فكر وثقافة

نظرية كولبيرج للنمو الأخلاقي

  •  كندرا شيري
  • ترجمة: ثامر العيلي

كيف تنمو وتتطور المنظومة الأخلاقية لدى الناس؟

لطالما حيّر هذا السؤال الآباء والأمهات وعلماء الدين والفلاسفة لعصورٍ طويلة؛ ولكن النمو الأخلاقي أصبح موضوعًا جدليًا في علم النفس والتعليم. هل يلعب الأهل والتأثير المجتمعي دورًا في نمو الأخلاق؟ هل تنمو الأخلاق لدى جميع الأطفال بالطريقة نفسها؟

طرح عالم النفس لورينس كولبيرج أحد أفضل النظريات المعروفة والتي تسبر أغوار بعض هذه الأسئلة الجذرية. وقد استلهم نظريته وطوّرها بناءً على أعمال جين بياجيه السابقة ليشكّل بذلك نظريةً تعلّل كيفية نمو وتطور التفكير الأخلاقي لدى الأطفال.

وصف بياجيه مرحلتين بخصوص عملية النمو الأخلاقي؛ بينما بيّنت نظرية كولبيرج للنمو الأخلاقي ستّ مراحل على ثلاثة مستويات مختلفة.

لقد أكمل كولبيرج نظرية بياجيه، مقترحًا أن النمو الأخلاقي عمليةٌ مستمرة تحدث طوال العُمر.

وفي السنوات الأخيرة، انتُقِدت نظرية كولبيرج ووُصِفت بأنها ذات مركزية غربية مع نزعةٍ وميول تجاه الرجال (لأنه درس الأخلاق لدى الذكور فقط) وذات نظرة محدودة الأفق مبنية على قيم ومبادئ ووجهات نظر الطبقة فوق المتوسطة.

معضلة هاينز: مقاربة كولبيرج لدراسة التفكير الأخلاقي

بنى كولبيرج نظريته على سلسلة من المُعضِلات الأخلاقية؛ حيث قُدِّمت للمشاركين في الدراسة وأُجريت لهم المقابلات بعد ذلك لتحديد المنطق والبرهان القابع خلف أحكامهم على كل موقف.

أحد الأمثلة كان: “هاينز يسرق الدواء” في هذا الموقف، يعتقد الأطباء أن هناك دواء وحيد لعلاج امرأة مصابة بالسرطان. وقد اكتشف هذا الدواء صيدلي محليّ واستطاع صناعة الجرعة الواحدة بمبلغ ٢٠٠ دولار، ولكنه طلب ٢٠٠٠ دولار مقابلها.

بينما يستطيع السيد هاينز -زوج المريضة- أن يدفع مبلغ ١٠٠٠ دولار فقط، حيث حاول التفاوض على سعر الدواء أو حتى الدفع بالتقسيط ولكن البائع رفض. عندها، اقتحم هاينز الصيدلية وسرق الدواء لإنقاذ زوجته.

سأل كولبيرج: “هل كان ينبغي للزوج أن يفعل ذلك؟”

لم يكن كولبريج مهتمًا بالإجابة عمّا إذا كان هاينز مخطئًا أو مصيبًا، ولكنه كان مهتمًا بالمنطق خلف كل قرارٍ انحاز إليه المشاركون بالدراسة. صُنّفت الردود بعد ذلك إلى مراحل مختلفة في نظريته للنمو الأخلاقي.

المرحلة الأولى: الأخلاق ما قبل التقليدية

في المرحلة الأولى من النمو الأخلاقي نجد أن اتّباع القانون والعقوبة مفهومان شائعان لدى الأطفال، بالإضافة إلى أن البالغين لديهم المقدرة على التفكير بنفس الطريقة أيضًا. في هذه المرحلة، يقول كولبيرج أن الأطفال يرون القوانين كيانًا ثابتًا وقطعيًا؛ اتّباع القوانين مهم لأنها وسيلة لتجنّب العقوبة.

في مرحلة الفردية والتبادل من نظرية النمو الأخلاقي، يعلّل الأطفال وجهات النظر الفردية ويحكمون على الأفعال والتصرفات بناءً على كيفية خدمتها للاحتياجات الشخصية.

في معضلة هاينز، حاول الأطفال أن يبرهنوا على أفضلية اتّخاذ التصرف الذي يخدم مصالح واحتياجات السيد هاينز. بينما كانت التبادلية خيارًا مطروحًا في هذه المرحلة من النمو الأخلاقي ولكن بشرط أن تخدم المصالح الشخصية للفرد.

المرحلة الثانية: الأخلاق التقليدية

عادةً ما يشار إليها بتوجّه “الفتى الجيد، الفتاة الجيدة” في هذه المرحلة يكون التركيز على العيش وفقًا للأدوار والتوقّعات الإجتماعية. هناك تشديد على الامتثال وحُسن المعاملة بالإضافة إلى اعتبار كيفية تأثير الاختيارات على العلاقات.

تهتمّ هذه المرحلة من النمو الأخلاقي بالحفاظ على النظام الإجتماعي. كما يبدأ الناس عند إطلاق أحكامهم باعتبار المجتمع ككُل. فالحفاظ على القانون والنظام، والالتزام بالعمل، واحترام السلطة من أهم خصائص هذه المرحلة.

المرحلة الثالثة: ما بعد التقليدية

خلال هذه المرحلة؛ تسبّبت أفكار العقد الاجتماعي والحقوق الشخصية في جعل الناس يعلّلون اختلاف القيم، والآراء، والاعتقادات لدى الآخرين. فالقوانين مهمّة، ولكن ينبغي لأفراد المجتمع أن يتفقوا على هذه المبادئ.

أما المرحلة الأخيرة من نظرية كولبريج للتفكير الأخلاقي فهي مبنية على مبادئ أخلاقية عالمية وتفكير مجرّد.

في هذه المرحلة، يتّبع الناس مبادئ العدالة التي وُضعت بداخلهم حتى لو كانت تصادم الشرائع والقوانين.

الانتقادات

تهتمّ النظرية بالتفكير الأخلاقي، ولكن هناك فرق كبير بين النظرية والتطبيق. لذلك، نجد أن التفكير الأخلاقي قد لا يؤدي بالضرورة إلى تصرّف أخلاقي. وهذا أحد الانتقادات التي وُجّهت ضدّها.

أشار النقاد إلى أن النظرية تبالغ في التأكيد على مبدأ العدالة عند اتّخاذ القرارات الأخلاقية؛ وتلعب عوامل الاهتمام والمودة وبعض المشاعر الوجدانية الأخرى دورًا مهمّا في عملية التفكير الأخلاقي.

هل تبالغ النظرية في التأكيد على الفلسفة الغربية؟ فالثقافات الفردية تؤكد على الحقوق الشخصية بينما الثقافات الجمعية تشدّد على أهمية المجتمع.

قد يكون للثقافات الشرقية الجمعية آفاقًا أخلاقية مختلفة لم يتطرق لها كولبيرج.

  هل كانت معضلة كولبيرج قابلة للتطبيق؟

معظم من تطوّع لخوض الدراسة كانوا أطفالًا ممن هم أقل من ١٦ سنة؛ ومن الواضح أنهم لا يملكون أدنى خبرة عن الزواج.

ربما كانت معضلة هاينز مفهومًا غير متّضح الملامح لهؤلاء الفتيان؛ كما أن موقفًا أكثر ارتباطًا بحياتهم قد يؤدي لنتائج مختلفة.

أشار بعض منتقدي كولبيرج ومن ضمنهم النسوية كارول جيليجان إلى أن النظرية ذكورية لأن الدراسة أُجريت على الذكور فقط. بينما يعتقد كولبيرج أن النساء يميلون إلى البقاء في حدود المستوى الثالث من نظريته لأنهن يشدّدن على أهمية العلاقات الاجتماعية وسلامة الآخرين.

وقد أشارت إلى جيليجان أن النظرية تبالغ في التأكيد على مبادئ كالعدالة ولكنها لا تعالج قضايا التفكير الأخلاقي المبني على أُسس وأخلاقيات الاهتمام بالآخرين.

اقرأ ايضاً: نظرية بياجيه في التطور المعرفي

المصدر
verywellmind

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى