الإدارة

المؤسسات الخيرية التعاونية: كيف تنجح؟ ولماذا تفشل؟

على الممولين أن يتخلوا عن المداراة، وأن يرفعوا سقف التوقعات حول القيمة التي تنتجها الأعمال الجماعية -للجهات المستفيدة، والمانحة، وأيضا لأنفسهم- وأنها تتخطى ما يمكن أن ينجزوه وحدهم.

  • أليسون باول وسوزان وولف ديتكوف وفاي تويرسكي
  • ترجمة: الجراح القويز
  • تحرير: مزنة الكبريش

منذ أكثر من قرن، بدأ المانحون في تسخير مواردهم لصنع التغيير عبر المنظمات والمؤسسات المجتمعية مثل: جمعية الطريق المتحد العالمية united way worldwide، وجمعيات المهاجرين التعاونية، وأوساط العطاء الدينية. ومع ذلك، في آخر السنوات أصبح حجم الاستثمار وعدد المؤسسات التعاونية التمويلية المستقلة متزايدًا بشكل مذهل. على سبيل المثال: منذ عام 2000 م قد ظهر أكثر من 70% من صناديق جمع التبرعات وهي أحد أنواع المؤسسات، مع الصناديق الرئيسية كصندوق (Blue Meridian Partners) ومؤسسة (Co-Impact) التعاونية، ومؤسسة (END Fund) التي بدأت في الظهور في آخر السنوات فقط. وكل هؤلاء لديهم هدف جمع عشرات (أو مئات) ملايين الدولارات للسعي في مبادرات واعدة في القطاعات الاجتماعية.

نظرًا لهذا الازدياد الحاصل، وتلك القوة التي تقودها المؤسسات التعاونية الممّولة في هذا القطاع، فإنه ليس من المفاجئ أن تكون هذه الأعمال محط نظر وبحث. في مراجعتنا لأبحاث المؤسسات التعاونية[1] حددنا أكثر من 125 مقالة بحثية وتقارير كبرى مقدمة من قبل أكاديميين وممارسين، تضمنت مراجعة لأبحاث: فيل بوكنان (Phil Buchanan) من مركز (Effective Philanthropy)[2]، وسينثيا جيبسون وآني ماكينون من (Grantcraft)[3]، رالف هاميلتون من جامعة شيكاغو[4]، روكفيلر مستشار خيري[5]، بيل سكامبرا من معهد هودسون (Hudson Institute)[6]، وبعض الزملاء من (Bridgespan). المصادر السابقة تصف أنواعًا مختلفة من نماذج المؤسسات التعاونية، والفوائد المتوقعة من التعاون، والممارسات والأساليب المتعلقة بنجاح هذه المؤسسات.

لكن مراجعتنا البحثية أسفرت عن وجود عدة فجوات معرفية مهمة، لاسيما في الأسئلة الأساسية، مثل: هل على الممولين أن يتابعوا العمل التعاوني؟ وإذا كان كذلك، فكيف يتم الهرب من الفشل إلى النجاح؟ وجود هذه الفجوات هو نتيجة للصعوبة المتأصلة في دراسة هذا الحقل؛ فلا يوجد مجموعات ضابطة لأغراض المقارنة، وهو ما يخلق تحديًا في جواب السؤال الصعب: هل يستحق الأمر هذ الجهد؟ بالإضافة إلى أن التفاوت وتنوع المؤسسات التعاونية، والتحفظ في الكلام بصراحة حول الفشل؛ يجعل من الصعب أن تستخرج عوامل النجاح والثغرات.

وللمساعدة في ملء هذه الفجوات، أجرينا دراسة جادة على عشر مؤسسات تعاونية ناجحة نسبيًا، وكذلك على 15 مؤسسة قد تعثرت أو فشلت (سيأتي معنا بالتقرير قائمة تلك المؤسسات التعاونية). وقد تضمنت دراستنا المؤسسات التعاونية التي تكون عبارة عن اجتماع للمانحين أو تلك الداعمة ماليا وفق معايير معينة، وقد استثنينا الذي يكون تركيزها على التعلم في خِضمّ عملية التمويل الفردية (وأن كنا نرى أن هذا مهم للدراسة مستقبلاً). وقد اشتمل البحث على أكثر من 65 مقابلة، و95 استجابة للاستبيان من قبل 95 مُموّلًا، و330 فردًا من المستفيدين من المنح في أقوى 10 مؤسسات تعاونية. تم اختيار عينة المؤسسات التعاونية مع اختلاف المموّلين بناءً على وجودهم في الولايات المتحدة وخارجها، وكونه تمويل فردي أو مؤسساتي، وعلى حسب حجم التمويل، ومجالاته الموضوعية. وقد تم دراستها بتعمق على مدى 3 سنوات، لضمان كفاية الوقت في تقييم تجربتهم.

وتمثلت النتيجة الرئيسية بأنه إذا كان النطاق التنفيذي جيدًا، فإنه تلك المؤسسات ستحقق نتائج مذهلة وأكبر من تلك التي يعتقد المموّلين بشكل عام أن ينجزوه بمفردهم. ومن المهم أن نضع في الذهن بأننا اخترنا تلك المؤسسات التعاونية العشر قصدًا؛ وذلك لقوتهم وأهميتهم كنماذج، لذلك فإن تجربتهم لا تمثل كل المؤسسات التعاونية المموَّلة، ولم تكن العينة كبيرة حتى يتم تحديد هل هذه المؤسسات يعتمد قوة تأثيرها وضعفه على حسب مجالات معينة. ومع ذلك فإن دراستنا تقترح بأن النماذج القوية القيّمة يمكن تحقيقها، وتوفّر توجيها للآليات التي تكون فيها المؤسسات التعاونية مركزة أكثر على استراتيجيات العطاء اشراك المستفيدين حتى يستفيدوا أكثر.

هل تستطيع المؤسسات التعاونية المموَّلة أن تخلق قيمة، ولمن؟

في تلك المؤسسات الناجحة، أفاد المموّلون عن مستوى عالٍ من الرضا حول تأثيرهم. و 94% متفقون بأن المؤسسة التعاونية في المُجمل كانت ناجحة، و93% يرون أنها على المسار لبلوغ أهدافها. وقد أبلغَ المستفيدون عن عظيم رضاهم عن مؤسساتهم التعاونية، بمتوسط 53 درجة على “مقياس صافي نقاط الترويج Net Promoter Score (NPS)”[7] (في نطاق من 0-80 درجة من نطاق المرجع -100 إلى 100). وهذا يعتبر قويًا بالنسبة للخبراء بهذا المقياس. وتجدر الأشارة إلى أن 92% من المموّلين و80% من المستفيدين، قد عبروا بأن الفوائد من تلك المؤسسات تفوق تكاليف المشاركة.

