- المركز الأسري
- ترجمة: جواهر محمد
- تحرير: بلال الخصاونة
كثيرٌ من أطفالنا لا يُحبّون الذّهاب إلى المدرسة، لكنّنا نجدهم عاكِفين على الأجهزة الإلكترونية معظم اليوم! إنّ العالم الافتراضيّ الذي نعيش فيه اليوم ألقى بظلاله عليهم حتى وإن كانوا يُحبّون التّعلّم، أصبحت الدّراسة صعبة ومُملّة، حيث فقد الطّفل مُتعة التّعلّم برِفقة أصدقائه.
كما اتّضح أيضًا أنّ أطفالنا يُفَوّتون أمورًا أكثر أهمّيّةً من الاستمتاع نتيجةً للتّعلّم عن بُعد، صرّح الخبراء المُهتمّون بدراسة تنميةِ الطّفل أنّ التفاعل الاجتماعيّ الذي يحدث في المدارس يُعلِّم الطفلَ مهاراتٍ متعددةً وذات أهمّيّةٍ أكبر من التّعلّم الأكاديميّ.
المدارس تُعلّم الطّفل المهارات الاجتماعيّة
في أول ظهور لفيروس كورونا ركّز مُعظمُنا على المحتوى التعليميّ الذي سيَفوتُ أطفالَنا وكيف سيتابعون تعلم القراءة والحساب وهل بمقدور العائلات ذات الدّخل المحدود أن يوفّروا أجهزة حاسوب وشبكة انترنت لأطفالهم، على الرغم من أن هذه المخاوف في محلّها إلا أن علينا الخوف ممّا سيفقده أطفالنا عاطفيًا واجتماعيًا.
نشرت الأكاديميّة الأمريكيّة لطبّ الأطفال في شهر يونيو الماضي بيانًا ذُكر فيه وجوب عودة الأطفال إلى المدارس في خريف العام نفسه إن أمكن، وقد أثار ذلك البيان جدلًا كبيرًا وأغضب عددًا من أولياء الأمور، ولا يُمكِن لَومُهم حيثُ فيروس كورونا يشكل خطرًا حقيقيًّا على الصِّحة العامّة، ولكنّ الأكاديميَّة كانت تحاول إيضاح أهمية حضور الطفل جسديًّا مع أطفالٍ وبالغينَ آخرين خارج نطاق العائلة، وهذا ينطبق تحديدًا على أطفال الرّوضة الذين لا يزالون يتعلمون كيفية الانخراط السليم واللّعب مع أقرانهم أكثر مما يتعلمون العدّ.
التفاعل الاجتماعيّ الذي يعيشه الطّفل داخل المدرسة يُعِدّه لتفاعل أعمق مستقبلًا، وهو تفاعل البالغين معًا، فحتّى وإن كانت مهارات التّواصل هذه تبدو عفويّة وتلقائيّة إلا انها تتطلب جهدًا وتعلمًا مستمرًّا.
كيف نساعد على تقليص فجوة التكيف الاجتماعي
كيف يمكن للآباء والمجتمع أن يُقدِّموا الدّعم لأطفالهم في خِضمّ الفراغ الاجتماعيّ الذي يعيشونه نتيجةً لتباعد أفراد المجتمع عن بعضهم؟
بادئَ ذي بدءٍ، يَنصحُ خبراءُ تنمية الأطفال الآباءَ ألا يقلقوا كثيرًا مما قد يَفوتُ أبناءَهم في هذه الفترة؛ حيث إن الأطفال هم أكثر البشر مرونةً وتأقلمًا وبإمكانهم تعويض ما فات.
إنّ أطفالنا قادرون على كسبِ كثيرٍ من المهارات الاجتماعيّة والعاطفيّة من تواصلهم مع الوالدَين، والأشقّاء، والحيوانات الأليفة أيضًا دون الحاجة للتواصل مع أقرانهم خارج المنزل.
وقد اتّفق علماء النّفس على أنّ أفضل ما يمكن للآباء فعلُه من أجل أطفالهم في هذه الفترة الحرجة هو الكفّ عن القلق قدر الإمكان.
فعليهم أن يجدوا السّلام في الرّابط الأُسريّ بينهم وبين أطفالهم بدلًا من القلق، تُظهِر الدِّراسة أنّ الأطفال الذين يُنشِؤون روابط متينة مع والديهم يحظون بصداقات ناجحة حين يكبرون، كما أنّ وجود أكثر من طفل في المنزل، أو وجود إخوة، أو أقرباء يساعدهم في التعامل مع الخلافات وحلِّها.
يمكن للوالدين أن ينمّوا أبناءهم اجتماعيًا بسهولة بطرق عديدة كأن يحاوروهم عن دور كل فرد في العائلة، لو حاول الوالدان اعتبار المنزل مدرسة صغيرة لتنشئة أطفالهم اجتماعيًا؛ سيتمكنون من تعليمهم مهارات قد لا يتعلمونها مباشرةً من أساتذتهم.
يمكن – على سبيل المثال لا الحصر- تعليمهم دروسًا عن التّعاطف التعابير اللُّغويّة بجعل الحيوانات الأليفة في المنزل موضوعًا للحوار، وذلك يتمثّل بطرح أسئلة مثل: “بم يشعرون؟ هل تظنّ أن هذا الشيء يُعجِبها؟ “
كما يُمكنُ للآباء تدريبهم على تسمية المشاعر والتعبير عنها، ومناقشتهم في شخصيّات القصص حالَ روايتها لهم وفيمَ يفكّرون.
ختامًا، علينا تعليم أطفالنا تحمّل المسؤوليّة بتكليفهم بمهامّ منزليّة مناسبة لأعمارهم، لا بأس لو طلبت من طفلة في الرابعة من عمرها أن تساعدك في ترتيب جدول المهام اليوميّة أو اختيار أصناف العشاء لذلك الأسبوع، كما يمكن تكليف الطّفل الأكبر سنًا بأداء مهامّ مثل الغسيل أو إعطاءه ميزانيّة يُنشِئ بها قائمة المواد الغذائية لذلك الأسبوع، كل هذه المهامّ هي مهارات متنقلة[1] من شأنها أن تُهيّئ أطفالنا قبل عودتهم للحياة الاجتماعيّة خارج المنزل.
من أهم الأمور التي يجب أخذها بعين الاعتبار أن وقتنا الحاضر ليس مناسبًا لتلقين الأطفال محاضرات عن تعلّم المهارات الاجتماعيّة، علينا ألا ننسى أن هذه المهارات تطبيقيّة ويجب أن تُعلَّم بأسلوب ماتِع مما يضمن رسوخها في أذهانهم، وتذكَّر: اللّعب يُشكِّل دورًا أساسيًا في التّعلم عند الأطفال.
لا شكّ أنّ للتّعليم الأكاديميّ داخل الصّفّ ومع أقرانهم تأثيرًا أكبر؛ ولكنه لا يعني أنهم عاجزون عن تعلّم الكثير في منازلهم.
[1] المهارات المتنقلة: هي المهارات التي تتعلمها من تجارب الحياة والتفاعل الاجتماعي والتي تلازمك وتتنقل معك في جميع مراحل حياتك. (المترجمة)