- يارا المحيميد
- تحرير: محمد عفيفي
التسمية وأسباب الانتشار والاختيار
في التسمية: (الإسلام بين الشرق والغرب)
تناول الكتاب مفهوم الإسلام وكيف يراه عالم الشرق الإسلامي مقارنة بعالم الغرب المسيحي، ومما ألهم علي عزت بيغوفيتش ذلك؛ موقع البوسنة والهرسك الجغرافي، حيث كانت دولةً إسلاميةً في وسط أوربا المسيحية، وساعده هذا على فهم العالم الغربي بخلفيته الفكرية والتاريخية، وكذلك نظرة الغرب للإسلام، كما ساعده هذا أيضًا على إجراء المقارنة بين العالم الإسلامي والعالم الغربي للتعرف على مكامن التخلف في الإسلام وسبب النهوض الغربي.
في أسباب الانتشار:
انتشر كتاب (الإسلام بين الشرق والغرب) لعدد من الأسباب، أولها؛ المادة النوعية التي قدمها علي عزت بيجوفيتش، وأيضًا امتداده العرقي التركي، وأصوله الإسلامية العريقة، ومولده ونشأته وتعليمه الأوربي، وأيضًا معايشته لنشأة أيدولوجيات الفكر العالمي في ذلك الوقت (الشيوعية – والرأسمالية)، وثانيها؛ صدور أول طبعةٍ عربيةٍ مترجمةٍ منه في خِضم حرب البوسنة والهرسك مع صربيا، فكانت الحرب إعلاناً قاسياً وجه الأنظار إلى مؤلفه وهو يقود دولته وشعبه في الحرب، وثالثها؛ فوز الكتاب بجائزة الملك فيصل الإسلامية عام ١٩٩٥، ورابعها؛ الاحتفاء العربي بالكتاب من خلال التعليقات والندوات والأبحاث التي جرت على الكتاب إبان ظهوره، وكذلك الكتابات المعاصرة الموجودة إلى اليوم.
في أسباب الاختيار:
بخلاف بقية المفكرين المسلمين، مازج علي عزت بيغوفيتش بين التنظير الفكري الإسلامي والممارسة السياسية. والقارئ لكتبه (الإسلام بين الشرق والغرب) و(الإعلان الإسلامي) و(هروبي للحرية) يجد خليطًا فكريًا وثقافيًا وقانونيًا وتاريخيًا وفلسفيًا، ومن الأسباب أيضًا قلة تناول فكرِه كأحد الأطروحات الجديرة بالنظر في الفكر التربوي الإسلامي.
- فصول الكتاب ومحتوياته:
احتوى الكتاب على قسمين أساسيين، يندرج تحتهما إحدى عشر فصلًا؛ حيث احتوى القسم الأول (نظراتٌ حول الدين) على ستة فصول وهي كالتالي:
- الفصل الأول (الخلق والتطور):
تحدث في هذا الفصل عن فكرة “أصل الإنسان“، وأن هناك توجهين في أوربا وهما؛ (العلم، والدين). حيث تبنى (تشارلز داروين) المدخل العلمي من خلال “نظرية التطور“ لنشأة الإنسان ومقارنته بالتطور الحيواني بين مختلف أنحاء العالم، في حين تبنى (مايكل أنجلو) المدخل الديني من خلال “نظرية الخلق” من خلال رسوماته لتاريخ الإنسان بدءًا من الهبوط من الجنة وحتى يوم القيامة في كنيسة (سيكستين). ونقَدَ (بيجوفيتش) “نظرية التطور” حيث أشار إلى أنها لم تفسر كيفية ظهور التدين في الحياة البشرية في طقوس القرابين والتطهير والدعاء وفعل الخير التي تمارسها المجتمعات قديمًا وحديثًا، كما أشار إلى انعكاس ذلك على المذهب الإنساني والمذهب المادي؛ فــ”نظرية التطور” ترى الإنسانَ مادةً، وبهذا يصبح الإنسان مجرد ماكينة في الإنتاج والاستهلاك، بخلاف نظرية الخلق التي ترى الإنسان كمكون أساسي في تصميم الكون. (بيغوفيتش ١٩٨٩/ ١٩٩٧) (٤٧-٤٨-٤٩، ٨٨:٩٠)
- الفصل الثاني (الثقافة والحضارة):
تحدث في هذا الفصل عن أثر “الازدواجية بين الثقافة والحضارة” على حياة الإنسان، فـ(الثقافة) تُعنى بعلاقة الحياة الداخلية للإنسان وما يرتبط بها من حريةٍ وتفردٍ وتنوعٍ مُكتسب من التنشئة، وذلك بخلاف (الحضارة) التي تُعنى بالحياة الخارجية للإنسان وما يرتبط بها من توحيد العلاقة بين الإنسان والطبيعة. وبهذا؛ فإن (الثقافة) تمايز بين الأمم والشعوب، في حين أن (الحضارة) تعمل على تذويبهم بقالبٍ واحد.
ويظهر ذلك في (أنماط التعليم)؛ إذ تتبنى المجتمعات غير الصناعية التعليمَ الكلاسيكي ذا الصيغة الثقافية الذي يهتم بالإنسان، أما المجتمعات الصناعية فتتبنى التعليم التقني ذا الصيغة الحضارية الذي يهتم بالإنتاج. ونرى أثر ذلك في كون الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي أكبر قوتين صناعيتين في العالم إلا أنهما ليستا أعلى الأمم ثقافةً، بل وتتبدى خطورة التعليم التقني الخالي من النزعة الإنسانية في إيقاد حروبٍ من قبل الشعوب المتحضرة على الأمم الأقل تحضرًا والأغنى ثقافةً.
ويظهر تأثير الثقافة والحضارة كذلك في الفرق بين ثقافة الريف وثقافة المدينة؛ فتمتاز ثقافة الريف بالفلكلور الشعبي المتراكم من الأجيال، فهُم مَن يصنعونها ويَصيغونها بقيم المشاركة والاجتماع، بخلاف ثقافة المدينة التي تقوم على وجود قسمين مُنتجِـين يصنعون السلع الثقافية المطلوبة، وُمستهلكين سلبيين يتلقفون ما يُعرض في وسائل الإعلام، وينعكس ذلك على القيم الدينية فنراها تزداد في الريف وتقل أو تنعدم في المدينة. (بيغوفيتش ١٩٨٩/ ١٩٩٧) (٩٤-٩٦-١٠١-١٠٢-١٠٣-١٠٥-١٠٦-١١٠-١١١).
- الفصل الثالث (ظاهرة الفن):
ربطَ علي عزت في هذا الفصل بين (الفن والدين) حيث أشار إلى أن الطقوس الدينية تغطي الحاجة للإشباع الفني للإنسان، وضرب مثالاً في النصوص الدينية التي تتم تلاوتها بطريقة الأناشيد والأهازيج كقراءة التوراة -وكذلك الإنجيل والقرآن-، وأشار إلى أن ثنائية الدين والعلم تُشير إلى وجودِ عالمٍ آخرٍ غيرَ عالم الطبيعة الملموس، وهو عالم آخر -عالم الغيب-، حيث أن قضايا غربة الإنسان في الكون، والموت، والخلاص لا يمكن أن لها يوجد في العلم إجابات، بخلاف الدين والفن اللذين لا يتغاضيان عن هذه القضايا؛ بل يتداولانها وهي موضوعهما، وأشار إلى أن الطقوس القديمة وما بها من رقصٍ وأغانٍ وتماثيلَ كانت تعبيرًا بدائيًا للعبادة. (بيغوفيتش ١٩٨٩/ ١٩٩٧) (١٣٩-١٤٦-١٤٧-١٥٧)
- الفصل الرابع (الأخلاق):
نظرَ علي عزت في هذا الفصل بين ما تعنيه (الأخلاق الأصيلة) و(الأخلاق النفعية) من عدة جوانب؛ فـ(الأخلاق الأصيلة) تنبع من الواجب، فلا يمكن فهم التضحية التي تنطوي عليها الأخلاق إلا إذا وضعناها في سياقها الديني، فالأخلاق تنتمي لعالم الخلود والعاقبة. وبهذا فإنه لا يمكن تفسير الأخلاق بمنظار عقلي، فالعقل يُرجّح المصلحة الآنية للإنسان، ومما يُدلل على علوّ مبدأ الأخلاق رغم الدعوات النفعية لأخلاقٍ النفعية؛ (النفاق الأخلاقي) الذي تمارسه قوى الهيمنة من الظهور بالمظهر الأخلاقي. وهذا يؤصل لنا مبدأ النية في الأخلاق، فالنية تعبير أصيل لحرية الإرادة، وبهذا يتضح أن الفارق في الحكم على الأخلاق يختلف باختلاف المنظور لها، فوجهة النظر الدينية ترى سموا في الأخلاق من خلال النية التي انطوت عليها، وهذا بخلاف وجهة النظر المادية التي ترى سمو الأخلاق من خلال ما تحققه من نتائج، ومن أمثلة ذلك؛ الفارق بين حماية العاجزين والمقعدين والضعفاء عند المجتمعات الإسلامية، وبين عمليات القتل الرحيم التي تتبناها الدول الغربية.
