الدين

الأثر التيمي في التصحيح العقدي عند الحنابلة

  • أحمد الغريب
  • تحرير: البراء بن محمد


هل كان لابن تيمية أثر في تغيير معالم الخريطة الحنبلية العقدية التي اعتمدتها المدرسة الفرائية؟

وهل امتد هذا الأثر ليشمل مسائل جوهرية كمسألة قيام الأفعال الاختيارية بذات الرب، والتي تُعرف في البحث الكلامي بمسألة (حلول الحوادث)؟

وهل صحح الأصحاب واعتمدوا ما نسبه شيخ الإسلام إلى الإمام أحمد فيما قرره من عقائد؟

هذه أسئلة أرجو أن أوفق للجواب عنها في هذا المقال الذي يمسُّ وترًا حساسًا في البحث العقدي الجاد عند الحنابلة، ولئلا ينتشر البحث، وليكونَ الطرح مركزًا فإننا سنمثل بمسألة تعلق الكلام الإلهي بالمشيئة والاختيار، ومعلوم أن من أثبت أن الله يتكلم بمشيئته واختياره على النحو الذي سنقرره في مقالنا هذا فهو مثبت لا محالة لقيام الأفعال الاختيارية بذات الرب، وإن وجد في كلام بعض الذين سنذكرهم ما يخالف نصه أو ظاهره تقريراتهم في صفة الكلام فإن هذا لا يؤثر في بحثنا والذي هو : (الأثر التيمي في تقريراتهم).. والتناقض والاختلاف في كلام المتأخرين كثير لمن أعطى النظر حقه ودقق.

 

ما قول ابن تيمية في صفة الكلام؟

يقرر ابن تيمية أن الله  يتكلم بحرف وصوت، وأن كلامه هو الحروف والمعاني، وأنه يتكلم بمشيئته واختياره، فلم يزل يتكلم متى شاء، وهذا التقرير من أشهر تقريرات ابن تيمية التي أسس لها في كتبه الكبار والصغار.

ولن أبدأ بمشاهير تلاميذ شيخ الإسلام الذين يتبنون أقواله العقدية، فمقالاتهم معروفة مشهورة، وإن كنت سترى في هذا المقال نصوصًا مهمة من كلامهم يستدعيها المقام، وقد حرصت على أن تكون النقول مستوعبة للقرون الخمسة التي أعقبت وفاة شيخ الإسلام- رحمه الله-  كما أن الاختيار لم يقع على شخصيات هامشية في المذهب في أكثر من نقلنا كلامه، بل كان لعلماء لهم ثقلهم الفقهي والأصولي في مذهب الحنابلة.

وأول من نتوقف عنده هنا هو الشيخ أبو المظفر يوسف السرمري[1]، وهو تلميذ الشيخ عبد المؤمن بن عبد الحق الحنبلي[2] صاحب قواعد الأصول ومعاقد الفصول وتلميذ ابن تيمية.

 وله قصيدة الحمية الإسلامية في الانتصار لمذهب ابن تيمية؛ رد فيها على تقي الدين السبكي في تشنيعه على ابن تيمية والتي يقول السرمري في أولها:

الحمد لله حمدًا أستعين به*** في كل أمر أعاني في تطلبه

لاسيما في انتصافٍ من أخي إحنٍ** طغى علينا وأبدى من تعصبه.

وفي القصيدة المردود عليها قول السبكي عن ابن تيمية:

يرى حوادث لا مبدا لأولها** في الله سبحانه عما يظن به.

رد السرمري على السبكي في ذلك بعدة أبيات منها مخاطبًا إياه:

إن قلتَ كان ولا علم لديه ولا** كلامَ لا قدرةٌ أصلًا كفرت بهِ

إلى أن قال:

(أو قلتَ فعلُ اختيار منه ممتنع** ضاهيت قول امرئ مغوٍ بأنصبهِ

ولم يزل بصفات الفعل متصفًا** وبالكلام بعيدًا في تقربهِ

سبحانه لم يزل ما شاء يفعله** في كل ما زمنٍ ما من معقبهِ

نوع الكلام كذا نوع الفعالِ قدي** مُ لا المعيّن منه في ترتبه[3])

ومحل الشاهد هو ما ذكره قدم نوع الكلام، لا قدم الكلام المعين وهو ما يقرره شيخ الإسلام ابن تيمية.

 

ثم ننتقل إلى الحافظ ابن رجب الحنبلي، قال ابن رجب: (ومن جملة صفات الله التي نؤمن بها، وتمر كما جاءت عندهم: قوله تعالى: }وَجَاءَ رَبُّكَ والْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ}، ونحو ذلك مما دل على إتيانه ومجيئه يوم القيامة. وقد نص على ذلك أحمد وإسحاق وغيرهما. وعندهما: أن ذلك من أفعال الله الاختيارية التي يفعلها بمشيئته واختياره)[4]. وهذا النص واضح جلي في إثبات ابن رجب قيام الأفعال والصفات الاختيارية بذات الرب، وأنه يقرر أن إثبات ذلك هو قول الإمام أحمد وإسحاق كما أنه قول غيرهما من أئمة الدين.

وكذلك عند شرح حديث: ” زيد بن خالد الجهني، أنه قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليلة، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على الناس، فقال: «هل تدرون ماذا قال ربكم؟»…الحديث. حيث يورد الحافظ ابن رجب بعض روايات الحديث فيقول: (وقوله: ” هل تدرون ماذا قال ربكم؟ ” – وفي بعض الروايات:” الليلة “، وهي تدل على أن الله تعالى يتكلم بمشيئته واختياره. كما قال الإمام أحمد: لم يزل الله متكلما إذا شاء)[5]. فقد أثبت هنا أن كلام الله متعلق بمشيئته واختياره، واستدل على ذلك بقول للإمام أحمد في كتاب الرد على الجهمية، وهو وإن لم يصرح باسم الكتاب إلا أن ذلك ظاهر معلوم[6].

أما حديث زيد بن خالد الجهني الذي فيه: (أتدرون ماذا قال ربكم الليلة؟).. فهو حاضر في الاستدلال التيمي على مسألة قيام الصفات والأفعال الاختيارية بذات الرب تعالى، تجد هذا في مجموع الفتاوى[7]، وشرح العقيدة الأصفهانية[8]، ومنهاج السنة النبوية[9]، وغيرها.كما أنك تجده عند المحقق ابن القيم شيخ الحافظ ابن رجب كما في مختصر الصواعق[10].

وهذا القدر كافٍ في إثبات الأثر التيمي في تقريرات الحافظ ابن رجب في هذه القضية. لكن قبل أن يغادرنا ابن رجب في هذا المقال؛ تحسن الإشارة إلى تقرير مهم ذكره في ذيل طبقات الحنابلة، أثناء ترجمته للحافظ عبد الغني المقدسي، ومناظرة الأشعرية له وأخذهم عليه كلمات للتشنيع على عقيدته. حيث كان من ضمن المآخذ عليه أن إثبات النزول يلزم منه إثبات الانتقال، فأجاب الحافظ ابن رجب في مناقشته لكلام المعترضين بجوابين:

(أحدهما: لا نسلم لزومه، فإن نزوله ليس كنزول المخلوقين، ولهذا نقل عن جماعة من الأئمة: أنه ينزل، ولا يخلو منه العرش.

الثاني: أن هذا مبني على إثبات الأفعال الاختيارية وقيامها بالذات. وفيها قولان لأهل الحديث المتأخرين من أصحابنا)[11]. والإضافة المهمة هنا هي أن القول بإثبات الأفعال الاختيارية هو أحد قولي أهل الحديث من الحنابلة وغيرهم، وقد عرفت أن هذا هو الذي اختاره الحافظ ابن رجب ونسبه إلى الإمام أحمد وإسحاق وغيرهم من أئمة الدين[12].

ومن اللطيف أن أردف ذكر ابن رجب بالشيخِ جمال الدين الإمام الحنبلي، جد يوسف بن عبد الهادي (ابن المبرد)، وقد كانت بين ابن رجب وجمال الدين الإمام خلافات شديدة في مسألة طلاق الثلاث نقل بعض أحداثها ابن المبرد في كتابه سير الحاث إلى علم الطلاق الثلاث، وقد كان ابن رجب يشدد في المنع من الفتوى بقول شيخ الإسلام ابن تيمية فيها، وكان الشيخ جمال الدين الإمام يبالغ في الانتصار لها، وبرغم هذا الخلاف الشديد إلا أنهم اتفقوا على القول بإثبات الأفعال الاختيارية، ونصُ الشيخ جمال الدين الإمام حفظه لنا ابن المبرد في كتابه سير الحاث حيث قال ناقلًا عن جده الشيخ جمال الدين: (جعلت على نفسي جعالة شرعية ألف درهم… ولذلك جعلت على نفسي في مسألة الحلف بالطلاق بأداة الشرط والجزاء، وغيرها مما وهم فيه الغالطون على شيخ الإسلام ابن تيمية مثل مسألة الوقف المترتب على الذرية…، ومسألة الزيارة، ومسألة الحوادث… وهذا القدر المجعول هو قدري بالنسبة إلى حالي، لا قدر هذه الدلائل، ولا قدر من يعرفها ويعلمها؛ فإن الدنيا لا تقوم عندي لذلك؛ لما أجده في قلبي من الهم والحزن من تعطل هذه المسائل عن العمل فيها بمقتضى دلائل الشرع ظاهراً)[13].

والشاهد من هذا النقل هو ذكره لمسألة الحوادث الدالة على مرادنا وأنه يجعل لمن يقيم البرهان على خلاف قول الشيخ فيها جعالة شرعية، وأن هذه المسائل هي مقتضى دلائل الشرع والسنة.

 

ثم ننتقل إلى الإمام ابن اللحام الأصولي الحنبلي فنجده قد نقل نص الإمام أحمد فقال: (قال إمامنا: لم يزل الله  متكلمًا إذا شاء). ويشرح العلامة الجراعي هذا النص فيقول: (أهل العلم من أهل السنة والآثار على أن الله تعالى لم يزل متكلمًا إذا شاء بكلام مسموع مفهوم، لأن الكلام من صفات الحي القادر، وضده من النقائص، والله تعالى منزه عنها)[14]. وهنا يعلق الجراعي الكلام على المشيئة وينص على أنه كلام مسموع مفهوم، لا مجرد إفهام للكلام النفسي ولا إسماع للكلام القديم، وهو نص جامع بديع مع اختصاره.

وإذا انتقلنا إلى الإمام المرداوي فإننا نجد أنه حرر في كتابه التحبير ما يقرب من مائة صفحة في المطبوع للحديث عن صفة الكلام لله تعالى، وذكر في آخر هذا المبحث قوله: (وإنما أطلت الكلام في هذه المسألة ونقلت كلام العلماء المعتبرين فيها ليُعلم… إذ غالب الناس في هذه الأزمنة يقولون: من قال إن الله يتكلم بصوت يكون كافرًا، فهذا الإمام أحمد-رحمه الله ورضي عنه- قد صرح في غير رواية أن الله يتكلم بصوت بقدرته ومشيئته إذا شاء وكيف شاء، وهجر من قال: إنه لا يتكلم بصوت وبدعه) الخ.

هل نقل المرداوي عن ابن تيمية في هذا المبحث الذي له تعلق (بحلول الحوادث/الصفات الاختيارية) و(قدم النوع وحدوث الآحاد)؟

الجواب نعم، فقد نقل قول ابن تيمية: (ومن هؤلاء من عرف أن الله تكلم بالقرآن العربي… وأنه نادى موسى بصوت وينادي عباده بصوت وأن القرآن كلام الله حروفه ومعانيه، لكن اعتقدوا مع ذلك أنه قديم وأن الله يتكلم بمشيئته وقدرته فالتزموا أنه حروف وأصوات قديمة الأعيان لم تزل ولا تزال وقالوا إن الباء لم تسبق السين، وإن السين لم تسبق الميم، وأن جميع الحروف مقترنة بعضها ببعض اقترانًا قديمًا أزليًا لم يزل ولا يزال، وقالوا هي مترتبة في حقيقتها وماهيتها غير مترتبة في وجودها، وقال كثير منهم: إنها مع ذلك شيء واحد، إلى غير ذلك من اللوازم [التي يقول جمهور العقلاء إنها معلومة الفساد بضرورة العقل]..ومن هؤلاء من يقول هو قديم ولا يفهم معنى القديم)[15]. ثم نقل المرداوي عن ابن تيمية القول الثاني الذي هو أن الله يتكلم بمشيئته وقدرته مع أنه غير مخلوق وهذا قول جماهير أهل السنة والنظر وأئمة أهل السنة والحديث.

ثم نقل المرداوي نقلًا مهمًا حاضرًا-كله أو بعضه- في المدونة الحنبلية الأصولية والعقدية، وهذا النقل هو قول ابن تيمية: (وأما السلف والأئمة فقالوا: إن الله يتكلم بمشيئته وقدرته وإن كان مع ذلك [قديم النوع]، بمعنى أنه لم يزل متكلمًا إذا شاء فإن الكلام صفة كمال، ومن يتكلم أكمل ممن لا يتكلم، ومن يتكلم بمشيئته وقدرته، أكمل ممن لا يكون متكلما بمشيئته وقدرته، ومن لا يزال متكلما بمشيئته وقدرته، أكمل ممن يكون ممكنا له بعد أن يكون ممتنعا منه، أو قدر أن ذلك ممكن، فيكف إذا كان ممتنعا، لامتناع أن يصير الرب قادرا بعد أن لم يكن، وأن يكون التكلم والفعل ممكنا بعد أن كان غير ممكن))[16].

ثم ينقل المرداوي عن ابن تيمية أقوال الناس في صفة الكلام، فيذكر ثمانية أقوال ثم ينقل عنه القول التاسع وهو: (أن يقال: لم يزل الله متكلمًا إذا شاء ومتى شاء، وكيف شاء، بكلام يقوم به، وهو يتكلم بصوت يُسمع، [وأن نوع الكلام قديم، وإن لم يكن الصوت المعين قديمًا]، وهذا القول هو المأثور عن أئمة الحديث والسنة)، ثم يقول المرداوي: (انتهى ملخصًا)[17].

ثم يقول المرداوي تعليقًا على هذا القول: ( ومن أعظم القائلين بهذا القول الأخير: الإمام أحمد فإنه قال: (لم يزل الله متكلمًا كيف شاء بلا تكييف)، وفي لفظ: [إذا شاء])[18]. فإن قال قائل: إنما قصد المرداوي من إيراده لكلام ابن تيمية أن يثبت الحرف والصوت في الجملة، فالجواب عن هذا الإيراد الضعيف أن يقال: عندما نقل المرداوي عن ابن تيمية تسعة أقوال واختار القول التاسع وذكر أنه كلام السلف وعلى رأسهم الإمام أحمد= فإنه ذكر القول الرابع الذي فيه: (أنه حروف وأصوات [أزلية مجتمعة في الأزل]، وهو قول طائفة من أهل الكلام والحديث وذكره الأشعري عن طائفة وهو الذي ذكره عن السالمية ونحوهم).

فلو كان مراد المرادوي من حكايته لهذه الأقوال هو مجرد انتزاع إثبات الحرف والصوت من نقل كلام ابن تيمية  فلماذا لم يختر هذا القول الرابع الذي يثبت فيه قدم الحرف والصوت، وهو القول الذي اختاره من اختاره من الحنابلة كالقاضي ومن تابعه ممن وافقوا ابن كلّاب على أصله في نفي الصفات الاختيارية وهو -بحسب نقل ابن تيمية- قول طائفة من أهل الكلام والحديث؟

ولماذا اختار ونسب إلى الأئمة القول التاسع الذي سبق فيه تقرير تعلق الكلام بالمشيئة وقدم النوع وحدوث الآحاد؟

وبهذا يُعلم أن المرداوي قد قصد اختيار هذا القول لا مجرد إثبات الحرف والصوت، ولولا أن بعضهم قد أورد هذا الإيراد لما تعرضنا للجواب عنه لوضوح كلام المرداوي-رحمه الله-، ولكن هذا تأكيد وتنبيه على الواضحات.

ثم نقل المرداوي قول القاضي وتأويله البعيد لكلام الإمام أحمد في تعليق الكلام بالمشيئة، قال القاضي: (إذا شاء أن يسمعنا)[19]. ثم نقل قول الإمام أحمد: ( لم يزل الله تعالى يأمر بما شاء ويحكم). ثم يعود فينقل عن ابن تيمية مرة أخرى كالمستدرك على القاضي أبي يعلى فيقول-أعني المرداوي-: ( وقال الشيخ تقي الدين أيضًا: [لم يكن في كلام الإمام أحمد ولا الأئمة أن الصوت الذي تكلم به قديم]، بل يقولون: لم يزل الله متكلمًا إذا شاء بما شاء، كما يقوله الإمام أحمد وابن المبارك وغيرهما)[20]. ثم ينقل عنه نقلًا بعد نقل بعد نقل في التأصيل والبرهان والرد وحكاية أقوال الفرق.

والخلاصة: أنك ترى أن المرداوي قد استدل بكلام ابن تيمية في مسألة تعلق الكلام بالمشيئة، وأن الذي يقول بقدم الحرف المعيّن أو أن الحروف مقترنة لا تسبق الباء السين ولا السين الميم فقوله مخالف لجمهور العقلاء ولضرورة العقل. ثم ينقل المرداوي عنه قدم نوع الكلام وأن الصوت المعين ليس قديمًا (قديم النوع حادث الآحاد)، ثم يذكر أن أعظم القائلين بهذا القول التاسع هو الإمام أحمد-رحمه الله-، وينقل عن الإمام أحمد ما يوافق كلام ابن تيمية، ثم ينقل تأويلًا بعيدًا للقاضي أبي يعلى، بديهي أنه لا يقول به ولا يعتقده، لأنه مخالف للتقرير التيمي المبني على كلام الإمام أحمد والذي ارتضاه المرداوي، ثم ينقل المرداوي عن ابن تيمية ما يفهم منه تعقبه للقاضي أبي يعلى إذا قرأنا هذا في السياق الكامل لصنيع المرداوي في نقله واستشهاده بابن تيمية.

وقبل أن ننتقل عن الإمام المرداوي فإنه يحسن بنا أن نشير إلى أنه  قد نقل عن الحافظ ابن حجر-رحمه الله- نصًا مهمًا قال فيه الحافظ في تعداده لأقوال الناس في مسألة الكلام: (الخامس: أن كلام الله غير مخلوق، وأنه لم يزل متكلمًا إذا شاء، نص على ذلك أحمد في كتاب الرد على الجهمية، وافترق أصحابه فرقتين: منهم من قال هو لازم لذاته والحروف والأصوات مقترنة لا متعاقبة، ويسمع كلامه من شاء. وأكثرهم قال: إنه يتكلم بما شاء متى شاء، وإنه نادى موسى حين كلمه ولم يكن ناداه من قبل)[21].

وواضح من كلام الحافظ المتوفى في النصف الثاني من القرن التاسع أن قول أكثر أصحاب الإمام أحمد هو القول الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، واختاره المرداوي، وأن القول الآخر الذي هو قول القاضي وأتباعه في مقابل قول الأكثر، وسواء كان ابن حجر يقصد أصحاب الإمام أحمد بعموم في مختلف طبقاتهم، أو يقصد طبقة المتأخرين الذين عاصرهم فإنه يحصل المقصود من الاستشهاد به هنا على إثبات قيام الصفات الاختيارية بذات الرب تعالى.

 

ثم ننتقل إلى ابن المبرد الحنبلي-رحمه الله-، وقد نقل عن القاضيين الكبير والصغير تأويلهم لكلام الإمام أحمد: (لم يزل متكلمًا إذا شاء)[22].. بأنه مشيئة الإسماع، ثم قال ابن المبرد: (وعندي أن الأمر على غير ما ذكره القاضي، وأن الأمر في ذلك على شيئين: الأول: القرآن كلام الله قديم، وهذا ليس له مدخل في كلام أحمد. الثاني: أن كلام الله عز وجل بالقرآن، وتعبير القرآن قديم، وأن الله عز وجل لم يزل متكلمًا، ولا نقول الكلام صفة حدثت له= فهو لم يزل متكلمًا من حيث الجملة من غير نظر إلى شيء.

وقول أحمد: متى شاء.. يعني: متى شاء أن يتكلم بشيء تكلم به، مع أن كلامه الذي هو ضد ما لم يتكلم قديم، وأنه إذا شاء تكلم، وإذا شاء لم يتكلم، وأن كلامه ليس بمتصل منه في سائر الأوقات، بل إذا شاء الكلام تكلم، مع أن وصفه بأنه متكلم قديم، وأنه إذا شاء تكلم بشيء، وإذا شاء تكلم بغيره، وأما ما قالوه؛ يلزم منه أنه متكلم في كل وقت من الأوقات، وأن كلامه متصل مستمر على سائر الأوقات، وهذا يرده النقل والعقل.

وأيضًا فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا تكلم الله بالوحي؛ سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفوان)، هذا يدل على أن له أوقاتًا لا يتكلم فيها، وأنه لا يتكلم إلا إذا شاء، مع أن وصفه بأنه متكلم قديم، وقولهم يلزم منه إذا تكلم بكلمة لا يزال يقولها، وليس الأمر كذلك، بل يتكلم بشيء ينتهي ويأتي غيره)[23].

ثم قال ابن المبرد: ( قال الشيخ عبد القادر: قال أحمد: كلام الله متواصل لا سكت فيه ولا صمت[24]، وقيل لأحمد: هل يجوز أن يقول: إن الله متكلم ويجوز عليه السكوت؟ فقال: نقول في الجملة إن الله عز وجل لم يزل متكلمًا، ولو ورد الخبر بأنه سكت قلنا به، ولكنا نقول: متكلم كيف شاء، بلا كيف ولا تشبيه)[25]. ثم قال ابن المبرد: (وظاهر الثانية كما قلت، وأن أحمد لا يمنع من ذلك إذا ورد الخبر. قلت: وظاهر الأخبار على أنه يسكت في بعض الأحوال)[26].

وقد مشى ابن المبرد في هذا النص على أن للإمام أحمد روايتين، وظن أن كلام ابن خزيمة الأول هو من كلام أحمد فهو الرواية الأولى، وما بعده هو الرواية الثانية، التي بنى عليها قوله، في أن الله إذا شاء تكلم وإذا شاء لم يتكلم، وإنما امتنع الإمام أحمد عن القول بالسكوت لعدم ورود الخبر عنده في ذلك، وهذا يدل على أن الإمام لا إشكال عنده في إطلاقه لو ورد الخبر به، وأنه لا يترتب على إثباته محال ولا نقص في حق الله تعالى. ثم يذكر ابن المبرد أن ظاهر الأخبار دال على أن الله تعالى يسكت في بعض الأحوال.

وقبل أن ننتقل عن ابن المبرد فإن مما له علاقة ببحثنا هنا أنه ذكر صفة النزول ونقل عن ابن حامد أنه نزول انتقال، ثم قال: (وهذا القول عليه عامة المتأخرين)[27].

ثم ننتقل إلى الشيخ عبد الباقي صاحب العين والأثر، فقد عقد المقصد الثالث في كتابه لمسألة الكلام الإلهي، وذكر ما نقل عن الإمام أحمد. فذكر مختصر الاعتقاد في الكلام ثم قال: (فلم يزل الله متكلمًا كيف شاء، إذا شاء، بلا كيف يأمر بما يشاء ويحكم، وهذا مذهب الإمام أحمد وأصحابه، ومذهب المحدثين بلا شك، محمد بن إسماعيل البخاري، وجمهور العلماء، قاله ابن مفلح في أصوله، وابن قاضي الجبل)[28].

ثم شرع في شرح كل جملة مما ذكرها في مختصر الاعتقاد في الكلام، حتى قال: (في وقولنا: ولم يزل الله متكلمًا كيف شاء، إذا شاء، بلا كيف، يأمر بما يشاء ويحكم= فقد قال الأئمة: إن الله سبحانه وتعالى يتكلم بمشيئته وقدرته، بمعنى أنه لم يزل متكلمًا إذا شاء، فإن الكلام صفة كمال، ومن يتكلم أكمل ممن لم يتكلم، ومن يتكلم بمشيئته وقدرته، أكمل ممن يكون الكلام ممكنًا له)[29].

ثم نقل مقالات أخرى في الكلام الإلهي ومن ضمن ما نقله من هذه المقالات الفاسدة: (ومنهم من قال: إنه حروف وأصوات قديمة الأعيان، لم تزل ولا تزال، وأن الباء لم تسبق السين، والسين لم تسبق الميم، وأن الحروف مقرونة ببعضها اقترانًا قديمًا أزليًا، لم يزل ولا يزال، وهي متراتبة في حقيقتها وماهيتها، غير متراتبة في وجودها وقال كثير منهم: إنها مع ذلك شيء واحد، إلى غير ذلك من اللوزام التي يقول جمهور العقلاء: إنها معلومة الفساد بضرورة العقل)[30].

وقد عرفنا مما سبق أن هذا كلام ابن تيمية، إلا أن الشيخ عبد الباقي قد قرره دون عزو إلى شيخ الإسلام، واختاره، وحكم على المقالات الأخرى بأنها معلومة الفساد بضرورة العقل كما هو تقرير شيخ الإسلام.

وتبقى الإشارة إلى أن الشيخ عبد الباقي في أول ما نقلناه عنه قد عزا إلى ابن مفلح وإلى ابن قاضي الجبل، فأما ابن قاضي الجبل فقد سبق النقل عنه في رده على القاضي أبي يعلى في تأويل المشيئة بمشيئة الإسماع. وأما ابن مفلح فقد قال: (لم يزل الله يأمر بما يشاء ويحكم، وقال -أيضاً-: لم يزل متكلماً إِذا شاء، وقال القاضي: إِذا أراد أن يسمعنا)[31]. وهذا الكلام معلوم يتناقله الحنابلة، وقد ذكرناه في مقالنا هذا وتحدثنا عنه، إلا أن لابن مفلح نص آخر مهم، ففي أثناء مناقشته لتعريف الحكم الشرعي ذكر أنه مما يورد على التعريف أن: (خطابه قديم، وحكمه حادث، لوصفه به). ثم قال في الرد: (رد: لا يلزم من يقول: يتكلم إِذا شاء، ثم: الحادث التعلق، والحكم متعلق بفعل العبد لا صفته، كالقول بمعدوم، والفعل يعرّف الحكم، كالعالَم للصانع، ولهذا سمي عالَماً)[32].

فقد قدم ابن مفلح الجواب الأول عن دعوى قدم الخطاب وحدوث الحكم بأن هذا لا يلزم من يقول: (يتكلم إذا شاء)، فهذا يبيّن لك كيف فهم ابن مفلح كلام الإمام أحمد، وأنه هو نفس فهم شيخه ابن تيمية، وفي هذا ردّ لدعوى من قال إن المشيئة متعلقة بالإسماع كالقاضي أبي يعلى.

وآخر من أنقل عنه في هذا المقال هو الشيخ أحمد البعلي صاحب كتاب الروض الندي في فقه الحنابلة، والنقل عن كتابه الذخر الحرير بشرح مختصر التحرير. وقد أورد -عند حديثه عن القرآن وصفة الكلام- النص الذي ذكرناه من قبل وهو: (قال السلف والأئمة: إن الله تعالى يتكلم بمشيئته وقدرته، [وإن كان مع ذلك قديم النوع]، بمعنى أنه لم يزل متكلمًا إذا شاء، فإن الكلام صفة كمال، ومن يتكلم أكمل ممن لا يتكلم، [ومن يتكلم بمشيئته وقدرته أكمل ممن لا يكون متكلما بقدرته ومشيئته]، ومن لا يزال متكلمًا بمشيئته وقدرته أكمل ممن يكون الكلام ممكنًا له بعد أن يكون ممتنعا عنه لو قدر أن ذلك ممكن، فكيف إذا كان ممتنعًا لامتناع أن يصير الرب قادرًا بعد أن لم يكن، وأن يكون التكلم والفعل ممكنًا بعد أن كان غير ممكن)[33].

انتزع البعلي هذا النص من كلام ابن تيمية الذي نقله المرداوي وغيره، وضمنه شرحه الذي قصد به الاختصار جازمًا به، وفيه إثبات قدم النوع وحدوث الآحاد، وليس فيه حديث عن الحرف والصوت، ولا تعرض لذلك، وإنما المراد منه إثبات أن الله يتكلم بمشيئته وقدرته (وهي مسألة قيام الأفعال الاختيارية بذات الرب).

وفيما ذكرنا كفاية للدلالة على المقصود، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


[1] ترجم ابن ناصر الدين الدمشقي له ترجمة حافلة، ومما جاء فيها ناقلًا عن السرمري: (حدثني غير واحد من العلماء الفضلاء والأئمة النبلاء الممعنين في الخوض في أقاويل المتكلمين لإصابة الصواب وتمييز القشر من اللباب أن كلا منهم لم يزل حائرا في تجاذب أقوال الأصوليين ومعقولاتهم وأنه لم يستقر في قلبه منها قول ولم يبن له من مضمونها حق بل رآها كلها موقعة في الحيرة والتضليل وجلها ممعن يتكلف الأدلة والتعليل وأنه كان خائفا على نفسه من الوقوع بسببها في التشكيك والتعطيل حتى من الله سبحانه وتعالى عليه بمطالعة مؤلفات هذا الامام ابن تيمية شيخ الاسلام مما أورده من النقليات والعقليات في هذا النظام فما هو إلا أن وقف عليها وفهمها فرآها موافقة للعقل السليم وعلمها حتى انجلى ما كان قد غشيه في أقوال المتكلمين من الظلام وزال عنه ما خاف أن يقع فيه من الشك وظفر بالمرام. ومن أراد اختبار صحة ما قلته فليقف بعين الإصاف العرية عن الحسد والانحراف إن شاء على مختصراته في هذا الشأن كشرح العقيدة الأصبهانية ونحوها وإن شاء على مطولاته كتخليص التلبيس من تأسيس التقديس والموافقة بين العقل والنقل ومنهاج الاستقامة والاعتدال فإنه والله يظفر بالحق والبيان ويستمسك بأوضح برهان ويزن حينئذ في ذلك بأصح ميزان). الرد الوافر (ص131-132).

[2] للشيخ الأصولي عبد المؤمن بن عبد الحق مختصر لكتاب منهاج السنة النبوية لابن تيمية، وفي مقدمة هذا المختصر يقول: ( ولقد أحسن السعيد الإمام شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله في نقض هذا الكتاب المشؤوم والرد على قائله المذموم-يقصد ابن المطهر وكتابه- بكتاب أطال فيه الخطاب وبالغ في معارضته بالجواب فصارت الهمم تقصر عن مطالعة فصوله وتمل من قراءته لطوله، وقد كتبت منه في هذا الكتاب ما ظننته وافيًا بالمراد)، وأقول: كتاب منهاج السنة من أهم الكتب التي تناول فيها شيخ الإسلام مسألة حلول الحوادث، وحوادث لا أول لها.

[3] انظر الحمية الإسلامية في الانتصار لابن تيمية (ص 64-75).

[4] فتح الباري لابن رجب (7/ 236).

[5] (فتح الباري لابن رجب (9/ 259).

[6] قال صاحب كتاب التقريرات الحنبلية ص 161: (احتج بعض أصحابنا بقول الإمام أحمد رضي الله عنه في الرد على الزنادقة والجهمية: (إن الله لم يزل متكلمًا إذا شاء) على أن الله يتكلم بمشيئته وقدرته، وأن القرآن ليس بقديم!). ثم قال المذكور: ( والجواب على ذلك بأحد ثلاثة مسالك: المسلك الأول: التضعيف، فلا يصح ثبوت ذلك عن الإمام رضي الله عنه، ذلك أن هذا منقول في كتاب الرد على الجهمية). ثم ذكر أن الكتاب من رواية الخضر بن المثنى، ونقل حكم ابن رجب الحنبلي على الخضر بالجهالة، وأنه ينفرد بالمناكير عن عبد الله، وابن رجب قد حكم بجهالة الخضر في مسألة فقهية أخرى، لم يكن يتحدث عن كتاب الرد على الجهمية في هذا الموضع، وقد علمتَ من النقل أعلاه أن ابن رجب الذي استدل به المذكور في تعليقه هذا يثبت قيام الأفعال الاختيارية بذات الرب، ويثبت أن الله يتكلم بمشيئته واختياره، ويستدل على ذلك بنفس النص الذي حاول المذكور تضعيف نسبته إلى الإمام أحمد في مسلكه الأول مستكثرًا بابن رجب الذي يخالفه.

[7] (6/233)، وهذا الموضع يقع في البحث الذي عقده شيخ الإسلام لإثبات الصفات الاختيارية، وهو البحث الذي اعتمد عليه جون هوفر في ورقته عن الصفات الاختيارية عند ابن تيمية، وهي مطبوعة في كتاب ابن تيمية وعصره (٧٥-٩٧)، وقد ذكر هوفر في ورقته أن ابن تيمية لم يقدم في هذه الرسالة معالجة شاملة للقضايا التي تتضمنها الصفات الاختيارية، ولم يردّ أبدًا على أهم حجج متقدمي المتكلمين من نفاة حلول الحوادث، وهذا غير صحيح على إطلاقه، فقد تعرض الشيخ لمثل هذا كما في (6/231-232)، وعلى فرض الصحة فإن الشيخ قد عالج هذه القضية معالجة شاملة في مجموع أبحاثه التي تكلم فيها عنها، ورد على شبهات النفاة، وقد قال الشيخ نفسه في هذه الرسالة بعد ذكر حجج نفاة الأفعال الاختيارية من مجموع الفتاوى (6/ 221): (وقد بسطنا القول على عامة ما ذكروه في هذا الباب وبينا فساده وتناقضه على وجه لا تبقى فيه شبهة لمن فهم هذا الباب).. ولا يحسن بباحث أن يقتصر في بحث هذه القضية الجوهرية على رسالة واحدة مختصرة لشيخ الإسلام لتكوين رؤية شاملة عن رأيه وحججه ودفوعه أمام حجج خصومه.

[8] ص263، 502.

[9] (5/422).

[10] (ص502).

[11] (ذيل طبقات الحنابلة 3/35).

[12] هناك نص ظاهره مشكل ألحقه الشيخ طارق عوض الله بآخر تحقيقه لفتح الباري للحافظ ابن رجب (6/533-536)، وذكر أن الفائدة التي تضمنت هذا النص موجودة في ضمن مجموع بجامعة الملك سعود بالرياض برقم( 4646/9)، وهي تتضمن نقلًا عن شرح البخاري لابن رجب الحنبلي فيه حكاية أقوال أهل العلم في مسألة النزول. والنص كالآتي: (قال الحافظ ابن رجب في شرح البخاري لما تكلم على حديث النزول، قال: أهل الحديث في النزول على ثلاث فرق: فرقة منهم، تجعل النزول من الأفعال الاختيارية التي يفعلها الله بمشيئته وقدرته، وهو المروي عن ابن المبارك ونعيم بن حماد وإسحاق بن راهويه وعثمان الدارمي. وهو قول طائفة من أصحابنا، ومنهم: من يصرح بلوازم ذلك من إثبات الحركة).. ثم فصل في هذه الفرقة ثم ذكر الفرقة الثانية وهي لا تهمنا في بحثنا هذا فليراجعها من أراد، ثم ذكر الفرقة الثالثة فقال: (والفرقة الثالثة: أطلقت النزول كما ورد، ولم تتعد ما ورد، ونفت الكيفية عنه، وعلموا أن نزول الله تعالى ليس كنزول المخلوق. وهذا قول أئمة السلف: حماد بن زيد، وأحمد؛ فإن حماد بن زيد سئل عن النزول، فقال: هو في مكانه، يقرب من خلقه كيف شاء). ووجه الإشكال أن ابن رجب قد فرق بين الفرقة الأولى والثالثة، فجعل من الفرقة الأولى ابن المبارك وإسحاق، وفي الثالثة جعل منها الإمام أحمد، وقد سبق في متن المقال أنه قرن بي الإمامين أحمد وإسحاق في إثبات الأفعال الاختيارية، والذي يظهر لي بعد التأمل أن ابن رجب لم يقصد التفريق بينهم في إثبات الأفعال الاختيارية، بل قد يكون مقصده التفريق بين الإمام وبين من صرّح بلوازم النزول من إثبات الحركة، فابن رجب لا يرى ثبوت لفظ الحركة عن الإمام وإن رآه وصححه غيره من الحنابلة، وكذلك لا يرى ابن رجب إطلاق لفظ الانتقال، وقد قرن الحافظ بين الإمام أحمد وإسحاق وابن المبارك وأثنى على طريقتهم في التعامل في مسائل الصفات كما في بيان فضل علم السلف على علم الخلف (ص49)، فقال: (إنما الاقتداء بأئمة الإسلام كابن المبارك، ومالك، والثوري والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق وأبي عبيد ونحوهم).. وبهذا يعلم أن هذه الفائدة لا تعكر على بحثنا في إثبات الأفعال الاختيارية- والله تعالى أعلم-.

[13] سير الحاث إلى علم الطلاق الثلاث لابن عبد الهادي (ص158-159)، ويلاحظ أني صححت أخطاء في هذه الطبعة، من طبعة الدكتور صفوت عادل عبد الهادي.

[14] شرح مختصر أصول الفقه للجراعي  (1/512-513).

[15] التحبير شرح التحرير (3/ 1268).

[16] التحبير شرح التحرير (3/ 1269)، وأصل كلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (12/372).

[17] التحبير شرح التحرير (3/ 1312)، وأصل الكلام في منهاج السنة النبوية (2/63)، وهو القول السادس بترتيب ابن تيمية فيما بين يدينا من المطبوع.

[18] انظر السابق.

[19] رد ابن قاضي الجبل على القاضي أبي يعلى في رسالته المخطوطة في الرد على من رد على شيخه ابن تيمية في مسألة حوادث لا أول لها ص14، قال-ابن قاضي الجبل-: (وتأول القاضي أبو يعلى المشيئة في قوله إذا شاء على مشيئة الإسماع، بناء على أن الكلام صفة نفسية لا يتعلق بالمشيئة بل هو نعت ذاتي كالحياة والعلم، فقيل عليه هذا باطل لثلاثة أوجه: أحدها: أن رد المشيئة إلى مشيئة الإسماع تأويل للكلام وخروج عن ظاهره بغير دليل. الثاني: أنه يلزم منه قدم السامع لأن قوله: لم يزل= عبارة مستغرقة. الثالث: أن الإمام أحمد قال فيما رده على الجهمية في قوله تعالى: ( إنا جعلناه قرآنا عربيًا) قال: معنى جعلناه=صيرناه على فعل من أفعالنا). ولعل مقصد ابن قاضي الجبل هو المذكور في الرد على الزنادقة والجهمية ص 219: (جعله جعلًا على معنى فعل من أفعال الله تعالى، على غير معنى خلق).

[20] التحبير شرح التحرير (3/ 133).

[21] التحبير (3/1308)، وأصل الكلام في فتح الباري للحافظ ابن حجر (13/ 493)، ونقله ابن النجار في شرح الكوكب المنير (2/104).

[22]  نقل صاحب التقريرات الحنبلية (ص163) تأويل القاضيين لكلام الإمام أحمد نقلًا عن ابن المبرد، ثم إنه لم ينقل شيئًا من كلام ابن المبرد الذي نقلناه كاملًا أعلاه في رد هذا التأويل.

[23] تحفة الوصول إلى  علم الأصول على مذهب أهل السنة والجماعة لابن المبرد (ص106-107).

[24]  وهم ابن المبرد في نسبة هذا القول إلى الإمام أحمد،  وإنما القول للإمام ابن خزيمة في كتاب التوحيد (1/ 349) قال:

(باب من صفة تكلم الله عز وجل بالوحي والبيان أن كلام ربنا عز وجل لا يشبه كلام المخلوقين، لأن كلام الله كلام متواصل، لا سكت بينه، ولا سمت، لا ككلام الآدميين الذي يكون بين كلامهم سكت وسمت، لانقطاع النفس أو التذاكر، أو العي، منزه الله مقدس من ذلك أجمع تبارك وتعالى). وقد نقل الشيخ عبد القادر عن ابن خزيمة جزءًا من هذا التبويب، وهو الذي عزاه ابن المبرد وهمًا إلى الإمام أحمد. قال الشيخ عبد القادر في غنية الطالبين (1/299): (وقال ابن خزيمة رحمه الله: كلام الله تعالى متواصل لا سكت فيه ولا صمت)، وقد وردت العبارة في طبعة الكتب العلمية(1/131) -غفر الله لمحققها- على وجه غلط قبيح حيث جاء فيها: (كلام الله تعالى متواصل لا سكوت فيه ولا صوت).

[25] تحفة الوصول (ص107)، وكلام الشيخ عبد القادر في الغنية (1/299) كما في الهامش السابق، وتجدر الإشارة هنا إلى أن محقق كتاب الغنية قد علق في الهامش عند نقل الجيلاني عن ابن خزيمة فقال: (وهذا أيضًا دُسَّ على الشيخ الجيلاني، ولا شك في ذلك، وابن خزيمة-رحمه الله- كان رأس التشبيه ثم تاب)، ولا نقل هذا المحقق دليلًا على كونه مدسوسًا، ولا على أن الإمام ابن خزيمة قد تاب عن التشبيه المزعوم، وقد كان الشيخ الجيلاني قد قال قبل ذلك: (.. خلاف ما قالت الأشعرية من أن كلام الله معنى قائم في نفسه، والله حسيب كل مبتدع ضال مضل) وعلق عليه المحقق بقوله: (واضح أنه من وضع ودسّ الحنابلة الحشوية المجسمة كيف يرمي السواد الأعظم من الأمة بالضلال) انظر الغنية (1/ 298- 299). ولا أجد شيئًا علميًا أناقشه هنا في دعوى الدسِّ على الشيخ الجيلاني، وهذا ما يصنعه التحيز والاعتقاد المسبق، وأما دعوى الدس في كتب الجيلاني فهي دعوى قديمة متجددة لم يقدم عليها أحد من مختلقيها برهانًا ولا شبه برهان.

[26] تحفة الوصول (ص107).

[27] تحفة الوصول (ص73).

[28] العين والأثر في عقائد أهل الأثر (ص65-66).

[29] العين والأثر في عقائد أهل الأثر (ص: 68).

[30] (العين والأثر في عقائد أهل الأثر (ص: 69)، أراد صاحب التحريرات الحنبلية (ص168-169) أن يحرّف معنى كلام الشيخ عبد الباقي وغيره في أن الله يتكلم بمشيئته وقدرته، وزعم أن مراد الحنابلة في ذلك هو نفي عجز الله عن الكلام، ونفي إكراهه عليه، وهذا من التحريف القبيح لكلام العلماء، وهو كعادته لم يناقش ما يكون حجة عليه في كلامهم، فإن الشيخ عبد الباقي قد نقل في كلامه ما يدل على أن القول بقدم عين الحروف والصوت هو من الأقوال المردودة معلومة الفساد بضرورة العقل، فهذا وحده كافٍ لرد تحريفه لتعلق الكلام بالمشيئة بأنه ضد الإكراه، ثم إن هذا التقرير قد قرره الشيخ عبد الباقي-مثلًا- متابعًا لمن قبله من الأئمة، وهو في هذا عالة على ابن تيمية الذي نقل كلامه المرداوي في التحبير، فظهر بذلك قبح وتهافت هذا التحريف الذي هو مثال من أمثلة كثيرة في صنيع هذا المذكور.

[31] (أصول الفقه لابن مفلح (1/ 296).

[32] أصول الفقه لابن مفلح (1/ 181).

[33] الذخر الحرير بشرح مختصر التحرير (ص268-269).

اقرأ ايضاً: موقف ابن تيمية من التفويض في نصوص الصفات: تفويض مفوضة الحنابلة نموذجا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى