- يوسف عبدالرحمن الخليلي
- تحرير: إيثار الجاسر
القراءة هي غذاء العقل والرُّوح، وهي ترياق ضدَّ الوحدة والغربة، ضد السَّأم والملل، ضدَّ الجهل ورفاق السُّوء، كما أنَّها ثراء بالمعرفة والفكر واللُّغة والأدب والخلق والذَّوق والمشاعر والجمال، وهي أكبر وسيلة للاتِّصال مع الآخرين؛ فإنَّها تجمع بين الجميع بالرَّغم من اختلاف لغاتهم وعروقهم، وعلى تباين بلادهم ودياناتهم، وهي أوَّل أمر نزل به الوحي على نبيِّنا محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، بقوله عزَّ وجلَّ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}[العلق]، من ھنا يحقُّ لكلِّ فردٍ من أفراد هذه الأمَّة أن يجعل القراءة نصب عينيه، ویُشغل بها حیاته؛ فإنَّها التي تُنمي عقل الإنسان، وتمنحه التَّجارِب والخبرات العديدة في كثير من أمور الحياة، والإنسان بدون القراءة مثل الزَّهرة بلا ماء، ومثل السَّمكة بلا البحر، فإذا طمح الواحد منَّا أن يكون مدمنًا لقراءة الكتب فعليه أن يتَّبع الوصايا التَّالية:
أولًا: أدرك أھمِّيَّة القراءۃ بالاطِّلاع علی فوائدها:
لا شك أنَّ الإنسان ابن الفائدة والثَّمرة، فأينما يرى نفعه -مهما كان طفيفًا- یتهافت علیه تهافت الفراش علی النَّار، فإذا كان على إلمام بثمرات وفوائد القراءۃ فإنَّه حتمًا سیشتاق إليها، ويجعلها من إحدى هواياته المفضَّلة، فلا يتأتى له القرار إلَّا بها، ولا يسيل لعابه إلَّا من أجلها.
وھناك العدید من المحفِّزات والدَّوافع على القراءة منها ما قد أسلفناھا فی سطور ھذه المقالة، وأخری وھي کثیرۃ لا يأتي علیها العدُّ والحصر، ولو لم تکن من فوائدها إلَّا أنَّها تجلب لك السَّعادة والهناء فی حیاتك، وتبعد عنك التَّوتُّر والأرق، وتغذِّي فكرك وعقليَّتك لكانت كافية، ولو لم یکن من خطورتها إلَّا أنَّها عنوان الوحي علی ھذہ الأمَّة الأخیرۃ “أمَّة اقرأ” لکفى بها اعتزازًا وفخرًا، فأوَّل خطوۃ فی سبیل إدمان القراءۃ التَّرکیز علی ثمراتها والإلمام بما يدفع المرء إليها ويبعث فيه الشَّوق نحوها، ويحبِّبه إليها.
ثانيًا: اعزم علی اختیار حیاة حافلة بالقراءۃ:
فالذي یحلم أن یکون مدمنًا للقراءۃ فعلیه أن يقرِّر من هذه اللَّحظة أن يكون إنسانًا قارئًا، وليس قارئًا فقط بل قارئًا نهمًا، وأن تمتلئ حياته بالقراءة، ومن خلال ذلك فهو يستعير بعض الوقت لقضاء حوائجه اللَّازمة من الأکل والشُّرب والتِّجارة وملاطفة الأھل، ودعابة الأقران، وأداء حقوق الوالدین.
إنَّ لهذا العزم آثارًا نفسیَّة مترامیَّة الأبعاد، فهذا الإنسان القارئ ما إن تواتیه فرصة -مھما قصرت- إلَّا ویشتغل بالقراءة، إضافة إلى أنَّ المداومة والعزم على القراءة هي دأب جميع النَّاجحين في العالم على مرِّ التَّاريخ.
ثالثًا: انتهز فرص الفراغ ولحظات الانتظار:
کما یجدر بالذي عزم أن يكون إنسانًا قارئًا؛ فليحرص علی استغلال فرص حياته ويضع برنامجًا لنشاطاته اليوميَّة، وليكن للقراءة جزءًا ثابتًا فيه، بل الجزء الأهمّ. وبخاصة يجب عليه أن يثمِّن لحظات الانتظار فی حیاته ويصحب الكتاب معه دائمًا أينما حلَّ ونزل، ليطالعه في أيِّ وقت فارغ يتاح له كأوقات الانتظار في عيادة الطَّبيب، أو أثناء الركوب في الحافلة وما إلى ذلك، فيحسن بالقارئ النَّهم أن يشغل تلك الأوقات بالقراءة، ويمكنه أن يحمل عددًا من الكتب المفيدة في جهازه المحمول؛ لتكون متوفرة لديه في كلِّ مكان، وبدل أن يشغل وقته في تقليب صفحات التَّواصل الغير المنتظمة فإنَّه يفتح الكتب المحمَّلة ويقرأ؛ ليستفيد بذلك في تكميل الأوراد اليوميَّة للقراءة الجماعيَّة.
رابعًا: اختر المواضیع السَّهلة المناسبة للقراءۃ في بدایة الأمر:
فيليق بالقارئ المبتدئ أن يختار قراءة المواضيع السَّهلة المناسبة لميوله ونزعاته والتي يشعر بارتياح لها، وذلك بأن تكون الكتب التي يقرؤها مما تحتوي على موضوعات سهلة ومحبَّبة، كأن يقرأ بعض القصص القصيرة، أو مجلَّة من المجلَّات.
ومن الكتب السَّهلة المفيدة كتب الأديب الكبير الشَّيخ علي الطَّنطاوي رحمه الله، فيمكنه أن يقرأ في البداية مثلًا كتابه “مقالات في كلمات”، وهي مقالات قصيرة لا تزيد عن صفحتين، وحين تأنس نفسه بالمطالعة يشرع في الكتيِّبات الدَّعويَّة والتَّربويَّة الصَّغيرة، وشيئًا فشيئًا يجد نفسه قد اعتادت على القراءة، وصارت جزءًا من حياته لا يمكنه أن يتخلَّى عنها.
خامسًا: قم بتوفیر بیئة القراءة لنفسك علی وسائل التَّواصل الاجتماعي:
ویمکن لکلِّ واحد توفیر بيئة القراءة لنفسه على وسائل التَّواصل الاجتماعي بانخراطه في سلك مجموعات واتسابیَّة تهتم بتنظيم القراءة الجماعيَّة ومسابقات تحدِّ القراءة، مثل:(مجموعات اقرأ) بكافَّة أنواعها، فيجد فيها القارئ بيئة رائعة لقراءة الكتب تحت إشراف المدمنین والخبراء في هذا المجال، فيتمتَّع بتشجيعهم على القراءة برسائل محفِّزة له، وبذلك فإنَّه يستطيع بذلك تعويد نفسه على القراءة اليوميَّة بشکل ألطف وأسرع.
سادسًا: طالع قصص المدمنین للقراءۃ:
فإنَّ الإنسان مجبول علی اتِّخاذ القدوۃ والأسوۃ في كلِّ مجال من مجالات الحیاۃ، فالذي أحبَّ القراءة وأخذت هي بمجامع قلبه ونفسه؛ فعليه أن يشحذ همَّته ويشحن بطَّاريته نحو القراءة بمطالعة قصص المدمنین لقراءۃ الکتب، ويروق له في هذا الصَّدد كتاب ” عاشق ” للدكتور عائض القرني، وهو يحتوي على مثل هذه القصص لعشَّاق ومدمني القراءة فيستفز به همَّته نحو إدمان القراءة.
سابعًا: اصحب مدمني القراءۃ:
من المعلوم أنَّ الإنسان ابن البیئة، والرَّجل على دين خليله، یتحفَّز ویتشجَّع لكلِّ عمل وجد فيه بیئة ملائمة له، فترى فی رمضان لا یصعب علیه تحمُّل الجوع والعطش طوال فترة مدیدۃ، وفي الحجِّ یتکبَّد العناء والمشقَّة بکلِّ نشاط وحیويَّة، ھکذا فعليه أن يستعين على تحقيق هدف الإدمان بصحبة المدمنین على القراءة، حتى يكتسب عادة الإدمان معهم، ويكون نهمًا حريصًا علی قراءة الكتب.
ثامنًا: استمتع باقتناص الفوائد التي تدور بخلدك أثناء القراءۃ:
ينبغي للقارئ أن يستمتع بما يقرأ من خلال التَّركيز على اقتناص الفوائد وجمع الشَّوارد التي تمرُّ معه، وتقیید الخواطر التي تدور بخلدہ.
ومن المفيد أيضًا أن يكون معه دفتر صغير يدوِّن فيه الفقرات التي تعجبه بأقلام ملوَّنة، ليعود إليها متى شاء؛ فهذا سيحقِّق له الأنس بالكتاب -وتلك ھی سنَّة متَّبعة لکثیر من القرَّاء النَّاجحين والمؤلِّفين البارعین أثناء قراءۃ الکتب المفیدۃ، وبذلك یمکنه أن یدوِّن کتیِّبة صغيرة من تألیف نفسه أثناء قراءته لهذا الکتاب.
تاسعًا: استخدم الفوائد الملتقطة في مقالاتك وتدویناتك بمناسبات مختلفة:
والأفضل أن یستخدم الفقرات الجمیلة والاقتباسات الرَّائعة في کتاباته وتدویناته بمناسبات مختلفة کما ینبغی له أن يثق تمامًا بأنَّ الفوائد التي سيقتنصها من خلال القراءة والمقتطفات التي یستخدمها ستكون هي الدَّافع والمحفِّز إلى محبَّة القراءة والاطِّلاع، ومع مرور الزَّمن يتكوَّن لديه عالي المستوى، وسيشعر بالفرق بينه وبين أقرانه وخلانه.
عاشرًا: اجعل في نفسك رغبةً مشتعلةً نحو القراءة:
ختامًا وإلى جانب كلِّ هذه الوصايا يجب عليه أن يستمدَّ بالله العون في تحقيق هذا الهدف الأسمى والغاية القصوى، وليواصل نحو هدفه برغبةٍ مشتعلةٍ وشوقٍ مفرطٍ، وبجدٍّ وكدٍّ، وعزمٍ صامدٍ، لا یتزعزع مهما هبَّت الرِّياح عاصفة، ومهما حالت العوائق دونه ودون الوصول إلى هدفه، فإذا فعل ذلك فسيرى عجبًا عاجبًا في حياته وفي عقليَّته بعد مرور الأيَّام واللَّيالي.
واللہ الموفِّق والمعین.
اقرأ ايضا: لماذا لا أستطيعُ أن أُكمِل كتابًا؟