وقد طَرح علي عزت سؤالاً عن كيفية نشوء الأخلاق، فهل تكون من خلال التنشئة أم التدريب؟ فأشار إلى أن كلا الأسلوبين يستخدمان لصنع الأخلاق، مع وجود فوارق بينهما، فالدين يعتمد على التنشئة لغرس الأخلاق، ومبدؤه في ذلك أن التغيير في الإنسان يجب أن يكون داخلي المنشأ، مدفوعًا بالرغبة الذاتية للإنسان، أما المذهب الوضعي فيرى أن المؤسسات هي ما تُدرب الأفراد على الأخلاق، كالتدريب على سلوك الجندية. وقد نقد علي عزت طريقة التدريب لغرس الأخلاق، فأشار أن التدريب يستهدف السلوك الظاهري للإنسان، فمن الممكن أن تدرب جنديًا على الخشونة والمهارة، لكن لا يمكنك أن تجعله مخلصًا وشجاعًا، وكذلك ينطبق الأمر على التعليم؛ فمن خلاله يمكن إيجاد المواطن الصالح، لكنه لا يوجِد الفرد الصالح كما تفعل التنشئة.
وكما نظرَ بيغوفيتش إلى فكرة الأخلاق والمصلحة المشتركة، أكد على أن جوهر الأخلاق يقوم على التضحية، فإنه لا يمكن تطبيق المصلحة المشتركة للبشر جميعاً، بل لا بد أن يستأثر أحد على أحد بحسب مبدأ القويّ، وأكد أن هذا ما جرى في تاريخ الإمبريالية الاستعمارية للعالم الغربي، فالمصلحة المشتركة يمكن أن تأخذ شكلاً إجراميًا صريحًا. (بيغوفيتش ١٩٨٩/ ١٩٩٧) (١٧٧-١٧٨-١٧٩-١٨٠-١٨٤-١٩٧-١٩٩-٢٠١-٢٠٥).
- الفصل الخامس (الثقافة والتاريخ):
فرّق علي عزت بين الثبات والتطور التاريخي للثقافة والحضارة، فأشار أن تاريخ الثقافة الإنساني ثابت، وفي المقابل يتسم تاريخ الحضارة بالتطور، واستند في ذلك إلى التشابه بين القصص الدينية للشعوب في كونها تطرح كيفية بدء الخلق والحياة بصور متقاربة، وأيضًا قارنَ بين وحدة الأخلاق التي يدعو إليها المصلحين في التاريخ كأنبياء الديانات السماوية (كونفوشيوس، وبوذا، وتولستوي)، مما يدل على وجود مقدمة سماوية واحدة لتاريخ الإنسانية وهي (الوحي)، كما يرى علي عزت أن الوصايا الأخلاقية لا تتغير بالزمان والمكان، وبهذا فإنه يصل إلى أن الثقافة لا تطور بداخلها، وأن الثبات سمة إنسانية فيها. (بيغوفيتش ١٩٨٩/ ١٩٩٧) ٢١٩،-٢٣٣-٢٢١-٢٣٦))
- الفصل السادس (الدراما والطوبيا):
أشار علي عزت في هذا الفصل إلى مصطلح الدراما وقَصَدَ به الإنسان، وإلى الطوبيا وقَصَدَ به المجتمع، حيث يرى أن التنظيم الاجتماعي الحالي يُمجّد المجتمع على حساب الفرد، وذلك من خلال سيادة الدولة على الفرد، ومساواة الجنسين في العمل، وإلغاء العلاقات الأسرية، وتطور التكنولوجيا، فتُسهم هذه جميعاً في إفقاد الإنسان فرديّته، وقد رأى علي عزت أن الإنسان بفطرته يجنح للفردية، في حين أن المجتمع يُسهم في تذويب الفرد داخل بوتقته فيصبح جزءًا داخلَ الكل، ونتيجةً لذلك نشأت الجماعات داخل المجتمع. فكما أن أفراد المجتمع يجتمعون لأجل المصلحة، فإن أفراد الجماعة يجتمعون على أساس الإنتماء. وبهذا فإن المجتمع وظيفي، في حين أن الجماعة تمثل العدالة والتضامن، وقد أرجع نشأة المجتمع إلى الحضارة، في حين تنشأ الجماعات من الثقافة.
وقد ذكر علي عزت أن المجتمعات دمّرت نظام الأسرة، فكلُ توسع في المجتمع يقابله ضعفٌ وضمورٌ في الأسرة، فقد حول المجتمعُ الأسرةَ من كينونتها الأولى -وهي العشيرة- إلى قبيلة، ثم إلى أسرة ممتدة، ثم إلى أسرة نووية، ثم قُوِّضَ رباط الزواج، حتى أصبح الفرد واحدًا في علاقات سائبة. أما عن كيفية حدوث هذا التحول؛ فهي تغيّر الأدوار المنوطة بالأفراد؛ فيبدأ بهجران الرجل للأسرة ويليه المرأة ثم الأطفال. ومن المظاهر الدالة على ذلك؛ قلة عدد حالات الزواج، وكثرة حالات الطلاق، وازدياد الأولاد الغير شرعيين، وازدياد عدد الأسر التي تقوم على الأم. ومن الأثار الناتجة عن تفكك منظومة الأسرة؛ ازدياد دور المسنين، وحضانات الأطفال. (بيغوفيتش ١٩٨٩/ ١٩٩٧) (٢٤٢- ٢٤٦-٢٥٠-٢٥١-٢٥٤-٢٥٦-٢٥٨-٢٦٠-٢٦١).
في حين احتوى القسم الثاني (الإسلام الوحدة ثنائية القطب) على خمسة فصول وهي كالتالي:
- الفصل السابع (موسى وعيسى ومحمد):
في هذا الفصل نظَرَ علي عزت لمفهوم الحضارة بين الديانات السماوية الثلاثة (اليهودية، والمسيحية، والإسلام)، فذكر أن اليهودية رأت أن الحضارة تكمن في وجود جنة أرضية في الأرض، ولهذا نجد أن كثيراً من أرباب الصناعة والعلوم من العلماء اليهود. أما المسيحية فقد كانت ترى أن الحضارة توجد في مملكة السماء، ولهذا كان التصوف الكنسي إحدى نواتج هذا التصور. وأما الإسلام فقد رأى أن الحضارة هي تطبيق ديني ودنيوي، فالمسلم مُطالب بأن يكون خليفةً في الأرض، فهذا تعبد عملي، يوصله للحضارة. (بيغوفيتش ١٩٨٩/ ١٩٩٧) (٢٧١-٢٧٢-٢٧٤-٢٨٥)
- الفصل الثامن (الإسلام والدين):
عرضَ علي عزت في هذا الفصل للواقعية التي يتصف بها الدين الإسلامي، وخاصةً في العلاقة بين الدين الإسلامي والعلم، من خلال العلاقة بين المسجد والمدرسة في عصور الإسلام الأولى، إذ كانت المساجد بمثابة المدارس، فهي تَشغرُ الوظيفةَ الدينية والدنيوية. ووفقًا لهذا المعيار فإن المدارس في العالم الإسلامي لا تُقسَّم إلى مدنية ودينية، بل هي مدارسٌ دينية ومدنية. فقد اشتملت على علوم الدين والطب والفلك والهندسة وغيرها، وأشار علي عزت إلى أن التنظيم الحديث للمدارس جاء بتأثير أجنبي، وهو غريب عن المسجدِ المدرسة الذي وحّد بين مفهومَي الدين والعلم. (بيغوفيتش ١٩٨٩/ ١٩٩٧) (٣١١-٣١٢-٣١٣).
- الفصل التاسع (الطبيعة الإسلامية للقانون):
أشار علي عزت إلى أن القانون ظاهرةٌ تعبر عن نضوجٍ فكريٍ لثقافة ما، وأنه لا يمكن تطبيق القانون إلا عندما يصبح الفرد والمجتمع قيمتين متساويتين، وقَصَدَ بذلك الفرق في النظر للفرد من وجهة النظر الشيوعية والرأسمالية، وأشار إلى أن النظام القانوني الإسلامي يتميز بـ(وحدة الهوية) بين الدين والقانون، فعلماء الدين الإسلامي هم ذاتهم رجال القانون بما ألفوه في الفقه وأصوله. (بيغوفيتش ١٩٨٩/ ١٩٩٧) ٣٣٣-٣٣٤))
- الفصل العاشر (الأفكار والواقع)[1]:
شرَعَ علي عزت في هذا الفصل بالإشارة إلى مؤسسة الزواج، والحديث عن الاختلاف بين المسيحية والمادية والإسلام في طريقة النظر إليها. فأشار إلى أن المسيحية رفضت فكرة الزواج وارتباط ذلك بدعوى المسيح للعفة، إلا أنها قبِلته كَرهًا للمشاكل الناتجة عن رفضه في شيوع الزنا. في حين رفضت الماديةُ الزواجَ بدعوى إخضاعه جنسًا للجنس الآخر، وأطلقت مبدأ الحرية في الجنس. أما الإسلام فجمَع بين النظرة القدسية لرابطة الزواج الموجود في المسيحية، وصيغة الاتفاق الموجود في المادية، فجعل الزواج عقد ديني ومدني. وهو بهذا ينظر بواقعية لغرائز الإنسان مع حُسن توظيفها؛ توظيفاً يحافظ على المجتمع وأفراده.(بيغوفيتش ١٩٨٩/ ١٩٩٧) (٣٦١-٣٦٣).
