- إعداد عبد الرحمن بن سليمان الميمان
الغرض من هذا الملخَّص: إعطاء تصوُّرٍ مُجمَل عن الكتاب
لا يُغني عن الرجوع إلى الأصل، ولا يُعبِّر بالضرورة عن عبارة الباحث
أصلُ هذا الملخَّص هو الإصدار رقم (17) ضمن سلسلة إصدارات المجموعة الشرعية لبنك البلاد لعام 1439 ه – 2018م، مِن مطبوعات دار الميمان للنشر والتوزيع، يقع في 500 صفحة من القَطْع المتوسط، للباحث د. عبد الرحمن بن عبد الله السعدي، نال به درجة الدكتوراه في الفقه المقارن من المعهد العالي للقضاء بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، وقد تألَّفت لجنة المناقشة من د. عبد الله بن ناصر السلمي (مقرِّرًا ومشرفًا)، ود. يوسف بن عبد الله الشبيلي (مناقِشًا)، ود. محمد بن سعد المقرن (مناقِشًا).
أهمية الموضوع: تناوَلَ مسألةً لها أثرٌ كبير في الجانب الاقتصادي للمؤجِّر والمستأجِر والاقتصاد العام، وهي إحدى أهم الصيغ الاستثمارية التمويلية، وأهم المنتجات الـمَرِنة للأوراق المالية، وأحد الحلول الرائدة لمشكلة وفرة السيولة في المصارف الإسلامية.
أسبابُ اختياره: منها:
- ما سبق في بيان أهميته.
- تسهيل معرفة أحكام كثيرٍ من صُوَره التي استخدمت ولا زالت تُستَحدث.
- توسُّع الناس في العقود على موصوفاتٍ في الذِّمَم، فزاد غموضُها، فاحتاجتْ إلى بيان.
- كثرةُ تطبيقاتِه المعاصرة في المصارف، التي احتفَّتْ بها جملةٌ من المسائل والإشكالات تتطلَّب تحريرًا.
- أنَّ النظرَ إلى هذا العقد باعتباره مصدرًا من مصادر التمويل الإسلامي يُسهِم في تفعيل العقود الإسلامية الأصلية وإحلالها بديلًا إسلاميًّا فاعلًا في الواقع الاقتصادي المعاصر.
معالجة الإصدار للموضوع: سار الباحثُ على منهجٍ:
- صوَّر فيه المسألةَ محلَّ البحث تصويرًا دقيقًا.
- ذكر مواضع الاتفاق، وإن كانت مسألةً خلافية فإنَّه يحرِّر موضع الخلاف فيها، ويذكر الأقوال فيها مقتَصِرًا على المذاهب الفقهية المعتَبَرة، متجنِّبًا الأقوالَ الشاذة، ويوثِّق ذلك من كتب المذهب نفسِه مع استقصاء الأدلة وبيان وجه دلالتها وما يَرِد عليها من مناقشات وإجابات، مع الترجيح.
- عدم الاستطراد.
- العناية بضرب الأمثلة الواقعية، ودراسةِ ما جدَّ من القضايا مما له صلة واضحة بالبحث.
واشتمل البحث على: مقدمةٍ وتمهيدٍ وبابَين وخاتمة. ويمكن تقسيمه إلى قسمين رئيسين:
القسم الأول: تناول فيه –من مقدمة الكتاب حتى خاتمةِ الباب الأول– الجانبَ التأصيليَّ النظريَّ للمسألة.
القسم الثاني: خصَّصه للتطبيقات المعاصرة، معرِّفًا كلَّ تطبيقٍ منها، ذاكِرًا علاقته بعقد إجارة الموصوف في الذمة، مع دراسةٍ تطبيقية له. وختم البحث بخاتمةٍ ضمَّنها أبرزَ النتائجِ التي توصَّل إليها.
تمهيد:
عَقْد إجارة الموصوف في الذمة عقدٌ مباحٌ ثابتٌ بالكتاب والسُّنَّة والإجماع، وله أهمية كبرى في الجانب الاقتصادي للمستأجِر والمؤجِّر والاقتصاد العام. وقد أوْلَتْه المصارف الإسلامية عنايةً كبيرة؛ لامتيازِه بالاستقرار والثبات في العائد بدرجةٍ عالية مقارنةً بغيره من العقود الاستثمارية.
وفيه ضمانٌ للمؤجِّر والمستأجِر؛ فأما المؤجِّر فلأن العقدَ أقوى ضمانةً لحقِّه من مجرَّد الوعدِ بالاستئجار، إذِ الوعدُ لا يلزم الواعِد بالتعاقد. وأما المستأجِر فلتأكُّده من الحصول على المنفعة بقوَّة العقد لا بمجرد الوعد، وضمان استمرار النفع، فهلاك العين المستأجرة في هذا العقد لا تنفسخ بها الإجارة، بل يُلزَم المؤجِّرُ بتقديم غيرِها مماثلةٍ لها.
الباب الأول: التأصيل الشرعي لعقد إجارة الموصوف في الذمة
الإجارة هي: عقدٌ على منفعةٍ مباحةٍ معلومةٍ، مدَّةً معلومةً، مِن عينٍ معيَّنةٍ أو موصوفةٍ في الذِّمَّة، أو عملٍ معلومٍ بِعِوَضٍ معلوم.
وأما إجارة الموصوف في الذمة فهي: بيع منفعةٍ معلومة في الذمة. ولها صورتان رئيستان، أولاهما: الإجارة الواردة على (منفعة عينٍ) موصوفةٍ في الذمة، وهي ما يتعلَّق فيها حقُّ المستأجِر بمنفعةِ عينٍ موصوفةٍ في ذمَّة المؤجِّر، لا بعَينٍ معيَّنةٍ بذاتها، ولا بعملٍ في ذمَّة المؤجِّر. والأخرى: إجارة واردة على عملٍ معلومٍ في الذمة (الأجير المشتَرَك)[1] غير المعيَّن، وهي الإجارة التي يستحقُّ فيها المستأجِر عملًا معيَّنًا يَثبُت في ذمَّة الأجير، ولا يقتضي تنفيذُها تسليمَ الأجيرِ نفسَه للمستأجِر؛ لأنَّ التزامَ المؤجِّر ينحصر في إكمال العمل الذي طُلِب منه على الوجه المطلوب، سواء عَمِلَه بنفسه أو بواسطة غيره.
وقد اتَّفق فقهاء المذاهب الأربعة على مشروعيَّة إجارة الموصوف في الذمة.
ولا تختلف أركان عقد إجارة الموصوف في الذمة عن غيره من العقود، وهي: الصيغة والعاقِدَان والمعقود عليه. ويمتاز عن غيره من العقود في ركن المعقود عليه، سواء كان منفعة أو أُجْرة.
فأما المنفعة، فهي الفائدة المقصودة مِن الأعيان والأعمال وما ينتج عنها مِن غلَّة. ولها في هذا العقدِ نوعان رئيسان، أحدهما: منفعةُ عينٍ موصوفة في الذمة، والآخَر: منفعةُ عملٍ في الذمة.
ويُشتَرَط في المنفعة ستة شروط:
أوَّلُها: أن تكون معلومةً عند العقد علمًا يمنع النزاع بين المتعاقِدَين، ويتحقَّق ذلك باجتماع أمرَين، أحدُهما: العلمُ بمحلِّ ونوع المنفعة بتعيينها بالإشارة أو بالرؤية والـمُشاهَدَة أو بالوصف، هذا إذا كانت العين صالحةً لأنواعٍ مختلفةٍ من المنافع، فإن لم يكن للعين إلا منفعة واحدةٌ فإنَّ العقد يُحمَل عند الإطلاق على هذا النوع من المنفعة. والآخَر: العلمُ بمقدارِ المنفعة، وضبط مقدار المنفعة تارةً يكون بالزمن أو بالمدة، وتارة يكون بمعرفة مقدار العمل أو معرفة المعمول فيه. ويُعرَف مقدار المنفعة أيضًا بمعرفة مقدار العمل الذي سيقوم به الأجير، ويختلف ذلك باختلاف جنس العمل ونوعه.
وثانيها: أن تكون متقوَّمَة مقصودة؛ فلا يصحُّ عقد الإجارة على منافع لا قيمةَ لها أو غير معتبرةٍ شرعًا.
وثالثُها: أن تكون مملوكةً، فلا يصح تأجير المنفعة التي هي على الإباحة العامة.
ورابعُها: أن تكون مقدورًا على تسليمها واستيفائها.
وخامسُها: أن تكون مباحةً شرعًا.
وآخرُها وهو السادس: ألا تتضمن الإجارة استهلاك عين مقصودة، أمَّا إن كان هناك استيفاء من غير قصدٍ فجائزٌ.
وأما الأجرة، فهي: العِوَض الذي يُعطى مقابل منفعة الأعيان أو منفعة الآدمي، وشروطها أربعة:
أولها: أن تكون معلومةً.
وثانيها: أن تكون مالًا[2] متقوَّمًا شرعًا.
ثالثها: أن تكون مملوكة للمستأجِر، ومقدورًا على تسليمها، ولا يشمل هذا الشرطُ الأجرةَ إذا كانت معلومةً بالوصف، ببيان جنسها ونوعها وقدرها؛ لأنَّها حينئذٍ تَثبُت في الذِّمَّة، ولا تكون معيَّنة، فيصحُّ العقد، وهذا الشرط محلُّ اتفاق في عقود المعاوَضة في الجملة.
وآخرُها وهو الرابع: ألا تكون منفعةً مِن جنس المعقود عليه، وهذا الشرط انفرد به الحنفية؛ لأنَّ الجنسَ بانفرادِه يُحرِّم النَّساءَ، فيجب أجْرُ الـمِثْل باستيفاء النَّفْع كما مرَّ؛ لفساد العقد، إلا إذا اختلفا جنسًا. وخالفهم الجمهور في ذلك.
ومن المسائل التي تتعلَّق بالأجرة في إجارة الموصوف في الذمة:
- تعجيلُها وتأجيلُها، ويرجِّح الباحث أنَّ الأجرةَ لا تجب بنفس العقد، وتَجِبُ إما بشرط التعجيل وإما بالتعجيل بلا شرط، وإما باستيفاء المعقود عليه، وهو قول الحنفية.
- العلمُ بها، ويكون ذلك بأحد طرقٍ ثلاثة:
- أن تكون محدَّدة بمبلغٍ ثابت، والأصل في الإجارة أن تكون محدَّدةً لكامل المدة في مجلس العقد.
- أن تكون بجزءٍ من ناتج العمل، وقد اتَّفق الفقهاء على اشتراط العلم بالأجرة في الجملة، أمَّا هذه الصورة فالراجح جوازُها، وهو مذهب بعض الحنفية وقولٌ عند المالكية، والمشهور من مذهب الحنابلة، وبه قال ابن تيمية وابن القيم.
- أن تكون متغيِّرةً تؤول إلى العلم، وذلك بربط جزءٍ من قيمة الأجرة بمؤشِّرٍ منضَبِطٍ يتأثَّر به ارتفاعًا وانخفاضًا، والراجحُ جوازُها، وهي فتوى بيت التمويل الكويتي وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية وندوة دلَّة البركة، والعديد من الهيئات الشرعية.
أما الشروط في عقد إجارة الموصوف في الذمة –والشرط: إلزامُ الشيءِ والتزامُه في عقدٍ أو تصرُّف–، فهي خمسةُ أنواع:
أوَّلُها: الشروط الموافِقَة لمقتضى عقد إجارة الموصوف في الذمة، وقد اتَّفق الأئمة الأربعة على صحَّة هذا الشرط، وصحَّة العقد معه.
وثانيها: شروطٌ من مصلحة عقد إجارة الموصوف في الذمة، وقد اتَّفق الأئمة الأربعة على صحَّة هذا النوع من الشروط ولزوم ووجوب الوفاء به. وهي إما أن تكون:
- شروطًا وصفية –وهي أن يشترط العاقدُ صفةً مقصودةً في المعقود، يريدها بعَيْنِها–، ولا تخلو من أحوالٍ ثلاثة:
- الأولى: أن يحصل العاقد على ما شَرَطَه من أوصاف، فيكون قد حصل على مراده من العقد، ومن ثَمَّ يصحُّ العقد باتِّفاق العلماء.
- الثانية: أن يختلف الوصف المقصود، وتتأثَّر الإجارة بنُقصان الوصف، فهنا يكون للعاقد الخيارُ بين الفسخ والرجوع بالثمن، أو إمضاء العقد والرضا به ولا شيءَ له.
- الثالثة: أن يشترط وصفًا مقصودًا ويتحقَّق أفضل منه، والراجح أنَّ له الخيار، وهو قول المالكية والشافعية في الصحيح والرواية الأخرى عند الحنابلة.
- شروطًا توثيقيًّة: وهي ما يشترطه العاقد من شروط لتوثيق الدَّين في ذمَّة الـمَدِين ولضمان الحقوق، وأهم هذه الشروط:
- الرَّهْن، وهو توثِقَةُ دَينٍ بعَين، يُمكن أخذُه أو بعضه منها أو مِن ثمنها، ويجوز اشتراطه هنا.
- الكفالة والضمان، وهي (ضمُّ ذمة الكفيل إلى ذمة الأصيل في المطالبة بنفسٍ أو دَينٍ أو عين) عند الأحناف، وعند الجمهور: (التزامُ رشيدٍ إحضارَ مَن عليه حقٌّ ماليٍّ لربِّه)، ويجوز اشتراطها هنا على الراجح، وقد نصَّ جماهير الفقهاء على ذلك.
وثالثُها: شروط مخالفة لمقتضى عقد إجارة الموصوف في الذمة[3]، فإن كانت مخالِفة لـ(مقصودِ العقد) بأنْ يَشترط أحد العاقِدَين على الآخَر شرطًا لا يتمُّ معه المقصود مِن العَقْد؛ فقد اتَّفق الفقهاء على بطلانه. وإن كانت مخالِفةً لـ(مقتضى العقد) بأنْ يَشترط أحد العاقِدَين على الآخَر شرطًا ينافي مقتضى عقد إجارة الموصوف في الذمة –ومعنى مقتضى العقد: هو ما لَزَمَ مِن مجرَّد العقد–؛ فالراجح أنَّ كلًّا مِن العقد والشرط صحيح، وهو رواية للحنابلة، واختيار ابن تيمية وابن القيم.
ورابعُها: شروط ليست من مقتضى عقد إجارة الموصوف في الذمة ولا تنافي مقتضاه، وهي نوعان:
- الأول: اشتراط منفعةٍ معلومةٍ في عقد إجارة الموصوف في الذمة، وذلك بأن يشترط أحد العاقِدَين على الآخَر شرطًا يتضمَّن انتفاعًا خاصًّا في المعقود عليه، أو مِن العاقد نفسِه، ولا يقتضيه العقد، لكنه يُناقِض مقتضى العقد، والراجح صحَّة هذا الشرط، وهو مذهب الحنابلة، وقولٌ عند الشافعية.
- والآخَر: اشتراط عقدَيْن في عقدٍ واحدٍ في إجارة الموصوف في الذمة، وذلك بأن يشترط أحد العاقدين على الآخر شرطًا يتضمَّن عقدًا آخَر مع العقد الأصلي، ويجعل العقدَين عقدًا واحدًا.
- فإن كان العقدُ المشتَرَط سلفًا؛ فقد اتفق الفقهاء على فساد الشرط، وإنِ اختلفوا في تعليل منع اجتماع عقد السَّلَف مع عقد البيع.
- وإن كان العقدُ المشتَرَط غيرَ عقدِ السَّلَف؛ فالراجح أنَّ العقدَ والشرطَ صحيحان، وهو قولٌ عند المالكية والمشهور عن الإمام مالك، وقول عند الحنابلة، واختاره ابن تيمية، وابن القيم، والشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي.
وآخرُها وهو الخامس: الشروط الجزائية، وهي اتَّفاق بين المتعاقدين على تقدير التعويض الذي يستحقُّه مَن شُرِط له عن الضرر الذي يلحقه إذا لم ينفِّذ الطرف الآخَر ما التزم به، أو تأخَّر في تنفيذه.
- فإن اشتُرِط في عقدٍ محلُّ الالتزام فيه دَيْنٌ؛ كالقرض والسَّلَم؛ فلا خلاف في بطلانه.
- وإن اشتُرِط في عقدٍ محلُّ الالتزام فيه عملٌ؛ كالإجارة، فالراجحُ صحَّته، وهو قول هيئة كبار العلماء في السعودية، وقرَّره مجمع الفقه الدولي الإسلامي بجدة، وذهب إليه المجمع الفقه التابع لرابط العالم الإسلامي بمكة، وهو نوعان:
- الأول: الشرط الجزائي مقابل التأخُّر في تنفيذ الأعمال أو الإخلال بها، والراجحُ جوازُه، وهو قول جمهور العلماء المعاصرين.
- والآخر: الشرط الجزائي مقابل التأخر في الوفاء بالالتزامات المالية في الذمة[4]، وله صورٌ منها:
- الصورة الأولى: اشتراط حلول الأقساط في إجارة الموصوف في الذِّمَّة؛ فإن كان الـمَدِين المماطل:
- مُعسِرًا عاجزًا عن الوفاء بالدَّين وقتَ حُلوله؛ فلا يجوز إلزامه بتعجيل الأقساط المؤجلة، ولا اشتراط حلولها عند التأخُّر في أداء بعضِها.
- مُوسِرًا قادرًا على الوفاء؛ فيجوز هذا الشرط على الراجح، وهو قول بعض الحنفية والحنابلة، ورأيُ كثير من العلماء المعاصرين.
- الصورة الثانية: غرامات التأخُّر في السداد في إجارة الموصوف في الذِّمَّة[5]، وهي محرَّمةٌ إجماعًا، وهي صورة ربا النسيئة[6].
- الصورة الثالثة: تمديد مدة الإجارة في إجارة الموصوف في الذِّمَّة المنتهية بالتمليك. ولها حالان:
- أن يكون هذا الإجراء مشروطًا في العقد ابتداءً، أو بإلزامٍ للمستأجِر من غير رضاه ولو لم يُذكَر في العقد. فلا يجوز.
- أن يكون هذا الإجراء باتفاق الطرفين في حِيْنه. فلا مانع، ولو زاد مجموع الأقساط على قيمة الدفعة، ولا يُعد ذلك مِن الزِّيادة في الدَّين.
- الصورة الأولى: اشتراط حلول الأقساط في إجارة الموصوف في الذِّمَّة؛ فإن كان الـمَدِين المماطل:
أحكامٌ متعلقة بإجارة الموصوف في الذمة
تتعلَّق بهذا العقد سبعُ مسائل، هي:
أوَّلًا: قَلْب العين المؤجَّرة من موصوفةٍ في الذِّمَّة إلى معيَّنةٍ بالتسليم بالشرط، وذلك بأنْ يتَّفق المؤجِّر والمستأجِر على أنَّ العَين المؤجَّرة الموصوفةَ في الذِّمَّة تنقلب إلى إجارةٍ معيَّنةٍ بالتسليم. والرَّاجح فيها أنَّه لا يصح أنْ يَنُصَّا في عقدِ إجارةِ الموصوف في الذِّمَّة ويتواطآ على أنَّ العقدَ ينقلب بعد استلام العين إلى إجارة معيَّنة، أمَّا إنْ أرادا بعد استلام العين أنْ يتَّفقا في حِينه على فسخ عقد إجارة الموصوف في الذِّمَّة وإنشاء عقد إجارة معيَّنة على تلك العين نفسها أو غيرها؛ فيجوز.
وثانيًا: ضمان العين المؤجَّرة وصيانتها:
- أمَّا الضمان، فقد اتَّفق فقهاء المذاهب الأربعة على أنَّ العين المؤجَّرة أمانةٌ في يد المستأجِر لا ضمان عليه فيها إلا بالتعدي أو التقصير، بل ولا يصح اشتراط الضمان على المستأجِر على الرَّاجح، وهو قول الجمهور. فللمستأجِر الانتفاع بالعين المؤجَّرة حسب العقد، وعلى ما جرى به العُرْف. فإنْ تَلِفَت العين المستأجَرة بفعل آدميٍّ آخَر؛ نُظِر في تصرُّف المستأجِر في العين:
- فإن كان تصرُّفًا مأذونًا فيه، فإنَّه يضمن، لتعدِّيه.
- وإن كان تصرُّفًا غيرَ مأذونٍ فيه، نُظِر في الأجنبي الذي تلفت العين بفعله:
- فإن كان المؤجر يرضى مثله في الأمانة والاستعمال؛ فاختلف الفقهاء في الضمان، وأجاز الجمهور للمستأجِر أن يدفع العين لمن هو مثله في الأمانة ومثله في الضرر، أو دونه فيهما ولم يُضمِّنوه إلا بالتعدي. وفصَّل الحنفيَّة؛ فألزموه الضمان في العين التي تفاوَتَ الناس في استعمالها، ولم يلزموه الضمان فيما لا يتفاوَت الناس في استعماله.
- وإن كان لا يرضى بمثله؛ فقد نصَّ الجمهور على أنَّه ليس للمستأجِر دفع العين له، فيضمن المستأجرُ تلف العين؛ لتعدِّيه.
ويجب على المستأجِر تسليمُ العينِ المؤجَّرة في موعدِها اتفاقًا، فإن لم يفعل ففيه تفصيل:
- فإذا أخَّر تسليم العين لعذرٍ مانعٍ من التسليم، فلا شيء عليه.
- وإذا أمسكها بلا عذر:
- فإن طالَبَه المؤجِّر بها فمَنَعَه المستأجِر منها؛ فيكون غاصبًا، وعليه أجرة الزيادة، وضمانها إنْ تَلِفَت.
