- ترجمة: محمد فاضل بلمومن
- مراجعة: مصطفى هندي
- تحرير: أسامة خالد العمرات
“الالتزامات الشخصية تُعلّمك أنّ الإنجاز هو لعبةٌ محصّلتها صفر”.
كريس تشامبرز، أستاذة علم الأعصاب الإدراكي بجامعة كارديف.
هناك مقولة قديمة متداولة في الأوساط الأكاديمية تقول: “من المهم أن يكون لديك عمل جيد ومتوازن”. إنّ العلم لا ينام أبداً، ربما ليس من المفترض بك أن تكون مثله؛ لكن على الأقل إن فعلت؛ فاجعلها نومة خفيفة وحاول أن تحلم فيها بتجربتك المخبرية القادمة. فالرسالة المتداولة من جيل من العلماء إلى الجيل اللاحق هي: اِلحق بغولدن غيكو أو مُت وأنت تحاول!
وظهر هذا المعنى مجدداً على الساحة في شهر نوفمبر حين غرّدت المذيعة والكلاسيكية بجامعة كامبردج ماري بيرد على حسابها في تويتر معترفةً (مع شيء من الحزن، فيما أظن) بأنها تعمل لـ 100 ساعة في الأسبوع. 100 ساعة! لقد اُستقبلت تغريدتها بمزيجٍ من الخوف والرعب. هل هذا فعلاً ما يجب علينا لكي ننجح؟
لا أظن ذلك؛ لكني أستطيع أن أعرف لماذا يبدو الأمر كذلك. البيروقراطيون يهتمون أكثر بمدى “إنتاجيتنا”، ويقيسون ذلك أساساً بكمية المقالات التي ننشرها في المجلات رفيعة المستوى، والمجلات المحكّمة، وبحجم التمويل البحثي الذي نجلبه.
لكن هذا للمبتدئين فقط. ويُتوقّع منا أيضاً أن نكون مدراء، وإداريين، وصانعي قرار، ومراسلين، ومحاسبين، ومعلمين، وموجهين، ونحصد الجوائز، ومتخصصين، وموسوعيين، ونماذج يُحتذى بها. وهذا من شأنه أن يخلق ضغطاً ثابتاً على الباحثين ليقوموا بفعل كل شيء باستمرار، من كتابة ومراجعة للمقالات إلى وضع العلامات والإشراف على الطلاب، وانتهاءً بعقد الندوات الصحفية ومجالسة صانعي القرار.
أنا أول من عليه الاعتراف بأني اعتنقت كباحثةٍ مهنية فكرة العمل المكثف بكل ما أوتيت من جهد. هذا ما كان يفعله كل من عاصرتهم. وهذا ما توقّعه أساتذتي وقدواتي. لقد كانت المنافسة ضارية ومرهقة على نحوٍ لا يُطاق، لكنها كانت مبهجة في أحيانٍ أخرى.
لم يسبق لي العمل 100 ساعة في أي عمل من قبل، لكني وصلت لما يتجاوز الـ 60 ساعة. بإمكانك أن تعمل 10 ساعاتٍ يومياً من الإثنين إلى الجمعة، بالإضافة إلى 10 ساعات أخرى خلال عطلة نهاية الأسبوع، ثم تضغطُ القليل أكثر حيثما أمكنك. بالطبع، لم أكن أتقاضى سوى ثمن 40 ساعة، لكني كغيري من الباحثين المبتدئين الذين يعتمدون على “الأموال السهلة” المؤقتة، لقد تعاملتُ مع مُرتّبي كمقابلٍ للوقت المقترض للاستثمار في النجاح المستقبلي. عندما يكون وضعك المهني قنبلة موقوتة؛ يتحتّم عليك العَدْو.
حين تحصلت في النهاية على وظيفة أكاديمية دائمة، صار الضغط أسوأ. يملأ العمل وقتك كله، فلا يترك لك مجالاً للتفكير حتى، الذي هو الوظيفة الأساسية للمثقف في عصور ذهبت طي النسيان منذ فترة طويلة.
لكن وجهة نظري تغيرت جذرياً عندما أنجبت أطفالاً. لقد أقسمت بأني لن أكون واحدةً من هؤلاء الأكاديميين المحبطين أصحاب الدرجات العالية الذين نشأ أبناؤهم على أيدي المربيات. اِلتزاماتك الشخصية تُعلمك أن الإنجاز لعبة محصلتها صفر؛ هل من المجدي أن تنجز أشياء كبيرة في مجال ما حتى وإن كان هذا يعني تدمير كل شيء آخر في حياتك؟ هل أريد أن ينتهي بي الأمر مثل ذلك الزميل المعروف الذي رأيته مرة يكتب طلب منحة في يوم عيد ميلاد ابنه؟ أو ذاك الذي نسي عيد ميلاد ابنه أصلاً؟
لذا، فأنا أعمل بشكل صارم من 40 إلى 45 ساعة في الأسبوع، وفي المساء بين الحين والآخر، وغالباً لا أعمل في عطلة نهاية الأسبوع . أسأل نفسي: هل أشعر بالرغبة في العمل لساعات أكثر؟ نعم بكل تأكيد. العمل أمر مهم وأنا أستمتع بغالبيّته. لكن واحداً من أعباء القيادة -كأكاديمي رفيع المستوى- هو أن تنظر من وقتٍ لآخر إلى المشهد الكلي وأن تفهم المثال الذي تقدمه. طبعاً، إذا أراد أي زميل مرموق أن يعمل لـ 100 ساعة فلا أحد يستطيع إيقافه، بمن فيهم أنا. لكني أُفضّل وإلى حد بعيد ألا يتكلم عن ذلك أو يتوقع من أحدٍ غيره أن يقوم بذلك؛ إما على نحوٍ صريح؛ عن طريق الطلب المباشر، وإما ضمنياً؛ عن طريق تقدير الباحثين الذين يُنتجون أكثر.
أنا أسمعك تصرخ الآن.. ياللنفاق! نعم، وإن كنتُ أقول بأنّي وصلت إلى هذه المكانة عبر العمل المكثّف، إلا أنّه من الجدير كسر هذه الدائرة. الإفراط في العمل مضر بالصحة النفسية والبدنية، ناهيك عن جودة الأبحاث.
إن تداعيات العمل المفرط مثل تداعيات الكربون تماماً، فكلما زاد حجمه كلما صار ضاراً للبيئة من حولك. وبنفس الطريقة؛ فإنّ الأكاديميين الذين يعملون لساعات جنونية؛ يتحملون المسؤولية الكبرى في دفعهم الآخرينَ للقيام بنفس الشيء.
“الخط الفاصل بين العمل والراحة لم يعد يظهر”
إيرينا دوميتريسكو، أستاذة دراسات اللغة الإنجليزية الوسيطة بجامعة بون.
الساعة الآن السابعة والنص من مساء آخر جمعة من العطلة الشتوية، وأنا أكتب هذه الكلمات. كان من الممكن أن ألعب الآن مع ابني أو أحضّر العشاء. وبدلاً من ذلك؛ فإنّي أُطلق العنان لميولي الوظيفية، محاولة إيجاد بضع مئات من الكلمات قبل أن يُجهِزَ التعب على يومي.
إليك النسخة الثانية من هذا المشهد: أنا مستلقيةٌ الآن على سريري، مع شراب الأبيرال سبيريتز، وابني يشاهد بعض الفديوهات الموسيقية بالقرب مني. وأنا أراوح بين قراءة الرسائل النصية، ومتابعة مُلح الأخبار، وأتفقّد بريدي الإلكتروني بين الفينة والأخرى، وأقوم من تلقاء نفسي بشيء أحبه: الكتابة.
لا أعلم كم ساعة كنتُ أعمل في الأسبوع، فالحدود الفاصلة بين العمل والراحة كانت غامضة في فترة الدراسات العليا. ومع مرور السنوات، صارت غير مرئية تماماً. بعض المهام واضحة: وضع الدرجات هو العمل، وكذلك اجتماعات اللجان أو أي شيء يضم مِنحاً أو شؤوناً وظيفية. التعليم عمل أيضاً؛ فمن خلاله نملك إمكانية البهجة والإنجاز. لكن ماذا لو كنت أقرأ -خلال الفطور- شيئاً من الشعر الإنجليزي الوسيط مما سأدرّسه في اليوم التالي، أين أصنّف هذه الساعة؟ وماذا لو استلقيتُ وسط حمام ساخن مع روايةٍ سأكتب مراجعتها في إحدى الصحف؟ فهل هذا عمل أم متعة؟ أم هو مؤتمر متعب؟ ماذا لو كان الاستماع إلى النقاشات المحفزة يبدو وكأنه عطلة؟ وماذا عن أمسيات العشاء وحفلات الاستقبال؟
وبما أنّي أكرس غالبية وقتي للكتابة العامّة، فإنّ هذا يجعل من الصعب التيقّن مما هو مهم. وظيفتي لا تقيس ولا تكافئ الزيادة، ولكن هذا ينطبق أيضاً على مخرجات البحث. هل يُفترض بي أن أعدّ ضَربَي الكتابة هوايتين الآن؟ حتى لو ساعدا على تحسين التدريس والمنح هل ستلاحظ الجامعة ذلك؟ أم هل عليّ أن أحمد الله لأنه لم يفكّر أي بيروقراطي في عدّ منشوراتي؟
جدول التوقيت المرن هو نعمة العمل الأكاديمي ولعنته. عندما بدأتُ العمل في منصبي في مجال الحيازة في بورن سنة 2014م، كان أقل من 30% من الأمهات الألمان اللواتي لهن أطفال دون الخامسة عشرة يعملن بدوامٍ كامل. وكنت أتأمّل كم كنتُ محظوظة من كوني كنت قادرةً على القيام بالجوْلات النهاريّة عندما يحين دوري، ثم أعمل بضع ساعات بعد أن ينام ابني لأعوّض ما لم أستطع إنهاءه في المكتب. لقد كنت مرهقة، واكتسبت وزناً زائداً، ونادراً ما يمر أسبوعان دون أن أمرض، لكني مع ذلك قضيت وقتاً رائعاً مع ابني وحصلت على مرتبة أستاذ دائم. (على الرغم من أنّني كنتُ استثناءً: ففي 2019م أقل من 20% من الأستاذة الألمان كانوا نساءً).
العادات التي نميّتها خلال هذه الفترة لم تساعدني على نحوٍ جيّد بعد الترقية؛ عندما تضاعف التدريس والخدمات. كنت أجلس مقابل حاسوبي في أغلب الأمسيات “فقط لأقوم بإنجاز عمل واحد فقط”. ولشدة تعبي من التركيز، فإنّ مهام الربع ساعة كانت تستغرق مني ساعات من الشّتات العشوائي. هل يكون هذا عملاً حين تحدق في الشاشة بعد أن يكون دماغك قد بلغ منتهاه وأنت تأمل أنّك ستنتج؟ هل من المجدي أن أقوم بالشيء نفسه في اليوم التالي في المكتب، بعد ليلة أخرى من قلة النوم؟ لقد كان من المذهل أن تعمل متى ما أردت وحيثما أردت، لكني لم أشعر أبداً أني وفّيت حقّ يومي من الإنجاز. لقد عشتُ تحت ملاحقات شبح الشعور بالذنب من تأجيل قائمة المهام التي لا تنتهي. لقد تحولت المكالمة الصوتية إلى إرهاق.
من غير المرجح أنني سأكون قادرة على وضع رقم واضح لعدد الساعات التي أعملها في أي وقت قريب؛ فعملي وشغفي لا يزالان متشابكين للغاية. لكن لدي فعلاً هدفٌ للمُضي قُدماً: وهو عدّ الساعات التي لا ينفع معها العمل بأي حال من الأحوال. كم من حياتي كرّسته للنوم والتمرّن؟ للعائلة والأصدقاء؟ لهواياتي التي لن تدخل أبداً سيرتي الذاتية؟ بعبارة أخرى؛ من أكون أنا خارج إنتاجي الأكاديمي؟
“إنتاجي الهستيري شارك في خلق بيئة من العمل المرهق”.
هانا فورسيث محاضرة مخضرمة بالجامعة الكاثوليكية الأسترالية، تخصص التاريخ، وتشغل حاليًا منصب أستاذ شرفي في جامعة كامبريدج.
كانت لي محادثة مزعجة مع أحد زملائي بعد إنهاء الدكتوراه بمرحلة وجيزة. قال لي بأنّ وتيرة عملي كانت مرتفعة جداً مما جعل الأمر “غير عادل” بالنسبة للجميع. صحيحٌ أني كنتُ أضبط منبهي على الساعة الرابعة والنصف صباحاً، وخلال العام الماضي أو ما يقارب ترشحي لمرحلة الدكتوراه فغالباً ما أكون في الحرم الجامعي بحلول الساعة الخامسة. صدرت منشوراتي، وإلى جانبهم أطروحتي على نحوٍ سريع وجنوني. والذي كنتُ أفعله، بعكس زملائي، هو أنّي كنت مشرفةً على تربية طفلٍ أيضاً. يكون معي ابني كل أسبوعين فقظ، مما جعله بلا شك أمراً سهلاً، لكن لا يزال الأمر يتطلب مني الكثير. وخلال الأسابيع التي أمضيتها معه، كنتُ أعمل في مقعد المطبخ في شقتي الصغيرة قبل أن يستيقظ، وفي فترة ما بعد الظهر -دون احتساب تدريبات كرة القدم- كنت أكتب رسالتي بالتزامن مع الإشراف على واجباته المنزلية. وتعتبر سيدني واحدة من المدن الأقل تكلفةً في العالم، لذلك كانت أعمالي المدفوعة الأجر أيضاً معتبرة: لقد كانت على العموم الحد الأقصى المسموح به من المنحة الدراسية.
لقد عملت بجنون لأكون قادرةً على المنافسة ما أمكن، لأنني استطعت تحمل بضعة سنوات دون عمل مستقر، قبل أن أضطر إلى العودة إلى مهنة الدعم التي كنت قد أنشأتها قبل بدء الدكتوراه. فالذي بدا لزميلتي غير عادل هو في رأيي الأبوة المسؤولة.
لقد كانت في الواقع، وبالنظر إليها من الخارج جحيماً. لكن عاداتي الزئبقية لم تتغير -أو لم أستطع أن أغيرها على الأرجح- حين باشرت العمل في وظيفتي الدائمة. من المذهل بالنسبة لي الآن أنّ القصة لم تنتهِ على نحوٍ تراجيدي. وبدلاً من ذلك، وبعد النجاة من التعليم لبضعة سنوات، تعلّمت -مع مساعدة معتبرة- أن أُبطئها شيئاً قليلاً. ما زلت لا أعلم عن “المنحة البطيئة”، لكنني أتعلم تدريجياً أن التفكير العميق والقراءة الشاملة والتحليل المدروس لا يأتي بهذه السرعة.
بصفتي عضواً في لجنة الفرع الاتحادي، فقد كنت أتناقش مؤخرًا حول المراجعات المتعلقة بنموذج عبء العمل الأكاديمي في مؤسستي. أذهلني نزول عبء العمل الجامعي إلى ما يشبه “نظام الدفع” الذي وصفه المؤرخ إدوارد بابتيست بمزارع القطن في القرن التاسع عشر. كان المنطق يقول: بأنّ الذي يحصّله العبد في يوم الواحد هو ما يحدد أقلّ معدل عليه في اليوم التالي، في حين أن أسرع عبد يعمل في صفوف القطن هو من يحدد معدل السرعة للجميع. بأنّه نتج عن الفشل في تلبية الحصص المتزايدة عنفاً لا يوصف. كانت تلك الزيادات المذهلة في الإنتاجية تنعكس على التعذيب الجسدي والنفسي للعبيد.
قد يكون من الخطأ مقارنة الأكاديميين بالعبيد؛ نظراً لامتيازاتنا الهائلة. لكن إداراتنا الحديثة تَتْبع المنطق نفسه لنظام الدفع، مهما وجدنا طريقة لجعل عبء العمل لدينا قابلاً للتحقيق -عبر التسكّع في الفصول الدراسية والتعليق على المقالات المسجلة والاستيقاظ مبكراً لإيجاد وقتٍ هادئ للعمل- يتسارع عبء العمل لأنّه دائماً هناك شخصٌ آخر سيستيقظ قبلك، ويحقق أكثر، وبل وأفضل منك؛ وقد يكون هذا الشخص هو أنت نفسك عندما كنت شاباً.
لكن مقدرتي التأمليّة المكتشفة حديثاً تحزّ قليلاً في ضميري؛ أشك في أن زميلتي كانت على حق: لقد ساهم إنتاجي الهستيري في خلق بيئة من العمل المرهق بالنسبة لنا جميعًا. لكنها كانت مخطئةً أيضاً. لم يكن نظام الدفع أبداً خطأ العبد الأكثر سرعةً؛ بل كان خطأ المالك الذي يمسك السوط.
من ناحية أخرى، وعلى عكس العمل الشاق، يعدّ العمل الأكاديمي ممتعاً ومُرضياً، كما أنّ تنظيم عادات عمل بعضنا البعض هو احتمال مستبعد. وبدلاً من ذلك، نحن الذين لدينا سلطة أكبر بكثير من العبيد، كنا بحاجة إلى استخدام قوتنا الجماعية ونقاباتنا -على نحو واسع- لمحاربة نظام الدفع نفسه.
“لماذا أُرغم نفسي على الاستيقاظ مبكراً، إذا كان ذلك لا يعود على عملي بالفائدة؟”
أليس ويكندن طالبة دكتوراه، تخصص اللغة الإنجليزية بجامعة كوين ماري في لندن.
خلال جلسة تدريبية بين التخصصات لمرحلة الدكتوراه، طلب منا المدرّب التفكير في شيء نود تغييره في ممارساتنا البحثية. وحين قلت “أنا أنام كثيراً” ضحك أحدهم من خلفي وقال “أتمنى لو كانت لدي نفس المشكلة”. يجب أن أعترف بأن ملاحظتي كانت مثيرة للسخرية نوعاً ما (من يريد مشاركة أعمق مخاوفه مع مجموعة من الغرباء؟)، لكنني كنت جادةً أيضاً. لقد شعرت بالذنب حيال ذلك لسنوات. جزئياً، أعتقد أنّ هذا يأتي من الرغبة في الدفاع عما أقوم به. كان الأدب الإنجليزي مصدر سخرية بين أصدقائي الجامعيين وحتى العلميين منهم في مرحلة الماجستير، الذين قارنوا الكمية الكبيرة من ساعات العمل المطلوبة لموضوعاتهم مقابل قلة ساعاتنا، والتي كانت غالباً غير إلزامية، وخَلصوا إلى أنّ شهاداتنا كانت أقلّ جدارة بالاحترام. كان من الصعب ألا أشعر بالإهانة، وأصعب من ذلك أن أدافع عن نفسي عندما يكونون هم في المختبر على الساعة 9 صباحًا، بينما لا أزال أنا نائمة.
لقد جرّبت استراتيجيات متنوعة. وفي أحد السنوات، قررت أن أعمل لمدة 8 ساعات متواصلة، دون أيّة استثناءات. مذاكراتي المكتوبة صارت منذ ذلك الوقت كميات من الخربشات، مع طرح وقت المرحاض واستراحات الغداء (وكثيراً ما يذهب الوقت في أحلام اليقظة)، سعياً وراء هذه العلامة التعسفية. نجح الأمر: لقد أبليتُ حسناً، والأفضل من ذلك أني كنت إذا اتنهيت باكراً في النهار لم أكن أبالي إذا ذهب المساء بلا عمل.
بدون هذا القرار، أظن أنني كنت سأكون أكثر عرضة للإجهاد الجماعي الذي من شأنه أن يجتاح المجتمع الجامعي في وقت الامتحان: ذلك الجو غير الصحي المدمّر الذي تعلوه الملاحظات العدوانية التحذيرية الموجهة إلى الواصلين الجدد، والتي يتركها الأشخاص الذين يغادرون مكاتب المكتبة لفترة وجيزة لاستخدام الحمام أو الذهاب في نزهة (والذين يَغْفون في المكتبة في بعض الأحيان، حتى لو كانت غرفهم قريبة).
فكّرت في مواصلة هذا النهج عندما بدأت الدكتوراه. اعتقدت أنها تعادل الوظيفة، لذلك يجب أن أعاملها مثل الوظيفة: من الإثنين إلى الجمعة، ومن التاسعة إلى الخامسة. في تلك السنة الأولى أدركت أنني كنت أعمل في فترة ما بعد الظهر أفضل بكثير مما أعمل في الصباح. من ناحية أخرى، لا شك أنّ إحدى فوائد الالتحاق بمرحلة الدكتوراه في المقام الأول هي المرونة. لماذا أرغم نفسي على الاستيقاظ في وقت باكر، إذا كان عملي لا يستفيد من ذلك؟ لماذا لا تجعل الجمعة إجازةً لمشاهدة المعرض خارج أوقات الذروة، وتعمل يوم السبت إذا كنت ترغب في ذلك؟
لقد اتخذت هذا العام قراراً واعياً بإعادة فحص أنماط عملي. لم أكن أبداً أجيد العمل في وقت متأخر من المساء، لذا فأنا لا أفعل. لقد خصصت وقتاً صارماً للتعليم والتعليم التحضيري، وإلا فإنّه سيتوسع مثل وحش ليملأ كل وقتي المتاح وأكثر، حتى أجد نفسي فجأة في منتصف الليل وما زلت أعمل من مشهد إلى آخر لانهيار شخصية Volpone.
لهذا، أنا ممتنة لفرع كوين ماري لاتحاد الجامعات والكليات، الذي قام بحملة للحصول على مساعدي التدريس مع تفصيل دقيق لما نتقاضاه. إنّ رحلتي اليومية مخصصة للقراءة من أجل المتعة، وعادة ما أقرأ قبل النوم أيضاً. وإذا كان تركيزي ضعيفاً، فإنني أقوم ببعض أعمال الإدارة (“ساعة البريد الإلكتروني” بعد الغداء وقت مناسب لذلك). ولكن إذا لم أكن مشغولة، ولم يكن لدي التزامات، سأغادر. لدي رفاهية كبيرة لإلقاء أي شيء أعمل عليه في سلة المهملات.
ولكن حتى إذا كان طهي العشاء أو التطوع أو رؤية الأصدقاء لا يحل بطريقة سحرية سؤالَ الدكتوراه المعقد الذي أتعامل معه – وإنه لمدهش كم مرةً يحصل ذلك- فإنه غالباً ما يُذكّرني بأنّ عملي ليس حياتي كلها. إنّه يُذكّرني بأنْ لا أنام في المكتبة.
“من الذي يقوم حقيقةً بعدّ الساعات التي يعملها؟”
كريستوفر هندون، أستاذ مساعد في كيمياء المواد الحاسوبية في جامعة أوريغون.
يُدير الأكاديميون في الأساس شركات صغيرة. ولكن بدلاً من قياس النجاح باستخدام المقاييس التقليدية مثل الإيرادات وهوامش الربح والنمو، نقيس تقدمنا من خلال تأثيرنا العلمي. من المهم أن تستحضر أنّه مثل الشركات الصغيرة، فإنّ للمجموعات الأكاديمية علامة تجارية أيضاً. تاريخياً، تم تحديد هذه العلامة التجارية من خلال أربعة عوامل. فمن أعلى إلى أسفل: جودة المنشورات (مكانة المجلات وإجمالي الاستشهادات وعدد التنزيلات)، وجودة خريجي المجموعة، وقيمة المنح المكتسبة (وبالتالي حجم المجموعة) وتفاعلات المؤتمرات. أودّ أن أؤكد أنّ هذه العوامل لا تزال اللبنات الأساسية للسمعة الجيدة. وفي النهاية فإنه لدينا جميعاً المهمة نفسها: تقديم ملاحظات حول النظم الكيميائية التي تعزز فهمنا الجوهري للكون.
اليوم، ومع ذلك، لدينا سلاح إضافي في ترسانتنا: وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا يتيح الاتصال السريع بين قائد المجموعة (الرئيس التنفيذي) والعالم الخارجي، وقد أصبحت جزءاً أساسياً -ومفيداً إلى حد كبير- في بناء العلامة التجارية الأكاديمية. حتى أننا نجد طرقاً لعقد جلسات افتراضية، مما يتيح التوزيع العامّ للعلوم لمجموعة كبيرة من المتفرجين دون تكلفة الرحلات الجوية والفنادق والأجور اليومية المرتبطة بالمؤتمرات (على الرغم من أنّ المؤتمرات الفعلية لا تزال لها قيمتها بالطبع).
تتخذ العلامات التجارية قرارات – واعية أو غير واعية- بشأن هوياتها الخارجية. ضع في اعتبارك ماركات الأزياء مثل Chanel، Dior و Prada. هذه “الكلاسيكيات” محافظةٌ إلى حد ما: فكّر في “الجودة العالية والسعر المرتفع والأزياء الراقية”. ثم هناك شركات تعمل في نفس المجال الاقتصادي ولكن مع مناهج مختلفة للعلامات التجارية. على سبيل المثال؛ يبدو أن Dolce & Gabbana تتعمد إثارة الجدل، وتعبر عن الآراء وتصدر محتوى ترويجي يثير الجدل والغضب. وقد أدى كلا النهجين إلى شركات ناجحة للغاية.
موقع التواصل الاجتماعي الذي يستخدمه العلماء قبل كل شيء للإعلان عن علاماتهم التجارية وبنائها هو تويتر. بشكل عام، ينشر الأكاديميون ثلاثة أنواع من التغريدات. الفئة الأولى هي الشكاوى حول الوظيفة (أحد مكونات الخدمة أو التدريس أو البحث). والثاني التباهي بالنجاح (الأوراق، والجوائز، والتخرج، وهلم جراً). والثالث هو إثارة الجدل المتعمّد، من خلال التعبير عن آراء لا يمكن نقلها بأي شكل أدبي علمي تقليدي.
تندرج التغريدات حول العمل لساعات طويلة بشكل مفرط ضمن هذه الفئة الثالثة. العمل لساعات هو خيار. باختصار، يقضي بعض الناس “وقتاً ممتعاً” في أداء العمل، بينما يقضي بقية العالم العادي وقتهم الممتع في عدم القيام بالعمل. يمكن أن يكون كلا النهجان ناجحين.
شخصياً، ليس لدي وجهة نظر خاصة حول عدد ساعات العمل اليومية أو الأسبوعية المناسبة لأن كل يوم في هذه الوظيفة يختلف. في بعض الأيام أخرج من المكتب في وقت مبكر. وفي أيام أخرى أخرج متأخراً جداً. ولكن من الذي يعدّ الساعات التي يعملها على أي حال؟ أنا شخصياً أُفضّل أن أحسب الساعات التي لا أعمل فيها.
بالإضافة إلى ذلك، عادة ما تهمل الفروق الفردية الدقيقة في مشاكل مثل هذه في مناوشات الـ 28 حرفًا. لهذا السبب، من وجهة نظري، فإن أناساً مثل Lee Cronin -الذي غرد على نحو مثير للجدل الصيف الماضي أنه كان أكثر قلقاً بشأن “إيجاد الوقت الكاِف لاكتشاف الأشياء” ثم تكلم عن التوازن بين العمل والحياة – لا يقدمون لأنفسهم أي خدمة من خلال الانخراط في نقاشات الفئة الثالثة.
ولكن ربما، وبعد كل شيء، فإنهم يحاولون فقط أن يكونوا Dolce أكثر قليلاً من Dior.
“ليس من المجدي دائماً أن نقيس حاضرنا مع أكثر فصولنا إنتاجيةً في الماضي”
أندرو موري مدير وأستاذ مشارك في برمجة المدونات الكبرى بجامعة سانت توماس، نيو برونزويك.
عندما كنت في المدرسة العليا، أخبرتني إحدى أستاذاتي بشيء لن أنساه أبداً. قالت إن أفضل شيء في الوسط الأكاديمي هو المرونة. الكثير من العمل الأكاديمي قابلٌ للنقل. يمكننا تصحيح الأوراق في الشاطئ وقراءة المنح الدراسية في غرف نومنا. لكنها أضافت أنّ هذه المرونة هي أيضاً لعنة. لأنه حتى عندما يتعين علينا الاسترخاء في إجازة، أو الحصول على بعض الراحة اللازمة، لا يمكننا أبداً الهروب من الشعور بأننا -ويجب علينا حقاً- أن ننجز بعض العمل.
لقد أدركت منذ ذلك الحين أن هذا الشعور المزعج بالذنب المهني هو أمر شبه دائم في الحياة الأكاديمية. يتحدث معظمنا عن الوقت الذي نقضيه بعيداً عن العمل على أنّه وقتٌ ضائع. فعطل نهاية الأسبوع مع الأصدقاء تمنعنا عن مزاولة أبحاثنا. نقضي العطلات مع الأسرة، في حين أنّه بإمكاننا القيام بالتحضير لدورة ما. بغض النظر عما نقوم به، بغض النظر عن مدى جدارة النشاط أو ضرورته، كأكاديميين يبدو أننا دائماً نحزن على ضياع الوقت الذي كان يمكن أن نقضيه في العمل.
إحدى الطرق التي نستجيب بها لهذا الشعور هي البحث عن استراتيجيات للزيادة من وقتنا إلى أقصى حد، أو نصائح لتحسين كفاءتنا. ننظر في إنجيل الإنتاجية الأكاديمية لإيجاد أقصر الطرق للنشر والترقي. ولكن ربما ليس نقص الإنتاجية هو مشكلتنا الرئيسة. ربما نحتاج بدلاً من ذلك إلى التفكير في السبب الذي يجعل من الصعب على الأكاديميين أن يكونوا في سلام مع مستوى إنتاجهم. ما الذي يفسر هذا الشعور المرضي من أنّنا لم ننجز أبداً ما يكفي من العمل؟
هذا الشعور، بأنّ مهامنا لن تنتهي أبداً هو ببساطة فكرة حقيقية عن طبيعة العمل الأكاديمي. هناك دائماً المزيد من الأسئلة للبحث. يمكننا إعادة تصميم الدورات إلى ما لا نهاية، يمكن دائماً تحديث ملاحظات المحاضرة لدينا. يمكن للطلاب الذين نشرف عليهم دائماً استخدام المزيد من التعليقات والمزيد من الاهتمام. معظم العمل الذي نقوم به كأكاديميين -من الناحية الهيكلية- لا نهاية له. الأكاديميا هي وحش لا يشبع؛ سوف تستهلك الكثير من الوقت والطاقة التي يرغب المرء في تقديمهما. لن تنقطع شهيتها أبداً وهي تلتهم جهودنا، حتى لو انقطعنا نحن أنفسنا خلال إطعامها.
ولكن هناك أسباب أخرى لشعور بالذنب الوظيفي أيضاً، وهذه يمكن إدارتها.
الأول هو شبح الإنتاجية الماضية. لدينا جميعاً ذكريات عن زمن -العصر الذهبي- عندما كنا قادرين على العمل طوال اليوم وفي وقت متأخر من الليل، ممّا سمح لنا بإكمال كميات بطولية من العمل في فترات زمنية قصيرة. هذه الذكريات تُلاحقنا. أنا أب متزوج ولدي ولدان، مع التزاماتٍ في التدريس والخدمات؛ لا أستطيع -مهما حاولت جاهداً- استعادة نمط الحياة العملية لطالب الدراسات العليا غير المثقل الذي اعتدت أن أكونه. ليس من المجدي أو العادل دائماً أن نقيس حاضرنا مع أكثر فصولنا إنتاجيةً في الماضي.
مشكلة أخرى هي المنافسة. غالبًا ما ننظر إلى أقراننا لنقيس إنتاجيتنا. هل ينشرون أكثر مما ننشر؟ هل حصلوا على وظيفة مرموقة؟ سيكون هناك دائماً مستوى معين من المنافسة في الأوساط الأكاديمية، ولكن يجب علينا أيضاً توخي الحذر عند مقارنة الوظائف. كم مرة نقارن التفاح بالبرتقال مثلاً؟ من المهم بالنسبة لنا أن نتذكر كيف تمُكّن الظروف الهيكلية لأنواعَ معينةٍ من النجاح. تختلف الأحمال التعليمية والمسؤوليات الخدمية -على سبيل المثال- اختلافاً كبيراً بين المؤسسات. قد يكون لدى الزملاء الذين يبدون أنهم يتفوقون عليك دائماً ساعات أكثر في يومهم للقيام بالعمل.
كأكاديميين، يجب أن ننظر إلى أنفسنا بشيء من النقد الذاتي بشأن رغبتنا في الإنتاجية. من أجل مصلحتنا، يجب أن نجد طرقاً ذات مغزى لقياس قيمة عملنا. ولكن إذا وجدنا أنفسنا ما نزال راغبين، فربما ليس أداؤنا، إنما معاييرنا هي التي تحتاج إلى تعديل.
“الاستقلال الأكاديمي يمكن أن ينزلق بسهولة إلى العمل المنفلت”
ديان وات أستاذة أدب العصور الوسطى بجامعة ساري.
إذا كانت فترة العطلة الشتوية للجامعة تبدو بالفعل وكأنها ذكرى بعيدة جداً، فربما يرجع ذلك إلى أنك كنت تعمل بجد كبير لتعويض اليوم أو اليومين اللذين قضيتهما مع الأصدقاء أو العائلة أو رفقائك من الكلاب أو القطط.
أو ربما لم تتمكن من فعل ذلك. فعلى الرغم من إغلاق الجامعة رسمياً، إلا أنّ العديد من المحاضرين سيشعرون بأنّهم ملزمون باستقبال استفسارات البريد الإلكتروني من الطلاب والأكاديميين الآخرين وحتى في بعض الأحيان من مديري الجامعات والإداريين. وخلال الرد عليهم، سيكون لديهم المزيد ليفعلوه. من المرجح أنّ أولئك الذين كانوا ملتزمين أكثر ما زالوا يفحصون بريدهم الإلكتروني، إذا كان ذلك فقط لتصفية الأعمال غير العاجلة. ومعظمهم قاموا بنوع من النشاط المهني، مثل التصحيح أو الكتابة.
إنّ تأثير ثقافة الجامعة مفتوحة الساعات مدمِّر ويحتاج إلى مقاومة أكثر قوة. في حين أنّ الجامعات قد تحاول غرس قواعد مؤسسيّة فيما يتعلق بالتواصل الإلكتروني، وتحديد الفترات خارج ساعات العمل والأطر الزمنية المعقولة للرد، فإنّ الصرامة الانضباطية ليست ممكنة فحسب بل ربما مرغوب فيها أيضاً.
لطالما كان الأكاديميون يقدسون مرونة ساعات عملهم. تُقدّر الطيور الصباحية والبوم الليلي على حد سواء حرية القراءة والكتابة والتفكير في الأوقات التي تناسبهم. إنّهم يقدّرون قدرتهم على استيعاب واجباتهم حول حياتهم الشخصية أو الاحتياجات الصحية أو مسؤوليات الرعاية (سواءً للأطفال أو المرضى أو كبار السن). يتم انتقاد الإدارات التي تسعى إلى إدخال ساعات عمل ثابتة وإجازةً سنويةً مسجلةً لفرضها بيئةً “توقيعات الدخول” تشبه المصنع.
ومع ذلك، يمكن أن ينزلق الاستقلال الأكاديمي بسهولة إلى العمل المنفلت، مع شعور الأفراد بالضغط للعمل لساعات طويلة بشكل مفرط. هذا هو الحال بصفة خاصة بالنسبة للمحاضرين المتدربين في بداية حياتهم المهنية، ولأولئك الذين لديهم عقود غير مستقرة يبحثون عن وظائف دائمة. ولكن هذا صحيح أيضاً بالنسبة لأولئك الذين يهدفون للترقية، وبالنسبة لأولئك الذين يقعون في الطرف المقابل للكابوس، الذين يشعرون، بعد عقود من العمل، أنّ عليهم أن يثبتوا أنّه لا غنى عنهم أو أنهم مهددون برميهم إلى التقاعد المبكر.
يمكن أن تؤدي الحوافز الإدارية مثل الأجور المرتبطة بالأداء ومكافآت الموظفين إلى زيادة العمل المنفلت. وعادة، النساء اللواتي ما زلن أكثر عرضة لتولي أدوار الرعاية، محرومات بشكل غير متناسب من هذه الثقافة، ومن المرجّح أن يجدن أنّ وظائفهن قد تعطلت. التفاوت في الأجور الأكاديمية بين الجنسين يؤكد ذلك.
نادراً ما تؤخذ النماذج التعويضية لعبء العمل في الاعتبار الساعات الفعلية التي يتم إنفاقها على مسؤوليات ومهام محددة، ولكن قياس ساعات عملنا بدقة يثبت أنّه على نفس القدر من الصعوبة. هل نقوم بتضمين الوقت المستغرق في القراءة والتفكير (كلا المكونان الأساسيان لعملية البحث)؟ ماذا عن السفر من المؤتمرات وإليها؟ أو الوقت الذي نقضيه في مناقشة جوانب عملنا على المقهى أو العشاء مع الزملاء؟ كيف تتناسب الالتزامات الخارجية (مثل الفحص أو الاستشارات أو العمل الإعلامي) مع حساباتنا؟
حتى إذا أقنعنا أنفسنا بأننا نجحنا في الحد من أعمالنا في المساء وعطلة نهاية الأسبوع، فهل تصفو لنا حقاً عطلتنا السنوية كاملة دون تشويش من طلبات البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي؟ قد يكون هذا مستحيلاً. لا يُسمح للأكاديميين عموماً بالحصول على إجازة في الفصل الدراسي، وتقوم لجان الامتحانات والقَبول والبحث والمؤتمرات بتقدم كبير في فترة “الإجازات”.
إذا كنا نقدّر المرونة في ساعات العمل لدينا، فإنّنا نحتاج إلى التنظيم الذاتي من أجل مصلحتنا، والأهم من ذلك، من أجل أقراننا. إنّ تسجيل ملاحظات الرحلات وأوقات الرد على البريد الإلكتروني تعكس لمن حولنا حضورنا معهم أو انشغالنا عنهم، نحتاج إلى التفكير في الرسالة التي نرسلها بفعلنا هذا إلى زملائنا والإداريين والطلاب والمديرين.
يثير عملنا المنفلت المخاطرَ ويضغط على الآخرين لأنْ يعملوا مثلنا، وأحياناً يكون ذلك على حساب صحتهم البدنية أو العقلية. ما فائدة الاستقلالية الأكاديمية إذا كان البديل الوحيد للعمل هو الشعور بالذنب والغموض والمسارات المهنية المنفلتة؟
اقرأ ايضاً: ظاهرة الوظائف التافهة: أدوار هامشية
جهد رائع تشكرون عليه. آمل الإشارة إلى النص الأصلي.
مع أطيب الأماني،،
تحت كل مقالة تجد كلمة “المصدر” ومقابلها رابط للمقال الاصلي