- ريتشارد إي. سيتوفيك
- ترجمة: غدير العبيري
- تحرير: مصطفى بن علي فتحي
صرّح معلمان لديهما خبرةٌ تزيد عن ثلاثين عامًا في التدريس وحصدا العديد من الجوائز بأنّ الأطفال يزدادون غباءً، والمُؤسِف أنّ ما يحدث في مَدارسنا هو المُتسبِّب في هذا الغباء.
وفي هذه الآونة يَبذل المُعلِّمون جُهدًا أكثر ممّا مضى في تعليمهم ويتولّى الأهالي قدرًا أكبر من الاهتمام بهم، بالإضافة إلى أنّ المعايير أصبحت أعلى من أيّ وقت مضى، إلّا أنّ تاريخ التعليم عبارة عن تاريخ لاختلاق الجديد.
هل تتذكر مادة الرياضيات بأكملها والمدارس المفتوحة حيث لا وجود للجدران الداخلية ممّا سيتيح تدفق الأفكار بلا حواجز؟
في الوقت الحالي، الفصول الدراسية المُتقلِّبة والجداول المُوحَّدة وحتى مجموعات التعليم المِهنيّ هي مجرد جزء من مَوجة الوعود الطويلة المُبالَغ بها فيما يخص العلاج الشافي.
لا تستهلك الإبداعات التعليمية هَوَى صانِعِي القرار بقدر ما تستهويهم التقنية في الفصول الدراسية، فيهدف المُشرِفون إلى تهيئة كل طالب بجهاز رقميّ أو باتّباعهم لسياسة “أحضر جهازك”، ودعوني أقول بأننا نحتاج لِأن نطرح بجديّةٍ الافتراضَ الذي ينصُّ على أنّ أيّ تقنية مُدرَجة بالتعليم لا تشوبها شائبة.
كبداية جيدة يمكننا أن نسأل: كيف سيتم استخدام الجهاز في المدرسة؟ وأما سؤال: كيف سيساعد هذا طفلي؟ سيكون بمثابة مُتابَعة ذكية!
ومع الأسف الشديد، فإن مَن يطرح هذه الأسئلة مِن المعلمين والآباء يُقابَلون بالسخرية أو يُسَمَّوا بالرجعيّين غير المُواكِبين للعصر.
غالبًا ما يكون صناع السياسة في مواجهة العامة، ويبحثون على الدوام عن الشيء التالي الرائع الذي سيُنقذ التعليم ويحفظ وظائفهم. وبالطبع هذا الشيء لا يَخفى على كلٍّ مِن (ديل DELL) و(مايكروسوفت (Microsoft و(أبلApple)
وغيرهم، حيث وَصف روبرت موردوك التعليم بأنه سوق بقيمة خمسمائة مليار دولار غير مُستفَاد منه.
وصلَت الأجهزة الرقميّة فجأةً إلى الفصول الدراسية كَحَلٍّ أثناءَ البحث في المشكلة، وقامت الشركات بدورها بجمع العروض التقديميّة الرائعة لجذب صُنّاع السياسة.
فبينما ينام صناع السياسة بشكل جيّد ويَنعم المُديرون التنفيذيّون بالثراء لا يزال الطلاب يمتصّون جرعات الغباء، ويحدث ذلك بسبب الفصل بين ما يُفترَض أن يحدث مع هذه الأجهزة في الفصل الدراسيّ وبين ما يحدث بالواقع؛ يَتصور صناعُ السياسة الطلابَ وهم يتسلقون قمم التفوق بهذه الأجهزة.
الصور المُتخيَّلة مثلًا في صف التاريخ الذي تقدمه السيدة بيدرمان: يتم تشغيل بَرنامج من خلال لَوح ذكيّ يجذب الجميع ممّا يجعلهم يجلسون في أماكنهم بلا كلمات، بعد ذلك يقومون بتشغيل أجهزتهم ويتفاعلون فيما بينهم بشخصيّات تاريخيّة وسوف يُغرِّد الطلاب بالأسئلة على صور ثلاثية الأبعاد لأبراهام لنكولن، وسيسألون أيضًا عن الحرب الأهلية، ثم يُمسِك بيدَيه الطلابَ لِيصحبَهم في جولة حول ساحة معركة (جيتيسبورغ)، وفيما بعد سينشئ الطلاب مجلةً بالاستعانة بمُستنَداتِ (جوجل Google) لفهرسة كل ما تعلموه بالإضافة إلى ما يشعرون به.
سيكون مُجتمَعًا أذكى وأكثر ترابطًا، وسوف يُمطرنا المجد.
يشرح مُعلِّمَا الثانوية ما يحدث بالفعل: تستخدم السيدة بيدرمان اللوح الذكيّ الخاص بها كعرضٍ لأسئلةِ (إثارةِ الذهن) حول الحرب الأهلية، لكنها لم تتدرب كما ينبغي على ما يتعلق بكيفية استخدام اللوح الذكيّ، لذلك في أغلب الأيام تؤدّي مهامها كعرض فحسب.
وتسعى في الوقت الحالي إلى تجربة شيء جديد، ولذلك قامت بسؤال الصف حول آرائهم لكنّ الطلاب لم يُعيروها انتباهًا؛ فقد كانوا يشاهدون رسمًا كرتونيًّا ممتعًا على اليوتيوب عن جرائم (اللاما) أو ينظرون إلى صور تتعلق بما طلبه صديقهم في الليلة الماضية في (شيبوتل)، أمّا البعض فيغردون حول مدى حماسهم لحفلة التخرج التي ستُقام بعد ثلاثة أشهر.
طلبَت السيدة بيدرمان من الطلاب خلال هذا الضجيج الاتصالَ بشبكة المَدرسة حتى يتمكنوا من إنشاء الدخول من اللوح الذكيّ إلى المعلومات حول الحرب الأهلية، لكن شبكة المدرسة تعطّلت مرةً أخرى، ركضَت السيدة بيدرمان للأسفل باتّجاه مدير الشبكة وحينما تعمل الشبكة يُمكِنهم الدخول.
ظنَّت السيدة بيدرمان أنها ستتلقّى تقييمًا سلبيًا على الحصة، تسلّلَت وهي مُتراخِيةُ الكتفَين إلى مكتب المدير، لكنّها تفاجأت بأنّ درسها أحرز أعلى الدرجات!
يعلم المدير بأنّ الأمر لم يسِر بشكل جيّد، لكنّ الإدارة تستخدم نموذجَ تقييمٍ مُكوَّنًا من سؤال واحد: ما إذا كانت التقنية التعليمية قيد الاستخدام؟ وهل تمنح الطلاب فرصة للتعاون؟
يُوقّع المدير والسيدة بيدرمان التقييم ويتبادلون النظر بخجل، ومع نهاية ذلك الشهر يُسلَّط الضوءُ على درسها في موقع (الويب) للبلدة.
يُكرَّر السيناريو نفسُه مرات عديدة، وفي كل مرة لا يتعلم الطلاب شيئًا. إنهم يزدادون غباءً لا غير، ما عدا أولئك الذين لهم مصلحة مالية في استمرار هذه اللعبة، لقد تعلموا أنهم إذا تعاقدوا مع النظام المَدرسيّ على بيع لعبة رائعة المَظهر، فإنهم لن يشتروا واحدةً فحسب، بل الآلاف.