقاطعة ستار في مدينة ريو غراندي، تكساس، حيث يبلغ متوسط عمر الولادة الأولى 22 عامًا- تقول أن قلة قليلة من مرضاها الحوامل متزوجات، وتستطيع أن تعد على يديها مرات الحمل التي كان مخططًا لها. العديد لا يستطيع تحمل تكاليف تحديد النسل، كما تقول. فأغلب الناس لا يفكر في الإجهاض، كما أنه ليس هناك من يقوم به بالقرب منهم. كما أن القاعدة السائدة ثقافيًا أن تكوين العائلات يبدأ في الشباب. تقول: “الناس هنا لا يذهبون من المدرسة الثانوية للجامعة؛ لا توجد أفكار هنا حول الحصول على شهادة أو الاستقلال أو السفر حول العالم”.
سادي ماري جروف، التي تعيش في ميسولا، مونتانا، كانت في العشرين من عمرها عندما أنجبت ابنها الأول داهفون. لم يكن مخططًا لذلك، ولم تكن متزوجة. وحظيت بولدين آخرين ألين وزايدن، مع رجلٍ مختلف، وهو الآن زوجها.
لم تكن تفكر كثيرًا بشأن الجامعة قبل أن تصبح حاملًا، كما تقول. لكن هدفها الآن أن تحصل على شهادة جامعية في تكنولوجيا الأشعة، حينما يتوافر لها الوقت الكافي لأخذ دوراتٍ تدريبية. الآن، هي في الثامنة والعشرين من عمرها، تتولى رعاية أولادها خلال النهار، وتعمل لثلاث ساعات في نوباتٍ مسائية كمساعد صحي.
أن تكوني أمًا شابة له فوائد، تقول: “لا يزال لدي الكثير من الطاقة للتعامل معهم، وعندما يكبرون؛ لن يكون عمري أكبر من اللازم”. لكن الأمر صعب على المستوى المالي؛ فحينما كانت حاملًا بولدها الثاني انتقلت مؤقتًا إلى منزل تديره مؤسسة ماونتين هوم مونتانا، وهي مؤسسة غير ربحية تهدف إلى مساعدة الأمهات الشابات، كما تقدم خدمات رعاية الأطفال واستشارات التوظيف، وتتلقى مساعدة حكومية للإسكان والرعاية الصحية.
وقد أظهرت الأبحاث أنه حيث يبدأ الأطفال حيواتهم = يؤثر بشدة على حيث يفترض أن ينتهي بهم المطاف. توفير الموارد للأمهات الشابات: كالبرنامج الذي ساعد السيدة غروف، وسياسات: كرعاية الأطفال والدراسة بأسعار معقولة- بإمكانه أن يساعد في إذابة الاختلافات. وكما تقول السيدة راكين- عالمة الاجتماع في جامعة لوزيانا- ” فالاستراتيجية هي توفير أفضل فرص ممكنة للأبناء”.
[1] باستطلاع خرائط الانتخابات لعامى 2004 و 2008، وجد المؤلفان أن الاختلافات الإقليمية بين الناخبين الجمهوريين والديمقراطيين تتماشى مع معتقداتهم بشأن الروابط العائلية. نموذج الأسرة الزرقاء ليبرالى بشكل اساسى : يشدد على المساواة الفردية، التسامح مع مختلف أنماط الحياة، والدور الحكومى فى مساعدة الناس على تحقيق نجاح اقتصادى وتعليمى. بينما الأسرة الحمراء : محافظة، تقدر التقاليد كما يعبر عنها الدين والأعراف ويتوقعون من الدولة احترام هذه التقاليد. (أحمد)
https://ifstudies.org/blog/red-families-vs-blue-families-which-are-happier
[2] “wage penalty” = تعنى أن الأمهات العاملات يواجهن أشكالًا من التمييز ضدهم فى الأجر والامتيازات مقارنة بغيرهن ممن ليس لديهن أطفال، والبعض يذكر أن فجوة الأجور بينهن قد تكون أكبر من تلك بين الرجال والنساء، ويعانين من تقييمات سيئة فى العمل حيث يراهم أصحاب العمل أقل إلتزامًا وأقل قدرة على العمل. وتعرف أيضًا باسم “Motherhood Penalty” (أحمد)
المصدر: ny times