- الفصل الحادي عشر (الطريق الثالث خارج الإسلام):
أشار علي عزت في هذا الفصل إلى أن الإصلاح دومًا ما ينجح إذا ظهر بهيئة إصلاح ديني، وأشار إلى أن حركات الإصلاح الدينية، تفوق في أثرها حركات الإصلاح الثوري -وقصد بذلك الثورة الفرنسية-. ثم قرَنَ بين حركة الإصلاح البروتستنتي في بريطانيا إبان عصر النهضة، وحركة الإصلاح الإسلامي في الجزيرة العربية على يد الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-.(بيغوفيتش ١٩٨٩/ ١٩٩٧) (٣٨١)
- إيجابيات وسلبيات الكتاب:
يلاحظ القارئ للكتاب أن ‘حدى أهم إيجابيات الكتاب؛ تنوعه في مجالات العقيدة والفكر والسياسة والتاريخ والفنون والمعرفة الفطرية، كما نلاحظ الاقتباس المتعدد لنصوص اللغات الأجنبية، وتضمينها داخل الكتاب، وقد أشار لهذا المعنى مترجم الكتاب (محمد عدس( ١٩٨٩/١٩٩٧)١٥) بقوله: “فالكتاب يحتوي على مصطلحات علمية كثيرة، كما يحتوي على عبارات بلغات مختلفة كاللاتينية والألمانية والفرنسية، وكانت النصوص المقتبسة في ثنايا الكتاب تستغلق أحيانًا، فأضطر للبحث في المصادر الأصلية التي رجع إليها المؤلف للتحقق منها وتصحيحها“.
أما من ناحية سلبيات الكتاب فتتركز في سلبيّتين؛ أولهما: (صعوبة الكتاب) فالقارئ للكتاب يجد تعددًا في مصطلحات الفكر والتاريخ والأديان والأيدولوجيات، كما أنه يتناول شيئًا كثيرًا من الأدب الأوربي، وبهذا فإن القارئ ما لم يتمتع بخلفيةٍ ثقافيةٍ كبيرة؛ فإنه يصعب عليه فهمُ الكتاب.
أما من حيث الثانية: فقد تركّزت في (المعنى الضائع)، فيلاحظ القارئ أثناء قراءته غموضًا في الفهم لبعض المقاطع، والسبب في ذلك يعود إلى عملية الترجمة التي مرت بالكتاب من لغة الكتاب الأصلية البوسنية إلى اللغة الإنجليزية ومنها إلى اللغة العربية، رغم اجتهاد المترجم (محمد عدس) في الترجمة، إلا أن هذا شائعٌ ومعروف في عمليات الترجمة التي تنتقل بين ثلاث لغات.
- موقف الباحثة من الكتاب:
بدأت رحلة الباحثة مع فكر (علي عزت بيجوفيتش) منذ ما يزيد عن العشر سنين، حيث أن نسختها من الكتاب (الإسلام بين الشرق والغرب) نسخةٌ مطبوعةُ مكتبيًا، وذلك قبل شيوع ثقافة طلب الكتب إلكترونيًا وقبل شيوع فكرة معارض الكتاب. وترى الباحثة فكرَ (علي عزت بيجوفيتش) فكرًا نوعيًا، إذ تَعد هذه الأطروحة (الإسلام بين الشرق والغرب) من الأطروحات القليلة في طريقتها وأسلوبها، نظراً لما تميزت به من دمجها بين (الإسلام – والأوربية) التي نشأ عليهما علي عزت، كما ساهمت التجارب التي مر بها في حرب البوسنة والهرسك، وقيادة شعبه للانتصار، على التذكير بأمجاد المسلمين الأوائل الذين اقترن علمهم بعملهم، وقليلًا ما نرى هذا لدى المفكرين المسلمين المعاصرين، فهو يربط بين النظرية والتطبيق، ويعرف ما يرجوه المسلم أملاً وما هو في إمكانات عمله واقعًا في شرعية النظام الدولي الجديد، لذلك نجد مفهوم (الوسطية) في عرضه لمشكلات العالم الإسلامي وما لدى العالم الغربي من ميزات في ثنايا الأطروحة، وإن لم يخلو من نقد لعالم الغرب.
- إسهام الكتاب في الفكر التربوي الإسلامي
أولاً: في القيم:
- نظرته للفارق بين الثقافة الشعبية والثقافة الجماهيرية وأثرها على القيم:
ذكر على عزت أن الثقافة تنتج لنا ما نسميه بالثقافة الشعبية وهي الثقافة التراكمية لشعبٍ أو أمةٍ ما، فهُم مَن يصيغونها ويوجهونها -وغالباً- ما تكون ثقافةً نابعةً من الريف. أما الحضارة فتنتِج لنا ما نسميه بالثقافة الجماهيرية، وهي تَعني ما يطلبه الجمهور. فمَن يصيغ ثقافتهم ليس منهم، وغالبًا ما تكون ثقافةً نابعةً من المدينة، ويكون الفاصل في هذه الثقافة الجماهيرية هو الربح، وبهذا تعمل الثقافة الشعبية على نمو قيميٍ صحيٍّ، في صورة تشاركية تبادلية، في حين تعمل الثقافة الجماهيرية على نمو قيمٍ مشوهه ودخيلةٍ على النسيج الاجتماعي. (١٩٨٩/١٠٦،١٩٩٧-١٠٧).
- رؤيته للدين في الريف والمدينة وأثره على التدين:
أشار علي عزت إلى ارتباط الدين بالريف، وأن نسبة التدين تقل في المدينة بحسب حجمها، فإنسان الريف مُعرَّض للسماء والشمس والنباتات والحيوانات، مما ينمي فيه الاتصال مع الطبيعية والإحساس الإيماني. بخلاف إنسان المدينة الموجود في قوالب إسمنتية ويعيش في خضم التكنولوجيا، فتجد أنه مشغوف بالمطاعم والحفلات الموسيقية وغيرها من متع المدينة، فتقل لدية نسبة التدين لقلة اتصاله بالطبيعة. (١٩٨٩/١١٠،١٩٩٧-١١١).
- تأكيده على ثبات الثقافة وأثر ذلك على القيم:
أكّد علي عزت على الثبات التي يتلازم مع الثقافة، وأن خاصية التطور إنما تكون للحضارة، واستشهد بالوحدة الأخلاقية التي دعى لها المصلحون في مختلف عصور التاريخ.
وهذا الثبات الثقافي الذي قال به علي عزت يحمي المنظومة الأخلاقية من السيولة التي أصابت الأخلاق العصرية، فهو يؤكد على مبدأ أن القيم الأخلاقية مطلقة، بخلاف ما تدعو له الحضارة الغربية من كون القيم نسبية.(١٩٨٩/٢١٩،١٩٩٧-٢٣٣-٢٢١-٢٣٦)
ثانياً: في التعليم:
- نظرته للفارق بين التعليم والتأمل:
أشار إلى أن الحضارة ترتبط بالتعليم، وأما الثقافة فترتبط بالتأمل. وأكد على أن التعليم لا يجعل الناس أفضل مما هم عليه، بل برهَنَ التاريخ على أن الشعوب المتعلمة يمكن التلاعب بها واستغلالها، في حين أن التأمل دائمًا ما ارتبط بالصلوات الدينية القديمة كالصلاة البوذية والمسيحية. (١٩٨٩/١٠١،١٩٩٧)، وهذا يُدلل على أهمية ألا يكون التعليم حياديًا، وبهذا لا يمكن إغفال دور الأيديولوجية الإسلامية في بناء التعليم، فتنمية الأمم والمجتمعات لا تقوم على الأفراد المتعلمين، بل الأفراد المتعلمين ذوي الأخلاق.
- نظرته لنوع التعليم وأثره على الحياة البشرية:
أشار علي عزت بيجوفيتش إلى أن سمة التعليم المعاصر هي التقنية فهو يعتمد على الفكر أكثر مما ينبغي، فالتعليم التقني سببٌ للحضارة ونتيجةٌ لها. في حين أن التعليم الكلاسيكي التقليدي يعتمد على الجانب الإنساني بشكل أكبر، فهو يبدأ بالإنسان وينتهي بالإنسان، ورأى أن المدارس لا يجب أن تقتصر على جوانب العلم، بل لابد من أن تربي إنسانية الإنسان، مما يكسبه التفكير النقدي والإحساس بالحرية، فالمدرسة إذا لم تصطبغ بالصبغة الثقافية واقصرت على الصبغة الحضارية، فقد أعلت من جانب التحضر المادي وحطت من شأن الإنسان. (١٩٨٩/١٠١،١٩٩٧-١٠٢).
- نظرته للمسجد المدرسة في عصور الإسلام الأولى:
أشار علي عزت إلى الدور الريادي للمسجد المدرسة كمؤسسة واحدة في عصور الإسلام الأولى، وأن التفرقة بين المدارس المدنية والدينية جاء تأثرًا بالنموذج الأجنبي للتعليم(بيغوفيتش ١٩٨٩/ ١٩٩٧) (٣١١-٣١٢-٣١٣) وهو بهذا ينفي الفصل الحاصل بين العلوم الدينية والمدنية.
ثالثا: في النظام الاجتماعي:
- نقده للتقدم وإضراره بالتنظيم الاجتماعي:
شخَّصَ علي عزت أن أكبر صَدْعٍ أصاب الإنسان نتيجة التقدم؛ هو اختفاء الأسرة أو وجود أسرة مضطربة نتيجة لتغيّر الأدوار بين النساء والرجال بسبب التقدم، وما يفرزه ذلك من خلق تشوهات عٌصابية للأطفال أثناء التنشئة، فينتج لنا أفرادًا متمردين وغاضبين، أو أفرادًا عاجزين وساقطين، فتظهر المخدرات والعنف والجرائم. (١٩٨٩/١١٥،١٩٩٧-١٢٤).
- نظرته للفارق بين الأخلاق الأصيلة والأخلاق النفعية وأثرها على السلم الاجتماعي:
إذ رأى علي عزت أن الأخلاق الأصيلة تنبع من الدين الذي يتبنى طريقة التنشئة لغرسها، في حين أن الأخلاق النفعية تقوم على أساس المصلحة وتتبنى طريقة التدريب لغرسها، ورأى أن قيمة التسامح الديني والسياسي والعرقي والوطني، لا تكون حقًا إلا في حال كانت الأخلاق أصيلة، أما الأخلاق النفعية فيتم الالتزام بها ما دامت تتحقق المصلحة من ورائها، ومتى ما غابت هذه المصلحة انتفت هذه الأخلاق. (١٩٨٩/٢٠١،١٩٩٧).
- نقده لأثر المجتمع الحديث على فردية الفرد:
ذكر علي عزت أن الصيغة التركيبية للمجتمع الحديث، قوَّضت من فردية الفرد، وذلك من خلال تغيير أهم تنظيم اجتماعي عرفته البشرية ألا وهو العشيرة، وتحويله من تجمع قائم على التضامن والولاء، إلى تجمع قائم علي المصلحة، كما أن هذا التغير الذي طال بنية الأسرة، قام بتغيير الأدوار المنوطة بالرجل والمرأة، وأنهى مفهوم الأمومة والأبوة، وأخرج تنظيمات اجتماعية جديدة كدور الحضانة والمسنين. (بيغوفيتش ١٩٨٩/ ١٩٩٧) ٢٤٢-٢٤٦-٢٥٠-٢٥١-٢٥٤-٢٥٦-٢٥٨-٢٦٠-٢٦١)) وبهذا يؤكد بيجوفيتش على تغوّل المجتمعات الحديثة في حياة الفرد، وكل ما نراه اليوم من مشكلات الانحراف والجريمة والتفلت الأخلاقي والجنوح الفكري كالنسوية وغيرها، جاءت نتيجةً لهذا التغير.
- نظرته للزواج بين المسيحية والمادية والإسلام:
أشار علي عزت إلى الواقعية التي يتصف بها الإسلام في تعاطيه مع مسألة الزواج، حيث أشار إلى رفْض المسيحية للزواج بدعوى العفة، ورفْض المادية للزواج بدعوى رفْض السيطرة، في حين وازنَ الإسلام فى الأمر، وجعلَ للزواج وظيفية طبيعية تُشبع بها الغرائز، ووظيفة أخلاقية تُحفظ بها العفة. (بيغوفيتش ١٩٨٩/ ١٩٩٧) (٣٦١-٣٦٣)
رابعاً: في النموذج الحضاري:
- نظرته للفارق بين الثقافة والحضارة:
أشار إلى أن الثقافة هي تأثير الدين، أو تأثير الإنسان على نفسه. في حين أن الحضارة هي تأثير الذكاء على الطبيعة أو العالم الخارجي (١٩٨٩/٩٤،١٩٩٧) وقد أعلى علي عزت من شأن الثقافة على الحضارة، ورأى أن الثقافة بدون حضارة تخلق إنسانًا مرتبطًا بالذات الإلهية، في حين أن الحضارة دون ثقافة تخلق ذاتًا ظالمة واستئصالية.
- تشخيصه لأمراض الحضارة الغربية:
أشار علي عزت أن الصيغة الحضارية الغربية، أنتجت لنا أمراضًا كالعدمية وفلسفة العبث. فكل ازديادٍ في مستوى الرفاهية والرخاء نتجَ عنه تعاظمُ الشعور باليأس والخواء، واستشهد بحالات الانتحار المرتفعة في الدول المتحضرة (١٩٨٩/١٢٧،١٩٩٧-١٢٩). وتشير الباحثة إلى أن هذه الأمراض انتشرت في كثيرٍ من دول العالم ومنها الدول الإسلامية، وذلك بسبب قوة تأثير النموذج الغربي على أنماط الحياة البشرية.
- نظرة المغايرة للفن وعلاقته بالدين:
اهتم علي عزت بالفن -بخلاف ما هو شائع لدى عموم المسلمين- ورأى أن الفن والدين يُجيبان عن ذات الأسئلة التي يتحرّق الإنسان لمعرفتها، وأشار إلى قِدَم العلاقة بين الفن والدين، وأن الطقوس الدينية القديمة، وطقوس الأديان السماوية تعبير فني عن مشاعر الإنسان وأحاسيسه المرتبطة بالحياة الغيبية. (بيغوفيتش ١٩٨٩/ ١٩٩٧)( ١٣٩-١٤٦-١٤٧-١٥٧) وتنوه الباحثة أن هذه النظرة تُخالف ما هو موجود في الثقافة الإسلامية من نبذٍ للفن، والنظر له بعين التقليل والازدراء، وما نتج عن ذلك من إهمال المؤسسات والأفراد للفنون، فأنتجَ هذا فراغًا غطته المؤسسات العلمانية.
- تفرقته بمقصد الحضارة في الأديان السماوية:
فصَلَ علي عزت بين ماهية الحضارة في الأديان السماوية الثلاثة، فعدَّ الحضارة عند اليهودية حضارةً مرتبطةً بالأرض، وعند المسيحية حضارةً مرتبطةً بالسماء، أما في الإسلام فحضارةٌ شموليةٌ، فهي أرضية وسماوية (بيغوفيتش ١٩٨٩/ ١٩٩٧) (٢٧١-٢٧٢-٢٧٤-٢٨٥) ونحن حين نطبق ذلك في الواقع، نجد ميل اليهود لإقامة دولة إسرائيل، كما نجد تفانيًا من المسيحين لخدمة الأمم الفقيرة، وعند مناقشة أي مسلم لا تجد لديه غبش الرؤية بين ما هو أرضي وسماوي في مفهومه عن الحضارة.
- كيف استطاع علي عزت بيجوفيتش بناء منظومة فكرية مستقلة؟
لا يمكن إغفال البيئية الجغرافية والسياسية والإثنية التي نشأ فيها (علي عزت بيجوفيتش)، فقد نشأ في بقعة جغرافية أوربية تكاد تكون من المعاقل القليلة للإسلام في شرق القارة الأوربية، ولم تكن هناك تنظيمات وأحزاب فكرية إسلامية ينتمي إليها كما هو موجود في الشرق الإسلامي. وأما الظروف السياسية فقد كانت البوسنة تحت الحكم الملكي اليوغسلافي، وبعد تحول يوغسلافيا إلى جمهورية اشتراكية، شنت حربًا شرسةً على الأديان داخل البوسنة، فكان هذا من أهم الأسباب التي أوقدت الحس الإسلامي لدى (علي عزت بيغوفيتش)، فبدأ بالتنظير الإسلامي ودراسة واقع العالم الإسلامي. وكذلك موقع شعبه البوسنوي في خضم ذلك، وبعد سقوط جمهورية يوغسلافيا الاشتراكية واستقلال البوسنة والهرسك، بدأت الحرب البوسنية الصربية والتي امتدت لأربع سنوات، ونلاحظ أن فكر (علي عزت بيغوفيتش) تَميز بالانفتاح على الثقافات المتغايرة وخاصة الأوربية، وقد يُعزى ذلك إلى التنوع الإثني الموجود في جغرافية البلقان والمكوَن من العرق البوسنوي والكرواتي والصربي، كما أن لدراسته القانونية وممارسته السياسية ونظرته النقدية والتحليلية دوراً في صياغة فكره الإسلامي.
- ما سبب قلة الدراسات التربوية التي تناولت إسهامات علي عزت بيجوفيتش في الفكر التربوي الإسلامي؟
تميزت كتابات (علي عزت بيغوفيتش) بالموسوعية، فترى كتابةً سياسية وتاريخية وفلسفية واجتماعية وتربوية موجودة في كل مؤلفاته، وإن لم يكن الجانب التربوي فيها واضحًا، فإنه يحتاج إلى تنقيب وترتيب. كما أن هذه الكتابات لم تأتِ بالصيغ المباشر؛، بل تأتي كشرح أو تدليل لمشكلة الثقافة أو الحضارة أو الإنسان. كما أن (علي عزت بيغوفيتش) لم يتبنى نظريةً تربويةً بعينها، بل هي أقرب ما تكون للتأملات والملاحظات، كما أنها مبعثرة في مجموع كتبه كـ(الإعلان الإسلامي)، و(عوائق النهضة)، لهذا نرى أن غالب مَن كتب عنه التاريخيون والسياسيون والاجتماعيون.
المصدر: بيجوفيتش، علي عزت. (1997) الإسلام بين الشرق والغرب (ترجمة محمد يوسف عدس). مصر: دار النشر للجامعات. (العمل الأصلي نشر في ١٩٨٩).
[1] اقتصرت الباحثة في هذا الفصل على موضوع الزواج، لعلاقته بالفكر الإسلامي، وتجاوزت بقية الفصل لعدم ارتباطه الموضوعي.
رائع
عفوا.لكن لا يجوز ان يقال في المقدم (مواطن التخلف في “الاسلام”) فالاسلام مبرأ عن ذلك الافضل “عند المسلمين”….وجزاكم الله خيرا