مراجعات كتب

نقد كتاب نقد الليبرالية

  • حصة بنت فهيد المريخي
  • تحرير: ريم بنت علي الطيّار

-أسباب اختيار الباحثة للكتاب:

يرجع اختيار الباحثة لهذا الكتاب إلى عدة أسباب، ويمكن إجمالها فيما يأتي:

– إماطة اللثام عن قضية فكرية تربوية معاصرة تعد من القضايا المهمة التي بحاجة إلى تسليط الأضواء عليها، وإجراء البحث المتعمق للكشف عن جوانبها الإيجابية والسلبية، وتصحيح المسارات الخاطئة التي تعكسها والتزم بها كثير من المفكرين والمثقفين.

-الاستفادة من المحاسن والإيجابيات التي تحملها أطروحة الليبرالية المتمثلة في المفهوم والأهداف والمبادئ، والعمل على تطبيقها في مجتمعاتنا العربية.

-معالجة السلبيات التي أفرزتها الليبرالية التي أضرت الفكر التربوي المعاصر بأبعاده المختلفة الثقافية، والفكرية، والفلسفية، والاجتماعية، ومثال ذلك:

-اختيار الكاتب المنهج النقدي يساعدنا على تنمية مهاراتنا كباحثين، وتدريبنا على كيفية ممارسة النقد الموضوعي البعيد عن تأثير الذاتية أو التحيز، وإنما يعمل على إبراز أوجه الحقيقية لتعم الفائدة بين التربويين والمثقفين والمفكرين.

وقفة مع عنوان الكتاب، وأسباب نجاحه وانتشاره

عنوان الكتاب: حمل الكتاب عنوان (نقد الليبرالية) للكاتب المغربي الطيب بو عزة، حيث توجه الباحث إلى تسليط الضوء على مذهب من المذاهب الفكرية المعاصرة، والقيام بنقدها نقداً موضوعياُ من خلال تتبع تاريخها عبر الأزمنة، وتطورها، ووصف طبيعتها، وذكر أعلامها من العرب والغرب، محاولاً إبراز الجوانب السلبية والجوانب الإيجابية مع طرح البديل عنها، وكما هو مبين من العنوان فإنه يتكون من كلمتين، الكلمة الأولى: نقد، والنقد الذي مارسه الكاتب هو نقد موضوعي مثالي، وله بُعد معرفي من أجل تأكيد القيم الإيجابية التي بثت في ثنايا الكتب، ومعالجة القصور في فهم الليبرالية بالمعنى الصحيح، ويبين أنه سيقوم بنقد الليبرالية من خلال مقاربة فلسفية تتناول أسسها النظرية لكشف زيف المزاعم الليبرالية الكبرى، وبنقد لواقع تطبيق وتطورات الليبرالية عبر التاريخ والحاضر، مع التنبيه أن نقد الليبرالية لا يعنى نقد الحرية، أو تمجيد الاستبداد، بل هو نقد لحصر الحرية بالليبرالية دون دليل.

والكلمة الثانية: تعني الليبرالية، فقد عرّف الليبراليون الليبرالية بأنها الحرية، ورد عليهم الكاتب بأن هذا التعريف “زيف”؛ لأن الحرية ادعتها كثير من المذاهب والفلسفات، ويرى أنه لا يوجد تعريف جامع شامل لها، فهي مثل الزئبق، والحقيقة هناك كثير من التعريفات، واسترجع الكاتب معناها من خلال المعاجم، وكتب التاريخ فوجد أنها من اللفظ اللاتيني ليبراليس، وتعني الشخص الكريم النبيل الحر،وخلص الكاتب إلى أن الليبرالية تعني: مذهب فلسفي/سياسي ونسق مجتمعي لها شروط، وسياق، وصيرورة، وتطور، ولابد من الإحاطة بها من أجل فهمها، وإبصار دلالتها الواقعية.

-أسباب انتشار الكتاب وشهرته:

– يحتوي الكتاب على عدد كبير من الأفكار والمعلومات الرصينة والمفيدة، ومن ذلك: يبين الكاتب أن الحرية اليوم هي تحرير الإنسان من الليبرالي خلاف الليبراليين الذي يرون أن الليبرالية هي الحرية.

-نبعت شهرة الكتاب من قدرة الكاتب الاستيعابية على تحليل أطروحة فلسفية قدمها رواد الليبرالية في مدارسها المختلفة: البريطانية، والألمانية، والنمساوية، والفرنسية، والأمريكية، وامتلاكه القدرة على نقد تلك الأطروحات من داخل سياقها، وبأدوات منهجية صارمة.

-نوع ومقدار الإضافة التي يضيفها الكتاب للفكر التربوي الإسلامي من خلال النواحي الآتية:

-إعادة صياغة المنظومة التربوية:

نحتاج اليوم وعلى ضوء فهمنا لكتاب نقد الليبرالية أن نستفيد من الأفكار الإيجابية التي عرضها المفكرون الليبراليون، وترك الأفكار السلبية التي تتعارض مع ثقافتنا الإسلامية؛ لنتمكن من إعادة صياغة منظومة تربوية من خلال بناء مكوناتها بطريقة تخدم مجتمعنا، وتتواءم مع الأطر التربوية الحديثة، ونرى أن إعادة صياغة منظومة تربويةللفكر التربوي يتم من خلال الوقوف على نشأة الليبرالية، وأهدافها، ومبادئها، وأسسها، واتجاهاتها كمدخل قائم على التنظير، بحيث نستطيع أن نضع تعريفاً محدداً ودقيقاً لليبرالية، ويتماشى مع الجوانب والأسس التربوية لثقافتنا، ومثال ذلك نرفض تعريف الليبرالية بأنها زئبقية في معانيها ونسقها الدلالي، كما نرفض أن تتعدد مفاهيمها بتعدد منظريها، وإنما نحتاج إلى صياغة مفهوم ليبرالي في الميزان الإسلامي، وإصدار حكم على الليبرالية من الوجهة الإسلامية، خاصة وأنها تنظر إلى الفرد نظرة مادية بحتة، أو قل بأنه آلة مسخرة لتحقيق أعلى قدر من الربح في ظل الرأسمالية الاقتصادية، ونحن بطبيعة الحال نرفض ذلك، ونؤكد ضرورة بناء الفرد بناء متكاملاً مادياً ومعنوياً، فهو المحرك الأول لبناء فكر ليبرالي جديد قادر على النهوض بالمجتمع وتحقيق أهدافه التربوية.

-البعد الفلسفي لمناهج التعليم

لقد أضاف الكاتب فائدة جديدةمن خلال نقده لليبرالية، ونرى أنها ذات فائدة عظيمة للمناهج التعليمية، وهي: أنه بالرغم من إهانة الإنسان إن جازت لنا هذه التسمية في أشكال الليبرالية (الرأسمالية، والسياسية، والاجتماعية) فإنه لا يمكن أن نقبل بذلك، فالفرد له قيمته التي تراعى في مناهج التعليم، وتتمثل إضافة الكاتب للبعد الفلسفي لمناهج التعليم تأكيده على أن الكائن الإنساني لا يمكن اختزال مفاهيمه المعرفية والأخلاقية والجمالية، ولا بد من تخطي مقولات كانط التي لم تنصف الفرد في الليبرالية الاجتماعية، والتربوية؛ فالفرد كما أوضح الكاتب من حيث هو كائن عارف فهو ينجذب نحو مثال الحقيقة، ومن حيث هو كائن أخلاقي فهو ينجذب نحو الفضيلة، ومن حيث هو كائن جمالي فإنه ينجذب نحو الجمال.

ونحن نرى ضرورة إحداث نوع من المواءمة، والتعديل، أو الإضافة للبعد الفلسفي الذي يبرز موقف الليبرالية من الفرد ليراعي أنماط الفرد الثلاثة؛ وهي الجانب المعرفي القائم على إدراك الحقائق، والجانب الأخلاقي القائم على مراعاة الفضيلة، والجانب الجمالي القائم على التذوق، وهي جوانب أساسية ومهمة للبعد الفلسفي.

وأضاف الكاتب أيضاً ازدهار الأدب السياسي في إنجلترا زمن جون لوك. وكذلك يمكن الاستفادة من أفكار مونتيسكيو في رؤية منهجية لتحليل النظام السياسي البريطاني عام 1688م وقد قسم هذا النظام إلى ثلاثة أقسام: مجلس العموم، ومجلس اللوردات والملكية، وهذا يمكن إدراجه في مناهج التعليم.

-أهداف التربية الإسلامية المعاصرة وتوجيه المجتمع نحوها

لا تتضح أهداف التربية الإسلامية بشكل مباشر من خلال نقد الكتاب، وإنما يمكن لنا أن نستنبط بعضاً منها:

-العمل على تحرير الفرد جسدياً وعقلياً من ملوثات الفكر الليبرالي الذي يرى أنه عبد مسير يجب عليه أن يقوم بأعماله المفروضة عليه بهدف إرضاء سيده، وإن قصر يحاسب.

-الإضافة الجديدة التي سجلها الكاتب أن القيم العليا؛ مثل الخير، والحق، والفضيلة إنما هي مرهونة بالفكر الليبرالي، وأسيرة له، وهذا لا يتفق مع التربية الإسلامية التي ترى أن الإنسان مخلوق سام ومفكر مبدع، وليس عبداً للغير، وإنما هو كائن حي له فكر ومشاعر وأحاسيس، وليس مخلوقاً حيوانياً، كما يدعي بعض أنصار الفكر الليبرالي.

-من خلال تأملنا وفهمنا للرؤية الفلسفية الليبرالية وأنماطها الثقافية والمجتمعية فإننا نرى أنها قد قامت بقلبوجود الإنسان من الماهية العاقلة إلى الماهية المالكة (التملك المادي له)، وأخذ الليبراليون رفع الشعارات التي تروج مبادئ الفكر الليبرالي بأنواعه المختلفة، وتعد مثلاً مقولة (الإنسان كائن اقتصادي) مرتكزاً أساسياً للفكر الثقافي الليبرالي، ولكن التربية الإسلامية المستمدة من الفكر الإسلامي ترى أن ذلك يعد انتهاكاً لسيادة الإنسان، والتقليل من قيمته، وأنه لا بد أن يتم التعامل معه وفق مبادئ سامية ومثل عظيمة.

-بلورة رؤية فكرية متناغمة للإصلاح في العالم الإسلامي

بعد قراءتنا لكتاب نقد الليبرالية نستطيع القول بأنه قد فضح أفكار الليبرالية ذات الأوجه السوداء، واستطاع أن يفند مزاعمهم، وهجماتهم التي وجهت بالدرجة الأولى إلى الإنسان باعتباره عبداً للآلة أو السبيد، ومن هنا فإنه ينبغي على التربويين، والمصلحين في العالم الإسلامي من الاستفادة من أوجه النقد التي طرحها الكاتب، بحيث يمكن الاستفادة من الجوانب الإيجابية وتعديل الجوانب الخاطئة بهدف تكوين فكر إصلاحي جديد كالفكر الإصلاحي، الذي رأيناه على يد المصلح خير الدين التونسي، وبيرم ومحمد بيرم الخامس، وجمال الدين الأفغاني وغيرهم الذين استطاعوا أن يؤسسوا لنهضة عربية شاملة.

ويمكن لنا أن نشير إلى أن مجالات الإصلاح المجتمعي والعالمي في ظل الليبرالية كثيرة، فمنها:

– إصلاح نظرة المفكرين الليبراليين للفرد وثقافته وقيمه، وإعادة بلورة جديدة له، بحيث يجب تحريره من العبودية إلى السيادة ليكون قادراً على المساهمة، والإبداع، والتميز.

– إعادة النظر في أبعاد الليبرالية الفكرية، والسياسية، والاقتصادية بحيث يتم الخروج بفكر موحد يهدف إلى ترسيخ أصول الليبرالية ذات الأبعاد الإيجابية، والتخلي عن الشعارات الرنانة.

-ضرورة توجه المفكرين الليبراليين إلى الاستفادة من تجارب الإسلام في كيفية التعامل مع الفرد، ودعوته إلى التفكير، والبحث، والتأمل، وكيفية بنائه في كافة المجالات، والوقوف على كيفية تعامل الإسلام في المواقف الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية.

– توجيه دعوة صادقة إلى المفكرين الليبراليين العرب المعاصرين بضرورة التوحد من أجل الخروج بنظرة موضوعية لكل ما يقال حول الليبرالية، وعدم الجري وراء المفكرين الليبراليين من الغرب، وترديد شعاراتهم دون أن يكون لها ترجمة حقيقية على أرض الواقع يمكن من خلالها إجراء إصلاح حقيقي وملموس.

-ترسيخ القيم الإسلامية، وتشكيل الشخصية الإسلامية:

من خلال عرض مفردات الكتاب المتعلقة بالقيم الإسلامية وجدنا أن الكتاب يقدم إضافة نوعية ذات قيمة عظيمة، وهي أن الكاتب عرض لنا موقف الليبرالية من القيم العظيمة، فالليبراليون يرون أن الليبرالية تعني الحرية، والحرية التي عنوا بها هي حرية الفرد في التفكير، والعمل، وامتلاك رؤوس الأموال ( كما في الليبرالية الرأسمالية)، وعمل الليبراليون على تمجيد هذه الحرية والتأله بها، وكذلك تعاملوا مع القيم الأخرى، كقيم الحق، والخير، والعدل، والجمال، وتمثلت الإضافة النوعية أيضاً هنا في أن الكاتب استطاع أن يفرق بين طبيعة القيم في الفكر الليبرالي، والقيم التي أراد أن يؤصل لها وفق الفكر الإسلامي الرامي إلى بناء شخصية إسلامية مرموقة لها مكانتها في الفكر والمجتمع، فالليبراليون تعاملوا مع هذه القيم على أنها قيم محسوسة مرتبطة بالمنفعة والغاية الميكافيللية، ولكن الكاتب اعترض على وجهة نظر الليبراليين، حيث اعتبر هذه القيم مثالية (معنوية) ذات أهمية كبيرة يمكن من خلالها بناء مجتمع واعد ينتمي الأفراد فيه إلى هذه الأصول.

– منهج المؤلف في الكتاب:

اعتمد الكاتب على المنهج الوصفي التحليلي الذي اهتم من خلاله بوصف الليبرالية كمذهب فلسفي، وفكري، وسياسي، واقتصادي، ثم تحليل ماهيتها، وأنواعها السياسية، والاقتصادية، والنيوليبرالية، والخطاب العربي المعاصر، وكانت عدته في ذلكعدة معرفية دونما اعتماد إلى الجدل، والآراء الحزبية، وكذلك اتبع الكاتب المنهج التاريخي من خلال تتبع الليبرالية في نشأتها، وتطورها عبر فترات زمنية ممتدة، ومثال ذلك أنه تتبع تعريفها من خلال المعاجم والتاريخ، وأشار إلى أنه لم يعرف لفظ الليبرالية حتى نهاية القرن الثامن عشر، بل عرفت في نهاية القرن التاسع عشر.

– الهدف من تأليف الكتاب

يقول الكاتب: إن الهدف من هذا الكتاب هو نقد الليبرالية نقداً مثالياً من حيث مفهومها، وقيمها، ومبادئها، وتطبيقاتها المجتمعية، وبوصفها الحل والنموذج الوحيد في مجال السياسة، والاجتماع بدون منازع، ومنافس، وعلى مستوى العالم، مع بيان الخلل في الرؤية الفلسفية للمنظور الليبرالي، والتركيز على فصل الحرية عن الليبرالية.

-عرض فصول الكتاب وأهمية كل فصل.

عرض الكاتب نقده لليبرالية من خلال ستة فصول رئيسة، وهي على الترتيب:

الفصل الأول: في دلالة مفهوم الليبرالية.

ويتفرع إلى فرعين: الأول: الليبرالية من دلالة المعجم إلى شرط الواقع، والثاني: في السياق التاريخي والثقافي لنشأة الليبرالية.

استطاع الكاتب أن يعرض بنجاح دلالة مفهوم الليبرالية، وتظهر أهمية هذا الفصل في أنه:

-تمكن من رصد صعودها في العقد التسعيني من القرن التاسع عشر بعد انهيار المعسكر الشيوعي والفكر الماركسي، فأظهرت من نفسها كنموذج فكري، وسياسي أقدر على تنظيم الاجتماع، وإدارة المشكلات السياسية والاقتصادية.

وفي الجانب الآخر ظهر توجه مخالف لها، واعتبرها قناع يتستر وراءه تغول الرأسمالية، وتفتيت أنساق القيم، وتدمير مقومات الأخلاق، وأنها عاجزة عن تحقيق الرفاه الاقتصادي.

-تتبع التطور الدلالي لكلمة الليبرالية في أنها مشتقة من الكلمة اللاتينية (ليبراليس) التي تعني الشخص الكريم النبيل الحر، تم تطورت إلى كلمة (ليبرال) التي تعني المتحرر فكرياً، وأخيراً ظهورها كمصطلح واضح رؤية مذهبية لها أساسها الفكري، ونظريتها السياسية والاقتصادية.

-أشار الكاتب إلى رؤى الليبرالية المختلفة، ففي الرؤية الفكرية تمجد حرية الاعتقاد، والتفكير والتعبير، وفي الرؤية الاقتصادية إعلاء حرية الملكية الشخصية، وفي الرؤية السياسية تعظيم حرية التجمع وتأسيس الأحزاب، والاعتزاز بالسلطة.

-ذكر الكاتب أن الليبرالية لم تنشأ بوصفها توكيداً لحرية الإنسان، بل بوصفها توكيداً للحاجة لاستغلاله بطرائق تناسب الثورة الصناعية،ولذلك ترافق مع انهيار نظام الإقطاع إبادة الهنود الحمر، واستعباد شعوب أفريقيا، ونهب خيراتها على يد النظام الليبرالي الرأسمالي، وقامت البرلمانات الليبرالية بتشريع ذلك،مما ينزع عن الليبرالية وهْم تحرير الإنسان، وأن الحرية ترتبط بالليبرالية حصراً كما يزعمون.

الفصل الثاني: النظرية السياسية الليبرالية

تناول الكاتب النظرية السياسية لليبرالية، وذلك من خلال صيرورتها التاريخية، وإبراز الدور المركزي لثلاث شخصيات هي: ميكافيلي، ولوك، ومونتيسكيو.

وتظهر أهمية هذا الفصل في أنه:

-اعتبر الكاتب ميكافيلي أول منظر للسياسة الليبرالية، ولوك عمل على ترسيخ البعد الفردي، وبذلك فقد ألغى قيمة الجماعة، وقد نبه الكاتب إلى مفارقة التناقض في الفكر الليبرالي في شخصية لوك، ففي الوقت الذي يدعو فيه إلى حق الإنسان في الحرية كان يعمل في تجارة العبيد.

أمامونتيسكيو فقد رسخ في السياسة الليبرالية الفصل بين السلطات في الدولة، وأن الحرية السياسية تكون في إطار القانون وأن حرية الفرد مقصورة على الفرد المالك بالمفهوم الاقتصادي وليس عموم الأفراد.

الفصل الثالث: النظرية الاقتصادية الليبرالية

عرض الكاتب في هذا الفصل النظرية الاقتصادية لليبرالية التي تقوم على مفهوم مادي للإنسان،

والتقليل من قيمة البشر وفكره، وتظهر أهمية هذا الفصل في أن:

– الكاتب استطاع أن يفضح الليبرالية الاقتصادية التي نظرت إلى الانسان بالدونية، أو كما عبر عنها فوكوياما في كتابه “نهاية العالم” (الإنسان هو بالأساس حيوان اقتصادي)، وأوضح الكاتب أن هذه الرؤية (الرؤية المادية للبشر عند الليبراليين)، تتعارض مع كينونة الإنسان التي تجمع بين المادة والروح، وهذا ما أهملته الليبرالية.

– الكاتب كشف زيف الليبرالية الاقتصادي التي نادت عقب الثورة الفرنسية بمبادئ الملكية الخاصة، وحرية الفرد في التصرف في ملكيته، ورفض تدخل الدولة بالاقتصاد، وذلك على أرضية تعظيم دور الأرض كمصدر للثورة.

وبذلك تكتمل الحلقة الضارة بالبشر حيث تم تحويل البشر لحيوانات مفترسة، لا أخلاق لها تسعى نحو مصالحها الخاصة.

الفصل الرابع: الليبرالية الجديدة (النيوليبرالية)

لقد ركز هذا الفصل على النيوليبرالية من خلال تحليل نشأتها، واتجاهاتها التي تبلورت معالمدرسة النمساوية، ومدرسة لوزان، ومدرسة كمبريدج.

وتظهر أهمية الفصل في أن الكاتب قد ركز فيه على تعامل الليبرالية الاقتصادية مع السوق، وكيفية تأثير الحرب العالمية الأولىفيتشكيل الفكر الاشتراكي، وانتصار الثورة البلشفية ما أدى إلى ظهور نظم اشتراكية بديلاً عن النظم الرأسمالية الاقتصادية، وخير مثال على ذلك إبراز الكاتب أهمية النظرية الكنزية على يد المفكر الليبرالي الاشتراكي جون كينز، وهنا قد أبدى الكاتب نقده للمفكر كينز من ناحية أن نظريته جاءت سطحية، ولم تقدم حلاً جذرياً للمعضلة الاقتصادية، وذكر أيضاً أنه لا جديد بين النيوليبرالية في القرن التاسع عشر وأختها في القرن العشرين بالرغم من وجود المدارس الثلاث.

الفصل الخامس: الليبرالية والحرية والسؤال الأخلاقي

الليبرالية والأخلاق هما موضوع الفصل الخامس، الحرية المطلقة وهْم لا وجود له، فالإنسان محكوم بحتميات بيولوجية ومجتمعية رضي أم أنكر، وحتى الليبرالية تعترف بهذا مرغمة فتنكر حرية الأطفال والمجانين.

والحرية مفهوم غير متفق على مدلوله، وقد بدأ في الفكر الغربي من خلال حركة الإصلاح الديني، بمعنى فتح المجال للتفاعل مع النص المقدس مقابل احتكار الكنيسة للتعاطي معه، ثم مع تحطم احتكار، ودور الكنيسة أصبحت الحرية الليبرالية تعني حرية الفرد بوصفه مالكا اقتصاديا بعد أن كان عبداً في نظام الإقطاع، وبذلك هي تستبدل استبداد الإقطاع باستبداد رأس المال.ولذلك فإن الحرية في المفهوم الليبرالي الذي يعظم المنفعة واللذة الفردية تتصادم مع الأخلاق التي هي إلزام وقيد، ولذلك تتحرر الليبرالية من الأخلاق، ولا تحفل بها، وتهتم بما يحقق الرغبات مهما كانت عبثية وتافهة إذا حققت منفعة صاحبها ولذته، وهذا ما يفسر تصاعد موجة الانحلال في الإعلام والمنتجات.

الفصل السادس: الخطاب الليبرالي العربي.

وكان الفصل الأخير حول الخطاب الليبرالي العربي، وقسمه الكاتب إلى نوعين خطاب عربي كلاسيكي قديم تعامل مع الليبرالية في لحظة غزو أوربا للعالم العربي، وكانت الفلسفة الليبرالية هي المهيمنة، وخطاب عربي معاصر يكون طرحه من خلال الفكر الليبرالي عند المعاصرين.

واعتبر الكاتب أن الخطاب العربي القديم تعاطى مع الليبرالية بشكل أفضل من الخطاب المعاصر، إذ أغلبهم تفاعل معها باعتبارها رؤى، وأفكاراً، ومفاهيمًا يعاد تأصيلها من الدين والتراث، ولا يتعاملون معها كنسق جاهز متكامل كما يفعل رواد الليبرالية العرب اليوم.

وأشار أيضاً إلى أن رواد الليبرالية في عالمنا العربي برغم مرور خمس عشرة سنة على تنظيراتهم، فإنهم لم ينتجوا بحثاً محترماً عن الليبرالية التي ينادون بها.

 

-إيجابيات الكتاب

أظهر الكتاب الإيجابيات الآتية:

-الوقوف على جوانب الخلل والنقص في الليبرالية، وذلك من خلال تجنب الجدل الإيديولوجي، والسياسي، والتركيز فقط على الجوانب المعرفية.

-أوضح الكاتب علة نقده لهذا المذهب أن وصفت بالدين الخاتم، بمعنى أنها آخر المحاولات التي يعتمد عليها في حل مشكلات الإنسان المعاصر.

-من إيجابيات الكتاب أنه كان يقوم على توضيح التأثير السلبي لليبرالية من خلال طرح الأمثلة والمواقف الحية، ومثال ذلك أمريكا التي تمثل الليبرالية الرأسمالية كانت مثالاً للجشع والطمع باستهلاكها خيرات الشعوب ومقدرات الأفراد.

-تمكن الكاتب من طرح فكرة الليبرالية، والتجربة النقدية معها في سؤال: هل يوجد بديل عن الليبرالية، أم أنها نهاية التاريخ البشري.

-عدم القدرة على صياغة خطاب عربي معاصر للفكر الليبرالي، ويمكن إرجاع ذلك إلى اختلاف رؤية كل مكفر عربي عن الآخر، فأصبحت الليبرالية متعددة في مفاهيمهما ونظرياتها، ما حال دون تطبيقها بشكل منطقي.

-تمكن الكاتب من عرض وجهات النظر في الفكر الليبرالي بين الاتجاهات المختلفةمن خلال نقد اعتمد على الاستعانة بكتب المفكرين، ونظرياتهم الرأسمالية، الاقتصادية، والاشتراكية، وأقوالهم باللغات الأجنبية الإنجليزية، والفرنسية، والأمريكية، والعربية، ما عمل على توضيح الصورة الليبرالية في الفكر العقلي والوجودي، وهي وإن كانت قديمة في مجملها إلا أنها نقلت الموضوع الليبرالي من الفكر النظري إلى الفكر التطبيقي.

-سلبيات الكتاب

على الرغم من كثرة الإيجابيات التي جاد بها الكتاب إلا أن هناك بعض السلبيات، ولعل أهمها:

-عدم تحليل بعض النظريات الفلسفية التي شكلت أصول الليبرالية، ومثال ذلك نظرية (نهاية التاريخ) لفوكوياما، وكيفية تأثيرها في الفكر الليبرالي.

– طرح الكاتب أشكال القيم الجديدة التي أفرزتها لنا الليبرالية، حيث انحلت روابط الأسرة، والقيم الأخلاقية دون أن يوضح ماهية القيم الجديد، وأنواعها، وسبل تغييرهابقيم أكثر نفعاً لتقوية الأسرة والأخلاق.

-استحضار العلماء الذين أسسوا الفكر الليبرالي في مجالات عدة، ومن ذلك ميكيا فيللي ولوكومونتسيكيو، وطرح آرائهم للمناقشة، ورفض ما هو مخالف وغير منطقي دون الاعتماد على أسباب مقنعة للقارئ.

-عدم وضوح بعض المصطلحات والألفاظ الواردة، ومن ذلك: المركنتالية والفيزيوقرطالية، وغرابة بعض الألفاظ مثل كلمة المخاتل.

-استعمال بعض الألفاظ التي تجرح مشاعر الآخرين، ومن ذلك وصف الكاتب للمؤرخ موريس فلامون بأنه كان يسرق المثل الإنسانية، ويحتبسها داخل نسج مذهبي.

-خلا الكتاب من تذييل قائمة بالمراجع والمصادر التي استعان بها الكاتب في أطروحته.

 

-القراءة الناقدة للكتاب وطرح أسئلة:

من خلال القراءة الناقدة نستطيع أن نستنتج السؤالين الآتيين:

السؤال الأول:ما أهم المبادئ والقيم الأساسية التي بنيت عليها النظرية الليبرالية؟

ومن خلال القراءة المتأنية للكتاب يمكن استنباط أهم هذه المبادئ فيما يأتي:

-الحرية: وتأتي في مقدمة المبادئ الليبرالية، ويرى البعض أن الموقف الليبرالي هو التعبير عن الإيمان بالحرية، فالهدف الأساسي هو ضمان الحرية، أو التحرر، وغياب القيود، والموانع التي تمنعه من الحركة، والنشاط على أساس أنها تتعلق بممارسة الإنسان لحقوقه.

-إعلاء قيمة الفرد: يؤمن المذهب الليبرالي بقيمة مهمة لبنائه الفكري، وهي الفردية، وعلى الدولة أو المجتمع توفير الحماية له، وتسهيل سعيه لتحقيق ذاته، وإتاحة المجال أمامه للاختيار الحر.

كما أنهم يعطون أهمية قصوى للفرد تفوق أهمية الجماعة، ويعتبرون أن وظيفة المجتمع هي حماية مصالح واحتياجات الفرد.

-المساواة: تحدثت الليبرالية عن المساواة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والجميع متساوون في الحقوق والواجبات دون تمييز قائم على النوع، أو الجنس، أو اللون، أو المذهب، أو الدين، أو الخلفية الاجتماعية، ومن هنا كانت مناداتهم بأن تكون للأفراد فرص متساوية لتنمية ذواتهم وبالتالي فرصًا متساوية للصعود اجتماعيًا ووظيفيًا.

– إعلاء قيمة العقل: حيث تم إرجاع كل شيء لحكم العقل، والتوصل من خلاله إلى الاستنتاجات دون وصاية خارجية سواء من سلطة الاستبداد السياسي، أو سلطة الاستبداد الاجتماعي، ومن هنا تعطي الليبرالية قيمة كبرى للمعرفة، والتعليم كوسيلة أساسية للارتقاء، وتنمية الفرد والمجتمع، كما تعطي أهمية للحوار، والنقاش، والجدل، والبحث النقدي باعتبار أن هذه الطرائق كفيلة بالتوصل إلى نتائج عقلانية ومنطقية.

-التسامح والتعددية: آمنت الليبرالية بضرورة وجود التسامح، وقبول الاختلاف، والتنوع وترسيخه كثقافة مناقضة للقمع ومصادرة الحريات، وبعبارة أخرى تسعى الليبرالية إلى إقامة مجتمع تعددي يعمل على تمكين مختلف الأطياف فيه بحرية، وباعتراف متبادل تحت مظلة القانون.

السؤال الثاني: ما أهم الإشكالات التي يتعذر معها تطبيق الخطاب الليبرالي العربي المعاصر؟

تعود صعوبة تطبيق الخطاب الليبرالي إلى عدة إشكالات ومنها:

-لقد عمد أنصار الليبرالية العربية إلى اختزال مراحل تطور الليبرالية، ونادوا بضرورة التطبيق الفوري والراديكالي للمفاهيم الليبرالية الغربية دون تغيير، وكأنها وصفة سحرية يمكن من خلالها حل معضلات العالم العربي فوراً.

-سعت الليبرالية العربية إلى استنساخ ممجوج للعقلية الغربية ومحاولة إحلالها بديلاً عن الواقع المحلي، وهذا ما نادى به الليبراليون العرب مع بداية حركة النهضة العربية، وفي ذلك يقول نجيب محمود: “هذا التراث كله بالنسبة لعصرنا فقد مكانته، فالوصول إلى ثقافة علمية تقنية وصناعية لن يكون بالرجوع إلى تراث قديم، ومصدره الوحيد هو أن نتجه إلى أوروبا وأمريكا نستقي من منابعهم ما تطوعوا بالعطاء، وما استطعنا القبول، وتمثل ما قبلناه”.

-وجود تباين في وجهات النظر بين الليبراليين العرب والإسلاميين، فالليبراليون العرب المعاصرون يمجدون مرجعيتهم الغربية، في حين أن الإسلامي يرى أن النص الديني هو الأساس، كما أنه يعتمد على التراث كمرجعية مطلقة.

-اقتصر الخطاب الليبرالي العربي على التبشير بمدنية وثقافة حديثين هما مدنية أوروبا وثقافتها، ولأن المنظومة الفكرية الغربية جاهزة، وفي حوزتها من المعطيات المعرفية والأجوبة الفكرية الكثير، وهو ما تسعف به تيار الليبرالية العربية، قد اكتفى هذا الأخير باستعادة تلك المعطيات، وإعادة إنتاجها في الثقافة العربية بغير جهد تأصيلي.

-ترى الباحثة أن الكاتب من خلال طرحه لليبرالية لم يقدم البديل الأفضل في العالم العربي عن الليبرالية باعتبارها عاجزة عن حل مشكلات الإنسان المعاصر، وكان الأحرى به أن يعرض تجربة الإسلام في حل كثير من المشكلات في إطار التعرض للمبادئ الأساسية، وهي: موقف الإسلام من الحرية بأنواعها، وتعامله مع العقل البشري، والمساواة، والعمل، والتعددية.

 

-موقف الباحثة من الكتاب برؤية موضوعية

صدر هذا الكتاب ضمن سلسلة كتاب البيان رقم 109، عن دار الكتب المصرية،وكانت طبعته الأولى قد صدرت سنة 2013م، وجاء في 190 صفحة، أما مؤلف الكتاب د. الطيب بو عزة فهو دكتور في الفلسفة من المغرب، وله عدد من المؤلفات.

وترى الباحثة أن الكتاب وإن كان صغير الحجم إلا أنه يعد من الكتب النقدية المختصة بتأصيل الفكر التربوي المعاصر بنظرة موضوعية متعمقة، وذلك من خلال الجوانب الآتية:

-افتتح الكتاب بعرض المحتويات مفهرسة بشكل منظم، ومقدمة عرض فيها طريقة بحثه ومنهجه وتقسيمه للفصول، ومقدمة، وقد غلب عليها أنها مكررة في محتواها لما قيل في الطبعة، وانتهى الكتاب بخاتمة من خلال طرح سؤال مهم، وهو: هل حقاً لابديل عن الليبرالية؟ وتوصل من خلالها إلى أن الليبراليين يقولون: خذوا الليبرالية ولا داعي للتفكير. أما رأي الكاتب فهو الاستفادة من الأوجه الإيجابية التي طرحتها الليبرالية من رؤى وظواهر ثقافية ومجتمعية ومثل الخير والحق والفضيلة، وعرض نقدين لها داخلي من خلال أنها أعلت قيمة الفرد، ونقد خارجي متمثل في أن الدعوة الليبرالية في العالم الإسلامي قد أخطأت التعامل معها، واختتم قائلاً: إنما لا بد من إعمال الوعي النقدي، وتأصيل مفاهيم التفكير، حتى يكون لتلك المفاهيم (مفاهيم الحق والخير والفضيلة) أن تكون مؤثرة، وفاعلة، وقادرة على تحريك الوجدان، والوعي، والفعل.

– ترى الباحثة أن الكاتب قد نجح في كشف مزاعم الليبراليين الذي اعتبروا أنها الحل الأمثل لمشاكل العالم، والحقيقة أن الباحثة تتفق مع الكاتب في أن الليبرالية شعار مؤقت سيبقى زمناً معيناً ثم يزول.

– تمكن الكاتب من عرض قيمة الحريةفي الفكر الليبرالي، وكيف أساء الليبراليون إليها، وتؤكد الباحثة أن الحرية أمر مطلوب وضروري، ولكن دون إعلاء لها لدرجة التمجيد في الأنظمة الاقتصادية أو السياسية بل هي محددة ومضبوطة بضوابط معينة.

-استطاع الكاتب أن يعرض الفكر الليبرالي بنظرياته المتعددة لسياسية والاقتصادية والاجتماعية عرضاً منطقياً، حيث أنه بدأ بتحليل مدلول كلمةليبرالي بمعناها الشخص الحر، ونشأتها، ونظرياتها، ومعرفة العرب بها، مع إبداء آرائه النقدية تأييداً لفكرة، أو رأي علمي، أو رفضاً لرأي أو آخر.


المراجع

– بو عزة، الطيب ( 2013). نقد الليبرالية، دار الكتب المصرية، ط1، القاهرة، مصر.

– بلقزيز، عبد الإله ( 2017)، العرب والحداثة، دراسة في مقالات الحداثيين، دار الكتب العربية، بيروت، لبنان.

دعدوش، أحمد ( 2018)،الليبراليون العرب هل هم حقًا ليبراليون؟، مجلة البيان، العدد(219).http://www.saaid.net/mktarat/almani/53.htm

نصار، جمال ( 2018). الحوار الإسلامي الليبرالي إشكالية العلاقة ومنطلقات التقارب (دراسة تحليلية).https://www.gamalnassar.com/Studies/details/218

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى