- فرانك جاردنر
- ترجمة: مصطفى هندي
سقطت الأقنعة، ولا جدوى من التظاهر، فالدبلوماسية ماتت، على الأقل في الوقت الحالي. تتعرض أوكرانيا لوطأة غزو روسي واسع النطاق وتقاتل الآن من أجل وجودها.
ماذا الآن؟
الهدف الرئيسي لروسيا هو الاستيلاء على العاصمة كييف، مع مؤسسات الدولة، وكافة إدارة الرئيس فلاديمير زيلينسكي. إلا أن القتال دفاعا عن المدينة على قدم وساق بالفعل.
من الواضح أن الرئيس بوتين أمضى عدة أشهر في دراسة خطط جنرالاته، والتي -من الناحية النظرية- تنتهي بالقبض على الجار السلافي المنجذب نحو الغرب، وإعادته إلى فلك موسكو.
تألفت خطة الغزو في مجملها من هجوم في ثلاثة اتجاهات، من الشمال والشرق والجنوب، بهجمات بالمدفعية والصواريخ لقمع المقاومة، تليها مشاة ودبابات.
من الناحية المثالية، يود بوتين أن تستسلم حكومة زيلينسكي في أسرع وقت ممكن وأن تحل محلها حكومة صورية تحركها موسكو كما تريد.
كان من المهم أيضًا تجنب حملة عسكرية مطولة في المناطق الحضرية ومنع تقوية المقاومة الوطنية.
يقول العميد السابق بن باري من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS): “على المدى القصير، سيكون استيلاء روسيا الناجح على كييف نجاحًا عسكريًا وسياسيًا ذا أهمية استراتيجية”.
ويضيف: “لكن هذا لا يعني بالضرورة تدمير الحكومة الأوكرانية إذا كانت قد أعدت بالفعل خططًا لإنشاء مركز احتياطي للحكومة في الجزء الغربي من أوكرانيا”.
إلا أن الغزو الروسي لم يسر وفقًا للخطة؛ فوفقًا للاستخبارات العسكرية البريطانية، قُتل مئات من الجنود الروس وواجه الجيش الروسي مقاومة شرسة.
ومع ذلك، كان هناك تقدم للغزاة، فالقوات الروسية أكبر بثلاث مرات من القوات الأوكرانية. وهناك أيضًا بعض الأسئلة حول قرارات القيادة العسكرية الأوكرانية وقدرة الجيش الأوكراني على الصمود في وجه هجوم الروس.
المقاومة
أعلنت أوكرانيا تعبئة عامة، و وزعت 18 ألف وحدة من الأسلحة الآلية على المتطوعين في كييف، بالإضافة إلى وحدات الجيش وقوات الاحتياط، الذين يواجهون بالفعل القوات الروسية بمقاومة شديدة.
تراقب دول أوروبا الشرقية بقلق أي مناورات روسية بالقرب من حدودها، خشية أن تكون هدف بوتين التالي. كوستي سالم -السكرتير الدائم لوزارة الدفاع الإستونية، و أحد أولئك الذين يضغطون من أجل المزيد من المساعدات العسكرية لأوكرانيا- يقول: “يجب منحهم أسلحة، مثل صواريخ جافلين المضادة للدبابات، وصواريخ الدفاع الجوي، والذخيرة، ومعدات الحماية. يجب على كل دولة من دول الناتو مساعدتهم”.
كلما طال الوقت الذي تستغرقه روسيا في قمع بلد يزيد عدد سكانه عن 40 مليون نسمة، زادت المشاكل التي ستواجهها.
ومع ذلك، فإن الرئيس بوتين -بخبرته في قمع أي معارضة في بلاده- لاحظ بالتأكيد تجربة النظام الاستبدادي المجاور في بيلاروسيا، حيث قضي على كامل الميول الاحتجاجية بالكامل خلال العامين الماضيين. أصبح الضرب والتعذيب أثناء الاحتجاز الرادع الرئيسي لاستمرار الاحتجاجات.
قال بن باري: “ستستخدم روسيا قمعًا شديد القسوة، معززة بالنسخة الروسية للتتبع القمي للرأي العام، وهي نفس الطريقة التي استخدمتها الصين في شينجيانغ. وستهدد روسيا أيضًا أي دولة تساعد حركة العصابات في أوكرانيا”.
أين الناتو؟
لدى الناتو أسباب وجيهة لعدم التواجد في أوكرانيا؛ فعلى الرغم من مناشدات كييف للغرب من أجل الإنقاذ، رفض الناتو رفضًا قاطعًا إرسال قوات إلى أوكرانيا.
لماذا؟ لأن أوكرانيا ليست عضوا في الحلف، وحلف شمال الأطلسي -بكل صراحة- لا يريد حربا مع روسيا.
إذا تصاعد الغزو الروسي إلى احتلال طويل الأمد لأوكرانيا، فمن المتصور تمامًا أن الدول الغربية ستدعم الحركة الحزبية الأوكرانية، تمامًا كما ساعدت الولايات المتحدة المجاهدين الأفغان في القتال ضد الاتحاد السوفيتي في الثمانينيات. لكن هذا أيضًا لا يخلو من المخاطر، فمن المرجح أن ينتقم بوتين بشكل ما.
في غضون ذلك، يركز الناتو جهوده على تعزيز الحدود الشرقية. المفارقة في الموقف هي أن موسكو طلبت من الناتو سحب قواته إلى الغرب، لكن غزو بوتين لأوكرانيا حقق تأثيرًا معاكسًا تمامًا.
يقول توبياس إلوود -رئيس لجنة الدفاع بالبرلمان البريطاني- “هذا جرس إنذار شديد اللهجة لأوروبا. ثلاثة عقود من السلام ضاعت للأسف. وفي محاولة التعامل مع طاغية مثل بوتين، يجب علينا الإسراع تخطيطنا [العسكري]”.
هل يمكن أن يزداد الوضع سوءًا؟
بالنسبة للأوكرانيين، الوضع أسوأ من أي وقت مضى. فبعد ثماني سنوات من القتال مع الانفصاليين الموالين لروسيا في الشرق، أصبحت البلاد بأكملها الآن هدفًا للقذائف والقنابل والصواريخ التي يطلقها جار عملاق يحمل أسلحة نووية في ترسانته.
في عام 1991، صوت الأوكرانيون لصالح الاستقلال -مقابل التخلي عن الأسلحة النووية- ولكن إذا استطاعت روسيا السيطرة على البلاد بأكملها، فسيكون ذلك بمثابة عودة ثلاثة عقود إلى الوراء.
هناك سؤال آخر يقلق القادة الغربيين: ما الذي ينوي الرئيس بوتين فعله بعد أوكرانيا؟
أعاد جنرالات الناتو فحص أدائه في يوليو 2021 وخلصوا إلى أنهم بحاجة ماسة إلى تعزيز الحدود الشرقية في حالة رغبة بوتين في الانتقال إلى بولندا وليتوانيا ولاتفيا وإستونيا.
لماذا يحتاج بوتين كل هذا؟
“أعتقد أن لديه خطة”، هذا ما يؤكده توبياس إلوود. “أرسل أولاً جنودًا غير نظاميين إلى هناك لإثارة ما يسمونه “حرب العتبة الفرعية”، أخشى أن يمتد كل ذلك إلى البلقان”.
من المؤكد أن الناتو لن يلعب على الصدفة، وبالتالي فقد وضع أكثر من 100 طائرة مقاتلة في حالة تأهب قصوى. كانت بريطانيا من أوائل الدول التي أرسلت تعزيزات لأوكرانيا وحتى إستونيا، على الرغم من أن كوستي سالم يقول إن فعاليتها متواضعة أمام الجيش الروسي. حيث يقول: “لا أحد يعتقد أن كتيبة بقيادة بريطانية وحدها [في إستونيا] يمكنها صد ثاني أكبر دولة نووية في العالم”.
في مثل هذا السيناريو الخاص بغزو عسكري روسي لدولة عضو في الحلف -والذي لم يكن من الممكن تصوره تقريبًا حتى وقت قريب- قد يكون الناتو وروسيا بالفعل في حالة حرب مع بعضهما البعض.
لكن لم يحدث هذا – حتى الآن – ويأمل القادة الغربيون أنه من خلال الجهود المشتركة المنسقة، إلى جانب العقوبات الاقتصادية القاسية، ستعود الأمور إلى نصابها في موسكو.