- كندرا شيري
- ترجمة: طارق بن زياد حجو الرفاعي
- تحرير: إيثار الجاسر
تناقش نظريَّة جان بياجيه في التَّطوُّرِ المعرفيِّ أنَّ الأطفال يمرون بأربع مراحل مختلفة. ولا تركِّز النَّظرية على فهم كيفيَّة اكتساب الأطفال للمعرفة فحسب، بل طبيعة الذَّكاء بحدِّ ذاته.
المراحل هي:
1- المرحلة الحسيَّة الحركيَّة: وتمتدُّ من الولادة إلى عمر السنتين.
2- المرحلة ما قبل العمليَّة: من عمر السنتين إلى عمر سبع سنوات.
3- المرحلة العمليَّة الماديَّة: من السابعة إلى إحدى عشرة سنة.
4- المرحلة العمليَّة المجرَّدة: من الثانية عشرة سنة فما فوق.
يعتقد بياجيه أنَّ الأطفال يلعبون دورًا نشطًا في عمليَّة التَّعلُّم، ويتصرَّفون كالعلماء الصغار أثناء قيامهم بالتَّجارِب، وإجراء الملاحظات، والتَّعرُّف على العالم. عندما يتفاعل الأطفال مع العالم من حولهم، فإنَّهم يضيفون باستمرار معرفة جديدة، ويبنون على المعرفة الحاليَّة، ويكيفون الأفكار التي كانت موجودة سابقًا لاستيعاب المعلومات الجديدة.
كيف طوَّر بياجيه نظريَّته؟
ولد بياجيه في سويسرا في أواخر القرن التاسع عشر، وقد كان طالبًا مجدًّا، نشر أوَّل بحثٍ علميٍّ له وهو ابن الحادية عشرة سنةً. تعرَّض للتَّطوُّر الفكريِّ للأطفال مبكِّرًا عندما كان يعمل كمساعد لألفريد بينيت وثيودور سيمون حيث عملوا على توحيد اختبار الذَّكاء الشَّهير. استلهم بياجيه الكثير من اهتمامه في التَّطوُّر المعرفيِّ للأطفال من ملاحظاته لابن أخيه وابنته. عزَّزت هذه الملاحظات فرضيته النَّاشئة في أنَّ عقول الأطفال ليست نسخًا أصغر من عقول الكبار.
حتى هذه المرحلة من التَّاريخ -زمن ما قبل نشأة النَّظرية- كان الأطفال يعامَلُون إلى حدٍّ كبير على أنّهم نسخ أصغر من البالغين. كان بياجيه من أوائل الذين حدَّدُوا أنَّ الطَّريقة التي يفكِّر بها الأطفال تختلف تمامًا عمّا يفكِّر البالغون.
وبدلًا من ذلك، فقد قال أنَّ الذَّكاء هو شيءٌ ينمو ويتطوَّر عبر سلسلة من المراحل. وقال أيضًا أنَّ الأطفال الأكبر سنًّا لا يفكِّرون بسرعة أكبر من الأطفال الأصغر سنًّا. وهناك اختلافات نوعيَّة وكميَّة بين تفكير الأطفال الصِّغار والأطفال الأكبر سنًّا.
واستنادًا إلى ملاحظاته، خلص إلى أنَّ الأطفال ليسوا أقلَّ ذكاءً من الكبار، بل يفكِّرون بشكل مختلف. وصف ألبرت أينشتاين اكتشاف بياجيه بأنه “بهذه البساطة، فقط العبقري من يمكن أن يفكر في ذلك!”.
تصف نظريَّة مرحلة بياجيه التَّطوُّر المعرفيّ للأطفال والذي ينطوي على تغييرات في العمليَّة والقدرات المعرفيَّة. ومن وجهة نظر بياجيه؛ ينطوي التَّطوُّر المعرفيُّ المبكِّر على عمليات تستند إلى الإجراءات وتتقدم لاحقًا إلى تغييرات في العمليَّات العقليَّة.
المراحل
من خلال ملاحظاته لأطفاله، طوَّر بياجيه نظريَّة مرحلة للتَّطوُّر الفكريِّ تضمَّنت أربع مراحل متميِّزة:
أولًا : المرحلة الحسيَّة الحركيَّة – (من الولادة وحتَّى عمر السنتين)
- الخصائص والتَّغيرات الرَّئيسة:
- يتعرَّف الطِّفل على العالم من خلال حركاته وأحاسيسه.
- يتعلَّم الأطفال العالم من خلال الإجراءات الأساسيَّة مثل: المصّ و الإمساك و النَّظر و الاستماع.
- يتعلَّم الرُّضع أنَّ الأشياء تستمر في الوجود على الرغم من أنَّه لا يمكن رؤيتها -دوام وجود الموجود من دون مراقبته
- هم كائنات منفصلة عن النَّاس والأشياء من حولهم.
- يدرك الأطفال أنَّ أفعالهم يمكن أن تسبِّب أشياء تحدث في العالم من حولهم.
خلال هذه المرحلة المبكِّرة من التَّطوُّرِ المعرفيِّ، يكتسب الرُّضع والأطفال الصغار المعرفة من خلال التجارِب الحسيَّة واللَّعب بالأشياء. تحدث تجربة الطِّفل بالكامل في أقرب فترة من هذه المرحلة من خلال ردود الفعل والحواس والاستجابات الحركيَّة الأساسيَّة. يمرُّ الأطفال خلال هذه المرحلة أيضًا بفترة نمو وتعلُّم دراماتيكيَّة. بينما يتفاعل الأطفال مع بيئتهم، يقومون باكتشافات جديدة حول كيفيَّة عمل العالم.
التَّطوُّر المعرفيُّ خلال هذه الفترة يحدث على مدى فترة زمنيَّة قصيرة نسبيًّا وينطَّوي على قدر كبير من النُّمو. لا يتعلَّم الأطفال فقط كيفيَّة القيام بالأفعال الجسديَّة مثل الزَّحف والمشي، بل يتعلَّمون أيضًا الكثير عن اللُّغة من الأشخاص الذين يتفاعلون معهم. قسَّم بياجيه هذه المرحلة إلى عدد من المراحل الفرعيَّة المختلفة.
– يعتقد بياجيه أنَّ تطوير ديمومة الشَّيء أو ثبات الأشياء، وفهم أنَّ الأشياء تستمرُّ في الوجود حتَّى عندما لا يمكن رؤيتها، كان عنصرًا مهمًّا في هذه المرحلة من التَّطور.
– من خلال معرفة أنَّ الأشياء هي كيانات منفصلة ومتميِّزة وأنَّ لها وجودًا خاصًّا بها خارج الإدراك الفردي، يصبح الأطفال قادرين بعد ذلك على البدء بإرفاق أسماء وكلمات بأشياء.
ثانيًا :- مرحلة ما قبل العمليَّة
- الخصائص والتَّغيرات التَّنمويَّة الرَّئيسة:
- يبدأ الأطفال في التَّفكير بطريقة رمزية ويتعلَّمون استخدام الكلمات والصُّور لتمثيل الأشياء.
- يميل الأطفال في هذه المرحلة إلى أن يكونوا أنانيين ويكافحون لرؤية الأشياء من منظور الآخرين.
- مع تحسُّنهم في اللُّغة والتَّفكير؛ ما زالوا يميلون إلى التَّفكير في الأشياء بعباراتٍ محدَّدة للغاية.
تعدُّ أسس تطوُّر اللُّغة من السِّمات الرئيسة للمرحلة الحاليَّة.
يصبح الأطفال أكثر مهارة في التظاهر باللَّعب خلال هذه المرحلة من التَّطوُّر، ومع ذلك يستمرُّون في التَّفكير بشكل محدود للغاية حول العالم.
الأطفال في هذه المرحلة لا يزالون يواجهون صعوبة في فهم المنطِّق وأخذ وجهة نظر من الآخرين. غالبًا ما يعانون أيضًا من فهم فكرة الثَّبات. وعلى سبيل المثال، قد يأخذ الباحث كتلة من الطِّين، ويقسِّمها إلى قطعتين متساويتين، ثمَّ يمنح الطفل الاختيار بين قطعتين من الطِّين للعب به. يتمُّ لفُّ قطعة من الطين على شكل كرة مضغوطة بينما يتمُّ تحطيم الأخرى في شكل فطيرة مسطَّحة. نظرًا لأنَّ الشَّكل المسطَّح يبدو أكبر؛ فمن المرجَّح أن يختار الطِّفل هذه القطعة على الرغم من أنَّ القطعتين متماثلتان تمامًا!.
ثالثًا :- المرحلة العمليَّة الماديَّة:
- الخصائص و التَّغيُّرات التَّنمويَّة الرَّئيسة:
- خلال هذه المرحلة؛ يبدأ الأطفال في التَّفكير المنطقيِّ في الأحداث الملموسة.
- يبدؤون باستيعاب مفهوم الحفظ والتَّساوي؛ على سبيل المثال: أنَّ كميَّة السَّائل في كوب عريض قصير تساوي تلك الموجودة في الزُّجاج النَّحيف الطَّويل.
- يصبح تفكيرهم أكثر منطقيَّة، ولكنَّه لا يزال ماديًّا وللغاية.
- يبدأ الأطفال باستخدام المنطِّق الاستقرائي، أو الاستدلال من معلومات محدَّدة إلى مبدأ عام.
في حين أنَّ الأطفال ما زالوا محدودين للغاية في تفكيرهم في هذه المرحلة من النُّمو، يصبحون أكثر مهارة في استخدام المنطق. تبدأ الأنانية في المرحلة السَّابقة بالاختفاء عندما يبدؤون بالتَّفكير بشكل أفضل حول نظرة الآخرين للأمور.
عندما يصبح التَّفكير أكثر منطقيَّة في هذه المرحلة، يمكن أن يكون أيضًا صارمًا جدًّا. يميل الأطفال في هذه المرحلة من التَّطوُّر إلى النِّضال والمعاناة مع المفاهيم المجرَّدة والافتراضية.
خلال هذه المرحلة، يبدؤون بالتَّفكير في كيف يفكِّر ويشعر الآخرون، وأنَّ أفكارهم فريدة بالنسبة لهم وليس بالضَّرورة أن يشاركوا مشاعرهم وآراءهم مع الآخرين.
رابعًا :- المرحلة العمليَّة المجرَّدة:
- الخصائص و التَّغيُّرات التنمويَّة الرَّئيسة:
- في هذه المرحلة، يبدأ المراهق أو الشَّاب بالتَّفكير المجرِّد والسَّبب في المشكلات الإفتراضيَّة.
- يبرز الفكر المجرَّد.
- يبدأ المراهق بالتَّفكير أكثر في القضايا الأخلاقيَّة والفلسفيَّة والاجتماعيَّة والسياسيَّة التي تتطلَّب تفكيرًا نظريًّا و مجرَّدًا .
- يبدؤون في استخدام المنطِّق الاستنباطي أو الانتقال من الكليَّات العامَّة إلى الجزئيَّات الخاصَّة.
تتضمن المرحلة الأخيرة من نظريَّة بياجيه زيادة في المنطِّق، والقدرة على استخدام التَّفكير الاستنباطي، وفهم الأفكار المجرَّدة. عند هذه النُّقطة، يصبح النَّاس قادرين على رؤية العديد من الحلول المحتملة للمشكلات، ويكون تفكيرهم للعالم أكثر علميَّة.
القدرة على التَّفكير في الأفكار والمواقف المجرَّدة هي السِّمة الرئيسة لهذه المرحلة من التَّطوُّرِ المعرفيِّ. ومع ذلك؛ فإنَّ القدرة على التَّخطيط المنهجي للمستقبل والعقل حول المواقف الافتراضيَّة هي أيضًا قدرات حاسمة تظهر خلال هذه المرحلة.
من المهمِّ أن نلاحظ أنَّ بياجيه لم يعتبر التَّطور الفكريَّ للأطفال عمليَّة كميَّة؛ أي أنَّهم لا يضيفون فقط المزيد من المعلومات والمعرفة إلى معارفهم الحالية مع تقدُّمهم في السِّن، بدلًا من ذلك، وقال بياجيه أنَّ هناك تغييرًا نوعيًّا في كيفيًّا تفكير الأطفال أثناء معالجتهم تدريجيًّا خلال هذه المراحل الأربع. الطفل في سن السَّابعة ليس لديه المزيد من المعلومات حول العالم كما كان عليه في سن الثانية؛ من تغيير جوهري في طريقة تفكيره حول العالم.
مفاهيم هامة
لفهم بعض الأشياء التي تحدث أثناء التَّطور المعرفيِّ بشكلٍ أفضل، من المهمِّ أولًا فحص بعض الأفكار والمفاهيم المهمَّة التي قدَّمها بياجيه.
فيما يلي بعض العوامل التي تؤثِّر على تعلُّم الأطفال ونموِّهم:
1- المخطَّط/الصور الذهنيَّة:
يصف المخطَّط كلًّا من الإجراءات العقليَّة والبدنيَّة التي ينطوي عليها الفهم والمعرفة.
المخطَّطات: هي فئات من المعرفة تساعدنا على تفسير وفهم العالم.
ومن وجهة نظر بياجيه، يتضمَّن المخطَّط كلًّا من فئة المعرفة وعمليَّة الحصول على تلك المعرفة. أثناء حدوث التجارِب، تُستخدم هذه المعلومات الجديدة لتعديل المخطَّطات الموجودة سابقًا أو الإضافة إليها أو تغييرها.
على سبيل المثال؛ قد يكون لدى الطِّفل مخطط حول نوع من الحيوانات، مثل الكلب. إذا كانت تجربة الطِّفل الوحيدة مع الكلاب الصغيرة، فقد يعتقد أنَّ جميع الكلاب صغيرة ولها فرو كثيف وأربعة أرجل. لنفترض أنَّ الطِّفل يصادف كلبًا هائلًا. سيأخذ الطِّفل هذه المعلومات الجديدة، ويعدِّل المخطَّط الموجود مسبقًا لتضمين هذه الملاحظات الجديدة.
2- الاستيعاب:
عملية استيعاب معلومات جديدة في مخططاتنا الموجودة، هذه العملية غير موضوعيَّة إلى حدٍّ ما لأنَّنا نميل إلى تعديل الخبرات والمعلومات قليلًا؛ لتتناسب مع معتقداتنا الموجودة مسبقًا. في المثال أعلاه، تعتبر رؤية الكلب وتسميته “كلبًا” حالة استيعاب الحيوان في مخطط كلب الطفل.
3- التكيُّف:
جزء آخر من التكيُّف ينطوي على تغيير مخطَّطاتنا الحاليَّة في ضوء المعلومات الجديدة، وهي عمليَّة تُعرف باسم التكيُّف. تتضمن تعديل المخطَّطات أو الأفكار الحاليَّة نتيجة لمعلومات جديدة أو تجارِب جديدة. قد يتم أيضًا تطوير مخطَّات جديدة أثناء هذه العمليَّة.
4- الموازنة:
يعتقد بياجيه أنَّ جميع الأطفال يحاولون تحقيق التَّوازن بين الاستيعاب والتَّوافق، والذي يتحقَّق من خلال آلية بياجيه والتي تُسمى التَّوازن. مع تقدُّم الأطفال خلال مراحل التَّطور المعرفيِّ، من المهم الحفاظ على التَّوازن بين تطبيق المعرفة السابقة (الاستيعاب)، وتغيير السُّلوك لمراعاة المعرفة الجديدة (التوافق).
تساعد الموازنة؛ على شرح كيفية انتقال الأطفال من مرحلة تفكير إلى أخرى.
من أهمِّ العناصر التي يجب تذكُّرها في نظريَّة بياجيه، هي أنَّ عمليَّة إنشاء المعرفة والذَّكاء هي عمليَّة نشطة بطبيعتها. وأوضح بياجيه “أجد نفسي معارضًا لوجهة النَّظر التي تقول بأنَّ المعرفة هي نسخة سلبية للواقع”.
وأضاف “أعتقد أنَّ معرفة شيء ما تعني التصرف بناءً عليه، وبناء أنظمة من التَّحولات التي يمكن إجراؤها بواسطة هذا الكائن، معرفة الواقع يعني إنشاء أنظمة من التَّحولات التي تتوافق، إلى حدٍّ ما أو أقل، مع الواقع”.
ساعدت نظرية بياجيه في التَّطوُّرِ المعرفيِّ على زيادة فهمنا للنُّمو الفكري للأطفال. وشدَّدت أيضًا على أنَّ الأطفال ليسوا مجرَّد متلقين سلبيين للمعرفة؛ وبدلًا من ذلك، يقوم الأطفال بالتَّحقيق والتَّجريب باستمرار وهم يبنون فهمهم لكيفيَّة عمل العالم.
اقرأ ايضاً: نظرية جان بياجيه ومراحل النمو المعرفي