- إيملي ويلينغهام
- ترجمة: نوضا عبد الرحمن
- تحرير: ناريمان علاء الدين
يحتاج معظمنا لأخذ قسطٍ أكبر من النوم، نشعر بهذا عند رغبتنا المُلِّحة في تناول كوبٍ إضافي من القهوة، وعند تراجع فهمنا الإدراكي في يوم عملٍ حافل. يرتبط النوم ارتباطاً وثيقاً بتفكيرنا، حيث يصقله بعد أخذِ قسطٍ كافٍ من النوم، ويضعفه حين لا ننام بمقدارٍ كافٍ.
يدرك علماء الأعصاب أسباب هذه الآثار جيداً، وهي الإشارات الخارجية للنور والظلام والتي تساعد في ضبط اتزاننا اليومي، جينات الوقت التي تعمل كضوابط داخلية للوقت، والخلايا العصبية التي ترتبط ببعضها عبر نقاط الترابط العصبي. لكن طريقة تفاعل هذه العوامل مع بعضها لتنشيط الدماغ وقت النوم لا يزال لغزاً.
ووفقاً للاكتشافات التي عرضتها ورقتان علميتان ونشرتها مجلة Science في العاشر من أكتوبر؛ فإن نقاط الترابط العصبي تمثل مرحلة مركزية؛ حيث أظهر الباحثون أن خلايا التواصل العصبي تلك هي الموضع الذي يتقارب فيه الاستعداد الداخلي للنوم والآثار السلوكية المتعلقة به. تقوم ضوابط الوقت الخلوية بإعداد المناطق المحيطة بتلك الروابط العصبية بشكلٍ متوازن استعداداً لبناء بروتينات الترابط العصبي خلال النوم. لكن الاكتشافات الحديثة أشارت إلى أن الخلايا العصبية لا تتوقف عن بناء تلك البروتينات المهمة حال اليقظة.
وكما يقول عالم الأعصاب في المركز الطبي لجامعة تكساس روبرت جرين – والذي لم يشارك في الدراسة – فإن النتائج تشير إلى أن الدماغ يستعد لحدثٍ ما، ولكن هذا لا يعني أنك تدرك فعلياً ما يجري فيه. وقد وصف جرين الدراسة بالمذهلة، حيث أكّدت الترابط بين ضوابط الوقت الداخلية وسلوكيات النوم، الأمر الذي لم يكن مثبتاً لفترةٍ طويلة.
يلعب عاملان اثنان دوراً مهماً حين نشعر بالنعاس: “ضغط النوم” أو الجاذبية المتزايدة للنوم كلما زاد وقت الاستيقاظ، وساعتنا البيولوجية التي تبعث الإشارة أن اللحظة المعتادة للنوم قد حانت. وفي إحدى الدراستين، أظهرت سارا نويا وزملاؤها من معهد الصيدلة وعلم السموم في جامعة زيورخ أن الساعة البيولوجية في الفئران تنظم التوليد المتناغم لأوامر إنتاج البروتين. وأظهرت الدراسة أن الاستسلام لضغط النوم والخلود له يحفز الخطوات النهائية لإنتاج البروتين.
اكتشف فريق نويا أن لحظتين فقط من لحظات الذروة خلال ساعات اليوم الأربع والعشرين امتلأت فيها مراكز إرسال خلية ضبط الوقت بالخلايا العصبية في مناطق الدماغ المرتبطة بالإدراك مشحونةً بهذه الأوامر، وتلك اللحظتان كانتا قبل النوم وقبل الاستيقاظ. وكانت أوامر وقت النوم للبروتينات التي تنظم بناء البروتينات الأخرى، بينما كانت أوامر وقت الاستيقاظ للبروتينات المرتبطة بنقاط الترابط العصبي. وتقوم هذه الجزيئات المخفية بالاستعداد للإنعاش السريع لنقاط الترابط العصبي خلال النوم. ولم تتم ملاحظة ذلك مع الفئران التي تفتقر لجينات الوقت المهمة.
مع دورة النوم والاستيقاظ المعتادة، أظهرت البروتينات التي بُنِيَت بهذه الأوامر أن ذروة الإنتاج كانت عند بزوغ الفجر وعند غروب الشمس. وقد أثبتت نويا وزملاؤها أن الخلية في الفئران المحرومة من النوم استمرت في إنتاج المزيد من الأوامر ولكنها لم تبني البروتينات المتوقعة منها، وهذا يعني أن النوم ينظم الخطوة الأخيرة في بناء البروتين لضمان قوة نقاط الترابط العصبي.
ومع ذلك، فليس من الضروري لكل البروتينات التي تصنعها الخلية أن تكون في الحالة النشطة. ففي دراسةٍ أخرى، استعرضت فرانزيسكا برونينغ وزملاؤها من جامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونيخ ومعهد ماكس بلانك للكيمياء الحيوية في مارتينسريد في ألمانيا الاستخدام المتناغم لتلك البروتينات. ويعمل ربط أو إزالة جزيئات الفوسفات بمثابة مبدّل لتحفيز البروتينات أو إبقاءها خاملةً، مما أتاح للباحثين فرصة إلقاء نظرةٍ فاحصةٍ على هذه العملية. وقد وجدوا أن مستويات البروتين التي تم وسمها بالفوسفات أيضا بلغت ذروتها مرتين، وكانت الذروة الكبرى تحدث قبيل الاستيقاظ. وكما هو الحال مع البروتينات في الدراسة الأخرى، فقد لوحظ أن الحرمان من النوم يلغي تأثير ما يحدث في لحظات الذروة.
وقد قام الباحثون بتسجيل النتائج كل أربع ساعات، وفي دراساتٍ أقدم، كان قياس النتائج يتم عادةً في كل لحظةٍ زمنية خلال الأربع وعشرين ساعة، كما تقول عالمة الأعصاب كلير سيريلي من جامعة ويسكونسن في ماديسون، والتي شاركت في كتابة التعليق على هاتين الدراستين. وتصف كلير ذلك القياس بأنه “تحليل شامل خلال الدورة الكاملة لتعاقب النور والظلام“.
وتؤكد سيريلي على أهمية عزل مناطق الترابط العصبي حيث تجتمع تلك الجزيئات ويتم إنتاجها. وكما تقول سيريلي فقد تيقّن الباحثون من ذلك عندما وُضِعت الأوامر في حالة الاستعداد، وعندما صُنِعت أو استُخدِمَت البروتينات الاعتيادية أو تلك المحفّزة بالفوسفات.
وتقول عالمة الأعصاب ماريا روبلس من جامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونيخ –وقد شاركت في كتابة كلتي الدراستين– أنّ الاكتشافات التي تميّز بين المراحل المختلفة للنشاط وإنتاج البروتين مدهشة فعلاً، حيث تكشف أن الدماغ له طريقةٌ رائعة للتحكم بتلك الجزيئات.
وعلى الرغم من أنّ الدراستين أُجرِيَتا على الفئران، فإن أدمغة تلك الحيوانات أثبتت أنها بدائل موثوقة جدا لأدمغة البشر – فيما يتعلق بإجراء الأبحاث– كما يقول عالم الأعصاب في مدرسة بيرلمان للطب في جامعة بنسلفانيا اخيليش ريدي والذي لم يشارك في تلك الأبحاث.
المصدر: scientific american