وعلى النطاق الواسع للمموّلين على أنواعهم، واختلاف حجم تمويلهم واهتماماتهم، فإنه لا يوجد اختلاف مهم حول تصورات المموّلين عن قيمة مؤسستهم التعاونية. وهذا يشير إلى أنه افتراضيًا أي أحد من المموّلين قد يجد قيمة في مشاركته في تلك المؤسسات، ما دام أعضاء الفريق لديهم الرغبة في العمل مع بعضهم مما يحقق تلك القيمة.

سابقا، إذا ابتعد أحد المموّلين لأي سبب فإنه يمكنني الذهاب والبحث عن ممولين أو ثلاثة آخرين. لكن إذا كان كل المموّلين الكبار في مجالي على نفس الطاولة، فإن الأمر يشعرني أنا والمجلس بالهيبة

بالنسبة لتجربة المموّلين، فإنهم يتفاوتون في نوع ومدى انتفاعهم بمشاركتهم في المؤسسات التعاونية. وأكثر فائدتين تم ذكرها (في أكثر من ثلاثة أرباع الاستجابات التي من قبل المموّلين) هو فرصة للتعلم أكثر، وإنشاء علاقات مهمة في نفس المجال. ويأتي بعدها مجموعة الفوائد منها: أن استراتيجية التمويل مناسبة لحجم المشكلة، تحديد ومعرفة المستفيدين، منح أموال للقضية ودعمها أكثر مما يستطيع الممول منحه لوحده. ونحن نرى تلك القيمة خصوصا في المؤسسات التعاونية المموّلة عند مقارنتنا لها بالمؤسسات التعاونية التي تركيزها على التعلم فقط. فالمجازفة بأخذ التمويل[8] يعتبر فائدة بشكل ظاهر. في نهاية المطاف، فأن مقابلاتنا أسفرت عن: ليس جميع المتبرعين ينشدون نفس الفائدة. على سبيل المثال: قد يتعاون المموّلين المحليين مع مموّلين وطنيين؛ كطريقة لجذب انتباههم لتمويل مجتمعاتهم المحلية، أو كون الممولين الأفراد يفتقرون إلى طاقم عمل واسع فهم قد يسعون إلى الاستفادة من كفاءات الآخرين.

ولنضع في الاعتبار أحد الأمثلة هو “صندوق الحريات الأربع Four Freedoms Fund (FFF)”[9]، فهو صندوق تعاوني مموّل تأسس في عام 2003 ومكون من 14 عضو، وهو يسعى إلى إشراك المهاجرين بالكامل كمشتركين نشيطين في الديموقراطية الأمريكية. ويسعى إلى تحقيق ذلك عبر بناء هيكل أساسي قوي ودعمه عبر قادة ومؤسسات حقوق المهاجرين المحلية والقومية وعلى مستوى الولاية أيضا. وقد شرح ذلك تيد وانج (Ted Wang) أحد المموّلين لهذا الصندوق، ورئيس البرامج الأمريكية لمؤسسة (Unbound Philanthropy) بقوله: “إنها مائدة مناسبة لمشاركة المعلومات وتنفيذ الكثير من العمل كمجموعة”. وقد حدد وانج فائدة أخرى “بصفتنا ممّولين وطنيين، فإنه من الصعب علينا الاقتراب من المنظمات الشعبية، لأنه ليس لدينا قدرة على ذلك، فمن الصعب تتبع كل شيء في 30 ولاية؛ ولكن ذلك تحت نطاق خبرة صندوق الحريات الأربع (FFF)”

أما بالنسبة للمستفيدين من المنح فقد أعطوا انطباعات جيدة بالمجمل. فالمستفيدين الذين استجابوا على الاستبيان وعددهم 330 فردًا (هم الذين تلقوا تمويلًا من أقوى 10 مؤسسات تعاونية) كانوا متفقين بأن الفوائد تفوق تكلفة المشاركة، وقد أعطوا هذه المؤسسات التعاونية بشكل عادل على مقياس صافي نقاط الترويج (NPS) متوسط 48 درجة. ومن بين الفوائد كان أكثر شيء تكرارًا هو: القدرة الكبيرة للتعاون مع الآخرين يقود إلى تأثير على مستوى النظام، السمعة الجيدة، وجود دعم بشكل جيد.

ومع ذلك، فإن المستفيدين كان نطاقهم في مقياس (NPS) أوسع من نطاق المموّلين، ما يوحي بإن بعض المستفيدين كانت لهم تجربة تتسم بكونها تحدي حقيقي مع المؤسسات التعاونية. وكان الخبر الجيد أن غالبية المستفيدين (60%) قد عبروا بأنهم لم يتكبدوا أي تكاليف أكثر مما كانوا سيتحملونه مع أي مموّل فردي؛ وهذا مؤشر جيد على أن تكلفة رأس المال لم تكن مرتفعة بشكل غير مبرّر. ومع ذلك فإن الذين أبلغوا عن تكاليف إضافية، كان أكثر شيئين تم ذكرهما هما تكلفتي: إدارة علاقات التمويل ومخاطر ارتفاع ديناميكيات قوة التمويل.

فتركيز المصادر يضع عبئًا زائدًا على المستفيدين في تماشيهم مع استراتيجية المؤسسة التعاونية ويمكن أن يزيد مخاطرهم في حال انحرفوا عنها. على سبيل المثال، أحد المستفيدين لاحظ (غياب مفاجئ للشراكة الحقيقية في انجاز المهمة كاملة للمؤسسة التعاونية). وقال آخر “سابقا، إذا ابتعد أحد المموّلين لأي سبب فإنه يمكنني الذهاب والبحث عن مموّلين أو ثلاثة آخرين. لكن إذا كان كل المموّلين الكبار في مجالي على نفس الطاولة، فأن الأمر يشعرني أنا والمجلس بالهيبة”

لدى جميع المؤسسات التعاونية القوية بشكل واضح (أطروحة استثمار أولية) لكيفية تحقيق المؤسسة تأثيراً يفوق ما يمكن أن يحققه الممولون الأفراد وحدهم، وماهية الأهداف التي سيعملون عليها، وكيفية خلق قيمة للممّولين والمستفيدين.

عندما يحدد المموّلون أقوى المستفيدين؛ فإن ذلك يخلق مجموعة متميزة من مرتبطة بـ (المفاضلة) أكثر مما يمكن أن يقررهُ الممولون الأفراد. ومن ناحية معينة، فمن المهم تحديد أقوى المؤسسات ودعمها من أجل تحقيق أكبر تأثير. ومن الناحية الأخرى فإن بعض المنظمات الغير ربحية قد لا يتم قبولها في دائرة المستفيدين من المؤسسة التعاونية بغض النظر عن الأسباب، مقارنةً بالفعالية الكاملة. وقد أشار شارون ألبرت (sharon Alpert) الرئيس والمدير التنفيذي لمؤسسة (Nathan Cummings) إلى التحديات المتعلقة بذلك: “عندما يكون لديك مؤسسات تعاونية، فإنك بشكل أساسي تخلق حواجزًا، فلا يصبح لديك المزيد من العلاقات الفردية بين الممول والمستفيد” وبشكل مختصر فإنه دون اهتمام خاص من الممكن أن يضخم تركيزك على رأس المال النقاط العمياء ويقود إلى تحيزات ضمنية.

والحقيقة هي أن المؤسسات التعاونية المموّلة لا تخلق قيمة دائمًا. في مقابلتنا مع المشتركين من المؤسسات التعاونية التي تعثرت أو فشلت، ذكر الكثير منهم أن التحدي كان الافتقار إلى الوضوح الاستراتيجي. وذلك يتضمن الأهداف والاستثمارات الأولية غير الملائمة، الاستراتيجيات المضللة وغير الواضحة، الافتقار إلى الإنجازات الجزئية على مدى الطريق. وقد كانت هناك مشاكل مع البنية (أحيانا كثيرة جدًا، وأحيانا العكس)، والفشل في التكيف مع الأخطاء والتعلم منها. من الأشياء المفاجئة هو ندرة ذكر (القيادة القوية) -وغالبا تم ذكرها كعامل نجاح مهم جدًا في التعاون- وقد جاء ذلك صراحة في مقابلاتنا مع المؤسسات التعاونية التي فشلت أو تعثرت، رغم ذلك، قد جاء ذكرها في مقابلاتنا مع المشتركين في المؤسسات التعاونية القوية. وفي ظننا أن القيادة الضعيفة قد تتشكل بعدة أشكال، تتضمن: عدم قدرة القادة في التنقل بنجاح في العلاقات المتحدية (سلبيا)، وتوحيد استراتيجيات الأعضاء.

 

كيف يمكن لأطروحة الاستثمار الواضحة أن تساعد المؤسسات التعاونية في تحقيق القيمة

كيف للمؤسسات التعاونية الناجحة أن تجد القيمة المنشودة؟ بما أنه لا يوجد وصفة معيارية للنجاح، فإن دراستنا أسفرت عن نتيجة مفادها أن تلك العشر مؤسسات التعاونية الناجحة كان لديهم أطروحة استثمارية أولية تهدف إلى تخطي التأثير الذي يحققه المموّلون الأفراد لوحدهم، ماهي الأهداف التي يجب أن يتابعوها، وكيف ستخلق تلك الأهداف قيمة للممولين والمستفيدين؟

يبدو أن الوضوح حول الأطروحة الاستثمارية يعد حافزًا لرفع أداء المؤسسة التعاونية أكثر من أي شيء آخر، كما أنها تشكل صعوبة في تصحيح الأمر. في حين أن بعض المؤسسات التعاونية لديها مقومات لأكثر من أطروحة استثمارية واحدة، فإن المؤسسات الناجحة تضع أولوية لأطروحة واحدة في البداية. وقد وجدنا ثلاث أطروحات استثمارية، وقد قسمناها على النحو التالي:

  1. التمويل المؤسسي: يدعم الاستراتيجية المؤسسية بوضعه المستفيد في الأمام والمركز، وهو إشارة للممولين الآخرين بأن هذه المؤسسة وقادتها الذين على قدر من الأداء العالي يستحقون الثقة والاستثمار.
  2. بناء المجال: يبنون مجالًا مرنًا عن طريق تغيير مجال معين أو تغيير الممارسات فيه تدريجيا، حتى يسمح في نهاية المطاف للمؤسسات أن تنفذ استراتيجياتها في هذا المجال بشكل أكثر فعالية.
  3. تنظيم الأهداف: يحرصون على توجيه الاستراتيجيات بغية (إنجازات قابلة للتحقيق)([10])، حتى عند السعي في نطاق التغيرات السكانية، مثل القضاء على الأمراض. المؤسسات التعاونية تجعل من هذا النهج أولوية حتى تحدد أو تخلق مناطق للتداخل الاستراتيجي على مدى المموّلين ولتطوير مناهج عطاء مرتّبة.

ما العواقب الناتجة عن عدم الاتفاق على أطروحة الاستثمار؟ غالبية المؤسسات التعاونية التي فشلت أو تعثرت في بحثنا، قد صرحوا بأنهم لم يكونوا واضحين حول كيفية متابعة أهدافهم وإيجاد القيمة للمموّلين والمستفيدين. وكما ذكر سابقًا، فإن قادة المؤسسات التعاونية أحيانا يحتاجون إلى أكثر من نهج؛ حتى يعالجوا غالب القضايا المعقدة. ومع ذلك، فإن وجود أطروحة استثمارية يجيب على أسئلة المستثمرين الهامة حول :(ما الذي أكسبه في استثماري في مثل هذه المؤسسة التعاونية) وعلى سؤال المستفيد عن: (ما الاستراتيجية التي تمولني، استراتيجيتي أم استراتيجيتهم؟)

وسنتعمق هنا قليلاً:

  • أطروحة التمويل المؤسسي

بالنسبة المؤسسات التعاونية المتابعة لهذه الأطروحة الاستثمارية فإنها تضمن النتائج مبدئيا عن طريق دعم القادة المتفوقين والمؤسسات التي تحقق الأهداف العامة للمؤسسة التعاونية والممّولين. فهم يدعمون كل مستفيد ليصل إلى كامل إمكانياته أكثر من ترقبهم للمبلغ الذي سيستردونه من خلال أعمال المستفيدين حتى يضاف إلى أحد الأهداف المعززة لهذه المؤسسة التعاونية.

لنأخذ على سبيل المثال مؤسسة (Big Bang Philanthropy)[11] التي تم تأسيسها عام 2011. وهي تركز على حلول الفقر العالمية، وتضم 17 ممول لديهم حق فردي في اتخاذ القرارات حول الموافقة على أن لكل صندوق تمويلي على الأقل 5 من المستفيدين من هذه المؤسسة مع شخص واحد يعمل بدوام جزئي، فإن الممولين بصورة جماعية يستثمرون أكثر من 30 مليون دولار سنويا.

بالنسبة لمموّلي هذه المؤسسة التعاونية فأن القيمة الموجدة من خلال العمل الجماعي واضحة. وقد صرح كيفن ستار وهو المدير العام لمؤسسة (Mulago) التي تعد أحد أعضاء مؤسسة (Big Bang) بقوله: “بخلاف التمويل المشترك، فإن أهم ثلاث أشياء التي نتشاركها في مؤسسة (Big Bang) هي: بذل العناية الواجبة، إعطاء الانطباعات في الزيارات الميدانية، والقيادة”. ثم أكمل بقوله: “بعض أعضاء هذه المؤسسة التعاونية لديهم موظفين وبعضهم ليس لديهم. ولكن حتى الآن فكل عضو في هذه المؤسسة يدفع بنقاط قوته حتى يحسّن نظام تمويل المستفيدين عندنا”. وبالنسبة للمستفيدين فقد ذكروا أن القيمة هي كونهم جزء من محفظة (Big Bang) المالية. وقد ذكر أحد المستفيدين عنهم “هم يسمحون بعبارة [اخرج من] شبكاتهم غير الرسمية”. بقية الممّولين يقولون “العديد من ممّولي هذه المؤسسة هم مستثمرون، ورغبتهم في الاستثمار هي نية حسنة”.

وهناك مؤسسة تعاونية أخرى وهي (Blue Meridian Partners)[12] التي تم إنشاؤها عام 2016، قد قامت بالحصول على 1.7 مليار دولار كرأس مال استثماري من 14 ممول شريك، وتمت الموافقة على ما يصل مجموعه إلى 350 مليون دولار لأول تسعة مستفيدين. وقد صرحت الرئيسة والمديرة التنفيذية لمؤسسة (the Edna McConnell Clark) والمؤسسة والمديرة التنفيذية لمؤسسة (Blue Meridian) نانسي روب بقولها: “نحن نحاول تحديد ماهي الاستراتيجيات الواعدة والمبنية على البراهين، التي يمكنها بالفعل تغيير حالة الأطفال الفقراء المحرومين في الولايات الأمريكية المتحدة”. ثم أكملت بقولها: “نحن نبحث عن القادة الذين يملكون بصيرة في حل المشاكل الوطنية، ونساعدهم ليحققوا أهدافهم بالوصول إلى الصعيد الوطني المطلوب. ثم نقيس تقدمنا على مقدار ما تحققه استثماراتنا لأولئك القادة في مساعدتهم لتحقيق أهدافهم. وكل واحد يختلف عن الآخر”. المستفيدون من مؤسسة (Blue Meridian) التعاونية يعملون لصنع تغيير كبير على حسب المجالات التي يشغلونها وذلك يتضمن: الرعاية الصحية، رعاية الأطفال، والعدالة الجنائية.

بالنسبة للقيمة الأساسية المقدمة للممول من ناحية الأطروحة الاستثمارية فهو يتضمن: فرص استثمارية واعدة، بذل العناية الواجبة، وأيضا في كثير من الحالات يكون هناك بناء لقدرات المستفيدين ومتابعة لأدائهم. على سبيل المثال: مؤسسة (Blue Meridian) تدعم المستفيدين منها لتطوير خطط تحسينية مفصلة واستخدامها كطريقة لقياس التقدم. وقد أوضح مدير العطاء الخيري لمؤسسة عائلة (Sergey Brin) جورج بافلوف والذي يعد شريكاً في هذه المؤسسة بأنه: “ليس هناك طريقة يمكننا بها بناء مثل هذه الكفاءة لحصتنا من النفقات السنوية، وكوننا جزء من هذه المؤسسة التعاونية يمنحنا أفضل الكفاءات ويجعلنا مرنين”

أما بالنسبة لمؤسسة (Big Bang) فهي تحقق قيمة لأعضائها؛ ولكن بطريقة أقل تنظيمًا. فهم يعقدون اجتماعًا سنويًا يروج الممولون فيه المؤسسات لبعضهم البعض. ويتفاعل العديد من أعضائها ولو بصورة غير رسمية، فبحسب المديرة الإدارية في مؤسسة (DRK) -وهي عضو في هذه المؤسسة- ستيفاني دودسون كورنيل (Stephanie Dodson Cornell) فهي تقول: “نحن نساعد بعضنا البعض لنصبح أفضل ونخلق كيانات منفصلة للكل”. كلا المؤسستين التعاونيتين تظهر أنه في ظل أي أطروحة استثمارية واحدة، تستطيع المؤسسات التعاونية الاختيار بين الهياكل المتنوعة حجمًا وتنظيمًا.

وقد أبلغ المستفيدين عن رضاهم بالفوائد الملحوظة من مثل هذه المؤسسات التعاونية مثل: مباركة الممّول، الوصول الى رأس المال دون قيود، التمويل على سنوات عدة، حجم التمويل الكبير، والحصول الى علاقات مع الممولين. أكثر من 60% من المستفيدين من التمويل المؤسسي في استطلاعنا قد ذكروا خصيصا أنهم حصلوا على استثمارات أكثر من آخرين، بصفته عنصر يميز هذه المؤسسات التعاونية عن غيرها من المّمولين. على سبيل المثال، فإن دعم مؤسسة (Blue Meridian) ألهم مموّلين آخرين كي يفكروا بشكل أكبر وأكثر إبداعًا، كما يقول مارك إدوارد -مدير تنفيذي مساعد لمؤسسة (Upstream USA) -، فالمستفيدون من هذه المؤسسة، قد كانت مهمتهم هي توسيع الفرص الاقتصادية عن طريق تقليل الحمل الغير مخطط له. (مؤسسة (Blue Meridian) كانت لديها طريقة في وضع تركيزها على الفرص الكبيرة والمهمة).

أطروحة التمويل المؤسسي الاستثمارية لا تمر دون تحديات. فكما ذكرنا سابقًا، مثل هذه المؤسسات التعاونية قد تقع في خطر (المفاضلة) خصيصًا، فعلى هذه المؤسسات التعاونية أن تعيد النظر في دعمها. بعض المستفيدين متخوف من كون التمويل المؤسسي غالباً في النطاق العام -يعمل في نطاقات قضايا معينة- فعليهم أن ينصتوا بدقة للمستفيدين وأن يتسموا بالمرونة من ناحية السرعة المناسبة وطريقة التغيير.

بالإضافة إلى ذلك، بعض المقابلات كان فيها تعبير عن الحيرة بين تنمية نموذج مستهدف واحد خلال مجتمعات عديدة وبين التركيز على النجاح على مستوى المجتمع. ولملء هذه الفجوة قامت مؤسسة (Blue Meridian) بابتكار أساليب ومناهج جديدة مع جزء من عملها المسخر في جوانب تخدم أطروحة استثمارية أخرى -تنظيم الأهداف (سيأتي لاحقاً) -. على مدى المجتمعين التي تعمل عليهما المؤسسة، أو ممولين بناء على المجتمع (Tulsa, Oklahoma, and Guilford County, North Carolina)، فإن المؤسسة تسمح للمستفيدين بالتنسيق والتعامل مع منظمات أخرى أو قادة المجتمع المحليين حتى يتابعوا الأهداف المتعلقة بالسكان المحليين أو المجتمعات المماثلة.

بالمجمل، التمويل المؤسسي يطرح أطروحة استثمارية واضحة -دعم وتمويل المؤسسات القوية- والمقابلات مع المستفيدين والممولين يبدو أنها واضحة خصوصا من ناحية تحصيل القيمة. فبينما يعتبر التغيير المنهجي العام هدفًا مهما وموضع نقاش، إلا أن نجاح المستفيدين الأفراد واستراتيجياتهم يقودإالى نجاح المؤسسة التعاونية بشكل كبير.

  • أطروحة بناء مجال الفاعلية

المؤسسات التعاونية التي تقوم بمتابعة الأطروحة الاستثمارية أنما تبني أو تشكل مجالاً محددا أو مجموعة من الممارسات[13]. فهم يتطلبون تقوية البيئة المتاحة، ويحاولون توفير الاستمرارية، والدعم على المدى الطويل لهذه القضايا وللمستفيدين، كما هو بالنسبة لاهتمام أي ممول سواءً زاد أو نقص.

مؤسسة (Funders Collaborative on Youth Organizing (FCYO))[14] التي تم إنشاؤها عام 2000 م، تضم 12 ممولاً لزيادة مصادرهم في دعم القيادة والتنظيم عند الشباب. ومن المهم أن نعلم أن هدفها ليس تحقيق نتائج محددة. بل بدلا من ذلك تركز على تقوية وتعزيز القيادة عند الشباب ذوي الدخل المنخفض وأصحاب الأعراق المختلفة، حتى يستطيعوا المناصرة والدفاع عن العديد من مجالات القضايا.

تقول ماريا بيرنس “مؤسسة (FCYO) تقدم لنا التمويل الأساسي والإلهام الذي يسمح لنا بالتطور من كوننا مؤسسة تعتمد على المتطوعين إلى مؤسسة بكامل موظفيها” وهي المديرة التنفيذية لمؤسسة (InnerCity Struggle)، والتي تعمل في منطقة (Eastside) في لوس أنجلوس التي تتطلب: مدارس ذات كفاءة، زيادة المشاركة المدنية، ومنع الإخلاء السكاني. وتقول بأنه “أصبح لدينا القدرة على زيادة ظهورنا مع الممولين الوطني، وأن نعيد تركيزنا على استراتيجياتنا للتعجيل بالعدالة التعليمية، وبناء قاعدة دعم محلية. وبواسطة الدعم والتمويل المقدم من مؤسسة (FCYO) نجحنا في تأمين وبناء 3 مدارس ثانوية عمومية جديدة في عدة أحياء “. وتدعو المؤسسة إلى زيادة التمويل، وعمل الأبحاث، وإيصال تأثير الشباب إلى منصة أكبر.

سواء كان المستفيدون يفضلون المال أكثر من الخدمات التي تقدمها أم لا: فإن ذلك سيكون بمثابة اختبار بالنسبة لممولي المؤسسة التعاونية، وبالطبع سيكون كذلك أيضا للممّولين المنخرطين في هذا المجال.

يقدم العاملون في هذه الأطروحة قيمة غير شائعة ومختلفة بالأساس. فهم بالعادة يوظفون أو يتعاقدون مع خبراء ليقوموا بتنفيذ النشاطات مثل: تحديد الفجوات في الميدان، تطوير الاستراتيجيات، ودعم التنفيذ، وهذا ما لا يستطيع الممولون الافراد ولا حتى المستفيدين أن يفعلوه وحدهم. وهي بالعادة تضطلع بدور تنفيذي واحد أو اكثر، متضمنا ذلك: التنظيم، المناصرة، البحث ومشاركة أفضل الأساليب، توفير التدريب، وتوفير خبراء تقنيين.

وقد ذكر المستفيدون فوائد مثل تعاونهم مع مستفيدين آخرين، بناء القدرات، والحصول على التمويل بشكل سريع. تقول انيتا كاشو (Anita Khashu)، مديرة صندوق الحريات الأربع (FFF) “في سبيل تحريك شيء في السياسة الفدرالية، فيجب أن يكون ذلك حركة قوية، تنظيم ميداني، ومناصرة على مستوى الولاية والمستوى المحلي، وليس فقط اللجوء للدائرة القريبة من السلطة”. في تقييم مستقل لهذا الصندوق عام 2012 تحدث المستفيدون عن القدرة الكبيرة في تنفيذ سياساتهم والجهود المقدمة للتأييد بشكل فعال، وثلاثة أرباع المستفيدون عبروا عن الوضوح الشديد حول دور المؤسسة في تطبيق الاستراتيجيات المحلية أو استراتيجيات الولاية. وقد أشار أحد المستفيدين إلى ذلك بقوله “بالإضافة إلى التمويل فإن صندوق الحريات الأربع، كان يعمد إلى بناء القدرات، توفير الأدوات والتدريب اللازمة للمستفيدين، بحيث تكون مصممة لنطاق عمل المستفيد. هذا الجزء هو ما يجعل هذا الصندوق فريداً. فممولينا الآخرين لا يوفرون هذا المستوى من الدعم “.

العاملون في هذه الأطروحة في دراستنا كان نصيبهم في المتوسط مبلغًا صغيرًا من التمويل الإجمالي، ومع ذلك كانت لديهم أعلى تكلفة تشغيلية بسبب أنهم بالعادة ينخرطون في نشاطات متخطية للمنح التمويلية. هذه النشاطات الإضافية تعني أن المؤسسات التمويلية تخاطر بالمنافسة مع المستفيدين على الموارد النادرة، وأحيانا يكون ذلك في مجالات يكون فيها المستفيدين في موقع أكثر قوة لأداء هذا العمل. أحد أعضاء المؤسسات التعاونية المختصة في بناء المجال يقول: “بعض الخبراء الذين جلبناهم لمتابعة ما ينخرط فيه المستفيدون ذوي الخبرة العالية، كأنما أصبحوا يحتاجون تعلم أساسيات المناصرة”. وقد ذكر أحد المستفيدين بأن: الناس تشعر بأنه من المبالغة الشديدة أن يوظف 3 أشخاص للأشراف على المستفيدين، ويقول “ألا يمكنهم فقط منحي التمويل؟” وسواء كان المستفيدون يقدرون المال أكثر من الخدمات التي تقدمها المؤسسات التعاونية بصفتها اختبارا حقيقيا للتمويل التعاوني، وفي الواقع أنهم كلهم ممولين منخرطين بشدة.

يجب على مؤسسات بناء المجال تحقيق التوازن الصحيح بين المؤسسة التعاونية والتحكم بالمستفيد على استراتيجية معينة. فالمستفيدون أبلغوا بأن المؤسسات التعاونية أحيانا تحاول أن تتحكم بشكل أكبر. فأحد المستفيدين أشار إلى أن (التعاون هو مركز التحكم في النظام الاقتصادي). ويقول “أن هناك فرصة كبيرة ضائعة لدعم ودمج المجال بطرق تحرك من سيطرة المانحين”

وعلى الرغم من تلك المخاوف، فالمؤسسات القوية التي تتبنى هذه الأطروحة بشكل عام مقدرون بشكل كبير من قبل الممولين والمستفيدين معاً، فقد حصلوا على درجات مرتفعة من ناحية التأثير. ولكن المثير للاهتمام، أن هذه النوع من المؤسسات التعاونية تعتبر أقل من تم مناقشته في الأبحاث عن المؤسسات التعاونية الممولة، ومقارنة بالآخرين يعتبر الأقل تمويلاً.

  • أطروحة تنظيم الأهداف

تسعى المؤسسات التعاونية التي تختار أطروحة الاستثمار هذه أن تحقق النتائج عن طريق تحديد أو خلق توافق استراتيجي بين الممولين لتطوير أهداف منظمة وتحقيق (إنجازات يمكن كسبها). فهم ينزعون إلى أن يكونوا ممولين أكثر من الأطروحتين السابقتين، مع أنهم في أفضل الحالات، يضمون أصوات المستفيدين والمجتمع في كل من استراتيجياتهم وتنفيذهم. على عكس أطروحة بناء المجال، فهم بالعادة لا يقومون بتنفيذ البرامج بأنفسهم. بدلا من ذلك فهم من الممكن أن يعملوا كمحفزين لتطوير التنظيم والتوائم في الأهداف الشائعة. في دراستنا، وجدنا أنه نظرًا للتعقيد والطموح الموجود في أهدافهم، بسبب أنهم يريدون أن ينظموا الاستراتيجيات عبر الممولين والمستفيدين، فإن هذه المؤسسات التعاونية من الصعب أن تحصل على الحقوق.

ومن الأمثلة على ذلك تحالف المناخ واستخدام الأراضي (CLUA)[15]، الذي يركز على دعم سياسات استزراع الأراضي والممارسات التي تخفف من التغيرات المناخية، واستفادة ودعم السكان الأصليين، وحماية الأراضي المتنوعة. منذ عام 2010 م التزم ممولوها الخمسة (Margaret A. Cargill Philanthropies، ClimateWorks، Ford Foundation، Gordon and Betty Moore Foundation، David and Lucile Packard Foundation) بدفع أكثر من 500 مليون دولار لمجموعة من الاستراتيجيات المشتركة. خارج عمل هذه المؤسسة، فإن الممولين يحققون العمل المتعلق بالمناخ بطرق عدة، على سبيل المثال التركيز على العدالة الاجتماعية، استزراع الأراضي أو التنوع الحيوي. ولكن عملهم التعاوني مع هذا التحالف يسمح لهم بالعمل معا حول ما يؤمنون به جميعاً.

يقول والت ريد مدير حفظ الموارد الطبيعية والعلوم في مؤسسة (Packard) والمؤسس الممول لتحالف المناخ بأنه: “أنت تبحث عن المجالات المتداخلة، الأماكن التي من الممكن بها أن تكون قادرًا على تعزيز الأهداف المشتركة بالعمل المشترك”. وأن أفضل المؤسسات التعاونية محاذاة للأهداف تستفيد من قوة حدود التمويل عند أعضاءها، ويوضح ذلك بقوله: “تمويلي يمكن أن يوجه الأموال إلى الخدمات لا التأييد، بينما تمويلك سيمول التأييد وتغيرات النظام طويلة المدى، لذلك ليستفيد كل أحد من قوته بطريقة منظمة”. في الوقت نفسه فهم يحرصون بأن الاستراتيجية العامة لن يتم تخفيفها إلى نهج القاسم المشترك الأدنى “لا أستطيع تمويل النصرة، وأنت تحتاج أن تركز على الأنظمة، لذلك دعنا نجد شيئا سهلاً وليس مثيرًا للجدل حتى يمكننا أن نتفق على الاستثمار فيه”.

ومن خلال إيجاد نهج تكميلية، حقق تحالف (CLUA) نتائج مهمة. فوفقًا للتقييم الخارجي لعام [16]2017، قد وُجِد أن: (في المجمل حجم نتائج وتأثير تحالف المناخ يرقى إلى كونه إنجازات معتبرة على ثغور عدة). على سبيل المثال في المكسيك حيث كانت أهداف التحالف مساعدة على تقليل انبعاثات الغابات إلى صفر، وقد وجد التقييم بأن دعم المؤسسة للسكان الأصليين ومجتمع الغابات قد عزز (المستفيدين) القدرات للدعوة الوطنية، والحرص على التشاور بشكل أفضل والانخراط في التأثيرات الملموسة بالنسبة للمخرجات التي يعمل عليها التحالف.

وعندما ينجح هذا النوع من المؤسسات التعاونية فإنه لا يسمح للممولين فقط بالجانب التنظيمي لاستراتيجياتهم الفردية، ولكن أيضا يسمح بجلبهم لممولين جدد. لنأخذ في الاعتبار مؤسسة (Water Funder Initiative)[17]، التي تركز على الحد من ندرة المياه وزيادة موثوقية المياه النظيفة في غرب أمريكا. تقول أليسون هارفي تورنر من مؤسسة (S. D. Bechtel, Jr. Foundation,)، وهي أحد مؤسسي هذه المبادرة: “أردنا معرفة كيف نشرك العديد من الممولين”. وقد وضحت بأن هناك مجموعة صغيرة من ممولي المياه الموجودين و”جلسنا جميعًا لنفكر كيف يمكن للعمل الخيري أن يلعب دورًا في نفع الاقتصاد، قمنا ببعض العمل بخصوص الشكل النهائي وتحدثنا مع ممولين أكثر لنعرف ما سبب التردد في التمويل”

وقد أشارت إلى فائدة أخرى من العمل معًا وهي القدرة على التعلم من استراتيجيات بعضنا البعض. وحتى الآن، فقد خصصت مبادرة تمويل المياه 175 مليون دولار لدعم استراتيجياتها ذات الأولوية، بما في ذلك 40 مليون دولار في التمويل الجديد. وقد ساعد ذلك في تحقيق بعض الإنجازات المهمة والفارقة، منها: إنترنت المياه[18] وهي عبارة منصة تهدف إلى تحسين الوصول إلى البيانات المتعلقة بالمياه؛ لدعم طريقة أخذ القرارات في ما يتعلق باستعمالها، وكذلك مكتب المياه[19] وهو : منظمة إخبارية مستقلة تركز على مشاكل المياه في الولايات الأمريكية الغربية. بالإضافة إلى ذلك فقد ساعدت هذه المبادرة في ضمان الاتفاق الأخير المقام بين 7 ولايات وبين الحكومة الفيدرالية لحفظ وضبط المياه المرن في حوض نهر كولورادو.

غالبًا لا يعرف المستفيدون من أطروحة تنظيم الأهداف ماهي المؤسسة التعاونية التي تمولهم، وأن كان التمويل قد يأتي من ممول فردي؛ لذلك من غير المستغرب أنه في المتوسط هؤلاء المستفيدين هم من يجنون فوائد أقل من تمويل المؤسسة التعاونية، حسب العينة التي أجرينا عليها دراستنا. ومع ذلك فقد أفاد أحد المستفيدين من مبادرة تمويل المياه عن فوائد معينة، على سبيل المثال: أن التوافق الحاصل بين أعضاء المؤسسة التعاونية على عمل المستفيدين؛ يمنح الثقة ويعززها عن الممولين الآخرين.

عندما قابلنا الممولين والموظفين في المؤسسات التعاونية التي تتبنى أطروحة الاستثمار هذه اندهشنا بحجم التحدي المتمثل في الجمع بين مجموعة غالبها من الممولين الكبار للموافقة على الإنجازات القابلة للتحقيق، والاستراتيجية المعتمدة من قبل المؤسسة التعاونية في تحقيقها. بدون تنظيم متداخل قوي سيظهر أن هذا النوع كلام بلا عمل. ولكن مع ذلك، قد لا يكون متضحًا في البداية كون التوافق موجود أو لا. وسكوت كولن (Scott Cullen) المدير التنفيذي لمؤسسة (GRACE Communications Foundation) وعضو في المؤسسة التعاونية الممولة (الاتحاد العالمي لمستقبل الغذاء Global Alliance for the Future of Food)[20]، يوضح بأن (الوقت المطلوب للمشاركة بإخلاص يعتبر كثير). وأشار إلى أن مثل هذه المؤسسات التعاونية تعمل فقط إذا كنت تملك ممول مساعد يكرس نفسه لها على سبيل المثال: “أحد موظفينا يقضي 60% من وقته بهذه المؤسسة التعاونية”. ونظرًا لكثرة الوقت المطلوب، فأن هناك مخاطر بأنه ممّولي هذا النوع من المؤسسات قد يركز على العمل مع بعضهم على حساب الانخراط مع القادة في الميدان، والمجتمعات، والأفراد الذي يحتاجون المساعدة. وكل هذا يخبرنا، بأنه قد يكون مجموعة الممولين الذين في نفس المساحة ولديهم استراتيجيات غير منظمة ما هم الا كابوس من نوع آخر.

البحث عن أطروحة الاستثمار الصحيحة

يبقى السؤال هنا كيف يمكن للممولين الذي يعملون كمجموعة أن يجدوا الأطروحة الاستثمارية الأولية لمؤسساتهم التعاونية؟ الأطروحة الاستثمارية تظهر من نوع التأثير الذي يترقبه أعضاء المؤسسة التعاونية، والقيمة التي ستحصل ويتوقعونها من عملهم مع بعضهم، وكيف سيستثمرون مع بعضهم لتحقيق تأثيرًا أكبر مما كانوا سيفعلونه لوحدهم.

تمثل (مرحلة البداية) الفرصة المهمة الأولى لتناول هذه الأسئلة بصراحة ووضوح. عندما يكون واحد من أهم الفوائد المحتملة للمؤسسة التعاونية -كما قد يكون أهم التحديات المحتملة- هو تنوع الاهتمامات، المعرفة ووجهات النظر، فمن المهم ترك المداراة وإبراز إيجابية تنوع الأساليب من البداية.

(على الرغم من أهمية مرحلة البداية، فإن كل المؤسسات التعاونية الممولة من الذين درسناهم قد غيَّر أو عدل نهجه بشكل كبير في حياته لاحقا. والذي يميز المؤسسات التعاونية القوية عن الفاشلة، هو أنهم سيمرون بهذه المرحلة).

والتر ريد مدير (Packard) يقول: “إن أعضاء (CLUA) بدأوا العملية باستراتيجيات مختلفة وتفكير بطرق مختلفة”. فهو يرى أن مثل هذه النقاشات في المرحلة المبكرة مفيدة لتحدي تفكير المجموعة، وهو يحدث أحيانا في داخل أي مؤسسة. وشدد ممولون آخرون على أن مثل هذه النقاشات المبكرة تعد وسيلة لتحديد كل من مجالات التداخل الاستراتيجي وأي شيء غير قابل للنقاش قد يعيق العمل المشترك الفعال.

ترسيخ هذا المفهوم في الأطروحة الاستثمارية قد يوفر للممولّين نظرة محايدة في اكتشاف مجالات الخلل المحتملة. عند التواجه مع خيارات دعم المؤسسات القوية، مثل بناء المجالات أو تأييد النتائج المجدية، فإن معظم الممولين محتمل أن يختاروا الثلاثة. ومع ذلك فإن الفشل في الاتفاق على أطروحة استثمار أولية قد يأتي على حسب عدم الوضوح، وازدياد الخلافات، وضعف التأثير. على سبيل المثال: في أحد المؤسسات التعاونية التي فشلت أو تعثرت والتي أجرينا دراستنا عليها، كان هناك مموّلان يدعمان المستفيد الذي يعمل في مجال اهتمامها المشترك. أحدهما انضم إلى مجلس مؤسسة المستفيد للسعي في تقويتها وتنميتها. أما الآخر فقد كان مركزًا على بناء مجال أوسع وقد نفذ صبره من التقدم المحرز من قبل المستفيد. وجود أكثر من ممول واحد هو الذي ينتج مثل هذه التحديات، ويؤكد على أهمية كونك واضحًا في الأهداف التي تسعى إليها المؤسسة التعاونية وبشكل أهم ما الشيء الذي يُعتبر أولوية لها في حال الخلاف.

ومع ذلك، فمن الأشياء التي تشبه مرحلة البداية بالأهمية هو أن كل مؤسسة تعاونية ممولة درسناها قد غيرت أو عدلت نهجها بطرق مهمة لاحقا في دورتها الحياتية، والذي يميز التعاونية القوية عن الفاشلة هو تحديد وإعطاء تلك المرحلة حقها. فمع التغيرات التي تفرضها الظروف الداخلية والخارجية، بعض المؤسسات التعاونية التمويلية احتاجت لتغيير أطروحتهم الاستثمارية وما يتعلق بها من قيمة مقدّمة لأعضائها المتبرعين. على سبيل المثال: صندوق الحريات الأربع بالأصل تم تشغيله على أنه منظم للأهداف مع مهمة أساسية (محدودة بوقت) وهي تمرير إصلاح الهجرة. ولكن بما أنها تضاءلت احتمالات سن هذا التشريع، ومازالت المشكلة مستمرة، فإن الأعضاء التزموا بتعاون طويل الأمد، وضموا موظفين مع إمكانيات جديدة. ثم أصبح هذا الصندوق أحد بناة المجالات، ويعمل لتطوير قدرات طويلة الأمد على مستوى الولاية والمستوى المحلي لمجال حقوق المهاجرين.

إذا كانت التحديات التشغيلية على قدر من الجدية، فإن المؤسسات التعاونية قد تحتاج إلى التروي أو التكيف. بالنظر إلى أحد الأمثلة وهو مبادرة المناخ في أقليم أمريكا اللاتينية (LARCI). فقد أنشأها أربعة من ممولي البيئة الأساسيين للتصدي للتغير المناخي عن طريق أكبر المصادر الوطنية للغازات الدفينة في أمريكا اللاتينية، بالأخص في المكسيك والبرازيل. لكن نظرًا للاختلافات في السياقات الثقافية واللغوية والسياسية بين البلدين؛ فأن رئيس المركز لم يوافق على وجود استراتيجية مشتركة، والممولين لم يوافقوا على كيفية تقسيم المصادر على موقعين مختلفين جدًا، بالأخص أن هناك تحديات تشغيلية خطيرة. ولذلك قرر الممولون أن يقسموا هذه المبادرة إلى منظمتين مختلفتين لخدمة الاحتياجات المختلفة في كل من البلدين. في البرازيل المُنظَّمة الناتجة انتهى بها الأمر تعمل بشكل أساسي كمنظِّمة للأهداف (على سبيل المثال: إعادة تمويل الموارد بشكل كبير لتحقيق الهدف الرئيسي). وفي المكسيك أصبحت المنظَّمة أحد بناة المجال (إعادة التمويل، ولكن بنفس الوقت تنظم حملتها بنفسها). وكل من المنظمتين نجحا لكن بعد حاجتهم لقيمة مقدّمة مناسبة لسياقات البلدين.

في حين أن التحولات الداخلية والخارجية قد تحث مثل هذا النقاش، فقد رأينا أن التقييم من طرف خارجي، يلعب دورًا مهما في خلق الحوارات المهمة حول التوجه المستقبلي للمؤسسات التعاونية.

 

أسئلة موجهة للمؤسسات التعاونية الممولة

يجعلنا بحثنا متفائلين بأن التعاون قد يقود إلى قيمة حقيقة في البداية وعلى طول الطريق، تحت الظروف المناسبة، خصوصًا بأن هناك أربع مجموعات من الأسئلة يجب على كل مؤسسة أن تسألها نفسها، بدءًا من أطروحة الاستثمار وتمتد إلى الأبعاد الثلاثة الأخرى المتكرر ظهورها في الأبحاث بشكل عام أو بحثنا بشكل خاص.

  1. ما أهداف الأطروحة الاستثمارية الأولية التي تصف عملنا بشكل جيد؟ إذا لم نستطع تحديد الأطروحة الأولية، هل علينا توضيح نموذجنا؟ ما طبيعة الأهداف التي ستكون ذات أولوية لنا ونسعى لها (على سبيل المثال دعم المنظمات القوية، بناء المجال، أو تأييد النتائج المجدية في العالم)؟ كيف ستترجم هذه الأطروحة عملنا إلى اقتراح قيمة لممولينا والمستفيدين؟ (متضمنًا القيمة المادية وغيرها).
  2. كيف نريد العمل كمجموعة؟ ما (حصص الطاولة) الأولية التي سنلتزم بها (المالية، الوقت، المصادر الأخرى)؟ ما التوقعات المشتركة حول العلاقات، المبادئ، والقواعد التي سنضعها؟ ما نوع الهيكلة، الحوكمة، دور القادة، الموظفين الداعمين، وغيرهم من المتعاقدين الذين نحتاجهم لنوصل هذه القيمة؟ ما المخطط الزمني الذي علينا أن نضعه؟ (مستمر، محدود، متعلق بالتمويل).
  3. كيف نعرف القيمة التي سنوصلها؟ هل نحن نجمع تقييمات وملاحظات موثوقة من قبل الأعضاء، المستفيدين من التمويل، المستفيدين النهائيين، والبقية الأخرين في هذا المجال؟ هل لدينا تقييم أو تدقيق مستقل، وهل نحن نتعلم من وضعنا السابق؟ وكيف سنستخدم هذه المعرفة في تحسين وتطوير عملنا وعمل الآخرين؟
  4. في حال كنا مؤسسات تعاونية معتمدة على التمويل، هل نحن منخرطين بشكل صادق وفعال في المجتمعات المتنوعة التي نسعى لأحداث التأثير بها، على جميع نواحي عملنا (تأطير القضايا المهمة، وضع الأولويات، تقييم النجاح والفشل، تعديل عملنا كما يجب)؟ وما الطرق والعمليات الجارية التي من الممكن أن تساعدنا في إشراك المستفيدين بشكل جيد وتضم مضامين ووجهات نظر متنوعة لعملنا؟

بما أن العديد من الممولين يضعون بالاعتبار الدخول للمؤسسات التعاونية التي تضع أهدافا طموح للتغير الاجتماعي، فهم سيستفيدون من إشراك بعضهم البعض في هذه الأسئلة بصراحة.

اقرأ ايضًا: المعايير الجديدة لتحسين أداء المؤسسات غير الربحية


[1] https://www.bridgespan.org/insights/library/philanthropy/how-philanthropic-collaborations-succeed-and-fail

[2]https://ssir.org/articles/entry/barriers_to_funder_collaboration_and_the_will_to_overcome_them

[3] https://grantcraft.org/content/guides/funder-collaboratives/?_ga=2.155867899.1111863399.1562102551-386328773.1562102551

[4] https://www.fundersnetwork.org/files/learn/Moving_Ideas_and_Money_Paper_2002.pdf

[5] https://www.rockpa.org/wp-content/uploads/2018/10/10-20-RockPA-Scaling-Solutions-02-WEB-1.pdf

[6] https://www.hudson.org/research/2805-one-cheer-for-collaboration

[7] https://www.netpromoter.com/know/

[8] https://www.rockpa.org/wp-content/uploads/2018/10/10-20-RockPA-Scaling-Solutions-02-WEB-1.pdf

[9] https://neophilanthropy.org/collaborative-funds/four-freedoms-fund/

[10] https://hbr.org/2017/09/audacious-philanthropy

[11] https://www.bigbangphilanthropy.org/

[12] https://www.emcf.org/our-strategies/blue-meridian-partners/

[13] https://ssir.org/articles/entry/field_catalysts

[14] https://fcyo.org/

[15] http://www.climateandlandusealliance.org/

[16] http://www.climateandlandusealliance.org/wp-content/uploads/2017/05/CLUA-Evaluation-Report-Summary.pdf

[17] https://www.waterfunder.org/

[18] https://internetofwater.org/

[19] https://www.colorado.edu/cej/waterdesk

[20] https://futureoffood.org/

المصدر
ssir

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى