سوف يكون حديثي في هذه الكلمة على أربعة محاور، هي:
- المدخل.
- الإشكاليات.
- التنبيهات.
- الحالات.
-1-
المدخل
يقول بعض أهل التحقيق: إن الكتاب إذا ما نُشر على نسخة المؤلف، فلا يسمى تحقيقًا. ولا أرى صحة هذه المقولة وسوف ترى الآن أن الكتاب الذي يحقق على نسخة المؤلف وهو ذروة عمل المحققين.
أنواع نسخة المؤلف:
- المسودة:
هي الإبرازة الأولى للكتاب، وتعرف بكثرة الإلحاقات والضرْب والمحو، والطيارات والبياض. يقول المحقق د. أيمن فؤاد سيد في نشرته لمسودة المواعظ والاعتبار للمقريزي (100): بالمخطوطة حذْف وكشْطٌ وشطْبٌ كثير، وإضافات عديدةٌ ومُطَوَّلة على هوامش صفحاتها ضاع قسمٌ منها عند قص المخطوط وإعادة تجليده، وكذلك في طيَّارات مختلفة الأحجام مضافة بين مضافة بين أوراق الكتاب، وكثير من هذه الطيارات جُلِّدت بعكس اتجاهها بحيث أصبح ظهر الطيارة مكان وجهها… إلخ.
وأحيانًا يذكر المؤلف في صفحة العنوان التصريح بأنها (مسودة). مثال ذلك ما فعله ابن خلدون في نسخته من المقدمة التي تحتفظ بها مكتبة (عاطف مصطفى) بتركيا؛ إذ جاء فيها: هذه مسودة المقدمة من كتاب العِبَر…
- المبيضة:
هي الإبرازة الثانية للكتاب بعد تنقيحه وحذف المضروب عليه في المسودة، وتعرف بعدم موجود شيء فيها من علامات المسودة السابقة إلا قليلا، يقول د. بشار عواد معروف أثناء تحقيقه لكتاب (صلة التكملة لوفيات النقلة) للحسيني (ت695هـ) (24): تظهر على النسخة إلحاقات يسيرة، مما يدلُّ على أنها المُبيَّضةُ التي ارتضاها المؤلف.
ألفاظ تدل على المبيضة:
(التحرير): يقول الزبيدي في خاتمة رسالة (تحفة الأحباب في الكنى والألقاب): فرغ من تحريرها مؤلفها السيد محمد مرتضى الحسيني غُفر له في غُرَّة جُمادى الثانية من شهور سنة 1183هـ بمصر.
- الإبرازة الأخيرة:
تكون بعد إخراج المؤلف صورة كتابه أكثر من مرة للناس، وتكون النسخة المعتمد عند التحقيق إذا وقف المحقق عليها.
إطلاقات موازية: النسخة الأصل، الأم، الدستور.
الدراسات السابقة:
فهرس المخطوطات الأصول لتامر الجبالي:
اعتمد الباحث في الفهرس على الفهارس المطبوعة، وبناه على القرون [4 – 11]، وبداخل كل قرن جاءت أسماء المؤلفون هجائيا، ورُتبت أسماء الكتب هجائيًا أيضا. وفي الختام ملحق بصحائف عناوين المخطوطات الأصول.
وجاءت بيانات المخطوطات على نظام القوائم المختصرة.
الحصاد:
كان حصاد الفهرس (879) مخطوطة، لـ (340) مؤلفًا.
أعلى المؤلفين (ابن المبرد 909هـ) (91) نسخة، جلها في المكتبة الظاهرية.
يليه ابن طولون (953هـ) (80) نسخة، لـ (66) كتابًا من كتبه.
يليه: ضياء الدين المقدسي (ت643هـ) رصد له الفهرس (41) كتابًا.
ملحظ:
لم يحفظ التراثيون أي كتاب في القرن الثاني والثالث الهجري بخط يد مؤلفه في أي مكتبة من مكتبات العالم؛ لذلك أهمل الفهرس مخطوطات هذين القرنين، كما أنه لم يذكر شيئا من مخطوطات القرن الثاني عشر الهجري على وجودها كمخطوطات الشيخ أحمد الدمنهوري (1192هـ) التي خطها بيده، كما أنه لم يرصد شيئا من مخطوطات القرن الثالث عشر الهجري كمخطوطات مرتضى الزبيدي (ت1205هـ)، وفي الشكل التالي إحصاء على القرون يرصد النسبة المئوية لمخطوطات الفهرس.
*
الأدلة على كون النسخة بخط مؤلفها:
لا بد أن يقدم المحقق الأدلة على كون النسخة التي بين يدي هي نسخة المؤلف، ويجب عليه أن يحدد نوعها هل هي مسودة أم بيضة أم إبرازة أخيرة.
أدلة النسبة:
- كون المؤلف ممن وصف خطه في المصادر المترجمة له.
- كون المؤلف قد نُشر له كتاب على نسخته التي خطها بيده، وتتطابقت مع النسخة التي بين يديه.
- كون المؤلف معروف الخط، عند خبراء المخطوطات.
مسألة: هل ظهور نسخة المؤلف يعد مسوغا لإعادة النشر من جديد؟
أريد أن أؤكد على أن اكتشاف نسخة المؤلف ليست مسوغا لإعادة التحقيق بإطلاق، وكذا في النسخ النفيسة المكتشفة غير المعتمدة في النشرات السابقة فمن الظلم الخفي إعادة تحقيق الكتاب لمجرد اكتشاف نسخة المؤلف والكتاب المنشور إذا طابقته لم تجد كبير فرق بين المنشور ونسخة المؤلف.
من أجل ذلك من الممكن أن نقول: إن بعض الكتب وبعض المحققين إذا توفرت فيهم عدة شروط، لم يكن ظهور نسخة المؤلف مسوغا لإعادة التحقيق. هذا الحديث عن نسخة المؤلف، فما بالكم بالنسخ التي دُونها، أعني النسخ النفيسة المكتشفة التي لم تعتمد في النشرات السابقة، إذن لا بد أن تكون النسخ المكتشفة مؤثرة في عميلة التحقيق، وإن نفاستها وقدمها ليس مسوغا للإفادة منها بإطلاق فضلا عن إعادة التحقيق من جديد بموجبها!
وأرى أن أصحاب (فوات المحققين) لم يتنبهوا إلى حقيقة هذا الأمر، فصاروا يطيرون بقول أحدهم: (نسخة نفيسة لم تعتمد في نشرة كذا) وكأن هذا صيد ثمين، أو سبب بمفرده كاف بإطلاق لإعادة التحقيق، وهو خطأ كما تقدّم.
وخلاصة هذا كله أن يثبت المحقق الجديد أو الناقد لنشرة سابقة مدى الإضافة الجديدة التي ستقدمه هذه النسخة الجديدة أيا كانت (نسخة المؤلف – نسخ دونها) لنص الكتاب.
وإن إعراض المحقق عن ذلك أو ذكره (تحقيقه على نسخة المؤلف – أو نسخ نفيسة) وهي في حقيقتها غير مؤثرة، يدل على أنه ناشر مدلس، يسوغ لنفسه النشر بعبارات أخّاذة، وهو في الحقيقة لم يأت بجديد، لذا كان وصفه بالتدليس وصفا حقيقيا.
*
مسألة: هل يجوز نشر المسوَّدة بمفردها، مع وجود نسخ للكتاب عن المبيضة أو مع وجود المبيضة؟
سوف يكون جوابي على ذلك بسؤالك أنت لو كنت مؤلفا للكتاب، هل ترضى إذا كانت لك مسودة للكتاب قديمة، لا ترضى عنها، وقد كتبتَ عنها مبيضة، أيهما ترضى أن ينشر؟
أعتقد أنك سوف يكون جوابك الثاني (المبيضة)، وهكذا الحال مع الآخرين، إذن لا يصح أن تُقْبِل على نشر المسودة مع وجود مبيضة الكتاب أو وجود نسخ منقولة عن مبيضة الكتاب.
ومع ذلك كله نجد أحد علماء المخطوطات في العصر الحديث قد أقبل على نشر مسودة كتاب بمفردها، والمبيضة بمفردها وهو الدكتور أيمن فؤاد سيد؛ إذ قد نشر أولًا سنة (1995) مسودة كتاب المواعظ والاعتبار للمقريزي(ت845هـ) بمفردها في مجلد، ثم نشر سنة (2002-2004) الكتاب على المبيضة بمفردها، ومعها المسودة (7) مجلدات، تضمنت دراسة “المقريزي وكتابه المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار”. وتحقيق المسودة، والكشافات. و(4) مجلدات النص.
يقول المحقق (4): هذه المسوَّدة تُمثِّل الشكل الأول لتصور المقريزي لتأليفه للخِطَط، وهي تختلف – كما سترى- اختلافًا كبيرًا في ترتيبها ومصادرها وحجْم المعلومات الذي تقدمه لنا عن المبيَّضَة.
ويقول المحقق (6) في تعليل نشر المسوَّدة مع وجود نسخ عن المبيضة: إن نشر مُسَوَّدة الخِطَط – رغم عدم كمالها – هو السبيل الوحيد لتقديم نص صحيح، لقسم مُختصر من كتاب (المواعظ والاعتبار) للمقريزي.
*
أولا: تعامل المحققين بعد الوقوف على نسخة المؤلف
التعامل الأول: إهمال النسخ الأخرى للكتاب واستبقاء نسخة المؤلف وتحقيق الكتاب عليها، سواء أكان للكتاب نسخ أخرى أو لا، فلا يحاول المحقق البحث عن نسخ ثانية بمجرد وقوفه على نسخة المؤلف.
ممن فعل ذلك المحقق العراقي د. مصطفى جواد في تحقيقه لكتاب المختصر المحتاج إليه من تاريخ الحافظ ابن الدبيثي – انتقاء الذهبي (1951م) مطبعة المعارف – بغداد؛ إذ يقول (18): إذ كانت هذه النسخة هي نسخة الذهبي حقيقة لم نشأ أن نبحث عن نسخة أخرى فضلا عن أن نعتمد عليها، لما في ذلك من مجانبة للصواب وإضاعة للوقت وتفريط في الأصول.
التعامل الثاني: البحث عن النسخ الأخرى ودراستها وإثبات فروقاتها مطلقا في حاشية النص المحقَّق.
التعامل الثالث: البحث عن النسخ الأخرى ودراستها للاستعانة بها على حُجب في نسخة المؤلف أو ما احتمل رسمه أكثر من شكل، وإهمال إثبات فروقاتها إلا ما اشتبه على المحقق رسمه في نسخة المؤلف. وهذا هو الصواب -في نظري- الذي ينبغي أن يكون عليه العمل.
ثانيًا: تعامل المحققين مع فروقات النسخ الأخرى للكتاب
التعامل الأول: إهمال الفروقات مطلقا.
التعامل الثاني: إثبات الفروقات مطلقًا. ممن صنع ذلك المحقق د. صلاح الدين الناهي في تحقيقه لكتاب (روضة القُضاة وطريق النجاة) لابن السمناني، ط2. دار الفرقان عمان، مؤسسة الرسالة بيروت، 1984م. يقول (38): لا يفتونا أخيرًا أن نشير إلى أننا اعتمدنا في تحقيق روضة القضاة نسخة معهد المخطوطات العربية (نسخة المؤلف)، وأشرنا في الهوامش إلى ما ورد زائدًا أو مغايرًا لها من نسختي منيخ وقليج علي باشا.
التعامل الثالث: إثبات الفروقات المشتبهة على المحقق والتي يحتملها رسم المؤلف في نسخته، أو الكلمات التي سقطت من الأصل أو حُجبت.
ممن فعل ذلك المحقق السوري أحمد الخراط في تحقيقه لكتاب الدر المصون للسمين الحلبي، فيقول (1/119): بما أنه توفر لدينا نسخة كاملة بخط المؤلف نفسه فقد قطعت جهيزة قول كل خطيب، وهذا ما جعلنا نثبتها في المتن، وقد ذكرنا في وصفها أنها قريبة من الوضوح. وقد حُفظ جلُّها من الخروم وما يعتري المخطوطات القديمة عادةً. ولم نر أية فائدة لإثبات اختلافات النسخ التي رجعنا إليها، أو إثبات ما تختلف به نسخة الأصل عن غيرها. ويعلل ذلك قائلا: وذلك لأن مثل هذه الاختلافات إنما يذكرها المحقق لغرض مهم، وهو المحافظة على ما وصل إليه من النسخ التي يعمل فيها، وإن هو إلا مجتهد يثبت في المتن ما يراه مستقيمًا يعطي لكتابه الغرض المنشود، ومن هنا كان إثبات اختلافات النسخ في نصوص ضاعت منها نسخة المؤلف وسيلة لتقويم ما بقي من النسخ الأخرى، واختيار أقرب ألفاظ يرى المحقق أنها من المؤلف، أما نحن فبين أيدينا نسخة بخط المؤلف فهل ثمة فائدة من شحن الكتاب بهوامش طويلة عريضة لأكثر من عشرين نسخة وقفنا عليها.
ويقول (120) في ذكره للقراءات التي يحتملها رسم نسخة المؤلف: فقد أرى رأيًا في قراءة كلمة من الأصل أحسبها هي مقصود المؤلف، وليست كذلك، وعندما أرجع إلى النسخ الأخرى أجد أن منها مَنْ اجتهد في قراءة تلك الكلمة اجتهادًا أفضل من اجتهادي، فأصوِّب ما رآه هذا الناسخ حيث إن رسْمَ المؤلف يحتمل ذلك أكثر مما ذهبت إليه، كما أنني أفدت من هذه النسخ عندما حدث سقط من الأصل… لم أتردد هنا في ذكر ما بينها من اختلافات للغرض الذي أشرت إليه من قبلُ وهو أن أعرضَ على القارئ ما ذكرَتْه النسخ حول المادة للوصول إلى أقرب نص يريده المؤلف.
ثالثًا: تعامل المحققين مع أخطاء المؤلفين في نسخهم
التعامل الأول: التعامل الصارم مع نسخة المؤلف بغض النظر عن كونها مسودة أو مبيضة، فتجد المحقق حريصًا على إثباتها كما هي من دون تغيير أو تصحيح لأي خطأ وقع، ومن دون التصرف في النص بإكمال ما سقط منه أو حذْف ما كرَّره المؤلف سهوًا.
والذين يرون هذا المسلكَ كثُرٌ، منهم المحقق د. عبدالرحمن قائد في تحقيقه رسالة الحافظ الدَّقَّاق (ت516هـ)، على نسخة الظاهرية التي فرغ من كتابتها (510هـ). فيقول في مقدمته (190): قد رزقنا الله بفضله نسخة المؤلف لهذه الرسالة كما جفَّ عليها مداد قلمه، فكان من الحق اللازب أن نؤديها إلى القارئ كما كتبها صاحبها، دون افتيات على عبارته، أو اقتراح لما هو أصحُّ عندنا لغة أو أقوم أسلوبًا، وعلى ذلك مضينا، فلم نزد حرفًا، ولم ننقص حرفًا إن شاء الله، وما كان لنا من رأي أو تعليق فله في الحواشي موضع ومتَّسع.
وقد واجهته مشكلة أثناء عملية التحقيق وهي احتمالية الرسم لأكثر من كلمة، وذلك لأن المؤلف كان قليل الإعجام، فإذا تردد أو شك في تعيين قراءة المؤلف ذكر ما غلب على ظنه في النص وغيره في الحاشية. مثال ذلك ما جاء في النص (276): وكان وقت هذه المحنة أشدَّ في السنة.
وقال في الحاشية: مهملة في الأصل على عادة المصنف في عدم الاحتفال بالإعجام، ويحتمل أن نقرأ بالمهملة: أسدّ، من السداد. والمثبت أشبه.
وقد فات المحقق تعيين نوع النسخة الخطية، أكانت مسودة أم مبيضة؟ ولكنه ألمح إلى أنها مبيضة؛ إذ قال (177): “وفي النسخة لحقٌ كثير وزيادات بخط المؤلف، وهو من دلائل تحريره لها وإدامة النظر فيها… وقد قرئت النسخة على مؤلفها ثم على أصحابه من بعده”.
التعامل الثاني: النظر في حالة النسخة الخطية وتحديد نوعها أكانت مسودة أو مبيضة فإن كانت مبيضة لم يصوب المحقق أخطاءها وإن كانت مسودة اعتذر للمؤلف بإمكانية تصويبها في مبيضته وصوَّب أخطاءه في النص ونبه على ذلك في الحاشية.
التعامل الثالث: النظر في معرفة المؤلف نوع الخطأ وأن المؤلف إن نُبِّه عليه تداركه وصوَّبه أو لا، فإن كان الأول صوَّبه المحقق وإن كان الثاني لم يصوِّبه. أي تصويب أخطاء المؤلف الناتجة عن السهو في الكتاب مع علمه به، ولو نُبِّه المؤلف لصوَّبها بنفسه.
مثال ذلك ما فعله المحقق التركي محمد فاتح قايا في تحقيقه لكتاب (تحفة الأحباب في الكنى والألقاب) للزبيدي (ت1205هـ)، حيث وقف المحقق على مبيضة المؤلف، ومع ذلك نجده يصوب أخطاء المؤلف الناتجة عن السهو بحد قوله.
مثال: جاء في النص (22): قيل: لجمال وجهه. فقال المحقق في الحاشية: في الأصل: لجمالة وجهه!… وكأن المؤلف سها وأدخل لفظًا في لفظ.
وجاء في (29): غير أنه قد صار ثَمَّ ألقابٌ اصْطُلِحَ عليها. قال في الحاشية: في الأصل: (عليه). وهو خطأ.
التعامل الرابع: النظر في نوع الأخطاء فإن كانت نحوية إملائية كثيرة بحيث إن المحقق لو ترك الأخطاء كما هي لشُوِّه النص بالأخطاء الكثيرة، ولما استطاع القارئ الحصيف أن يكمل قراءة النص لكثرة ما فيه من خطأ، فهنا يصوب المحقق تلك الأخطاء وينبه على ذلك في الحاشية أو الدراسة.
ممن يتبنى هذا المنهج د. حسن حبشي وقد صرَّح به في تحقيقه لكتاب (نزهة النفوس والأبدان في تواريخ الزمان) لابن الصيرفي (ت900هـ)، الذي حققه على مبيضة المؤلف، ونشره في مطبعة دار الكتب (1970م) فيقول في منهج التحقيق (1/19): أما عملي في المخطوطة فقد حاولت أن أنقلها كما هي إلا مع تصويب الأخطاء الإملائية والتنقيط والترقيم وتعديل بعض الكلمات وتصويبها ناصًّا على ذلك في الحاشية، وإلا حيث يكثر التكرار فتجنبته بالإشارة في أول مرة إلى تصويب اللفظ في ما يلي من الصفحات. وهو يفعل كل هذا مع اعترافه بأنه يحقق الكتاب على مبيضة المؤلف فيقول (9): أما المخطوطة ذاتها (نسخة باريس) … هي بخط المؤلف نفسه وليست مسودة أي أنها الصورة النهائية التي كان يريد ابن الصيرفي أن يكون عليها كتابه.
التعامل الخامس: تكميل البياض الذي أراد المؤلف ذكره وصُرف عنه، أو حُجب في النص.
وفي كتاب النكت الأكمل للغزي، نجد بياضًا في مبيضة المؤلف قد أكمله المحققان من بعض المصادر الناقلة، حيث جاء (24): وصل فيها إلى سنة [751هـ]*. وقال المحققان في الحاشية (24): بياض في الأصل، والزيادة من كتاب: الذيل على طبقات الحنابلة المقدمة 13.
ويقول الدكتور الدالي (87) في منهج التحقيق لكتاب سفر السعادة لعلم الدين السخاوي: عمدت إلى مقابلة منسوخي من الكتاب بأصل المؤلف مقابلة دقيقة، والتزمته التزامًا تامًّا، فلم أصلح ما وقع فيه من التصحيف، أو التحريف، أو الوهم والخطأ في الضبط، بل كنت أثبته كما هو في الأصل وأنبِّه في الحاشية على صوابه. وزدت في متنه في مواضع قليلة ما رأيت أن النص لا يقوم إلا به. ثم قابلته بالنسخ الثلاث الأخرى.
التعامل السادس: تصحيح الأخطاء مطلقا.
ممن فعل ذلك المحقق د. حاتم الضامن في تحقيقه لكتاب الحلبة في أسماء الخيل للصاحبي التاجي (ت677هـ) يقول في مقدمة التحقيق (12): أصل الكتاب نسخة نفيسة فريدة كتبت بخط المصنف في سنة 677هـ. جاء في النص (26): قال حارثة بن أوس الكندي. وقال في الحاشية: في الأصل: جارية. والتصحيح من ابن الكلبي والغندجاني. وفي ص (27): أيام القادسية. وفي الحاشية: في الأصل: أمام. وهو تحريف. وفي ص (45): قال أبو دواد الكلابي. وفي الحاشية: في الأصل: داود. وهو تحريف. وفي ص (46): قال سلمة بن الخُرْشُب. وفي الحاشية: في الأصل: الخرث. وهو تحريف. وفي ص (48): فرسُ مُطَير بن الأشيم. وفي الحاشية: في الأصل: الاسم. وهو تحريف. وفي ص (59): يقول عميرة. وفي الحاشية: في الأصل: عمير. والصواب ما أثبتنا.
إذن نأخذ من هذا كله أن مذهب الدكتور حاتم الضامن تصويب أخطاء المؤلف التي جاءت في نسخته مطلقًا.
الرأي الراجح:
أرى من الراجح أن نفصل في المسألة فنقول: إن الخطأ خطآن:
الأول: خطأ في حرّ كلام المؤلف، هذا لا يغير إنما يترك، ويصوب في الحاشية.
الثاني: خطأ في نقل نقله المؤلف من كلام الآخرين، هذا يصوب في النص، وينبه عليه في الحاشية؛ وذلك لأنه ليس من كلامه.
مثل: القرآن، والأحاديث، والشعر إلخ…
ومع كل ذلك فبعض المحققين يصححون أخطاء المؤلف اللغوية خاصة إذا كانت كثيرة ولا يتركون النص مشوّهًا بالأخطاء، مع التنبيه على ذلك. وبعضهم يصوّب أخطاء السهو كذلك مثل: د. حاتم الضامن في كتاب الحلبة في أسماء الخيل للصاحبي التاجي، وبعضهم يضيف بالزيادة على الإبرازة الأخيرة للمؤلف ما سقط منها سهوًا مثل د. بشار في التمهيد لابن عبد البر. (1/358).
تفصيل آخر:
من الممكن أن نقرِّب صورة الأخطاء بذكر تفريع آخر، فنقول: إن الكتب التي كتبت بخطوط مؤلفيها على قسمين:
القسم الأول: لا يكون للمؤلف من ألفاظها شيء، مثل كتب المختصرات المحضة، وكتب المختارات الشعرية. وهذا القسم أرى أن يصوب المحقق أخطاء المؤلف في النص المحقق ويشير في الحاشية إلى ذلك؛ وذلك لأن النص تنازعه حقان: حق صاحب النص الأصلي، وحق صاحب النص الفرعي. وينبغي في الحالة هذه أن يقدم صاحب القراءة الأولى للنص. فمن أجل ذلك نصوب أخطاء المختصر والمختار في النص المحقَّق ونشير إلى ذلك في الحاشية.
مثال المختصرات:
كتاب المختصر المحتاج إليه من تاريخ الحافظ ابن الدبيثي (مختصر ذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي) انتقاء الذهبي، الذي حققه المحقق العراقي د. مصطفى جواد سنة (1951م) مطبعة المعارف – بغداد، يقول المحقق (18) في وصف النسخة: هذه النسخة كما ذكر القوم الذين قدمنا ذكرهم، مكتوبة بخط منتقيها الإمام المحدث الكبير المؤرخ الشهير أبي عبدالله الذهبي… ولا يشك الناقد البصير في كون هذه النسخة الأم؛ لما يتراءى له من وثوق كاتبها بنفسه في إغفال كثير من النقط ومعرفته بسير المترجمين وكثرة التخريجات والمستدركات على الهوامش بالخط نفسه… فهو قد كتبها لنفسه كما اختصرها للاستفادة منها.
وراجع حواشي النص وكيف تصرّف المحقق د. مصطفى جواد بتصويب النص من الأصل الذي عنه اختصر الذهبي الكتاب.
وراجع أيضا فعل المحقق د. علي العمران في كتاب المنهج القويم في اختصار اقتضاء الصراط المستقيم الذي اختصره محمد البعلي الحنبلي (ت778هـ)، بخط يده من كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية. (27). وكذا مختصر الصارم المسلول للبعلي بتحقيق علي العمران (38).
ومع ذلك نجد بعض المحققين يلتزم ما جاء في النص المختصر ويقابل بينه وبين الكتاب الأصل ويثبت الفروقات في الحاشية، مثال ذلك ما فعله المحقق العراقي د. بشار عواد معروف مع كتاب المستملح من كتاب التكملة للذهبي ، ط1. دار الغرب الإسلامي بتونس، 2008م. اختصر فيه الذهبي كتاب (التكملة لكتاب الصلة) لابن الأبَّار. راجع (16) على سبيل المثال.
مثال المختارات الشعرية:
كتاب التذكرة السعيدية في الأشعار العربية لمحمد بن عبدالرحمن العبيدي (من رجال القرن الثامن الهجري) الذي حققه المحقق العراقي عبدالله الجبوري، ط1. مطابع النعمان – النجف الأشرف، سنة 1972م. جمع المؤلف في الكتاب مجموعة من المختارات الشعرية القديمة. يقول المحقق (19-20): لم يعرف لهذا الكتاب من النسخ المخطوطة غير واحدة، وهي النسخة اليتيمة الفريدة، والتي أهداها المؤلف إلى خزانة الوزير الذي ألَّفت له، وهي بخطه.
فلو افترضنا أن المؤلف قد وقع في أخطاء في نقله للشعر وكسر الأوزان وصحَّف بعض الكلمات فتصويب ذلك لا بأس به، إن لم يجب.
القسم الثاني: يختلط النص بكلام من كيس المؤلف، ومن كيس غيره، من المؤلفين والشعراء، ففي هذه الحالة ينبغي أن نفصل فنقول: نصوب الأخطاء في الكلام المنقول، ونترك له أخطاءه التي من حر كلامه.
وهذا يفعل بعض الكبار من المحققين، مثل المحقق د. إحسان عباس، حينما حقق كتاب (فوات الوفيات والذيل عليه) لابن شاكر الكتبي على نسخة المؤلف، يقول في منهج التحقيق (8): حرصت على إبقاء النص كما ورد في نسخة المؤلف، إلا حيث كان الخطأ اللغوي أو النحوي مما يمس رواية شعر قديم، أو يتصل بشخص لم يعرف عنه التساهل في اللغة النحو، فصوَّبت المتن، وأشرت إلى نص الأصل في الحاشية، أما ما كان أسلوبًا حواريًّا أو إخباريًّا يمثل اللغة الدارجة في القرنين السابع والثامن – على وجه الخصوص – فقد أبقيته في المتن على حاله دون تغيير.
-2-
الإشكاليات
إشكالية (1): التحقُّق من كون النسخة بخط المؤلف حقًّا، وليست من الناسخ. وتحل هذه الإشكالية بعرض الخط على النسخ الأخرى التي صحت للمؤلف أو على طباق سماع أو ما شابه ذلك.
إشكالية (2): تحديد نوع نسخة المؤلف (مسودة – مبيضة – إبرازة أخيرة).
أحيانا يصعب على بعض المحققين البتَّ بتحديد نوع النسخة الخطية التي قطع بكونها بخط المؤلف، أكانت مسودة أو مبيضة، وذلك لاجتماع أوصاف المسودة والمبيضة في النسخة الخطية معًا، مثل أن يكون الكتاب كتبه المؤلف في صدر شبابه. وهذا قد يفهم منه أن المؤلف من الجائز عليه أن ينظر فيه نظرة أخرى فيغير ويعدل ويصوب فيكتبه في صورة مبيضة. وأوصاف المسودة، مثل أن يكون في الكتاب إلحاقات كثيرة، وشطب وكشط وإضافات وطيارات وغير ذلك. ومع ذلك كله النسخ الأخرى تتفق مع نسخة المؤلف، فالبت في ذلك عسير على بعض المحققين.
مثال ذلك: كتاب الدر المصون للسمين الحلبي، الذي نشره على نسخة المؤلف المحقق السوري أحمد الخراط، يقول في المقدمة (1/109-110): نحن أمام سؤالين يطرحهما علماء المخطوطات عندما يصادفون نسخًا بخط المؤلف: هل هي آخر نسخة اعتمدها المؤلف؟ وهل هي المبيضة أو المسودة؟ الواقع أننا لا نملك أجوبة قطعية عن هذين السؤالين، ولكننا نستطيع أن نقرر على سبيل أغلب الظن أن نسخة الأصل التي وصلتنا هي آخر نسخة اعتمدها المؤلف؛ وذلك لأن نسخ الكتاب على كثرتها وانتشارها لم نجد من بينها نسخة واحدة تنفرد بأي زيادة أو تعديل أساس، ولم نقع على نسخة ثانية بخط المؤلف يقول فيها: إن نسخته تلك معتمدة وغيرها ليس بمعتمد. أما جواب السؤال الثاني فهو ميسور، وذلك لكثرة الإضافات التي نجدها على أطراف النسخة بخط المؤلف فهي على هذا مسوَّدتُه. ويؤكد ذلك أن الرجل انتهى من نسخها سنة 734هـ وسنة وفاته 756هـ. فالبعد الزمني كبير، فإما أن يكون قد نسخ نسخة ثانية بخطه على أساس أنها مبيَّضته ولم تصلنا، وإما أن يكون قد اكتفى بمسودته التي وصلتنا.
-3-
التنبيهات
تنبيه [1]:
عدم معرفة خط المؤلف إن وُجد، قد يجعل المحقق لا يعتمد نسخة المؤلف وهي بين يديه. مثال ذلك ما فعله المحقق د. عبدالله بن محمد الطيَّار أثناء تحقيقه لكتاب الفتح الرباني بمفردات ابن حنبل الشيباني؛ إذ من النسخ التي اعتمدها في التحقيق (نسخة المؤلف) ولم يعرف أنها نسخة المؤلف، ولذلك لم يجعلها أصلا في التحقيق، وجعلها النسخة الثانية. انظر: (1/33).
وقد رأيت كثيرا من المحققين يجعلون نسخة المؤلف نسخة مساعدة في التحقيق ولا يعتمدونها أصلا، وذلك لنقص آخرها، ولعدم معرفتهم خطَّ المؤلف.
وعلى النقيض من ذلك قد يقف المحقق على نسخة مبتورة الأول أو الآخر، مجهولة المؤلف، لم يصرح فيها إلا بعنوان الكتاب، ومع ذلك نجد المحقق يقطع بكونها لفلان، وأنها بخطه؛ وذلك لمعرفة المحقق بخط المؤلف، مثال ذلك ما وقع للمحقق العراقي د. بشار عواد معروف مع النسخة الجزائرية من كتاب المستملح من كتاب التكملة للذهبي، وكانت مجهولة المؤلف، ولم يصرح فيها إلا بعنوان الكتاب في آخرها، ومع ذلك يقول المحقق (6): حين وقع نظري عليه (الكتاب) عرفت أنه بخط الذهبي الذي أدمنتُ عليه من قُرابة خمسين عامًا، ثم سرعان ما أدركتُ حين سبرتُ أمره واختبرتُ حاله وقرأت بعض تراجمه، أنه مختصرُه لكتاب (التكملة) لابن الأبَّار، وأنه سمَّاه (المستملح من كتاب التكملة).
تنبيه [2]:
يندر أن تجب المطبوعة النسخة الأم من الكتاب، مثال ذلك (المطالع النصرية) للهوريني، نجد نسخة المؤلف بالمكتبة الأزهرية، ولكن المؤلف قد باشر تجارب طبع الكتاب في مطبعة بولاق قبل وفاته، فصارت المطبوعة هي النسخة الأم.
تنبيه [3]:
إذا كان تيقَّن المحقق أن المؤلف لم يبيض كتابه، وأنه توفي والكتاب باقٍ على مسودته، ووقف على المسودة والنسخ المنقولة عنها، فإنه في هذه الحالة تعتمد المسودة.
تنبيه [4]:
من الأخطاء التي يقع فيها بعض المحققين وقوفهم على مبيضة المؤلف وعدة نسخ أخرى، فتراه يقابل بين نسخة المؤلف والنسخ الأخرى المنقولة عنها، ويثبت فروقات ذلك.
من ذلك: ما فعله د. يوسف المرعشلي في تحقيق لكتاب المجمع المؤسِّس لابن حجر.
تنبيه [5]:
من الأخطاء التي يقع فيها بعض المحققين إهمالهم دراسة النسخ الأخرى للكتاب إذا ما وقفوا على نسخة المؤلف، غافلين في ذلك إمكانية أن تكون هذه النسخ الأخرى منقولة عن إبرازة أخيرة لا تمثّل النسخة التي بين يديه.
من الأمثلة الحسنة والمتيقظة في ذلك عمل المحقق السوري أحمد الخراط في الدر المصون للسمين انظر: (1/120).
تنبيه [6]:
لا أرى من السديد إهمال المحقق لضبط المؤلف للكلمات فإن كانت نسخة المؤلف ضُبطت بالشكل والحركات فينبغي للمحقق أن لا يهمل هذا الضبط أثناء التحقيق.
أنواع التصرف في نسخة المؤلف:
أنواع التصرف في نسخة المؤلف مثل أنواع التصرف في النسخة الفريدة، وهي:
- الزيادة عليها من النسخ الأخرى. انظر: المجمع المؤسِّس لابن حجر بتحقيق يوسف المرعشلي (1/87).
- الزيادة عليها من المصادر الناقلة. انظر: لباب الآداب لأسامة بن منقذ بتحقيق أحمد شاكر (17).
- النقص منها إذا ما كُرر كلامٌ سهوًا.
- مخالفة رسمها.
-4-
الحالات
- المسودة:
ما قيمة المسوَّدة؟
أعتقد قيمة المسوَّدة في حالتين:
الحالة الأولى: إذا كانت فريدة. والثانية: إذا توفي المؤلف ولم يبيض كتابه. وفي الحالتين ينبغي أن تكون هي المعتمدة في التحقيق.
- الوقوف على المسوَّدة الفريدة:
من حالات تحقيق نسخة المؤلف أن يقف المحقق على مسودة المؤلف وتكون نسخة فريدة لم يبيضها المؤلف ولم تنسخ عنها نسخ أخرى، ففي هذه الحالة لا شك بأن المحقق سيعتمد رسم هذه النسخة؛ لأنه لا ثاني لها.
مثال ذلك ما فعله المحقق السوري د. عدنان درويش في تحقيقه لكتاب (ذيل الدرر الكامنة) لابن حجر. الذي حققه عن مسودة المؤلف، وهي النسخة التيمورية (649 تاريخ). يقول المحقق (49): مخطوطة (ذير الدرر) أمٌّ خالصة الأصالة، صريحة النسب، فهي بخط المؤلف، وخطه معروف مشهور برداءته.
دليل كونها بخط المؤلف:
يقول المحقق (49): وقد تثبتنا من نسبة الخط إلى ابن حجر بمضاهاته بنموذجين من خطه في كتابين له، أحدهما (تقريب التهذيب)، و(عشرة أحاديث عشارية الإسناد). بتصرف.
دليل كونها مسوَّدة:
يقول المحقق (50): هي مسوَّدةُ الكتاب، بان ذلك:
1- من الاضطراب الذي يعتري ترتيب التراجم، فبعد أن اتخذ الشيخ إلى ترتيبها منهجًا قويمًا في أوائل سنوات الوفيَات استقام له فيها ترتيبٌ دقيق متَّسقٌ على الحروف، راح لا يهتمُّ بنظامها إذا ما اختلَّ أو اضطرب، … ثم نرى الشيخ يكتب ويشطبُ، وكثيرًا ما فعل… وهو يُقحم كلامًا بين الأسطر، وآخر يلحقه في الهوامش، فكثير من صفحات الكتاب نجد هوامشها كاظَّةً بالإضافات أو التتمات، وقد يستغرق بعضُها هامش الصفحة من حول المتن أعلاه وأسفله ويمينه وشماله…
2- وعدد الأسطر في الصفحات من الأدلة أيضًا على بقاء الكتاب في حالة التسويد، فأسطر الصفحات لا تنقاسُ على عدد، وهي تتراوح مراوحةً واسعة بين القلة والكثرة.
3- وأخيرًا يأتي خط ابن قاضي شهبة في الهوامش شارةً أخرى ودليلًا قويًّا على خلوصِ أصالة المخطوطة ونقاء نسبها اللذين لا يرقى إليهما ريب.
ومن الكتب التي حققت على مسودة المؤلف الفريدة كتاب (ترويح القلوب في ذكر الملوك من بني أيوب)، للمرتضى الزبيدي، بتحقيق صلاح الدين المنجد، دار الكتاب الجديد، بيروت، ط2. 1983.
- الوقوف على المسوّدة والنسخ المنقولة عنها
وفي هذه الحالة يجب اعتماد النسخة المسودة، مع الاستعانة بالنسخ الأخرى وإهمال فروقاتها في الحاشية.
مثال ذلك كتاب مقدمة ابن خلدون (ت808هـ) بتحقيق إبراهيم شبوح وإحسان عباس، بتونس 2006، ط1. الدار العربية للكتاب، فقد حققا الكتاب على مسودة المؤلف (عاطف مصطفى)، وخمس نسخ أخرى منقولة عنها، أو منقولة عن إبرازة أقدم من نسخة المسودة.
ومثال آخر: كتاب المعجم المختص للزبيدي (ت1205هـ)، الذي حققه نظام يعقوبي ومحمد ناصر العجمي، ط1. دار البشائر، بيروت 2006، عن نسختين: مسودة المؤلف (مكتبة عارف حكمت 3956)، يقول المحققان عنها (12): ويظهر فيها أن المؤلف رحمه الله تعالى، توفي وهي لا زالت مسودة لم تبيَّض، والكتاب لم يتمّ، حيث إنه وقف أثناء حرف الميم، ولم يكمل بقية الحروف. ونسخة ثانية نقلت عنها (برنستون s.n 1116). يقول المحققان (13): وقد رمزنا لنسخة الأصل، وهي مسودة المصنف بـ (ع)، ورمزنا لنسخة برنستون بـ (ب).
مأخذ:
مقابلة النسخة الثانية على المسودة وإثبات فروقاتها، يقول المحققان (13): قابلنا المصفوف بالنسختين المخطوطتين مقابلة دقيقة حسب الطاقة، مع الإشارة إلى أهم الفروق بين النسختين إن وجدت.
- الوقوف على المسوّدة والنسخ المنقولة عن المبيضة:
إذا وقف المحقق على مسودة المؤلف، وتيقَّن أنها الإبرازة الأولى للكتاب، ووقف معها على بعض النسخ المنقولة عن مبيضته، وتحقَّق من ذلك بدراسة نسخ الكتاب، فينبغي له في هذه الحالة أن يعتمد النسخ المنقولة عن الإبرازة الثانية للكتاب، ولا ينسخ النص عن مسودة المؤلف، وللأسف فإن بعض المحققين يقع في إغرار صورة مسودة المؤلف، فلا يقدم عليها شيئًا، في حين إن المنهج الصحيح يقتضي منه أن يهمل تلك النسخة ويجعلها نسخة فرعية في تحقيق الكتاب.
مثال المنهج الصائب:
من المحققين الذين تيقَّظوا لهذه المسألة الدكتور عمر خلوف في تحقيقه لكتاب التنبيهات الزَّينيَّة على الغفلات العَينية (في ما سهَا عنه العيني من عروض بعض شواهد النحو) لزين الدين الإشعافي (ت1042هـ)، المنشور في مجلة العلوم العربية، عدد (35)، ربيع الآخر 1436هـ، الرياض، فقد اعتمد في التحقيق على نسختين: نسخة منقولة عن نسخة المؤلف المبيضة، بمكتبة مؤسسة الملك عبد العزيز ورمز لها بـ(ع)، ونسخة ثانية تعد مسودة الكتاب، تحتفظ بها مكتبة شيستربيتي، ورمز لها بـ (ش). وقد اعتمد المحقق النسخة (ع) أصلا في التحقيق، وجعل مسودة المؤلف نسخة ثانية مساعدة في التحقيق. فيقول (90) في وصف النسخة الثانية للكتاب: ومع أنها بخط المؤلف، إلا أننا اتخذناها نسخة ثانية مُعينة في التحقيق، وذلك لما اتضح لنا من كونها نسخة أولى للكتاب، وأن النسخة (ع) هي النسخة النهائية له، لكونها منقولة عن نسخة أخرى بخط المؤلف أيضا كتبها بعد تسع سنوات من تاريخ النسخة (ش)… ويسترسل في ذلك معلِّلًا اعتمادَ النسخة المنقولة عن المبيضة من دون المسودة (90): كما أن في نسختنا المعتمدة الكثيرَ من الزيادات، والحذف، والتعديل، مما يصعب ضبطه وذكره فيا لتحقيق، فلقد زاد المؤلف في نسخته النهائية فقرات كاملة لم يذكرها في الرسالة الأولى.
مثال المنهج الخاطئ:
وممن لم يتفطّن إلى هذه الحقيقة أثناء التحقيق د. حسن حبشي في تحقيقه لكتاب (إنباء الغُمْر بأنباء العُمْر) لابن حجر العسقلاني (ت852هـ)، ط1. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية (1969)، الذي اعتمد فيه على ثماني نسخ خطية، من بينها مسودة المؤلف. ومع ذلك فقد نسخ النص على مسودة المؤلف واعتمدها في المتن وجعل يقابل النسخ الأخرى ويثبت فروقاتها في الحاشية، فيقول (1/24): وربما قيل: إنه كان يمكن الاكتفاء بالنسخة التي كتبها ابن حجر ذاته بخط يده، وهي نسخة الظاهرية (ظ)، لكن تبيّن لي أنها لا تعدو أن تكون (مسودة) أولى كتبها لنفسه، هذا بالإضافة إلى الإشارات القلمية التي دوّنها ابن حجر مما يشير إلى ذلك. ويقول في منهج التحقيق (1/25): ولقد نسخت نسخة (ظ) (الظاهرية 241 تاريخ – المسودة)، ثم قارنتُها بالنسخ الأخرى التي هيَّأ لي الوقت توفّرها في مصر أو الخارج، وجعلت التقدمة في النشر لما كتبه ابن حجر بخط يده إلا حيث اختلف الرسم فيوضع الصحيح مع الإشارة في الهامش إلى ما بين النسخ من اختلاف.
- الوقوف على المسودة والمبيضة معًا:
وفي هذه الحالة يجب الاعتماد على مبيضة المؤلف، وإهمال المسودة أو الاستعانة بها على ما حُجب في المبيضة أو ما شابه ذلك.
مثال ذلك: كتاب المجمع المؤسِّس للمعجم المفهرس لابن حجر بتحقيق يوسف المرعشلي.
يقول المحقق (1/52): يوجد لهذا الكتاب عشر نسخ خطية موزعة في مكتبات العالم، اثنتان منها بخط المؤلف، وهما: نسخة مراد ملا، وهي المسودة التي شرع بكتابتها في اليمن عام 806هـ، والنسخة الثانية هي النسخة الأزهرية بالقاهرة، وهي مبيضة المؤلف، وقد اعتمدتها أصلا في عملي، وتختلف بنصوصها وترتيبها ومنهجها ومادتها كثيرًا عن المسودة التي تبدو وكأنها مختصر للكتاب، لذا فقد ضربت صفحًا عنها، ولم اعتمدها سوى للبيان. ومن المناسبة أن أذكر أن المؤلف ذكر في آخر نسخته أنه فرغ من تصنيف الكتاب سنة 819هـ، ولكنني وجدت فيه تواريخ وإضافات بخط الحافظ بعد هذا التاريخ مما يدل على أن الحافظ كان يضيف إليه ما يستجد عنده بعد هذا التاريخ. لذلك حفلت هوامش نسخته بإضافات وزيادات كثيرة، وكل من انتسخ الكتاب في حياة المؤلف فقد فاتته هذه الزيادات، لذلك، كان أمر إخراج هذا الكتاب ضروريًّا من نسخة المؤلف؛ ليأتي بالصورة النهائية الكاملة والأخيرة.
ويقول (1/55): وقد اعتمدت هذه النسخة أصلا (الأزهرية) في عملي؛ لأنها نسخة المؤلف ومبيضته، وانتسخت منها نصوص الكتاب، ورجعت لسائر النسخ عند الحاجة إلى ذلك لاستيضاح كلمة أو أمر مشكل.
وصف المسودة: يقول المحقق (1/55): فيها بياض كثير وشطب وتقييدات في الهوامش، وتختلف هذه النسخة عن سائر النسخ اختلافًا بيّنًا، في الترتيب والزيادة والنقصان، ولم أعتمد عليها في عملي، وإنما ذكرتها للفائدة، وكانت بحوزتي أثناء العمل بتحقيق الكتاب.
- المبيضة:
ما قيمة المبيضة؟
تظهر قيمة المبيضة في حالة كونها الإبرازة الأخيرة للكتاب، أما إذا كانت مبيضة أولى، تلتها مبيضة أخرى، فيجب الاعتماد بالمبيضة الأخيرة كما هو معلوم.
- الوقوف على المبيَّضة الفريدة:
وحال تحقيقها كحال المسودة الفريدة، ومن البدهي القول باعتمادها كاعتماد المسودة الفريدة؛ لأنه ليس لدينا خيار آخر.
مثال ذلك كتاب (تحفة الأحباب في الكنى والألقاب) للزبيدي (ت1205هـ)، حيث وقف المحقق محمد فاتح قايا على نسخة فريدة تعد مبيضة الكتاب.
منهج المحقق:
- وضع عناوين بداخل النص بين معقوفتين [ ] بغرض التوضيح والتقسيم المليح بحد قوله. حاشية (21).
- تصويب أخطاء المؤلف في النص، والتنبيه على ذلك في الحاشية.
ومن الكتب التي حققت على مبيضة المؤلف الفريدة، كتاب النكت الأكمل لأصحاب الإمام أحمد بن حنبل للغزي (ت1214هـ)، بتحقيق محمد مطيع الحافظ ونزار أباظة، ط1. دار الفكر بدمشق 1982.
- الوقوف على المبيضة واعتمادها مع وجود المسوَّدة:
الاعتماد على المبيضة فقط مع وجود المسودة أمر صحيح لا إشكال فيه، مثال ذلك كتاب غوامض الصحاح للصفدي، الذي حققه المحقق السوري عبد الإله نبهان على مبيضة المؤلف (نسخة الإكسوريال 192)، أولًا، ثم علم بعد ذلك بوجود مسوّدة المؤلف بتركيا (نسخة جوروم1905)، التي جاء في آخرها: تمت المسوَّدة على يد مؤلفها… ثم قال المحقق (36): لم نستطع الحصول على مسودة الكتاب من تركيا لأسباب يعرفها كل من احتاج إلى مخطوط من هناك. لكن عدم حيازتنا لمصورة عنها لم يقف حائلا دون تحقيق الكتاب؛ لأن نسخة بخط المؤلف بين أيدينا؛ ولأن الصحاح محققا بين أيدينا يساعد على سد الثغرات التي قد يسببها العمل على نسخة واحدة.
- الوقوف على المبيَّضة والنسخ المنقولة عنها:
وفي هذه الحالة يجب اعتماد المبيضة فقط، وإهمال فروقات النسخ الأخرى إلا لوقوع حجب في النص أو ما شابه ذلك.
- الإبرازة الأخيرة
تعد الإبرازة الأخيرة للكتاب غاية ما يمكن أن يصل إليه المحققون، فإذا وقف المحقق على ذلك فقد حقَّق مراده، وما عليه إلا تحقيق الكتاب عليها.
- وقوف المحقق على جميع إبرازات الكتاب:
وفي هذه الحالة ينبغي أن يعتمد المحقق الإبرازة الأخيرة في الكتاب بالنظر في أحدث تاريخ واعتماده في التحقيق، وإهمال ذكر فروقات النسخ الأخرى.
مثال ذلك كتاب (أخصر المختصرات) لابن بلبان (ت1083هـ)، نجد لهذا الكتاب أربع إبرازات مختلفة، ثلاث منها مؤرخة بخط المؤلف، هي:
- نسخة الشيخ عبدالله الدحيان، فرغ من نساختها ( 1054هـ).
- نسخة دار الكتب القطرية.
- نسخة المكتبة الأحمدية بطنطا، فرغ من نساختها (1058هـ).
- نسخة مكتبة مصطفى أفندي بتركيا، فرغ من نساختها (1063هـ).
المنهج الصواب في التحقيق:
هذا مثال نادر في التراث، أعني وقوف المحقق على أربع إبرازات لمؤلف واحد، والصواب في تحقيق هذا الكتاب أن تعتمد النسخة الأحدث تاريخا، وهي نسخة مكتبة مصطفى أفندي التي نسخها المؤلف سنة (1063هـ)، ومع ذلك نجد محقِّقين (د. عبدالعزيز العبدان ود. أنس اليتامي) قد قاما بنشر الكتاب في دار (ركائز) سنة (2017) معتمدين في ذلك على منهج التلفيق بين النسخ الأربعة، ومن دون اعتماد أصل في التحقيق! وقد أثبتا فروقات النسخ في الحاشية! فجاء في مقدمة التحقيق (34): لم نعتمد نسخة من النسخ على أنها هي الأصل؛ إذ إنها جميعًا بخط المؤلف، وإنما قمنا بالتلفيق بينها، فما كان أقرب للصواب أثبتناه، وعند التردد رجعنا فيه إلى أصل الكتاب (كافي المبتدي) لاعتماد ما هو موافق له إن وُجد وإلا أثبتنا ما عليه غالب النسخ!
وهذا الكلام للأسف الشديد لا يوافق المنهج العلمي في تحقيق مثل هذه الكتب، فكان الصواب اعتماد نسخة مصطفى أفندي كما تقدم، وإهمال فروقات النسخ الأخرى، ولعل ندرة مثل هذه الصور هي التي جعلت المحققين لم يُبصرا النهج الصحيح في تحقيق الكتاب.
وتخيّل معي أنك إذا ما كنتَ مؤلِّفًا وقد كتبت كتابًا في مراحل عمرك المختلفة، فأخرجت الطبعة الأولى منه في شبابك، ثم نقّحته وزدت عليه بعد أمَدٍ من الزمن، ثم نقّحه وزدت عليه في كهولتك، ما النسخة التي ترضى أن يعتمدها الناس عنك، التي كانت في شبابك مع وجود أخطائك فيها أم التي كتبتها ونقّحتها وراجعتها في كهولتك ؟
أعتقد أن الجواب سيكون الثاني، وهكذا ينبغي أن يكون الحال مع الآخرين الذين نحقق نصوصهم، وأعتقد أن الذين ينشرون الكتاب على جميع إبرازاته هو يشهّر بمؤلِّفه من دون قصد، لأنه بحسن نية يقول للناس: انظروا أخطاء المؤلف في الحاشية التي صوّبها في إبرازته الأخيرة !!
ومن الستر الجميل وحسن الصنيع إهمال ذلك، واستبقاء الصورة الأخيرة للكتاب.
الخاتمة:
أحب أن أختم هذه الكلمة بنصوص مهمة حققت نسخة المؤلف لجمهرة من المحققين على مختلف البلدان العربية، وهي كافية لاستقراء المنهج ولمعرفة طرق التصحيح المختلفة وكافة متعلقات (تحقيق نسخة المؤلف):
1- صلاح الدين المنجد (سورية):
ترويج القلوب في ذكر الملوك بني أيوب، للزبيدي ط2. دار الكتب الجديد، لبنان،1983م.
2- أحمد الخرَّاط (سورية):
الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، للسمين الحلبي (ت756هـ)، ط1. دار القلم دمشق.
3- فخر الدين قباوة (سورية):
شرح اختيارات المفضل للخطيب التبريزي، ط2. دار الكتب العلمية بيروت، 1987م.
4- محمد الدالي (سورية):
سِفْر السعادة وسفير الإفادة لعلم الدين السخاوي (ت642هـ)، ط2. دار صادر بيروت، 1995م.
5- عبد الإله نَبهان (سورية):
غوامض الصحاح، للصفدي، ط1. مكتبة لبنان، ناشرون، 1996م.
6- عدنان درويش (سورية):
ذيل الدرر الكامنة لابن حجر، ط1. معهد المخطوطات العربية 1992م.
7- محمد خير رمضان يوسف (سورية):
تاج التراجم لابن قُطْلُوبَغا، ط1. دار القلم، دمشق، 1992م.
8- مصطفى جواد (العراق):
المختصر المحتاج إليه من تاريخ الحافظ ابن الدبيثي، للذهبي، ط1. مطبعة المعارف بغداد 1951م.
9- حاتم الضامن (العراق):
الحلبة في أسماء الخيل المشهورة في الجاهلية والإسلام للصاحبي التاجي (ت677هـ)، ط2. دار البشائر بدمشق، 2009م.
10- عبدالله الجبوري (العراق):
التذكرة السعيدية في الأشعار العربية للعبيدي، ط1. مطابع النعمان – النجف الأشرف، 1972م.
11- بشار عواد معروف (العراق – الأردن):
- صلة التكملة لوفيات النقلة للحسيني (ت695هـ)، ط1. دار الغرب الإسلامي تونس، 2007م.
- المستملح من كتاب التكملة للذهبي، ط1. دار الغرب الإسلامي تونس، 2008م.
12- أحمد محمد شاكر (مصر):
لباب الآداب لأسامة بن منقذ (ت584هـ)، الطبعة الأولى 1354هـ.، والثانية 1987م، مكتبة السنة بالقاهرة.
13- أيمن فؤاد سيد (مصر):
مسودة كتاب المواعظ والاعتبار للمقريزي، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن 1995م.
14- إحسان عباس (فلسطين):
فوات الوفيات والذيل عليها، لابن شاكر الكتبي (ت764هـ)، ط1. دار صادر بيروت.
15- إبراهيم شبوح وإحسان عباس (تونس – فلسطين):
مقدمة ابن خلدون، ط1. الدار العربية للكتاب، تونس 2006.
16- عبد العزيز المانع (السعودية):
المآخذ على شُرَّاح ديوان أبي الطيب المُتنبي لأبي العباس المُهَلَّبي (ت644هـ)، ط2. مركز الملك فيصل 1422م – 2003م.
17- علي العمران (اليمن):
- المنهج القويم في اختصار اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية، اختصره البعلي (ت788هـ)، ط1. دار عالم الفوائد 1422هـ.
- مختصر الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية، اختصره البعلي (ت788هـ)، ط1. دار عالم الفوائد 1422هـ.
- شفاء العليل في اختصار إبطال التحليل لابن تيمية، اختصره البعلي (ت788هـ)، ط1. دار عالم الفوائد، 1424ه.
- ذيل التبيان البديعة البيان في تراجم الحفاظ لابن حجر العسقلاني (ت853هـ)، ط1. مكتبة الرشد الرياض، 2001م.
- أسامي شيوخ البخاري للصغاني (ت650هـ)، ط1. دار عالم الفوائد، 1419هـ.
18- عبدالرحمن قائد (اليمن):
رسالة الحافظ محمد بن عبدالواحد الدقَّاق اللأصبهاني (ت516هـ) في وصف حاله وأمره وشيوخه وأهل عصره، ط1. المكتب الإسلامي 2014م.