عام

حياةٌ بعد الحياة؟

  • نشر: onereason
  • ترجمة: محمد فاضل بلمومن
  • تحرير: فاطمة إنفيص

تخيل أن تجد نفسك مسجوناً في أرض غريبة، لعدة أسابيع. وذات يوم، يأتيك حارسان إلى زنزانتك، معهم رجل يرتدي بدلة ويحمل حقيبة بُنية، ويقفون أمام باب الزنزانة. يقوم الرجل الذي يرتدي البدلة بسحب ورقةٍ من الحقيبة. يذكر اسمك، ثم يسلم لك الورقة. وإذا بها تقول:

خلال ما يقرب من ساعة بعد قراءتك لهذه الرسالة، سوف تموت، وعندما يحين الوقت لن تستطيع الهرب من العقاب: الموت! لم يتمكن أحد من الهروب من هذه العقوبة إلا بطريقة واحدة، وهم أولئك الذين قاموا بتنفيذ مهمة واحدة بسيطة، إذا نفّذتَ هذه المهمة ستعيش. في الواقع، لن تعيش فقط، بل ستكون حياتك علىنحو لا يُتخيّلأفضل مما هي عليه الآن. لن تستغرق هذه المهمة أكثر من خمس دقائق من الساعة التي مرّت. وهذه المهمة هي أن تتصل بأمك وتخبرها بأنها الأم الوحيدة التي لديك، وأنك تقدرها وتشكرها على كل ما فعلته من أجلك، وأن تطلب منها أن تُسامحك عن كل الأمور السيئة التي فعلتها بحقها. هذا هو المطلوب منك. سوف نزودك بهاتفٍ ذكي. رقم والدتك مسجل فيه وكل ما عليك فعله هو تشغيله والعثور على الرقم والاتصال بها. لديك ساعة واحدة“.

بعد الانتهاء من القراءة، ترفع رأسك. يسلّم لك الرجل الذي يرتدي البدلة هاتفًا ذكيًا ويغادر مع الحرس. ماذا ستفعل؟

قد يبدو الأمر واضحًا، ولكن ما لم يخبرك به هو أن هذا الهاتف متصل أيضًا برسائلك النصية وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي، وعند تشغيله، تبدأ إشعارات البريد الإلكتروني والرسائل النصية ومواقع التواصل بالظهور على الشاشة، بما في ذلك مُحاميك الذي كان يراسلك حتى يتمكن من إخراجك من السجن.

بالكاد تفكر في النقر على الرسائل، وقراءتها ثم الرد عليها! الإلهاء فوريّ المفعول، مع ذلك طال. في عقلك اللاواعي، تُدرك أن لديك ساعة واحدة فقط، لكنك تقول في نفسك بأنه لديك الكثير من الوقت. بعد نصف ساعة يأتي الحارس: “هل أتممت المهمة؟”

تبدو مرتبكًا، وبالكاد تتذكر السبب الذي لأجله أعطوك هذا الهاتف في المقام الأول.

يغادر الحارس ويأتيك اتصال من مُحاميك. ترد عليه؛ إنه يعدك أن بإمكانه إخراجك، وفي نفس الوقت يخبرك بأن استثمارك المتواضع الذي انطلقت معه فيه سيجعلك تجني مبالغ ضخمة من المال.

الجميع يتحدث عن كم أنت ثري، وبالتأكيد لن يجرؤ أحد على فعل أي شيء لك، فأنت تستحق أفضل ولازال أمامك متسع من الحياة… ثم تسمع صوت خطوات أقدام.. تنظر للأعلى لتجد حُرّاسا من جديد. عددهم ستة هذه المرة، يرتدون ملابس سوداء. ويحملون سلاسل ثقيلة..

لقد انتهت الساعة!

هذا مثال للحياة في هذا العالم. فحياتك، مهما كانت طويلة، هي حقًا مثل ساعة من نهار، إنها لحظة. في هذه اللحظة لديك مهمة بسيطة: آمن بالإله الواحد، وهذا الإيمان أمر طبيعي وعقلاني وواضح. في أعماقك أنت تعرف بالفعل أن هناك موجوداً عظيمًا وحكيمًا وقويًا خلقك وخلق هذا الكون، وأنه يهيمن على كل شيء. اعترف بربوبيته واطلب مغفرته.

اُشكره، اشكره وحده، اُعبده وحده ولا تجعله له ندا ولا شريكا؛ لن يستغرق الأمر وقتًا طويلاً من حياتك للقيام بذلك، إنه مثل خمس دقائق من تلك الساعة التي هي حياتك. إذا فعلت هذا ستحظى بنعيم أبدي: الجنة. دار السلام التام والسعادة الكاملة والفرح الذي لا ينقطع، حيث كل شيء يمكن أن تشتهيه وتأمله وأكثر، فيها ما لا عين رأت ولا خطر على قلبك.

لن تهرم أبدًا، أوتتعب، أو تشعر بالملل، أو الجوع، أو العطش، أو الحرارة الزائدة، أو البرودة الشديدة. كل لحظة في هذا المكان ستكون أفضل من اللحظة التي سبقتها.

… ولكن حياتك في هذا العالم تُشتت انتباهك وتعميك عن الحقيقة!

إنها تلهيك حتى وصول تلك اللحظة التي ينتهي فيها وقتك، ومع حلول ذلك الوقت يكون الأوان قد فات! بالتأكيد، عندما تكون في قبرك، ستعرف يقينا أن هذه الحياة قد غرتك وألهتك، ستعرف أن هذه الحياة كانت مجرد اختبار، اختبار بسيط وسهل وطبيعي بشكل لا يصدق.

أن تشهد بأن هناك مصدرًا حقيقيًا واحدًا للنجاح والسعادة؛ الخالق، الذي ليس له ند ولا سمي. أن تطلب من خالقك الصفح عن أخطائك، وأن تشكره بأن تعيش حياتك وفقًا للهدى الذي أنزل.

… ولكن حياتك في هذا العالم تُشتت انتباهك وتعميك عن الحقيقة!

الموت هو الحقيقة التي ستواجهنا جميعاً؛ إنه أمر قاطع ويقيني؛ ولا مفر منه.

الغني والفقير، الصحيح والمريض، الصغير والكبير، الرجل والمرأة، الأبيض والأسود، من الشرق أو من الغرب= كلٌ سيلاقي الموت. لذا، ما الذي أعددته للحياة القادمة؟ ماذا فعلت لإنقاذ نفسك من مخاطرها؟

هل تتخيل حقًا أنك ستُترك سدى، ولن تسأل عن كل ما قمت به وعن كل ما فشلت في القيام به؟ لا، بالتأكيد ستسأل، عن كل مثقال ذرة خير وشر، سترى كل ذلك في يوم لا ريب فيه.

هذا يوم القضاء، يوم الحساب، يوم القيامة. كل المظالم تُرَد، ويظهر الحق الأبلج، وبعد ذلك تطلع على صحيفة أعمالك، ومن ثقلت موازينه فهو في روضات الجنات.

ومن خفت موازينه، فلهم عذاب السعير، عذاب أبدي، لا يموتون ولا يحيون، معاناة ستزداد إلى الأبد. ويأتيهم الموت من كل مكان، وما هم بميتين.

﴿اعلَموا أَنَّمَا الحَياةُ الدُّنيا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَينَكُم وَتَكاثُرٌ فِي الأَموالِ وَالأَولادِ كَمَثَلِ غَيثٍ أَعجَبَ الكُفّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهيجُ فَتَراهُ مُصفَرًّا ثُمَّ يَكونُ حُطامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذابٌ شَديدٌ وَمَغفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضوانٌ وَمَا الحَياةُ الدُّنيا إِلّا مَتاعُ الغُرورِ﴾ [الحديد: ٢٠]

فكّر..

أين تريد أن تقضي أبديّتك؟

يوم القيامة حق..

الجحيم حق..

الجنة حق..

هذه هي الحقيقة المؤكدة … ولكن حياتك في هذا العالم تُشتت انتباهك وتعميك عن الحقيقة!

المصدر
iera

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى