مراجعات كتب

حديث الذكرى .. بين يدي «ذكرى عهود» للزيات

د. عبد الرحمن بن حسن بن قائد

ولد أحمد حسن الزيات على المشهور في الثاني من أبريل سنة 1885، أو قبل هذا التاريخ بسنتين كما يقول ابنه علاء، في كفر دميرة القديم بمركز طلخا مديرية الدقهلية بمصر لأبٍ وأمٍّ قرويين متوسطي الحال، يعيشان على الزراعة كسائر أهل قريتهما، وهو الابن الثالث لأبويه بين خمسة من الإخوة وأختين.

دخل الكتَّاب في الخامسة من عمره، وحفظ فيه القرآن وجوّده، وظلَّ به حتى بلغ الحادية عشرة، ثم أرسله أهله إلى معلِّم آخر في الدقهلية فأخذ عنه بعض علم القراءات في سنة.

وعندما بلغ الثالثة عشرة انتقل إلى القاهرة للدراسة في الأزهر، وهناك ظهر ميلُه لدراسة الأدب وعلوم العربية، وكان أعظم شيوخه أثرًا عليه: سيد بن علي المرصفي، وابن التلاميد الشنقيطي.

كان المرصفي صديقًا لمستشرق فرنسي اسمه الفرير بلاج، يعمل مفتشًا عامًّا للغة العربية بالمدارس الفرنسية بالقاهرة، فرشَّح له المرصفيُّ تلميذه الزيات ليدرِّس في مدرسته بالخرنفش سنة 1907، وبقي فيها إلى سنة 1914.

وكان في تلك الأثناء يتعلم اللغة الفرنسية، ويدرس بالجامعة المصرية التي حصل منها على إجازة الليسانس سنة 1912.

انتقل بعد ذلك إلى التدريس في المدرسة الإعدادية الثانوية بميدان الظاهر، وظلَّ بها حتى سنة 1921، وشهد خلالها ثورة 1919.

اختارته الجامعة الأمريكية بالقاهرة سنة 1922 ليرأس القسم العربي فيها، فانتقل إليها وبقي فيها إلى سنة 1929.

وفي أثناء ذلك درس الحقوق الفرنسية سنة 1922 دراسة ليلية، أمضى فيها ثلاث سنواتٍ بمصر وسنة بفرنسا حيث امتحن هناك وحصل على الليسانس من كلية الحقوق بجامعة باريس سنة 1925.

وفي سنة 1929 انتدب للتدريس بالعراق بتوصية من العقاد الذي كان قد رشحه طه الراوي، فاعتذر لارتباطه مع حزب الوفد وخوضه المعركة الانتخابية حينئذ. وبقي الزيات هناك ثلاث سنوات.

عاد إلى مصر سنة 1933 وأنشأ «مجلة الرسالة» ورأس تحريرها عشرين سنة حتى آذنت بالغياب سنة 1953، ثم عادت بعد ذلك سنة 1963 ولم تلبث غير سنتين حتى أغلقت أبوابها مرة أخرى.

عيِّن عضوًا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 1948 واستمر فيه حتى وفاته، كما كان عضوًا بالمجلس الأعلى للفنون والآداب، ومديرًا لمجلة الأزهر ورئيسًا لتحريرها بضعة أشهر من سنة 1953 ثم عاد إليها سنة 1959.

توفي في 12 مايو سنة 1968 عن 83 أو 85 سنة.

وترك من الكتب المطبوعة: تاريخ الأدب العربي، آلام فرتر (ترجمة)، رفائيل (ترجمة)، في أصول الأدب، دفاع عن البلاغة، مختارات من الأدب الفرنسي، ضوء القمر وقصص أخرى، وحي الرسالة، في ضوء الرسالة، بحر الآداب[1].

أدرج الزيات في آخر الجزء الأول من كتاب «وحي الرسالة» طائفة من آراء كبار الكتَّاب في كتابه، كشيخ الأزهر المراغي، وخليل مطران، والعقاد، وتوفيق الحكيم، وزكي مبارك، ومحمود شاكر، وغيرهم من أساطين عصره، وهي آياتٌ بليغة على أدبه، وشهاداتٌ عالية لمريد التعرُّف إلى فضله.

*    *    *

* حكاية «ذكرى عهود» :

شرع الزيات حين بلغ أشدَّه وجاز الأربعين من عمره في تدوين ذكرياته عن طفولته وقريته ومرابع صباه وفتون شبيبته، وابتدر نشرها في بعض مجلات القاهرة المغمورة لذلك العهد، وكان حريصًا على أن يجمعها في كتاب اختار اسمه ووضع مقدمته وبشَّر به خاصَّة صحبه قبل أن يتمَّ أمره ويستوي على سوقه، نجد ذلك في رسالة نادرة بعثها الزيات لصديق عمره وعمدة قريته حسن عبد العزيز الدالي في 28 مارس 1928 إبان عمله في الجامعة الأمريكية بالقاهرة رئيسًا للقسم العربي قبل أن يرحل إلى العراق بيسير، قال فيها بعد أن قصَّ عليه خبر عملية جراحية أجراها -وتجدها في باب «أنا والمرض» من كتابنا-:

«عزيزي حسن ..

… أرسلتُ إليك «الجديد» بالأمس قبل إجراء العملية، ولم أتمكَّن من كتابة شيء معه إليك، واليوم أرسل إليك «مصر الحديثة»؛ لتقطع بها وقتًا من نهار الصَّوم الطويل الثقيل. أما «الجديد» فأظنك بحثتَ فيه عن شيء لي فلم تجد، ولكنك إذا قرأت المقالة التي عنوانها «ذكريات» ربما حنَّ دمك وحدَّثك قلبك أنها سالت من يراعي ومن دمي، هذه المقالة هي مقدمة كتابي «ذكرى عهود» الذي سأنشره في ذكريات الطفولة والشبيبة، وقد بعثتُ بها إلى مدير «الجديد» ونسيتُ أن أكتب تحتها إمضائي، فظنَّ أني لا أريد ذكر اسمي، فنشرها كما ترى! ربما نشرتُ شيئًا من هذه المذكِّرات في العدد القادم باسمي مع التنبيه على هذا النسيان»[2].

وقد أعاد الزيات نشر هذه المقالات عندما أصدر «الرسالة»، وزاد عليها كثيرًا من الصُّور والذكريات كما وعد. أما مقالته الأولى التي اعتبرها مقدمة لكتابه فقد تابعناه على هواه وصدَّرنا بها ذكرى طفولته فيما جمعناه من ذكرى عهوده.

ورسائل الزيات لصديقه حسن الدالي تبلغ نحو مئة رسالة، ظلَّت نائية عن اطلاع جمهرة القراء حتى عثر عليها تلميذ الزيات وبلديُّه الأستاذ محمد جاد البنا عند أسرة الدالي، ونشر منها بضع رسائل في مجلة «مصر» بالمنصورة (العدد الأول، أكتوبر 1974)، وهي ثروةٌ أدبية ذات خطر، ولم تنشر بتمامها حتى يوم الناس هذا.

 واظب الزيَّاتُ بعد تلك المقالات المبكرة على نشر ذكريات عهوده في مجلة «الرسالة» في إصدارها الأول والثاني وفي غيرها من المجلات التي كتب فيها بعد إغلاق «الرسالة»، وصرَّح في بعضها أنها من «ذكرى عهود»، كما في مقاله «صديقي الأول.. من ذكريات العيد في القرية» الذي نشره أول مرة في «مجلة الأزهر» (السنة الرابعة والثلاثون، شوال 1382- الجزء الثامن)، ثم نشره في «مجلة الرسالة – الإصدار الثاني» (العدد 1097، 21 يناير 1965) ووضع في صدره عبارة «صفحات من ذكرى عهود»، ولم يثبتها عندما أعاد نشره في «ضوء الرسالة» سنة 1963 كأنه أراد أن يدخره لكتابه الموعود أو خشي أن يذكِّر الناس به!

احمد حسن الزيات

وظاهرٌ من هذا أن الزيات أرجأ نشر الكتاب لآخر حياته، ليستكمل موادَّه على مُكث، ويحبِّر فصوله في أناة، فيكون خير ختام لتاريخه، كما أجاب الإعلاميَّ الشاعر فاروق شوشه عندما سأله في برنامجه الإذاعي «مع الأدباء»[3] قبل وفاة الزيات بنحو ثمان سنين.

قال له فاروق شوشه: منذ احتجبت «الرسالة» لم يعد القراء يجدون لكم كتبًا جديدة في المكتبات، فهل يعني ذلك أنكم آثرتم البعد عن عالم الأدب في الآونة الأخيرة؟

فأجاب الزيات: الواقع أني بعد أن قضيتُ عشرين سنة في تحرير «الرسالة» أعمل بلا انقطاعٍ ولا راحة، أدركني بعد احتجابها ما يدركُ المسافر من التعب بعد سفرٍ شاقٍّ طويل. ثم اتخذ هذا التعبُ شكل المرض في الأعصاب والنفس، فأخلدتُ قليلًا إلى الراحة، ثم عدتُ إلى الكتابة في مجلة الأزهر وبعض الصُّحف زيادةً على عملي في المجمع اللغوي، وأخذتُ أهيِّئ الأسباب لظهور كتابين أرجو أن يساعدني الله على إخراجهما، وهما «ذكرى عهود» و«عبقرية الإسلام»[4]، وسيكون هذان الكتابان كما أرجو خير ختام لحياتي الأدبية.

وكان قد سأله عن ذلك سؤالًا مباشرًا، فقال: يحرص كلُّ كاتب يشعر أنه أدى قسطًا كبيرًا من رسالته على تسجيل حكاية حياته الحافلة في قصَّة أو مذكرات أو ترجمة ذاتية. وحتى الآن لم نقرأ لك ترجمتك الذاتية في كتاب. ولعلك قد كتبت هذه الترجمة كما يقول بعض الأدباء. فهل يمكن أن تذكر لنا الخطوط العريضة لحياتك، خاصَّة الجانب الأدبي منها؟

فأجاب الزيات: من أحبِّ الأعمال إلى الكاتب إذا تقدَّمت به السنُّ واقترب من ساحل الحياة أن يجتَـرَّ ما مضى من حوادث عمره وتجارب قلبه بكتابة مذكراته أو ترجمة حياته؛ فإن الشيخ كما ستعلم بعدُ يعيش بالذكرى كما يعيش الشباب بالأمل. وقد حاولتُ فعلًا أن أكتب شيئًا من ذلك في كتاب سميته «ذكرى عهود».

وبعد ذلك بسنوات أجرى معه الأستاذ جمال الدين الرمادي حديثًا صحفيًّا لمجلة «صوت الشرق»[5]، وسأله عن «مشروعاته الثقافية».

فأجابه الزيات: لديَّ مشروعاتٌ كثيرة في مجلة «الأزهر» أرغب في الفراغ منها، كما أني أكتب الآن كتابين:

الأول عن «عبقرية الإسلام» أتناول فيه الروح الجمالية والفلسفية والقلبية في الإسلام.

أما الكتاب الثاني فهو بعنوان «ذكرى عهود» وهو عن ذكرياتي الخاصَّة وعن دراستي وتعليمي وجهادي في ميدان الفكر العربي[6].

وقد خطا الزيات في تنفيذ مشروع كتابه هذا خطواتٍ عملية، فجمع مقالاته التي قصَّ فيها ذكرياته مما نشره على طول حياته في الصُّحف والمجلات، وبدأ في لمِّ شعثها وترتيب متفرِّقها وإعدادها للطباعة، وهو ما أشار إليه في حواره مع فاروق شوشه بتعبيره «بتهيئة الأسباب لظهور الكتاب»، على مألوف عادته وعادة أكثر أدباء عصره من نشر المقالات منجَّمة ثم جمعها بعد ذلك في كتاب، كما فعل في «وحي الرسالة» و«ضوء الرسالة» و«أصول الأدب» وغيرها، ويدل على ذلك ما ذكره الدكتور عبد العزيز الدسوقي من أنه أجرى مع الزيات حديثًا صحفيًّا لمجلة «الهدف» سنة 1960 وحدَّثه عن كتاب «ذكرى عهود»، وأحضر له مخطوطته من مكتبته[7].

لكن حظَّ تلك الأضابير من المقالات المجموعة لم يكن خيرًا من حظِّ كتاب الزيات الآخر الذي فقده قبل ذلك، وهو كتابه «العراق كما رأيته» الذي ضمَّنه ذكرياته ومشاهداته في العراق عندما ذهب إليها مدرسًا (1929-1932)، فضاع ما جمعه منها، ولم يقدَّر له أن يراها مطبوعة في كتاب.

وقد سأل الدكتور مهدي علام نجلَ الزيات الدكتور علاء عن كتاب «ذكرى عهود»، فأخبره أنه لم يعثر على مخطوطات له بين أوراق والده، وأنه سأل الناشرين الذين كانوا ينشرون له فقالوا: إنهم لم يتسلموا له أصولًا[8].

وكذلك ذكر جمال الدين الرمادي أن القدر لم يمهل الزيات، فاخترمته يد المنون قبل أن يتمَّ هذا الكتاب[9].

وحكى الدكتور حلمي القاعود عن الزيات أنه حدَّثه قبيل وفاته بأنه كان يُعِدُّ أحد كتبه الأثيرة لديه للطبع، وضاع منه وهو يعمل في «العراق» في مدرسة المعلمين العليا بدار السلام، ثم قال: ويبدو أنه كان هذا الكتاب «ذكرى عهود»؛ لأنه لم يُنْشَر حتى الآن فيما أعلم[10].

وأخبرتْ تلميذة الزيات الدكتورة نعمات أحمد فؤاد -وكانت من خاصَّته، ولها منزلةٌ أثيرة منه، وتعتبره أبًا روحيًّا لها، وكان يقول عنها: إنه لم يُرْزَق بنتًا فوهبه الله على الكِبَر بنتًا تستار بسيرته وتشتار جناه، وقد عهد إليها في حياته بكتابة تقديم لكتابه «دفاع عن البلاغة»- أن الزيات كان «يحتشد في سنيه الأخيرة لكتابة كتاب يسميه ذكرى عهود، وقد كتب معظم ذكرياته في وحي الرسالة، ولكنه كان يريد أن يزيد عليها ويضيف إليها، ويخرجها في شكل منظَّم بين دفَّتي كتاب»[11].

 

* تحقيق أمنية الزيات :

وصلةً لرحم الأدب، وبرًّا بآله، نهضتُ لتحقيق أمنية الزيات هذه التي ظلَّ يتمنَّاها نحو أربعة عقود (1928 – 1968) منذ كتب مقاله الأول الذي اعتبره مقدمة لكتابه إلى حين مفارقته للدنيا قبل أن يراه مطبوعًا موسومًا بالاسم الذي سمَّاه به قبل أربعين سنة، فجمعتُ ذكرياته من كتبه المنشورة، ومما لم يُنْشَر من مقالاته المنثورة، وفيها مقالاتٌ تُنْشَر اليوم أوَّل مرَّة في كتاب، وكانت مطويَّة من قبلُ في زوايا الصُّحف والكتب والمجلات، وحرَّرتها، ورتَّبتها على عهود حياته، ونظَّمتها واعتنيتُ بها كما كان يريد أن يفعل أو كما لعله قد فعل، حتى استوى كتابًا مشرق الوجه، مطهَّم الخَلق، مليح القسمات، من أجمل ما أنت قارئ في أدب السِّيرة الذاتية البليغة المعاصرة.

 

* مصادر الذكرى :

من المجلات:

  1. مجلة الرسالة (الإصدار الأول 1933 – 1953).
  2. مجلة الرسالة (الإصدار الثاني 1963 – 1965).
  3. مجلة الرواية.
  4. مجلة الرسالة الجديدة.
  5. مجلة التربية الحديثة.
  6. مجلة الأزهر.
  7. مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
  8. مجلة الهلال.
  9. جريدة الشعب.
  10. مجلة العربي.
  11. مجلة قافلة الزيت.
  12. مجلة الآداب.
  13. مجلة مصر.

ومن كتب الزيات :

  1. وحي الرسالة.
  2. في ضوء الرسالة.
  3. في أصول الأدب.

ومن كتب غيره :

  1. هذا مذهبي، كتاب الهلال.
  2. أدب الزيات في العراق، لجمال الدين الآلوسي.
  3. مدرسة البيان في النثر الحديث، لحلمي القاعود.

 

* منهجي في الكتاب :

1. جمعتُ ذكريات الزيات في مختلف عهود حياته من كتبه ومن المجلات التي كان ينشر فيها مقالاته، ونسختها وقابلتها على أصولها، ورتَّبتها على مراحل عمره (الطفولة، والصبا، والشباب، والكهولة، والشيخوخة)، وختمتها بعهودٍ مؤتلفات يجمع كل عهد منها وحدة موضوعية خاصة لا تتعلق بمرحلة عمريَّـة بعينها، وهي (أنا والرسالة، أنا والمرض، أنا وهؤلاء، أنا والحياة). واجتهدت لغرض التصنيف في تقسيم العهود العمرية بما يتلاءم مع مجريات حياة الزيات وأحداثها، وليس ذلك بالتقسيم القاطع والحدِّ المحدود، فإن الناس لم يزالوا مختلفين في تمييز مراحل الطفولة والشباب والشيخوخة من جهة اللغة وعلوم التربية والاجتماع.

2. إذا كان المقال مما أعاد نشره الزيات في بعض كتبه أثبتُّ لفظ الكتاب دون أصل المجلة التي نُشِر فيها؛ لأنه آخر الأمرين من المؤلف وما استقر عليه اختياره، وأشرتُ إلى بعض الاختلافات المفيدة بين ما وقع في المجلات وما أصلحه الزيات عند نشر المقال في كتبه إشارات موجزة.

3. أكثر الزياتُ من الكتابة عن أعلام عصره في مجلته «الرسالة»، ولم أدرج في ذكرى عهوده مما كتَب عنهم إلا ما اتصل بموضوعه اتصالًا وثيقًا، واشتمل على شيء من سيرته الذاتية ولقاءاته بهم ومواقفه معهم.

4. وكذلك اقتصرت من المقالات الأخرى على ما هو داخلٌ في باب السيرة من مشاهدات الزيات ومسموعاته وآرائه الخاصة في الناس والطوائف والجماعات، وحذفت ما سوى ذلك كمقال «لحية بيضاء» و«على المصطبة» و«الخريف في الريف» ونحوها مما حكى فيه قصة وقعت لغيره أو مما رسم فيها صورة وصفية عامة للريف لعهده لا تتصل بشيء يختصُّ به. ومما تركته كذلك مقالات القصص التي لم يصرِّح الزيات بأنها وقعت له وكان هو من أبطالها، كمقال «رجلان وامرأة»، وإن كانت نعمات فؤاد تذكر أن عامة قصص الزيات التي قصَّها هي مما جرى له.

5. تصرَّفتُ في مواضع قليلة بإعادة صياغة بعض عناوين المقالات بما يلائم سياق السيرة، مع ذكر عنوان مقال الزيات الأصلي بعد العنوان الجديد، وعامة العناوين المثبتة في الكتاب هي عناوين الزيات التي جفَّ عليها مداد قلمه.

6. أفردتُ لذكرياته في العراق بابًا ضمن «عهد الشباب»، وإن كانت مادتها أشبه بكتاب الزيات المفقود «العراق كما رأيته»، لكني لم أر بأسًا من إثباتها في ذكرى عهوده؛ لفقدان ذلك الكتاب، ولضمِّ الجميع تحت عنوان الذكرى، فهي به أليق وللقارئ أنفع وأمتع.

7. فسَّرتُ ما غمض من الألفاظ والتراكيب مما لم يفسِّره الزيات في الحواشي، وختمتُ تفسيره بحرف (ز) تمييزًا له. وكان معتمَدي في عامة الأمر على «المعجم الوسيط» و«معجم تيمور الكبير».

8. نبَّهتُ تنبيهاتٍ متفرقة بعبارة وجيزة لتعيين مهمل أو كشف مشكل أو الدلالة على مصدر، ونحو ذلك مما يعين القارئ على الإحاطة بما يقرأ.

وبعد، فتلك سيرةٌ ذاتية رائقة لإمام من أئمة الأدب في العصر الحديث خلَّصتُها لك تخليصَ من طبَّ لمن حبَّ، فاقرأها – فديتك – بعين الأديب لا بنظر الفقيه،  والتمس منها المتعة لا القدوة، والعبرة لا الحجَّة، وابحث في سطورها عن تجربة الأيام لا عن منازل الأحكام، وتذوَّق ما اشتملت عليه من لطيف البيان وأعرض عن لغو القول وزلل اللسان، وإن تعثَّرتَ في سيرك بما تنكِر فجاوزه إلى ما تعرف، واحرص على ما ينفعك، واستصحب الحكمة في جميع أمرك، ولا تبتغ من كتب الأدب غير ما أنشئت له، ولا تكن – حرس الله مهجتك – كمن عمد إلى بلبل غردٍ فذبحه ليأكل لحمه، فما لذلك خُلِقت البلابل، وما كانت كتب الأدب مصدرًا من مصادر الشريعة، ولا مظنَّة لتحرير أحكام الديانة، وما أنت بجاهل لأعلِّمك أن الحلال بيِّنٌ وأن الحرام بيِّن، وإن أفتاك الناس وأفتوك! وقد تركتُ التعليق على بعض ما هو ظاهر المخالفة لأحكام الشرع من فتن الشهوات لعدم خفائه عليك إن شاء الله، وعلقتُ تعليقاتٍ مختصرة على مواضع التبس الحقُّ فيها بالباطل، وهي هناتٌ يسيرة مغمورة في بحر بلاغة الكتاب وبيانه العذب، وتلك غايته العظمى ومقصوده الذي من أجله تكلَّفتُ جمعَه وتعنَّيتَ قراءته.


[1]    يُنسَب هذا الكتاب إلى المستشرق الفرنسي بلاج مفتش اللغة العربية بمدارس الفرير، وقد ذكر الزيات في «وحي الرسالة» (2/375) أن من الإنصاف للحقيقة والتاريخ أن يقول: إن الذي حرَّر كتاب «بحر الآداب» في أجزائه الخمسة ووضع نثره ونظمه في هذا الأسلوب الأخير هو الشيخ أحمد حسن الزيات، وكان مدرِّسًا في كلية الفرير!

[2]    مجلة مصر، المنصورة (العدد الأول، أكتوبر 1974، ص 27)، عن «مدرسة البيان في النثر الحديث» لحلمي القاعود (224).

[3]    من برامج «البرنامج الثاني» بإذاعة القاهرة، وهو من أرقى البرامج الحوارية الأدبية في تاريخ الإعلام العربي، وقد دأب فاروق شوشه على نقل نصوص حلقات برنامجه ونشرها في مجلة «الآداب» البيروتية، ونشر حواره مع الزيات في العدد 12 من السنة الثامنة دیسمبر 1960، كما وضعه الزيات في صدر كتابه «في ضوء الرسالة» دون أن يسمِّي فاروقًا وبرنامجه.

[4]    نشر الزيات فصلًا منه أثناء الحرب العالمية الثانية في «مجلة الرسالة» (العدد 550، 17 يناير 1944)، «وحي الرسالة» (2/382) قال في أوله: «عبقرية الإسلام عنوانٌ وضعتُه لكتاب اشتغلتُ بإعداده منذ اشتغل العالم بهذه الحرب، وكان الذي وجَّه فكري إلى هذا الموضوع ما وقع فيه الناس كافة من هذا التفاني الذريع لأسباب لا يصعب حسمها على العقل الأصيل، وبداهة الرأي أن نرجع إلى ما شرع فاطر الأرض وواهب الحياة ومنزل الوحي، بعد أن عجز الذين طاولوه في ملكه من دهاقين الحكم وأساطين العلم عن قسم رزقه بين أشتات خلقه». ولعل هذا الفصل هو ما أطلع الزيات عبد العزيز الدسوقي عليه وذكر أنه يشبه أن يكون مقدمة الكتاب. وكأن الزيات أراد بكتابه معارضة كتاب «عبقرية المسيحية» لشاتوبريان. انظر: «قمم أدبية» لنعمات فؤاد (228)، و«النهضة الإسلامية» لمحمد رجب البيومي (1/348).

[5]    «وديع فلسطين يتحدث عن أعلام عصره» (1/51).

[6]    «مجلة قافلة الزيت» (سبتمبر – أكتوبر 1968، ص 17) مقال «أحمد حسن الزيات صاحب مجلة الرسالة» لجمال الدين الرمادي.

[7]    «مجلة البحوث والدراسات العربية» (العدد 1، 1969، ص 173) مقال «أحمد حسن الزيات» للدكتور مهدي علام. وأصله كلمة ألقاها في حفل التأبين الذي أقيم بمجمع اللغة العربية بالقاهرة يوم الثلاثاء 28 شعبان 1388- 19 فبراير 1968.

[8]    «مجلة البحوث والدراسات العربية» (العدد 1، 1969، ص 173).

[9]    «مجلة قافلة الزيت» (سبتمبر – أكتوبر 1968، ص 17).

[10]  «مدرسة البيان في النثر الحديث» لحلمي القاعود (225). ويشبه أن يكون الدكتور حلمي لم يضبط الحادثة لطول عهده بها، فإن الكتاب الذي فقده الزيات هو كتابه «العراق كما رأيته»، وقد ضاع منه بمصر لا العراق في قصة مشهورة حكاها الزيات في مقال أوردناه ضمن ذكرياته في العراق من كتابنا هذا.

[11]  «قمم أدبية» لنعمات أحمد فؤاد (227).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى