- دانيال كانيمان
- ترجمة: يوسف عسيري
- مراجعة وترجمة: مصطفى هندي
- تحرير: سهام سايح
صراع عقليتين: كيف يتَحدد سلوكنا من خلال نظامين مختلفين: أحدهما تلقائي والآخر متأنٍ
يالها من دراما تلك التي تدور في دماغنا؛ إنّه مسلسل صراع بين جزئين: هما الدراما والتوتر. عرَّف الكاتب هذين الجزأين ب (النظام أ) و(النظام ب)، وهذان النظامان يشتركان مع بعضهما ويقتسمان المهام بينهما، ويؤثران في تفكيرنا وإصدار أحكامنا واتخاذ قراراتنا وحتّى في أفعالنا.
(النظام أ) هو ذلك الجزء من المخ الذي يعمل بشكل تلقائي ومفاجئ، وغالبًا ما يعمل دون تحكم منا؛ مثلاً أنت تعمل في مكتبك وفجأة تسمع صوت دويّ فإن انتباهك يتوجه إلى هذا الصوت تلقائيًا، هذا هو (النظام أ). هذا النظام هو إرث ماضينا التطوري، حيث السّمات التي تساعدنا على البقاء متأصلة في القدرة على اتخاذ مثل هذه الإجراءات والأحكام السريعة.
(النظام ب) هو ما نفكر فيه عندما نتخيّل ذلك الجزء من الدماغ المسؤول عن اتخاذ القرارات الفردية والمنطق والمعتقدات؛ يتعامل هذا الجزء مع الأنشطة الواعية للعقل مثل ضبط النفس والاختيارات والتركيز المتعمد للانتباه.
على سبيل المثال، تخيّل أنك تبحث عن امرأة في حشد من الناس؛ يركز عقلك عمداً على تلك المهمة: فهو يتذكر خصائص الشخص، وأي شيء من شأنه أن يساعد في تحديد مكانه، يساعد هذا التركيز على القضاء على التشتتات المحتملة، وبالكاد تلاحظ أشخاصًا آخرين في الحشد؛ وإذا حافظت على هذا الاهتمام المركز، فقد تكتشف من تبحث عنه في غضون دقائق، بينما إذا كنت مشتتًا وفقدت التركيز، فستواجه صعوبة في العثور عليه.
كما سنرى في الإضاءات التالية، تُحدِّد العلاقة بين هذين النظامين تصرفاتنا وأفعالنا.
كيف يمكن لكسلنا العقلي أن يقودنا إلى الخطأ ويؤثر على ذكائنا؟
لمعرفة كيف يعمل النظامان حاول حل مسألة الكرة والمضرب الشهيرة:
سعر المضرب والكرة هو 1.10 $ ، وسعر المضرب يزيد عن سعر الكرة بمقدار دولار؛ فما سعر المضرب؟
إجابة الأكثر هي 10سنت؛ وهذا غير صحيح، وهو نتاج لعمل (النظام أ) المتسرع. لكن لو أجرينا العملية الحسابية برويّة وتمهل أكبر فإننا سنعرف أن الجواب الصحيح هو 5 سنتات.الذي حدث هو أنّنا استخدمنا (النظام أ) المندفع والمتسرع، ولكن جوابنا كان سريعاً أكثر من اللازم.
عادة، عندما نواجه حالة لا يمكن فهمها، يستدعي (النظام أ) (النظام ب) لحل المشكلة، ولكن في مشكلة المضرب والكرة، ينخدع (النظام أ)؛ إنه يدرك أن المشكلة أبسط مما هي عليه، ويفترض بشكل غير صحيح أنّه يستطيع التعامل معها من تلقاء نفسه.
إنّ القضية التي تكشفها مشكلة المضرب والكرة هي كسلنا العقلي الفطري. عندما نستخدم دماغنا، فإننا نميل إلى استخدام الحد الأدنى من الطاقة الممكنة لكل مهمة؛ يُعرف هذا “بقانون أقل جهد“ the least effort. نظرًا لأنّ التحقق من الإجابة باستخدام (النظام ب) سيستهلك المزيد من الطاقة، فإن عقلنا لن يفعل ذلك عندما يعتقد أنه يمكن حله باستخدام (النظام أ).
هذا الكسل أمر مؤسف، لأنّ استخدام (النظام ب) هو جانب مهم من ذكائنا. تُظهر الأبحاث أن ممارسة مهام (النظام ب)، مثل التركيز والتحكم في النفس، تؤدي إلى درجات أعلى في الذكاء؛ ويتضح ذلك من خلال مشكلة المضرب والكرة، حيث كان بإمكان عقولنا التحقق من الإجابة باستخدام (النظام ب) وبالتالي تجنب ارتكاب هذا الخطأ الشائع.
الطيار الآلي: لماذا لا نتحكم دائمًا في أفكارنا وأفعالنا؟
ما رأيك عندما ترى هذه الحروف “الصـ…”؟ ربما لا شيء؛ ماذا لو ذكرت لك كلمة “طعام” في أول الأمر؟ الآن، عندما تنظر مرة أخرى إلى كلمة “الصـ…”، من المحتمل أن تكملها على أنها “الصيام”؛ تُعرف هذه العملية باسم “التهيئة”.
نحن مُصمَمُون لكي يؤدي التعرض لكلمة أو مفهوم أو حدث إلى استدعاء الكلمات والمفاهيم ذات الصلة. فإذا كنت قد رأيت كلمة “استحمام” بدلاً من “طعام” أعلاه، فربما تقرأ الكلمة على أنّها “الصابون”.
لا يؤثر هذا التحضير فقط على الطريقة التي نفكر بها، ولكن أيضًا على الطريقة التي نتصرف بها. وكما يتأثر العقل بسماع كلمات ومفاهيم معينة، يمكن أن يتأثر الجسم أيضًا. يمكن العثور على مثال رائع على ذلك في دراسة استجاب فيها المشاركون الذين استعانوا بكلمات مرتبطة بالشيخوخة، مثل “فلوريدا” و “التجاعيد”، بالسير بوتيرة أبطأ من المعتاد.
بشكل لا يصدق، إن التهيئة للأفعال والأفكار هي لا واعية تمامًا؛ إنّنا نفعل ذلك دون أن ندرك.
وبالتالي، فإن ما تظهره تلك العملية أنه على الرغم مما يظنه الكثيرون، فإننا لا نسيطر دائمًا على أفعالنا وأحكامنا وخياراتنا؛ وبدلاً من ذلك، فإننا محكومون باستمرار بظروف اجتماعية وثقافية معينة.
على سبيل المثال، أثبتت الأبحاث التي أجرتها كاثلين فوه أنّ مفهوم المال يهيئ الفرد للأفعال الأنانية؛ يتصرف الأشخاص الذين يُهيؤون لفكرة المال -على سبيل المثال: من خلال التعرض لصور النقود- بشكل أكثر استقلالية وأقل رغبة في المشاركة مع الآخرين أو الاعتماد عليهم أو قبول مطالبهم؛ أحد نتائج بحث فوه هو أنّ العيش في مجتمع مليء بالمحفزات التي تشير إلى المال يمكنه أن يدفع سلوكنا بعيدًا عن الإيثار.
يمكن أن تؤثر التهيئة -تمامًا مثل العناصر المجتمعية الأخرى- على أفكار الفرد وبالتالي خياراته وأحكامه وسلوكه؛ وهذا ينعكس مرة أخرى في الثقافة، ويتأثر بشدة بنوع المجتمع الذي نعيش فيه جميعًا.
الأحكام السريعة: كيف يتخذ العقل خيارات سريعة، حتى عندما يفتقر إلى المعلومات الكافية لاتخاذ قرار عقلاني؟
تخيّل أنك قابلت شخصًا يُدعى “بن” في حفلة، ووجدت من السهل التحدث إليه وإجراء حوار معه. في وقت لاحق، يسأل شخص ما إذا كنت تعرف أي شخص قد يرغب في المساهمة في أعمالهم الخيرية، ستفكر حينها في “بن”، على الرغم من أنّ الشيء الوحيد الذي تعرفه عنه هو أنه من السهل التحدث إليه.
بعبارة أخرى، لقد أحببت جانبًا واحدًا من شخصية “بن”، ولذا افترضت أنك سترحب بكل جوانب شخصيته الأخرى؛ غالبًا ما نصدر أحكاما إيجابية أو سلبية على شخص ما حتى عندما لا نعرف الكثير عنه.
غالبًا ما يؤدي ميل أذهاننا إلى التبسيط المفرط للأشياء دون معلومات كافية إلى أخطاء في الحكم؛ يُسمى هذا “التماسك العاطفي المبالغ فيه”، والمعروف أيضًا باسم “تأثير الهالة” أي المشاعر الإيجابية حول قابلية “بن” للحديث تجعلك تضع هالة إيجابية عليه، على الرغم من أنك لا تعرف سوى القليل جدًا عنه.
لكن هذه ليست الطريقة الوحيدة التي تتخذ بها عقولنا طرقًا مختصرة عند إصدار الأحكام.
هناك أيضًا تحيز التأكيد، وهو ميل الناس إلى الموافقة على المعلومات التي تدعم معتقداتهم السابقة، وكذلك قبول أي معلومات تُقدم لهم.
يمكن إظهار ذلك إذا طرحنا السؤال “هل جيمس شخص ودود؟” أظهرت الدراسات أنه عند طرح هذا السؤال ودون وجود معلومات أخرى، من المحتمل جدًا أن نعتبر جيمس ودودًا؛ لأن العقل يؤكد تلقائيًا الفكرة المقترحة له.
يحدث تأثير الهالة والتحيز التأكيدي على حد سواء لأن عقولنا حريصة على اتخاذ أحكام سريعة؛ لكن هذا غالبًا ما يؤدي إلى أخطاء، لأنّنا لا نمتلك دائمًا بيانات كافية لإصدار أحكام دقيقة. تعتمد عقولنا على مقدمات خاطئة ومبالغات مفرطة لملء الفجوات في البيانات، مما يؤدي بنا إلى استنتاجات خاطئة غالبًا.
تماما مثل التهيئة، تحدث هذه الظواهر المعرفية دون وعي منا وتؤثر على خياراتنا وأحكامنا وأفعالنا.
الاستدلال: كيف يستخدم العقل طرقًا مختصرة لاتخاذ قرارات سريعة؟
غالبًا ما نجد أنفسنا في مواقف نحتاج فيها إلى إصدار حكم سريع، ولمساعدتنا على القيام بذلك، طورت عقولنا اختصارات صغيرة لمساعدتنا على فهم محيطنا على الفور؛ يسمى هذا “الاستدلال”.
في أغلب الأحيان، تكون هذه العمليات مفيدة جدًا، ولكن المشكلة هي أن عقولنا تميل إلى الإفراط في استخدامها. وإن تطبيقها في المواقف التي لا تناسبها يمكن أن يؤدي بنا إلى ارتكاب الأخطاء.
للحصول على فهم أفضل لماهية الاستدلال والأخطاء التي يمكن أن يؤدي إليها، يمكننا فحص نوعين من أنواعهما العديدة: الاستدلال الإبدالي والاستدلال بالمشهور.
الإبدالي: هو عندما نجيب على سؤال أسهل من ذلك المطروح بالفعل.
خذ هذا السؤال، على سبيل المثال: “تلك المرأة مرشحة لمنصب العمدة، ما مدى نجاحها في منصبها؟” نستبدل تلقائيًا السؤال الذي من المفترض أن نجيبه بسؤال أسهل، مثل، “هل تبدو هذه المرأة مناسبة لشخصية العمدة؟”.
هذا الاستدلال يعني أنه بدلاً من البحث في خلفية المرشح وسياساته، فإننا نسأل أنفسنا فقط السؤال الأسهل بكثير عما إذا كانت هذه المرأة تتطابق مع صورتنا العقلية للعمدة الجيد. لسوء الحظ، إذا كانت المرأة لا تتناسب مع صورتنا النّمطية عن العمدة، فيمكننا رفضها، حتى إذا كانت لديها سنوات من الخبرة في مكافحة الجريمة تجعلها المرشحة المثالية.
بعد ذلك، هناك الاستدلال بالمشهور، حيث تبالغ في تقدير احتمال حدوث شيء تسمعه كثيرًا أو تجد أنّه من السهل تذكره.
على سبيل المثال، تتسبب السكتات الدماغية في وفيات أكثر من الحوادث، ولكن وجدت إحدى الدراسات أن 80 في المائة من المستجيبين اعتبروا الموت في الحوادث مصيرًا أكثر احتمالًا؛ هذا لأننا نسمع عن المزيد من وفيات الحوادث في وسائل الإعلام، ولأنها تترك انطباعًا أقوى فينا؛ نتذكر حالات الوفاة في الحوادث المروعة بسهولة أكبر من الوفيات الناجمة عن السكتات الدماغية، ولذلك قد نتفاعل بشكل غير لائق مع هذه المخاطر.
لا مجال لفهم الأرقام: لماذا نُصرُّ على فهم الإحصائيات ونرتكب بسببها أخطاءً كان من الممكن تلافيها؟
كيف يمكنك التنبؤ بوقوع أشياء بعينها؟
إحدى الطرق الفعالة هي الحفاظ على استحضار النسبة الأساسية. يشير هذا إلى قاعدة إحصائية تعتمد عليها إحصائيات أخرى؛ على سبيل المثال، تخيّل أن شركة سيارات أجرة كبيرة لديها سيارات أجرة صفراء بنسبة 20 بالمائة وسيارات حمراء بنسبة 80 بالمائة؛ وهذا يعني أن الاحتمال الأولي لسيارات الأجرة الصفراء هو 20 في المائة ولسيارات الأجرة الحمراء 80 في المائة؛ إذا طلبت سيارة أجرة وترغب في تخمين لونها، فتذكر الاحتمالات الأساسية وستقوم بتنبؤ دقيق إلى حد ما.
لذلك يجب أن نتذكر دائمًا النسبة الأساسية عند التنبؤ بحدث ما، ولكن للأسف هذا لا يحدث كثيرًا؛ في الواقع، إهمال هذا الاحتمال أمر شائع للغاية.
أحد الأسباب التي تجعلنا نتجاهل النسبة الأساسية هو أننا نركز على ما نتوقعه، وليس على ما يترجح حدوثه. على سبيل المثال، تخيل هذه السيارات مرة أخرى: إذا كنت ترى خمس سيارات أجرة حمراء تمر، فربما ستشعر أنه من المحتمل جدًا أن تكون السيارة التالية صفراء للتغيير؛ ولكن بغض النظر عن عدد سيارات أي من اللونين، فإن احتمال أن تكون السيارة التالية حمراء سيظل 80 بالمائة؛ وإذا تذكرنا النسبة الأساسية فيجب أن ندرك ذلك. ولكن بدلاً من ذلك، نميل إلى التركيز على ما نتوقع رؤيته -وهو سيارة أجرة صفراء- وبالتالي من المحتمل أن نكون مخطئين.
إهمال النسبة الأساسية هو خطأ شائع يرتبط بالمشكلة الأوسع للتعامل مع الإحصائيات؛ إننا نكافح أيضًا لتذكر أنّ كل شيء يتراجع إلى الوسط، هذا هو الإقرار بأن جميع الحالات لها مركز متوسط، وأن جميع تلك الانحرافات عن المركز ستميل في النهاية إلى العودة إلى صورتها المتوسطة.
على سبيل المثال، إذا سجل مهاجم كرة قدم يبلغ متوسطه خمسة أهداف شهريًا عشرة أهداف في سبتمبر، فإن مدربه سيكون سعيدًا؛ ولكن إذا استمر بعد ذلك في تسجيل حوالي خمسة أهداف في الشهر لبقية العام، فمن المحتمل أن ينتقده مدربه لأنه لم يستمر في “مساره المندفع”؛ لكن المهاجم لا يستحق هذا الانتقاد، لأنه فقط تراجع إلى المتوسط!.
الماضي المشوَّه: لماذا نستحضر الأحداث من الذاكرة بدلًا من التجربة؟
لا تتذكر عقولنا التجارب بطريقة مباشرة؛ لدينا جهازان مختلفان، يطلق عليهما “ذوات الذاكرة” وكلاهما يتذكر المواقف بشكل مختلف.
أولاً، هناك التجربة الحيّة، التي تسجل ما نشعر به في الوقت الحاضر وهي ترتبط بالسؤال: “كيف تشعر الآن؟”
ثم هناك التذكر، الذي يسجل كيف تكشَّف الحدث بأكمله بعد انتهاء التجربة، وهو مرتبط بسؤال “كيف كان الأمر على العموم؟”.
تعطي التجربة الحيّة أطروحة أكثر دقة لما حدث، لأن مشاعرنا أثناء التجربة هي الأكثر دقة دائمًا؛ لكن التذكر -الأقل دقة لأنه يسجل الذكريات بعد انتهاء الموقف- يسيطر على ذاكرتنا.
هناك سببان يجعلان السيطرة للتذكر وليس للتجربة؛ أولها يسمّى “إهمال المدة”، حيث نتجاهل المدة الإجمالية للحدث لصالح ذكرى معينة منه. ثانيًا، قاعدة “نهاية الذروة”: حيث نبالغ في التأكيد على ما وقع في نهاية الحدث.
للحصول على مثال لهذه الهيمنة إليك هذه التجربة التي قاست ذكريات الناس عن منظار القولون المؤلم؛ قبل ذلك، وضع الأشخاص في مجموعتين: تعرض المرضى في المجموعة الأولى لمنظار قولوني مطول، في حين تعرضت المجموعة الأخرى لإجراءات أقصر بكثير، ولكن يزاد مستوى الألم في النهاية.
لا تعتقد أن أكثر المرضى غير السعداء هم أولئك الذين عانوا من العملية الطويلة، لأن ألمهم استمر لفترة أطول، وقد كان هذا بالتأكيد ما شعروا به في ذلك الوقت أثناء العملية، لكن عندما سُئل كل مريض عن الألم، أعطت تجربتهم الذاتية إجابة دقيقة: وهي أولئك الذين لديهم إجراءات أطول شعروا بالسوء؛ ومع ذلك ، بعد التجربة ، عندما تتولى الذكريات زمام الأمر، شعر أولئك الذين مروا بعملية أقصر مع نهاية أكثر إيلامًا بالأسوأ. يقدم لنا هذا الاستطلاع مثالًا واضحًا على إهمال المدة وقاعدة نهاية الذروة وذكرياتنا الخاطئة.
العقل على حساب المادة: كيف يمكن أن يؤثر تعديل تركيز عقولنا بشكل كبير على أفكارنا وسلوكياتنا
تستخدم عقولنا كميات مختلفة من الطاقة حسب المهمة، عندما لا تكون هناك حاجة لبذل المزيد من الانتباه وقلة الحاجة إلى الطاقة= فنحن في حالة من السهولة المعرفية. ومع ذلك، عندما يتعيّن على عقولنا حشد الانتباه، فإنّها تستخدم المزيد من الطاقة وتدخل في حالة من الإجهاد المعرفي.
هذه التغيرات في مستويات طاقة الدماغ لها تأثيرات دراماتيكية على كيفية تصرفنا.
في حالة السهولة المعرفية، يكون (النظام أ) الحدسي هو المسؤول عن عقولنا، ويضعف النظام المنطقي والأكثر طلبًا للطاقة. وهذا يعني أننا أكثر إبداعًا وسعادة، ولكن من المرجح أيضًا أن نرتكب أخطاءً.
في حالة الإجهاد المعرفي، يزداد وعينا، وبالتالي يتولي (النظام ب) المسؤولية. (النظام ب) أكثر استعدادًا للتحقق مرة أخرى من أحكامنا من (النظام أ)، لذلك على الرغم من أننا أقل إبداعًا بكثير، فإننا سنرتكب أخطاء أقل.
يمكنك التأثير بوعي على مقدار الطاقة التي يستخدمها العقل للوصول إلى الإطار العقلي الصحيح لمهام معينة. إذا كنت تريد أن تكون الرسالة مقنعة، على سبيل المثال، حاول تعزيز السهولة المعرفية.
إحدى الطرق للقيام بذلك هي تعريض أنفسنا لمعلومات متكررة، فإنّ ما تكرر تقرر؛ وذلك لأن عقولنا تطورت لتتفاعل بشكل إيجابي عندما تتعرض مرارًا وتكرارًا لنفس الرسائل الواضحة. عندما نرى شيئًا مألوفًا، ندخل في حالة من السهولة المعرفية.
من ناحية أخرى، فإن الإجهاد المعرفي يساعدنا على النجاح في أمور مثل المشاكل الإحصائية.
يمكننا الوصول إلى هذه الحالة من خلال تعريض أنفسنا للمعلومات التي يتم تقديمها إلينا بطريقة مربكة، على سبيل المثال، من خلال نوع يصعب قراءته. عقولنا ترفع وتزيد من مستويات طاقتها في محاولة لفهم المشكلة، وبالتالي من غير المرجح أن نستسلم ببساطة.
المخاطرة: يتأثر تقديرنا للمخاطر بالطريقة التي تُعرض بها الاحتمالات علينا.
إن الطريقة التي نحكم بها على الأفكار ونعالج المشكلات تتحدد بشكل كبير من خلال الطريقة التي تُعرض بها علينا لأول مرة؛ يمكن أن تؤدي التغييرات الطفيفة في تفاصيل أو كلمات أو سؤال إلى تغيير كبير في طريقة معالجتنا له.
يمكن العثور على مثال رائع على ذلك في كيفية تقييمنا للمخاطر.
قد تعتقد أنه بمجرد أن نتمكن من تحديد احتمالية حدوث خطر، سيتعامل معه الجميع بنفس الطريقة. ومع ذلك، ليس هذا هو الحال. حتّى بالنسبة للاحتمالات المحسوبة بعناية، فإنّ مجرد تغيير الطريقة التي يتم بها التعبير عن الإحصائيات يمكن أن يغير طريقة تعاملنا معها.
على سبيل المثال، إذا كان هناك حدث نادر فسيعتبره الأشخاص محتمل الحدوث إذا تمّ التعبير عنه استنادًا إلى التكرار النسبي بدلاً من الاحتمالية الإحصائية.
في ما يعرف بتجربة السيد جونز، سُئلت مجموعتان من المتخصصين في الطب النفسي عما إذا كان من الآمن إخراج السيد جونز من مستشفى الطب النفسي. قيل للمجموعة الأولى أن مرضى مثل السيد جونز لديهم “احتمال بنسبة 10 في المائة لارتكاب عمل عنف”، وقيل للمجموعة الثانية “من بين كل 100 مريض مشابه للسيد جونز، يُقدر أن 10 مرضى يرتكبون أفعال عنف” عدد من رفض خروجه من المجموعة الثانية ضعف عددهم في الأولى.
طريقة أخرى ينصرف بها انتباهنا عن ما هو ذي صلة إحصائيًا تسمى “إهمال العامل المشترك”؛ يحدث هذا عندما نتجاهل الإحصائيات البسيطة لصالح الصور الذهنية الحيّة التي تؤثر على قراراتنا.
إليك هاتين العبارتين: “هذا الدواء يحمي الأطفال من المرض X، ولكن لديه احتمالية 0.001 في المائة لإحداث تشوه دائم” مقابل “واحد من كل 100000 طفل يتناول هذا الدواء يتعرض لتشوه دائم”؛ على الرغم من أنّ كلا العبارتين متساويتان، إلا أن العبارة الأخيرة تعيد إلى الأذهان طفلًا مشوهًا وأكثر تأثيرًا بكثير، ولهذا السبب سيجعلنا أقل احتمالًا لتناول الدواء.
لسنا روبوتات: لماذا لا نقوم باختيارات مبنية على التفكير العقلاني فقط؟
كيف نقوم كأفراد باختيار الخيارات؟
لفترة طويلة، اقترحت مجموعة قوية وذات نفوذ من الاقتصاديين أنّنا نتخذ قرارات تستند فقط إلى الحُجّة العقلانية؛ وقرّروا بأننا جميعًا نقوم باختيارات وفقًا لنظرية المنفعة، والتي تنصُّ على أنه عندما يتخذ الأفراد قراراتهم، فإنهم ينظرون فقط إلى الحقائق العقلانية ويختارون الخيار الذي يحقق أفضل نتيجة عامة لهم، وهذا يعني الفائدة الأكبر.
على سبيل المثال، تفترض نظرية المنفعة هذا النوع من العبارات: إذا كنت تحب البرتقال أكثر من الكيوي، فإنك ستتجه إلى القرار الذي يجعل فرصة حصولك على البرتقال هي 10 بالمائة، بدلًا من القرار الذي يوفر نفس الاحتمال للكيوي.
يبدو واضحا، أليس كذلك؟
تركزت أكثر المجموعات الاقتصادية تأثيرًا في هذا المجال في مدرسة شيكاغو للاقتصاد وأبرز باحثيهم هو ميلتون فريدمان. باستخدام نظرية المنفعة، جادلت مدرسة شيكاغو بأن الأفراد في السوق هم صانعو قرار عقلانيون للغاية، والذين أطلق عليهم الاقتصادي ريتشارد ثالر والمحامي كاس سونشتاين في وقت لاحق Econs. بصفتهم Econs، يتصرف كل فرد بالطريقة نفسها، ويُقيّمون السلع والخدمات بناءً على احتياجاتهم العقلانية. علاوة على ذلك، يقدر الـ Econs ثروتهم بشكل منطقي، ويزنون فقط مقدار المنفعة التي تقدمها لهم.
لذا تخيّل شخصين، جون وجيني، اللذان لديهما ثروة تبلغ 5 ملايين دولار. وفقًا لنظرية المنفعة ، فإن لديهم نفس الثروة، مما يعني أنه يجب أن يكونوا سعداء بنفس القدر من الناحية المالية.
ولكن ماذا لو قمنا بتعقيد الأمور قليلاً؟ لنفترض أن ثرواتهم البالغة 5 ملايين دولار هي النتيجة النهائية لقضاء يوم في الكازينو، وكان لدى الاثنين نقاط انطلاق مختلفة تمامًا: دخل جون بمليون دولار فقط، بينما جاءت جيني بمبلغ 9 ملايين دولار تضاءلت إلى 5 ملايين دولار؛ هل ما زلت تعتقد أن جون وجيني سعداء بنفس القدر بمبلغ 5 ملايين دولار؟
من الواضح إذن: أن هناك شيء أكثر من العقلانية والمنفعة الخالصة في الطريقة التي نقدر بها الأشياء.
كما سنرى في الإضاءة التالية، نظرًا لأننا لا نرى جميعًا المنفعة بشكل منطقي كما تعتقد نظرية المنفعة، يمكننا اتخاذ قرارات غريبة وغير منطقية.
الشعور الغريزي: لماذا بدلاً من اتخاذ قرارات تستند فقط إلى اعتبارات عقلانية، غالبًا ما نتأثر بالعوامل العاطفية؟
إذا لم تنجح نظرية المنفعة، فما العمل؟
أحد البدائل هو نظرية الاحتمالات، التي طورها كاتب هذا المقال.
تتحدى نظرية كانمان المستقبلية نظرية المنفعة من خلال إظهار أنه: عندما نتخذ قرارات، فإننا لا نتصرف دائمًا بالطريقة الأكثر عقلانية.
تخيل هذين السيناريوهين على سبيل المثال: في السيناريو الأول: تحصل على 1000 دولار ثم يجب عليك الاختيار بين الحصول على 500 دولار دفعة واحدة أو أخذ فرصة 50٪ للفوز بـ 1000 دولار أخرى. في السيناريو الثاني: يتم منحك 2000 دولار ويجب عليك بعد ذلك الاختيار بين خسارة مؤكدة قدرها 500 دولار أو أخذ فرصة بنسبة 50% لخسارة 1000 دولار.
إذا اتخذنا خيارات عقلانية بحتة، فإننا سنقوم بنفس الخيار في كلتا الحالتين؛ لكن هذا ليس هو الحال. في الحالة الأولى، يختار معظم الناس أخذ الرهان المؤكد، بينما في الحالة الثانية، يتجه معظم الناس إلى المقامرة.
تساعد نظرية المؤثرات المحتملة على تفسير سبب ذلك. سأسلط الضوء على سببين على الأقل لعدم التصرف دائمًا بعقلانية. كلاهما يتميز بنفورنا من الخسارة؛ أي حقيقة أننا نخشى الخسائر أكثر مما نقدر المكاسب.
السبب الأول هو أننا نقدر الأشياء بناءً على النقاط المرجعية. فالبدء من 1000 دولار أو 2000 دولار في السيناريوهين يغير من استعدادنا للمقامرة، لأن نقطة البداية تؤثر على كيفية تقديرنا لموقفنا. النقطة المرجعية في السيناريو الأول هي 1000 دولار و 2000 دولار في الثاني، مما يعني أن ينتهي بك الأمر عند 1500 دولار وذلك يبدو وكأنه فوز في الحالة الأولى، ولكنه خسارة بغيضة في الثانية. على الرغم من أن منطقنا هنا غير عقلاني بشكل واضح، إلا أننا ننظر إلى القيمة اعتمادًا على نقطة البداية، كما نقدر القيمة الموضوعية الفعلية في ذلك الوقت.
ثانيًا، نحن متأثرون بمبدأ الحساسية المتناقصة: قد تكون القيمة التي ندركها مختلفة عن قيمتها الفعلية. على سبيل المثال، الانتقال من 1000 دولار إلى 900 دولار لا يشعر بالسوء مثل الانتقال من 200 دولار إلى 100 دولار، على الرغم من أن القيمة النقدية لكل من الخسائر متساوية. وبالمثل في مثالنا، فإن القيمة المدركة المفقودة عند الانتقال من 1500 دولار إلى 1000 دولار أكبر منها عند الانتقال من 2000 دولار إلى 1500 دولار.
صورٌ زائفة: لماذا يبني العقل صورًا كاملة لتفسير العالم، لكنها تؤدي إلى الإفراط في الثقة والأخطاء؟
من أجل فهم المواقف التي تمر بنا، تستخدم عقولنا بشكل طبيعي التماسك المعرفي؛ حيث نبني صورًا ذهنية كاملة لشرح الأفكار والمفاهيم. على سبيل المثال، لدينا العديد من الصور في دماغنا عن الطقس، فلدينا صورة لطقس الصيف، والتي قد تكون صورة لشمس مشرقة وساخنة تغمرنا في الحرارة.
بالإضافة إلى مساعدتنا على فهم الأشياء، نعتمد أيضًا على هذه الصور عند اتخاذ قرار.
عندما نتخذ قرارات، نشير إلى هذه الصور ونبني افتراضاتنا واستنتاجاتنا بناءً عليها؛ على سبيل المثال، إذا أردنا معرفة الملابس التي نرتديها في الصيف، فإننا نبني قراراتنا على صورتنا لطقس هذا الموسم.
المشكلة هي أننا نضع الكثير من الثقة في هذه الصور، حتى عندما تختلف الإحصائيات والبيانات المتاحة عن صورنا العقلية، فإننا نسير خلف الصور أيضًا. في الصيف، قد تتنبأ شبكة الطقس بطقس بارد نسبيًا، ومع ذلك ربما تخرج بملابس قصيرة وخفيفة لأنّ هذا هو ما تخبرك به صورتك العقلية للصيف. قد ينتهي بك الأمر بعد ذلك بأن ترتجف في الخارج!.
باختصار، نحن على ثقة كبيرة في صورنا العقلية الخاطئة غالبًا؛ ولكن هناك طرق للتغلب على هذا الثقة المفرطة والبدء في عمل توقعات أفضل.
تتمثل إحدى طرق تجنب الأخطاء في الاستفادة من التنبؤ الطبقي المرجعي؛ فبدلًا من إصدار أحكام بناءً على صورك العقلية العامة، استخدم أمثلة تاريخية محددة لعمل توقعات أكثر دقة. على سبيل المثال، فكر في المناسبة السابقة التي خرجت بها عندما كان يوما صيفيا باردا، ماذا ارتديت بعد ذلك؟
بالإضافة إلى ذلك، يمكنك وضع سياسة للمخاطر طويلة المدى تخطط لإجراءات محددة في حالة النجاح والفشل في التنبؤ. من خلال الإعداد والحماية، يمكنك الاعتماد على الأدلة بدلاً من الصور العقلية العامة وإجراء توقعات أكثر دقة. في حالة الطقس لدينا، قد يعني هذا إحضار سترة فقط لتكون في مأمن من الطقس البارد.
الملخص النهائي
الرسالة الأساسية لهذا الكتاب هي:
يوضح لنا التفكير السريع والبطيء أن عقولنا تحتوي على نظامين: يتصرف الأول بشكل غريزي ولا يتطلب سوى القليل من الجهد؛ والثاني هو أكثر تريثًا ويتطلب الكثير من تركيزنا. تختلف أفكارنا وأفعالنا اعتمادًا على أي النظامين يتحكم في دماغنا في ذلك الوقت.
نصيحة قابلة للتنفيذ
كرر الرسالة!
– تكون الرسائل أكثر إقناعًا عندما نتعرض لها بشكل متكرر؛ هذا على الأرجح لأننا تطورنا بطريقة جعلت التعرض المتكرر لأشياء ليس لها عواقب سيئة تعتبر جيدة بطبيعتها.
لا تتأثر بالأحداث النادرة من الناحية الإحصائية فقط لأنها تُنشر بكثرة في الصحف.
– تعد الكوارث والأحداث الأخرى جزءًا مهمًا من تاريخنا، لكننا غالبًا ما نبالغ في تقدير احتمالية وقوعها بسبب الصور الحيّة التي تقدمها لنا وسائل الإعلام.
ستصبح أكثر إبداعًا وتلقائية عندما تكون في حالة مزاجية أفضل.
– عندما تكون في حالة مزاجية أفضل، يميل جزء العقل المنَبَه والتحليلي إلى الاسترخاء؛ وهذا يسيطر على عقلك إلى نظام تفكير أكثر سهولة وسرعة، وهذا يجعلك أيضًا أكثر إبداعًا.