عام

الإرهاق الرقمي

"يُمكن أن تكون الأدوات التي نعتمد عليها في التواصل قوية وفعالة، فقط إذا عرفنا متى نتراجع"

  • أديل والتون
  • ترجمة: غادة القحطاني
  • تحرير: بدر بن حامد الحربي

أثناءَ فترةِ حظرِ التجوال كان لصانعي المحتوى نصيبُ الأسد من الاهتمام، فقد كانت فترةً تنبضُ بالإنتاجيةِ لكثيرٍ منهم؛ من تصوير محتوى جديدٍ، إلى ابتكارِ رسومٍ بيانيةٍ فريدة، فقد عُدّت تلك الفترة فرصةً جديدةً للإبداع.

ولكن سرعان ما تعرضتُ -أنا وآخرين غيري- لموجةٍ عاتيةٍ من القلق؛ وكي ننجو منها لجأنا إلى الأسلوب المتعارفِ عليه، المتمثل في إزالةِ تطبيقاتِ التواصل الاجتماعي لمدةٍ من الزمن، ومن ثم إعادة تثبيتها بعد مرورِ بضعةِ أيام.

استمر الإجهادُ العاطفي بالتدفقِ كالموج، نظراً لنشأةِ هذا الوضع الجديد واعتبارهِ أمراً سوياً.

ما أُدركه الآن هو أن هذا الأمر ليس عشوائيًا ولا فريدًا، بل إنه يمثلُ أعراضَ تجربةٍ جماعيةٍ أضخمُ؛ تسعى للارتطامِ بصانعي المحتوى، وبراحتهم النفسية، ألا وهو ما يمكن أن نسميه بـ (الإرهاق الرقمي).

وفي حين أن الإرهاق لا يعدُ ظاهرةً جديدةً على الإطلاق، فإن ما يجعل (الإرهاق الرقمي) ماكراً وخبيثاً للغاية هو عدم معرفتنا للمدى الحقيقي لتأثيرهِ على الصحةِ النفسية.

أطلقت (Netflix) الأسبوع الماضي -ولأول مره- فلمها الوثائقي الذي بعنوان (المعضلة الاجتماعية)، وقد أحدث الفلم صخباً بفعل المناقشاتِ التي دارت حول هذه القضايا.

من بين الاكتشافات الأخرى التي تُدهِش العقل – ربما كان الأكثر إثارةً للاهتمام- هو عرض الفلم لميزةِ التحديثِ على (Instagram)، التي تعمل عبر آليةَ تعزيزٍ إيجابية. لذا فإن المحتوى اللامتناهي المتاح لنا يدفعنا للبقاء مطّلعينَ على كل المستجدات، فيصبح الشعور المُلِح بالحاجة إلى الإنتاج المستمر، والتطلعِ إلى إنجازنا التالي؛ هو شعور لانهايةَ له، والذي قد يُغرِقُ صاحبه.

وقد سرَدت (اليُوتيُوبَر) -الشهيرة في مجال الكتب- هينا بريان تجربتها مع وسائلِ التواصل الاجتماعي، قائلةً: “قد أجد نفسي في دوامةٍ من الهوسِ، والاضطراب، حول إنتاجِ المحتوى بشكلٍ أسبوعي لضمان استمرار تطور برنامجي؛ فأدى ذلك إلى زيادة القلق، الذي يتخلله الخمول بين الفينةِ والأخرى، وهو الأمر الذي لا يمكن تحمله، والذي يضع حداً للّتطور”.

ففي عالم رأسمالي -حيثُ نتعلم أن قيمتنا تعتمدُ بطبيعتها على ما ننتجه- أثبتَ حظر التجوال أن هذا العالم آلة لتضخيم الضغوط الواقعة علينا. لقد عرّفتنا وسائل التواصل الاجتماعي على مجالِ عملٍ جديدةٍ بالكامل، ومع تحول صناعة المحتوى إلى مسار دخل قابل للتطبيق، في سوق عملٍ محفوفٍ بالمخاطر، فالعديد من اليافعين لا يرغبون بتكوين متابعين، ولكنهم مضطرون – فعلًا- لذلك.

ونظرًا لأن الاستمرارية هي المفتاح، فغالبًا ما نشعر أنه ليس بمقدورنا أن نأخذ قسطًا من الراحة، وكما يقول أحد المشهورين في مجال إيجابية الجسد وهو(أوليماتا تيل): ” ثقافةُ المواكبة عبر الإنترنت، تعني: إن لم تقم بالنشرِ يوميًا، فسوف تتخلف عن الرَّكب. إنه تحدٍ هائل بالنسبة لي؛ لأنه حتى لو كنتُ بحاجةٍ لأخذِ يوم عطلة، سأشعر بالذنب لفعل ذلك”.

ويجد العديد من صانعي المحتوى أنفسهم يعملون باستمرارٍ من غير أن يراودهم شعورٌ بالاكتفاء؛

فيشيرُ (كليتشي أوكفار)  -وهو مؤسس المدونة الصوتية (Say Your Mind)- إلى هذه المعاناة؛ فيقول: “عند رؤيةِ العديد من القضايا عبر الإنترنت، غالبًا ما أميل إلى إبداءِ رأيي؛ في حين أن هذا مُحالٌ في واقع الأمر. ولتجنب الإرهاق، أتعمدُ التركيز – بشدةٍ- على القضايا التي تحتاجُ إلى دعمٍ وتتفاعلٍ مني بشكل فوري”.

وقد تُؤدِي متابعة المشاركة، ومقارنة العمل، والتشكيك في القدرات، إلى تدني الثقة بالنفس عند صناع المحتوى الرقمي، لذلك فإن المشهورة في مجال الجمال (أليس تي)، وهي واحدة من المشاهير الذين يحاولون مواكبة الجديد؛ فتقول: “عندما تصبح صناعة المحتوى أكثر من مجرد هواية، ومؤخرًا أصبحت مصدر دخل” وحيث يكون “الإرهاق الرقمي يتم بشكل أسرع من أي وقت مضى” فإن سبب ذلك يعودُ لأن “استخدام مشاركاتك كمقياسٍ للنجاح؛ قد يكون أمراً قاسٍ حقًا تجاه تصوركَ لذاتك. لذلك فإنني أتأكدُ من تخصيصِ وقتٍ كافٍ لإنشاءِ محتوًى أحظى بالمتعةِ عند صنعه، ويكون خارج نطاقِ العمل، ومدفوع الأجر؛ لتذكير نفسي بأسبابِ بدئي”.

وغالبًا ما يُنظَرُ إلى أخذِ وقتٍ للراحة على أنه تضييع للوقت غير مبرر. ومع ذلك يجب علينا أن نتمهلَ قليلاً، ونستعيدَ قوانا إذا أردنا أن نُحدِث تغييرًا كبيرًا على القضايا التي تهمنا. إن كونكَ مناصرًا للعدالة الاجتماعية -عبر الإنترنت- قد يُشعِرك بوجوب إثبات حضورك في كل قضية؛ وذلك بسبب زيادة إمكانية الوصول إلى المعلومات الجديدة.

وقد وجدت الناشطة البيئية والمناهضة للعنصرية مِكيلا لوتش أنها [لا] “تشعرُ بالذنب” عند عدم استخدام هاتفها، وذلك لشعورها بأن امتلاك رفاهية التوقف عن العمل عندما يتعلق الأمر بقضايا معينة هو من “امتيازاتها” ، وتضيف: ” أيضًا، بصفتي امرأةً ذاتَ بشرةٍ سوداء، فإن رؤيةَ وسائل التواصل الاجتماعي المليئةً بالعنف ضد ذوي البشرة السوداء تؤثرُ سلبًا على صحتي النفسية، وقد وَجدتُ أن قضاءَ عطلةَ نهايةِ الأسبوع (بعيداً) عن وسائل التواصل الاجتماعي -كما هو الحال في الوظيفة العادية- كان أمراً جيدًا بالنسبة لي”.

قد تُشكِل وسائل التواصل الاجتماعي أداةً قويةً، وفعَّالةً إلى حدٍ لا يصدق؛ إذا علِمنا متى علينا أن نتراجع.

إن وضعَ الحدود لوسائل التواصل الاجتماعية، سواءً كانت حدودًا زمنية، أو في شكلِ تقييدٍ للإشعارات؛ يمكن أن يساعدنا في التركيزِ على المهمة الحالية.. والحفاظِ على الحالة الذهنية على نحوٍ إيجابي.

ولا تزال وسائل التواصل الاجتماعي جديدةً للغاية، ومع الأعداد المسجلة من اليافعين الذين يعانون من مشاكل الصحة النفسية؛ فيتعينُ علينا أن ندركَ أن نمط الحياةِ هذا يأتي مصحوباً بمخاطر، مثل أي مخاطرَ أخرى.

وللمضي قدمًا، سأضع المزيد من الحدود عبر الإنترنت، حتى أتمكن من الحفاظ على حالتي الذهنية على نحوٍ إيجابي، والحفاظ على طاقتي، ومواصلةَ القيام بالعملِ الذي يحتاج إلى وجودي، وآملُ أن يجد الآخرون القوة لفعلِ الشيء نفسه.

اقرأ ايضًا: دليلك لنومٍ أفضل كل ليلة

المصدر
independent

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى