- كيسي لوسكين
- ترجمة: د. عبد الله الشامي
- تحرير: سهام سايح
نشرت مجلة ساينتفيك أمريكان Scientific American في 2011 مقالاً لعالم الكونيات بجامعة كيب تاون جورج إف. آر. إليس George F.R. Ellis عنوانه “هل توجد الأكوان المتعددة حقًا؟” ?Does the Multiverse Really Exist، وزبدة المقال أنّه إنْ وجدت الأكوان المتعددة فإنّ العلم عاجز عن كشفها. والفكرة في جوهرها مفهوم غير علمي نشأ من الفلسفة، كما ورد في ملخص ضمن المقال:
المشكلة أنّه لا تستطيع أي ملاحظات فلكية ممكنة رصد تلك الأكوان الأخرى، وهكذا ففي أفضل الأحوال فإنّ الحجج ستكون غير مباشرة. بل حتّى إنْ وجدتْ الأكوان المتعددة، فإنّها لن تقدم لنا تفسيرًا للأسرار العميقة للطبيعة. (جورج إف. آر. إليس، “ هل توجد الأكوان المتعددة حقًا؟”، ساينتفيك أمريكان، Aug 2011)
ظهر في كثير من حلقات مسلسل الخيال العلمي المشهور ستار تريك Star Trek الذي بث على مدى أربعين سنة[1]، وفي الأعمال التي اشتقت منه (أي المسلسل الأصلي، أو نسخة Deep Space Nine أو نسخة سفينة إنتربرايز Enterprise) موضوعٌ متكرر هو انتقال أفراد من الطاقم عن طريق الخطأ إلى كون بديل. ونجد في إحدى هذه الأكوان البديلة البائسة، أنّ النازيين قد فازوا بالحرب العالمية الثانية، واتخذت الإنسانية اتجاهًا شريرًا وعنيفًا، ولم يكن “الاتحاد الفدرالي للكواكب” أو الحكومة العالمية التي أطلقت رحلة إنتربرايز تحالفًا خيِّرًا من الكواكب، بل كان “الاتحاد” في الكون البديل إمبراطورية تسعى للسيطرة على الأكوان الأخرى. والسؤال الذي يطرح نفسه إنْ وجدت مثل هذه الأكوان البديلة، فهل يوجد أيُّ احتمال للتفاعل معها، كما تفاعل أفراد طاقم السفينة في مسلسل الخيال العلمي الأمريكي ستار تريك Star Trek؟ يجيب الفيزيائي إليس بأنّ هذا ليس ممكنًا:
تقع جميع الأكوان الموازية وراء الأفق المتاح لنا، وتبقى خارج قدرتنا على الرؤية، سواء الآن أو في أي وقت لاحق، ومهما تطورت التقنية التي نملكها. لأنّ الأكوان الموازية هي في الواقع أبعد بكثير من أن تملك أي تأثير على كوننا على الإطلاق، وهذا هو سبب عدم إمكانية تقديم إثبات مباشر لأي من الادعاءات التي طرحها عشاق الأكوان المتعددة.
فإذا لم توجد طريقة ممكنة لنرصد أو نتفاعل مع الأكوان البديلة الكثيرة التي تنبأت بها فرضية الأكوان المتعددة، فلماذا يدعو بعض العلماء إلى هذه الفكرة؟ يقول الفيزيائي جورج إليس إنّها محاولة منهم للالتفاف حول أدلة الضبط الدقيق لكوننا:
ضُبطت الثوابت الأساسية بدقة لتلائم الحياة. والحقيقة المميِّزة التي تخصُّ كوننا هي أنّ الثوابت الفيزيائية تملك القيم الصحيحة اللازمة للسماح بوجود البنيات المعقدة، بما في ذلك الكائنات الحية. يؤكد ستيفن واينبرغ Steven Weinberg، ومارتن ريس Martin Rees، وليونارد سوسكيند Leonard Susskind وعلماء آخرون أنّ فكرة الأكوان المتعددة الغريبة تقدم تفسيرًا منمقًا لهذه المصادفة الواضحة: أي إن حدثت جميع القيم الممكنة للثوابت في مجموعة كبيرة جدًا وكافية من الأكوان، فسنعثر بالتأكيد على قيم تدعم الحياة في مكان ما. تمّ تطبيق هذا المنطق في التفكير على وجه الخصوص، عند تفسير كثافة الطاقة المظلمة التي تسرّع توسع الكون حاليًا. وأنا أوافق على أنّ فرضية الأكوان المتعددة تصلح كتفسير محتمل لقيمة هذه الكثافة؛ ويمكن المجادلة بأنّها الخيار العلمي الوحيد الذي نملكه حاليًا. ولكننا لا نملك أي أمل في اختبارها عن طريق الملاحظة العلمية.
يمنحك شراء المزيد من تذاكر اليانصيب فرصًا أفضل للفوز بجائزة اليانصيب. وبالمثل يأمل أنصار فكرة الأكوان المتعددة أن يساعدهم اختراع المزيد من الأكوان في تعليل الضآلة التي تبلغ حد الجنون، لاحتمال العثور على كون ضبطت قوانينه الفيزيائية بدقة لتلائم الحياة. وهكذا ظهر الدافع للاعتقاد بالأكوان المتعددة من فلسفة مادية تأمل في التغلب على أدلة التصميم. ولكن كما يقول إليس؛ لسوء حظ مؤيدي فكرة الأكوان المتعددة، ” لا نملك أي أمل في اختبارها عن طريق الملاحظة العلمية”.
ما مدى دقة ضبط كوننا؟ وفقًا لروجر بنروزRoger Penrose، [2] يجب أن تكون الإنتروبي entropy الأولية للكون قد ضبطت بدقة تصل إلى جزء واحد من 10 ورفعت للقوة 10123. هذا ليس 1 من 10 مع 123 صفرًا بعده، بل هو 1 من 10 مع 10123 صفرًا بعده، وهذا لثابت فيزيائي واحد فقط. إنّ ضبط الكون الدقيق يشكل عقبة كَؤُود أمام أتباع المذهب المادي.
الفيزيائي جورج إليس – الذي لا يبدو أنّه من أنصار التصميم الذكي – يختم مقاله بشرح الصعوبة التي واجهها الفيزيائيون في تفسير الضبط الكوني الدقيق دون استدعاء فكرة الغائية teleology:
يُقدِّم أنصار الأكوان المتعددة حجة أخيرة: أنّه لا توجد بدائل جيدة، رغم ما يجده العلماء من أن انتشار فكرة العوالم المتوازية مسألة بغيضة، لكن إن كانت أفضل تفسير موجود فسنضطر لقبوله؛ وبالعكس، إذا أردنا التخلِّي عن الأكوان المتعددة، فنحن بحاجة إلى فكرة بديلة صالحة. يعتمد استكشاف البدائل على نوع التفسير الذي لدينا استعدادًا لقبوله. لقد كان أمل الفيزيائيين دائمًا أن تكون قوانين الطبيعة حتمية – أي أنّ الأمور هي على ما هي عليه لأنّه ليس بالإمكان أن توجد بطريقة أخرى – ولكننا لم نتمكن من إثبات صحة هذا. توجد خياراتٌ أخرى أيضًا. فربَّما وجد الكون بصدفة نادرة تمامًا – أي ظهر بهذه الطريقة تمامًا. أو أن الأشياء بمعنى ما أُريد لها أن تكون كما هي – أي أنّ الغاية أو النِّيّة تكمن بطريقة ما، وراء الوجود. لا يمكن للعلم تحديد أي من هذه الاحتمالات، لأنّها قضايا ميتافيزيقية.
يجادل إليس بأنّ اكتشاف وجود الغاية يقع خارج نطاق العلم، ولكن إذا استندنا في آرائنا إلى الملاحظات العلمية، فسيبقى لدينا بكل الأحوال ما يلي:
- تُظهر قوانين الطبيعة درجة غير محتملة من الضبط الدقيق المطلوب لإنتاج عالم ملائم للحياة.
- لا يوجد حاليًا تفسير مادي لهذا الضبط الدقيق.
- يمكننا رصد كوننا، ولكن لا يمكننا رصد أكوان أخرى.
- يمثل هذا الضبط الدقيق غير المحتمل فلكيًا مستويات عالية من التعقيد النوعي المُضمَّن في قوانين الطبيعة.
وما هو السبب الوحيد الذي نعرفه في خبرتنا المشتركة لوجود مستويات عالية من التعقيد النوعي؟ إنّه التصميم الذكي.
[1] – ستار تريك أحد أهمِّ ظواهر الخيال العلمي في التلفاز الأمريكي، ويمتد على ستة سلاسل من الحلقات التلفزيونية، ويشمل أيضًا أحد عشر فيلمًا مميزًا، ومئات من الروايات، وألعاب الفيديو، والألعاب الحاسوبية، بدأ بثه 1966 واستمر 40 عامًا تقريبًا، انظر Star Trek
[2] – فيديو لروجر بينروز ويبيِّن فيه قيمة إنتروبيا بدء الكون، ومما ذكره لو أنّ كل جزيء في الكون كان صفرًا لما وجد ما يكفي لكتابة الرقم