- وإن استنظره المستأجِر فوافق المؤجِّر مِن غير أن يزيد في الأجرة مقابلَ الزيادة في الوقت، فتكون العين المؤجَّرة في حكم العاريَّة، فيضمن الرقبة ضمان العارية ولا يضمن الأجرة، وإن وافق المؤجِّر وزاد في الأجرة مقابل الزيادة في الوقت، فإنَّه يلزَم المستأجِر الأجرة وضمانها على المؤجِّر.
وثالثًا: صيانة العين المؤجَّرة تأجيرًا موصوفًا في الذِّمَّة، والصيانةُ هي: مجموع الأعمال اللازمة لبقاء عينٍ على الحالة التي تصلح فيها لأداء الأعمال المرادة منها. وهي أنواع:
- الأول: الصيانة الأساسية، وهي: الصيانة الضرورية لأصل العين المؤجَّرة لسلامة الأجزاء الأساسية، ليتمكَّن المستأجِر من الانتفاع بها على أكمل وجه. وقد اتفق الفقهاء على أن الصيانة الأساسية تكون على المؤجِّر، لكنَّه لا يُجبَر على هذا الإصلاح، لأنَّ المالِك لا يُجبَر على إصلاح مُلْكه، وهذا فيما إذا كان العقد على إجارة عينٍ معيَّنة، وأمَّا في عقد إجارة الموصوف في الذمة فإنَّ المؤجِّر يُجبَر على إصلاحه أو استبدال العين بعينٍ أخرى مكانها، لأنَّ العقد لم ينعقد على عينٍ معيَّنةٍ بذاتها وإنما على منفعةِ عينٍ موصوفةٍ في ذمَّة المؤجِّر، فالمؤجِّر ملتزم بتقديم تلك المنفعة بالمواصفات المطلوبة. ويحرُم اشتراطُها على المستأجِر اتفاقًا، وهو شرطٌ باطل.
- الثاني: الصيانة التشغيلية، وهي: الصيانة العادية التي تحتاج إليها العين المؤجَّرة، نتيجة الاستعمال الطبيعي. وقد صرَّح العلماء أنَّ هذا النوع من الصيانة يكون على المستأجِر، وجرى عُرْف الناس عليه. وضابط هذا النوع: عُرْف الناس، والمعروف عُرفًا كالمشروط شرطًا، والناس يعلمون مقدارها ولا يختلفون فيها.
- الثالث: الصيانة الوقائية الدَّوريَّة، وهي: الصيانة التي يقدِّمها المؤجِّر وَفْق جدولٍ زمنيٍّ لآجالٍ معلومةٍ، ليتأكد مِن أنَّ العين المؤجَّرة تعمل بصورةٍ صحيحة. وهذه النوع منه ما يدخل تحت الصيانة الأساسية، وذلك إذا كان يتوقف عليها الانتفاع بالعين المؤجَّرة، فيجوز اشتراطها على المستأجِر؛ لكونها معلومة، ويكون الاشتراط بأحد طريقين:
- أن ينصَّ في العقد على أن المبلغ المدفوع في الصيانة يعدُّ جزءًا مِن الأُجرة المستحقَّة للمؤجِّر.
- أن يقوم المؤجِّر بإبرام عقدِ صيانةٍ –منفصلٍ عن عقد الإجارة– مع المستأجِر، يكون فيه المؤجِّر مصونًا له، والمستأجِر صائنًا، ويدفع المؤجِّر للمستأجِر قيمة الصيانة.
ومنه ما يدخل تحت الصيانة التشغيلية، فيجوز اشتراطها على المستأجِر.
ورابعًا: الخيار في عقد إجارة الموصوف في الذمة، وهو: (حقُّ العاقِد في فسخ العقد أو إمضائه؛ لظهور مسوِّغٍ شرعي، أو بمقتضى اتَّفاقٍ عَقْدي)، وقد شُرِع لاستدراك المصلحة الفائتة حال العقد، واختلفوا في عدد أنواعه، وسنقتصر على ما له صلة مباشرة منها بإجارة الموصوف في الذمة، وهي:
- النوع الأول: خيار المجلس، وهو: الخيار الذي يثبت للمتعاقدين ما داما في المجلس، أي مجتمِعين. والمقصود بالمجلس: مكان عقد الصَّفْقة حقيقةً أو حُكمًا، والراجح ثبوتُه، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، ومعنى الخيار عندهم: أنه إذا تم الإيجاب انعقد العقد، لكن يجوز فسخُه من الطرفين أو أحدهما ما داما في مجلس العقد ولم يتفرَّقا بأبدانهما، فالعقد غير لازم ما لم يتفرَّقا بأبدانهما. وهذا النوعُ داخلٌ في جميع العقود اللازمة، ومنها إجارة الموصوف في الذمة.
- النوع الثاني: خيار الشرط، وهو: أن يكون لأحد العاقِدَين أو لهما معًا أو لمن يُنيبه كلٌّ منهما الحقُّ في اختيار فسخ العقد أو إمضائه في مدةٍ معلومة، وهو جائزٌ عند الجمهور، وهذا النوعُ داخلٌ في جميع العقود اللازمة، ومنها إجارة الموصوف في الذمة، إلا ما يشترط فيه القبض في المجلس.
- النوع الثالث: خيار العيب، وهو: كلُّ ما أوجَبَ نقصان القيمة والثمن في عادة التجار، فهو عيبٌ يُوجِب الخيار، وهو جائز اتفاقًا، إلا أنَّه لا يثبت في إجارة الموصوف في الذمة؛ لأنَّ المستأجِر لو وجد عيبًا في العين المؤجَّرة فليس له حق الفسخ، بل يُطالِب المؤجِّر بأن يأتي بعينٍ أخرى مكانها، أو إصلاح ذلك العيب.
- النوع الرابع: خيار الخُلْف في الصفة، وهو: حقٌّ يثبت بمقتضاه للمشتري الفسخ، لاختلاف الوصف في العين، وهو مشروع وداخلٌ في إجارة الموصوف في الذمة، وللمستأجِر حينئذٍ الخيار في إمضاء العقد أو فسخه.
- النوع الخامس: خيار الغَبْن، وهو: النقص في الثمن في البيع والشراء، ومثله النقص في البَدَل في باقي عقود المعاوَضات، وضابطُ الغبن المعتَبَر: الغبن الفاحش عرفًا. ويشترط لثبوته: أن يكون المغبون جاهلًا بوقوعه في الغبن عند التعاقد، أما إذا كان عالِـمًا بالغَبْن وأقْدَم على التعاقد به فلا خيار له؛ لأنَّه أسقط حقَّه راضيًا مختارًا، ويدخل هذا الخيار في إجارة الموصوف في الذمة، إلا أنَّه إذا فسخ وقد مضى بعض المدة فإنه يرجع عليه المؤجِّر بأجرة المثل للمدة، لا بقسطه المسمى، كما أنَّ له أيضًا إنقاص الثمن بما يرفع الغبن.
وخامسًا: العربون في عقد إجارة الموصوف في الذمة، وهو: أن يشتري السلعة فيدفع إلى البائع درهمًا أو غيره، على أنَّه إن أخذ السلعة احتسب من الثمن، وإن لم يأخذها فذلك للبائع، الراجح جواز بشرط تحديد فترة الانتظار بمدةٍ معلومة.
وسادسًا: تصرُّف المستأجِر في العين المؤجَّرة تأجيرًا موصوفًا في الذمة: قرَّر الفقهاء أن المستأجر يملك المنفعة، ومَن مَلَك المنفعة فله أن يستوفيها بنفسه أو بغيره بإجارةٍ من الباطن أو إعارة، أمَّا مَن مَلَك الانتفاع فليس له إلا الانتفاع بنفسه فقط:
- فإن كان قبل تحديد العين والتمكُّن مِن القبض، فالراجح جوازها بشرط أن يكون بثَمَن الـمِثل أو دونه، لا أكثر، وهو اختيار ابن تيمية وابن القيم وابن عثيمين.
- وإن كان بعد تحديد العين: فيمكن تقسيم هذه الصورة إلى حالَين:
- الحال الأولى: بعد تحديد العين وتمكُّن المستأجر منها: وتقدَّم ترجيح القول بأن العين في إجارة الموصوف في الذمة لا تتعيَّن، حتى بعد التسليم وأثناء استيفاء المنفعة؛ لأنَّ طبيعة عقد إجارة الموصوف في الذمة أنَّه واقعٌ على عينٍ موصوفةٍ في ذمَّة المؤجِّر لا على عينٍ بذاتها، ولذا إذا هلكت العين أثناء الاستيفاء فيجب على المؤجِّر أن يأتي بعينٍ أخرى مكانها.
- الحال الثانية: بعد تحديد العين وقبل تمكُّن المستأجِر مِن القبض: وهذه الحال حكمُها حكمُ إجارة الموصوف في الذمة قبل تحديد العين، والتي رجَّح الباحثُ جوازَها بشرط أن يكون بثمن المثل أو دونه، لا أكثر.
ومن المسائل المتعلقة بعدم تعيُّن العين بعد التسليم:
- المسألة الأولى: سبق أنَّ المستأجِر له حقُّ التصرف بالإجارة مِن الباطن، أو الإعارة في العين المعيَّنة، فإذا لم تتعيَّن العين في إجارة الموصوف في الذمة حتى بعد التسليم فكيف له أن يتصرف فيها؟
والجواب: أنَّ العين حتى وإن لم تتعيَّن فإنَّه يثبت للمستأجِر حقُّ الاختصاص بها، واختصاصه بها يجوِّز له إجارتها وإعارتها.
- المسألة الثانية: إذا ثبت أن العين لا تتعيَّن في إجارة الموصوف في الذمة، وأنَّ ذمَّة المؤجِّر تَبْرَأ بتقديم عينٍ بالصفات المطلوبة في العقد، فهل للمؤجر أن ينقل المستأجِر من عينٍ لأخرى تحمل تلك الصفة بـحُجَّة أنه تبرأ ذمَّته بأيِّ عينٍ متَّصفةٍ بتلك الصفة؟
والجواب: أنَّ المؤجِّر لا يجوز له أن ينقل المستأجِر إلى عينٍ أخرى؛ لأنَّ العين لا تتعيَّن، وذلك لأنَّ حقَّ الاختصاص للمستأجِر يثبُت بمجرَّد استلامه العين بالصفات المطلوبة، ولأنَّ تصرُّف المؤجِّر بالنقل فيه ضرر على المستأجِر، مِن حيث عدم استقراره في عينٍ واحدة، وعليه فلا يجوز للمؤجِّر فعل ذلك دون رضا المستأجِر، لحقِّ الاختصاص. وبناءً عليه، فإذا اختصَّ المستأجِر بالعين ومُكِّن من الانتفاع بها، فما حكم تصرُّف المستأجِر فيها بإجارةٍ ونحوها قبل قَبْضها؟
الراجح جواز إجارتها قبل قَبْضها، وهو مذهب المالكية والحنابلة، ووجهٌ عند الشافعية.
وسابعًا: إجارة الموصوف في الذمة لمن باعها، والذي يظهر أنَّ القائلين بجواز إجارة العين (المعيَّنة) لمن باعها، يرون جوازها هنا مِن باب أولى؛ لأنَّ العين كانت موصوفة، وتغيَّرت إلى صفةٍ أخرى بإنشائها.
وأخيرًا وهي المسألة الثامنة: هلاك العين وأثرُه على عقد إجارة الموصوف في الذمة، وهي أهم مسألةٍ تتميَّز بها إجارة الموصوف في الذمة عن إجارة العين المعيَّنة.
- فإذا هلكت العين قبل قَبْض المستأجِر لها؛ فهي مِن ضمان المؤجِّر، ولا ينفسخ العقد بذلك؛ لأنه واقعٌ على عينٍ موصوفةٍ في الذمة، فيلزم المؤجِّر الإتيان بعينٍ أخرى بنفس الصفات المتَّفق عليها.
- وإذا هلكت بعد القبض:
- فإمَّا أن يكون بسبب آفةٍ أو جائحةٍ سماوية، فلا ضمان على مستأجِر العين؛ لأنَّه أمينٌ، ولأنَّ التلف حصل بأمرٍ خارجٍ عن إرادته، فعلى المؤجِّر أن يأتي بعينٍ أخرى مكانها، لأنَّ محل العقد فيها عينٌ في الذمة. ويستثنى من ذلك ما إذا هلكت العين المستأجَرَة بالآفة السَّماوية بسبب تقصير المستأجِر في الحفظ؛ فإنه يكون ضامنًا، لأنه تسبَّب في هلاك العين.
- أو بسبب المؤجِّر؛ فإنَّه ضامنٌ للعين، وعليه أن يأتي ببدلها، ولا ينفسخ العقد.
- أو بسبب المستأجر:
- فإن كان بغير تعدٍّ ولا تفريط؛ فيكون الضمان على المؤجِّر.
- وإن فرَّط المستأجِر أو تعدَّى فهلكت العين؛ فإنَّه يضمن.
انتهاء عقد إجارة الموصوف في الذمة وآثاره
ينتهي عقد إجارة الموصوف في الذمة بأمور، منها:
- انتهاء المدة:
- فإن كان العقد على (منفعةِ عينٍ) موصوفةٍ في الذمة؛ فإنَّ العقد ينتهي بانتهاء المدة المتفق عليها، باتفاق الفقهاء؛ لأنَّ الثابت إلى غايةٍ ينتهي عند وجود الغاية.
- وإن كان العقد على (منفعةِ عملٍ) في الذمة؛ فتنتهي الإجارة بإنجاز العمل المطلوب الموصوف المعقود عليه.
- وإذا جُمِع في العقد بين تقدير المدة والعمل؛ فالراجح صحَّة هذا الجمع، بشرط أن يكون المقصود مِن العقد هو العمل لا الوقت، وذِكْر المدة مِن أجل التعجيل فقط. وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن، وقول المالكية –إذا كان الزمن أوسع من العمل–، ووجهٌ عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة، والخلاف في المسألة لفظيٌّ.
- الإقالة: وهي رفع البيع وفسخ العقد. وإزالة العقد تكون إما لمصلحتهما معًا أو لمصلحة أحدهما، وتختص بالعقود اللازمة لا الجائزة، فتصحُّ حينئذٍ في إجارة الموصوف في الذمَّة لكونه لازمًا.
- موت العاقدين أو أحدهما[7]: والراجح أنَّ العقدَ لا ينفسخ بموت أحد العاقدين مع إمكانية الانتفاع بالعين المؤجَّرة بعد الموت، وهو قول الصحابة والتابعين، والجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة.
- الفسخ: وهو قَلْب كلٍّ من العِوَضين إلى دافعه. وأسباب انفساخ عقد الإجارة:
- أولًا: الفسخ بحكم الحاكم، وذلك حسمًا للنزاع، ويتصوَّر في:
- إذا كان الحكم من الأحكام الخلافية المجتهد فيها؛ لأنَّ ما كان كذلك فهو عُرْضةٌ للتنازُع، فكلٌّ مِن العاقِدَين قد يحتجُّ بالأخذ بمذهبٍ من المذاهب الفقهية، فحَسْمُ هذا النزاع للحاكم.
- إذا كان السبب الذي مِن أجله جاز الفسخ خفيًّا غيرَ ظاهر؛ لأن الخفيَّ يحتاج إلى اجتهاد في إثباته والتحقُّق منه والنظر في إمكانية الفسخ لأجله، وهذه أمورٌ تحتاج إلى حاكم.
- ثانيًا: الفسخ لاستحالة تنفيذ أحد الالتزامات العَقْدية بأسبابٍ قهرية، ويمكن تخريجُها على مسألة وقوع الجائحة، وهي: ما لا صُنْع لآدمي فيها. وهي تقع على المعاوَضات، ومنها إجارة الموصوف في الذمة، ولها أحوال:
- الحال الأولى: وقوع الجائحة بعد العقد وقبل القبض، ولا يمكن للمؤجِّر الوفاء مع وجود الجائحة؛ فينفسخ العقد لعدم القدرة على الوفاء.
- الحال الثانية: أن تكون الجائحة بعد العقد وتمام القبض، فتكون العين من ضمان المؤجِّر، فيجب عليه أن يمكِّن المستأجِر من عينٍ أخرى بنفس المواصفات إن كان يقدر على ذلك، وإن كان لا يستطيع إيجاد البدل فينفسخ العقد، ويستحق المؤجِّر الأجرةَ بمقدار استهلاك المنفعة، لكن إن دفع المستأجِر أكثرَ من استخدامه للمنفعة، فيُرجِع باقي الأجرة للمستأجِر.
- ثالثًا: انفساخ العقد لمخالفة المواصفات والشروط: وسبق بيانه في الحديث عن خيار الخُلْف في الصفة.
- رابعًا: الفسخ للإفلاس: وهو يُطلَق على معنيين، أحدهما: أن يستغرق الدَّينُ مالَ الـمَدِين فلا يكون في مالِه وفاءٌ بديونه، والثاني: ألا يكون له مالٌ معلومٌ أصلًا. ويقع الإفلاس على طرفَي العقد:
- فإنْ أفلس المؤجِّر: فله حالان:
- الحال الأولى: إذا قبض الأجرةَ كاملةً أو جزءًا منها قبل تنفيذ العقد، ثم أفلس ولم يستطع تنفيذ العقد، فيُخيَّر المستأجِر بين فسخ العقد والصبر لحين تمكُّن المؤجِّر من الوفاء؛ لأنَّ مِن المتَّفق عليه أنَّ القدرة على تسليم المعقود عليه شرطٌ في صحَّة الإجارة، ويصير المستأجِر أُسوةَ الغرماء.
- الحال الثانية: إذا لم يقبض المؤجِّر شيئًا مِن الأجر؛ فإنَّ العقدَ ينفسخ، ولا يلزمه شيء.
- وإن أفلس المستأجِر: فله حالان أيضًا[8]:
- الحال الأولى: أن يكون نَقَدَ الأجرة؛ فلا أثر لإفلاسه.
- الحال الثانية: أن يكون أفلس ولم ينقُد الأجرة، وله حالان أيضًا:
- الحال الأولى: قبل قَبْض العين: فالمؤجِّر بالخيار بين إتمام العقد وبين فسخه.
- الحال الثانية: بعد قَبْض العين: فالراجح جواز فَسْخ العقد واسترداد العين المؤجَّرة من يَدِ المستأجِر، وهو قول الجمهور.
- خامسًا: الفسخ بسبب صدور أنظمة من الدولة تمنع من إتمام العقد: فينفسخ في هذه الصورةِ العقدُ.
- فإنْ أفلس المؤجِّر: فله حالان:
- أولًا: الفسخ بحكم الحاكم، وذلك حسمًا للنزاع، ويتصوَّر في:
الآثار المترتبة على انتهاء عقد إجارة الموصوف في الذمة
- الآثار المترتبة على المؤجِّر:
- له الحق في تسلُّم العين.
- له الحق في استلام متأخّرات الأجرة.
- له الحق في المطالبة بالعين بانقضاء المدة؛ فإنِ استعملها المستأجِر عالِـمًا بانقضاء الأجل؛ فللمؤجِّر أجرة الوقت الزائد، إلا أن يتراضيا.
- عليه ردُّ كلِّ ما يتعلق بالإجارة مما أخذه من المستأجِر توثُّقًا لحقِّه؛ كالرهن والتأمين.
- الآثار المترتبة على المستأجِر:
- وجوب رفع يده عن العين.
- وجوب ردُّ العين لصاحبها عند طلبه لها. ومتطلبات الاستلام تكون على المؤجِّر، وعليه كذلك استردادها إذا انقضت الإجارة[9].
الباب الثاني
التطبيقات المعاصرة لعقد إجارة الموصوف في الذمة
ذكر الباحثُ سبعةَ تطبيقات:
فأوَّلها: صكوك الإجارة، وهي: وثائقُ ذات قِيَمٍ متساوية لا تقبل التجزئة، تمثِّل حصصًا شائعة في ملك الأعيان المؤجرة أو منافع أو خدمات من عين معيَّنة أو موصوفة في الذمة، وهي أنواع:
- النوع الأول: صكوك ملكية الأصول المؤجَّرة، وهي وثائق ذات قِيَم متساوية لا تقبل التجزئة، تتداول وتمثِّل حصصًا شائعة في ملك أعيان مؤجرة أو موعود باستئجارها، مما يخوِّل لـمُلَّاكها حقوقَ هذه الوثيقة ويرتِّب عليهم مسؤولياتها. ويظهر مِن التعريف أنَّها صكوك ملكية وليست إجارة، وإنما أطلق عليها صكوك إجارة تغليبًا لا حقيقة. لا يمنع الفقهاء من بيع العين المؤجرة من غير المستأجِر، بشرط ألا يؤثر على حقِّ المستأجِر في استيفاء منفعته من العين.
- النوع الثاني: صكوك ملكية منافع الأعيان، وهو على قسمين:
- الأول: صكوك ملكية منفعة العين المعيَّنة، وهي جائزة.
- والآخَر: صكوك ملكية منفعة العين الموصوفة في الذمة[10]، وهي جائزة بشروط، من أهمِّها:
- أن تكون العين المؤجَّرة مما ينضبط بالوصف.
- وصف العين المؤجَّرة وصفًا مُجَلِّيًا يدفع الجهالة والغرر.
- تحديد موعد استيفاء العين المؤجَّرة.
- النوع الثالث: صكوك ملكية منافع الأعمال (الخدمات)، وهي على نوعين:
- الأوَّل: صكوك ملكية خدمات جهة معيَّنة، وهي جائزة.
- والآخَر: صكوك ملكية خدمات جهة موصوفة في الذمة، وهي جائزة بشروطها المعروفة.
وثانيها: المشاركة في الوقت (عقد التملُّك الزمني): وهي عقد على عينٍ أو منفعةِ عينٍ معيَّنةٍ أو موصوفة في الذمة، لمدة محدَّدة. ومن المسائل المتعلقة بجميع صُوَرِه:
- أوَّلًا: الإجارة الطويلة، والراجح جوازُها.
- ثانيًا: التبادُل بين المنافع في الإجارة: وهي التبادُل بين منفعةٍ وأخرى من جنس المعقود عليه، فتكون الوحدة المنقول إليها معقودًا عليها ووحدته ثمنًا أو أجرة لها، والراجح جوازها.
ولهذا العقد صُوَر، من أهمِّها:
- أن يكون المعقود عليه عينًا معيَّنةً في وقتٍ معيَّنٍ محدَّد، معلوم البدء والانتهاء. وتسمى (إجارة عين معيَّنة)؛ لأنها عقدٌ على عينٍ معيَّنة، ولكن تَرِد هنا مسألة أنها من الإجارة الطويلة –والتي رجَّحنا جوازها– فبناءً على ذلك تصحُّ هذه الصورة.
- أن يكون المعقود عليه عينًا موصوفة في الذمة في مكان على وجه الشيوع لمدةٍ معيَّنة معلومة البدء والانتهاء، وهي كالصورة السابقة غير أنَّه هنا لا يحدَّد المعقود عليه بذاته؛ لأنه ليس معيَّنًا وإنما موصوفًا في الذمة، وهذه الصورة جائزة باتفاق الأئمة الأربعة.
وتَرِد على هذه الصورة مسألة إجارة المشاع، وهي: إجارة حصة الشريك غير المعيَّنة. والتي اتَّفق الفقهاء على جواز تأجيرها على شريك، واختلفوا في إجارة الحصة الشائعة على غير الشريك، والراجح جوازها، وهو قول الجمهور ورجَّحه ابن تيمية.
- أن يكون المعقود عليه عينًا معيَّنةً في مكان معلومٍ لمدةٍ معلومةٍ، غيرِ معلومةِ البدء والانتهاء، وهي كالصورة الأولى غير أنه لا يذكر هنا موعد بدء مدة الانتفاع، وحكمها مبنيٌّ على مسألة المهايأة، وهي: قسمة المنافع في الأعيان المشتركة على التعاقُب والتناوُب، وهي جائزة، فإنْ تراضى المستأجرون على توزيع الحصص بينهم بأيِّ طريقةٍ شاؤوا بما يضمن حقَّ كل واحدٍ منهم، صحَّت القسمة.
- أن يكون المعقود عليه عينًا موصوفةً في الذمة في مكان محدَّد، ومدة العقد والانتفاع وبدؤهما معلومَين، وهي كالصورة الثانية، غير أنَّ المعقودَ عليه هنا في مكانٍ غير معلوم، والراجح أنَّها صورةٌ جائزة، وأنَّ هذا العقدَ هو عقدُ إجارةِ عينٍ موصوفةٍ في الذمة.
ويتَّضح مما سبق العلاقة بين عقد المشاركة في الوقت وإجارة الموصوف في الذمة، حيث إنَّ كثيرًا من صور المشاركة في الوقت تُكيَّف على أنها إجارة عين موصوفةٍ في الذمة، فتأخُذ حُكْمَها.
وثالثها: إجارة الموصوف في الذمة في مجال الخدمات، وهي: تقديم منفعةِ عملٍ في ذمَّة المؤجِّر للمستأجِر بأجرٍ سواء بوسيط أو مباشرة، وقد تتبعها الأعيان. فهذا العقد مركَّبٌ مِن عقدين: إجارة الأعمال –وهو المقصد الأساس– وإجارة الأعيان التي تأتي تبعًا. وتكيَّف هذه الصورة على أنها إجارة عملٍ في الذمة، وغالبًا ما تكون على صورة التأجير الموازي، وهي: عقدٌ على موصوف في الذمة ببدل يُعطى عاجلًا.
ورابعها: إجارة الموصوف في الذمة إجارة منتهية بالتمليك، وهي: عقدٌ على منفعةِ عينٍ موصوفةٍ في الذمة، مدة معلومة، بأجرة معلومة، مقسَّطة، تؤول لتملُّك تلك العين بحكم الاختصاص للمستأجِر بعقدٍ جديد، بناءً على وعدٍ سابق. وهي أنواع:
- أوَّلها: إجارة الموصوف في الذمة إجارة منتهية بالتمليك في غير العقار (المنقول)، وهو ما يمكن نقلُه وتحويله، سواء بقي على حالته أم لا. وحكمه مثل الإجارة المنتهية بالتمليك على العين المعيَّنة، إلا أنَّه لا ينفسخ العقد في إجارة الموصوف في الذمة في حال هلاك العين أو تلفها أثناء مدة الإجارة، بل على المؤجِّر أن يأتي بعينٍ أخرى مكانها.
- والآخَر: إجارة الموصوف في الذمة إجارةً منتهيةً بالتمليك في العقار (غير المنقول)، وهو ما لا يمكن نقلُه وتحويل صورته، فيشمل البناء والأشجار؛ لأنَّ هيئتهما لا تتغيَّر إلا بقلعهما، ويختلف حكمُها باختلاف نوع العقار[11].
ولا يخلو العقارُ من أحد حالَين:
- الأولى: إذا لم تتعيَّن الأرض ولم تتجِّه إرادة العاقدَين على أرضٍ معيَّنة؛ فلا مدخل للقول فيها بالجواز؛ لِمَا في ذلك مِن الغرر والجهالة الـمُفْضِية للنزاع، ولعدم إمكان ضبط العقار بمواصفات بحيث يجد مثيلاتها بجميع تلك المواصفات إن لم يستطع تسليمه.
- والأخرى: إذا تعيَّنت الأرض، وحينئذٍ لا تخلو من حالين أيضًا:
- أن تكون مخصَّصة لوحدةٍ سكنية واحدة؛ فلا يتصوَّر ثبوتها في الذمة؛ لأنها في حكم المتعيِّنة، لكونها وحدةً سكنية واحدة، والتعيُّن يُناقض الوصفَ في الذمة، فلا يجوز تأجيرها في الذمة؛ لأنَّ الذي يَثْبُت في الذمة ينبغي أن يكون غير معيَّن، ولأنه إذا تعذَّر استيفاء المنفعة منها لا يمكن استبدالها، فلم يَجُز. ويمكن القول بأن الثابتَ في الذمة هنا هو البناء فقط دون الأرض، بأن تكون الإجارة على عملٍ في الذمة.
- أن تكون مخصَّصة لعدة وحدات مماثلة؛ فالراجح جواز عقد إجارة الموصوف في الذمة هنا، بشرط أن يمكِّن الـمَصرِفُ المستأجِرَ من أي وحدةٍ تحقَّقت فيها المواصفات المطلوبة، بحيث إذا تَلِفَت شقَّته بعد الاستلام أمكَنَ توفير أخرى مكانها بمواصفاتها في البناء نفسِه.
أما التمليك اللاحق في إجارة الموصوف في الذمة؛ فالراجح جوازه بحكم الاختصاص؛ فإنَّ المستأجِر إذا استلم العين صارت مختصةً به، وثبت له حق الاختصاص دون غيره.
وخامسها: البطاقات مسبقة الدفع، وهي: قطعة بلاستيكيَّة صغيرة محمَّلة بخدمةٍ معلومةٍ، مؤقتة، محدَّدة بمبلغٍ مدفوع، يستفيد منها حاملها إلى انتهاء مبلغها أو وقتها، وأنواعها كثيرة، والذي يتعلق بإجارة الموصوف منها هو:
- النوع الأول: بطاقات مسبقة الدفع في مجال الاتصالات، وهي أنواع:
- بطاقة الهاتف الثابت.
- بطاقة الهواتف النقالة (الجوالات)، وتنقسم إلى قسمين:
- البطاقة الأساسية، وهي التي تعطي صاحبها رقمًا معيَّنًا يمكن الاتصال به عن طريق شريحةٍ مرفقة تركَّب داخل الهاتف، وتُشتَرى مرةً واحدة، ثم تُشحَن ببطاقات الشحن.
- بطاقة الشحن، وهي بطاقة تستخدم مرةً واحدة لشحن البطاقة الأساسية بإدخال رقم معيَّن موجود في البطاقة.
- خدمات بطاقات شبكة (الإنترنت)، وهي بطاقة تتيح لك الانتفاع من خدمات الشبكة العنكبوتية من التحميل والتصفُّح، نظيرَ المبلغ المدفوع، إلى أجلٍ مسمَّى.
- النوع الثاني: بطاقات مسبقة الدفع في مجال القنوات الفضائية، وهي بطاقات مسبقة الدفع تتيح خدمةً على القنوات الفضائية، تهدف إلى إتاحة الخدمات التي تبثُّها بعض القنوات وتهدف للربح غالبًا.
- النوع الثالث: بطاقات مسبقة الدفع في مجال الكهرباء، وهي بطاقات تمكِّن مستهلك الكهرباء من معرفة استهلاكه، وتمنع تعرُّض التيار الكهربائي الخاص به للانقطاع بأي حالٍ من الأحوال، لأسباب عدم السداد.
أمَّا تكييفُها الفقهي؛ فالراجحُ تكييفها على أنَّها إجارةٌ موصوفة في الذمة، وليست نقدًا ولا قرضًا، ووجه ذلك أنَّها عقدٌ على منافع في ذمَّة المؤجِّر (الشركة) ويستفيد منها حاملها حسب الوصف المتَّفق عليه في العقد، ويجوز تعجيل الأجرة قبل استيفاء المنفعة. والذي يظهر أنَّ القصد الأساسي منها هو (إجارة العمل)؛ والعين تبعٌ لهذا القصد الأوَّلي.
وسادسها: عقود البناء والتشغيل ثم التمليك (B.O.T)[12]: وهو اتفاق بين طرفين يتكفَّل أحدُهما بإقامة مشروع على أرضٍ يملكها الطرف الآخَر، ويتعهد بالإنفاق عليه، وتشغيله وصيانته لمدة محدودة، ليستردَّ خلالها مصاريفَه وأرباحَه، ثم يسلِّمه لأصحابه دون عِوَض. واختُلِف في تكييفها الشرعيِّ على أقوال:
- التكييف الأول: أنه عقدٌ جديد.
- التكييف الثاني: أنه عقد استصناع.
- التكييف الثالث: أنه عقد إجارة على عملٍ موصوف في الذمة.
والراجح: أنَّ هذا العقد يشتمل على عقودٍ كثيرة، مما يجعل تكييفه وتخريجه على أحد العقود المسمَّاة أمرًا صعبًا، فالأولى جعلُه عقدًا مستحدثًا يُراعي فيه الشروط الشرعية المعتبرة في العقود، ويراعي خلوُّه من الموانع الشرعية، لا سيما مع اعتبار أنَّ الأصل في الشروط والعقود الإباحة.
ويمكن القول بأنَّ العقد إذا كان على صورة الاستصناع أمْكَن حَمْلُه على الاستصناع، وإذا كان على صورة الإجارة على عملٍ في الذمة أمْكَنَ حملُه عليها. وبهذا تظهر علاقة هذا العقد بإجارة الموصوف في الذمة، في حال إذا ما كان العمل بدون تقديم الأدوات من الأجير المشترك (غير المعيَّن)، فيأخذ حكم إجارة الأعمال في الذمة، وتكون أجرته الاستفادة من المشروع خلال فترة التشغيل المتَّفق عليها.
وآخرُها وهو السابع: شراء منفعةٍ من المتموِّل وتوكيله في بيعها: وهي أنْ يقوم المموِّل (مانح المال) بشراء منفعةٍ معيَّنةٍ أو موصوفة في الذمة من طالِب التمويل، ثم يوكِّله ببيع تلك المنفعة نيابةً عنه، فالهدف منها الحصول على النقد. وهذه المنفعة التي يستأجرها المموِّل من طالب التمويل قد تكون معيَّنة، وقد تكون موصوفةً في الذمة؛ فتأخذ أحكام إجارة الموصوف في الذمة.
[1] يسمَّى أجيرًا مشتركًا؛ لأن ذمَّته ليست مقصورةً على مستأجِر معيَّن، وإنما المطلوب منه هو إتمام العمل لكل من يتعاقد معه، وعليه فهو لا يستحقُّ الأجرة إلا بإنجاز العمل المطلوب.
[2] المال عند الجمهور: ما كان فيه منفعة مقصودة مباحة شرعًا، وهو ما يتموَّل به، وتدخل المنافع عند الجمهور في المال، أما الحنفية فالمال عندهم ما يقبل الإدخال وتخرج المنافع منه.
[3] نبَّه ابن تيمية في مجموع الفتاوى (29/ 155، 156) إلى وجود فرقٍ بين مخالفة مقتضى العقد ومخالفة مقصود العقد، وبناءً على هذا أجاز الشرط المنافي لمقتضى العقد ما لم يكن مخالفًا للشرع، وأبطل الشرط المنافي لمقصود العقد.
ومعنى هذا أنَّ الشرط لو خالف مقتضى العقد يُنظَر فيه فقد لا يبطل العقد، وقد يخالف مقصود العقد فيبطله لا محالة.
[4] يُسمى: بالشرط الجزائي في الديون.
[5] وهذه الصورة مشهورة باسم: الزيادة في الدَّين المتقرِّر في الذِّمَّة.
[6] مسألة: لا فرق بين هذه المسألة وبين شَرط غرامةٍ عند التأخر في سداد الدَّين يصرفها الـمَدِين في وجوه الخير، على الراجح، وهو قول بعض المعاصرين؛ لأنَّه الربا بعَيْنه، ولم يقل به أحدٌ من الفقهاء مِن قبل؛ فلا يصح الإلزام به من الدَّائن، وهذا يفتح باب شرٍّ على الناس، وهو وسيلة للربا، وتجب سدُّ ذريعته بكلِّ حال، وكون الربا يُصرَف في وجوه الخير فهذا لا أثر له في تجويز صورة الربا المحرَّم.
ومن القائلين بذلك: الشيخ عبد الله ابن منيع، ود. رفيق المصري، ود. أحمد فهمي أبو سنة.
[7] تنبيه: قد يكون العاقد شخصية اعتبارية؛ فلا يتصور حينئذٍ انتهاء العقد بموت العاقدين أو أحدهما.
[8] مسألة: إذا أفلس المستأجِر الذي استأجر أجيرًا مشتركًا لعملٍ في الذمة؛ فالراجح عدم انفساخ عقد الإجارة؛ لأنَّه الإجارةَ عقدٌ لازم، وانفساخه بمثل هذه الأعذار الطارئة التي لا تؤثر في الانتفاع بالمعقود عليه يُقلِّل مِن لزومه.
[9] تنبيه: ذكر الفقهاء أن بين رفع اليد والتسليم فرقًا، وهو أن رفع اليد يلزم المستأجر سواء طلب المؤجر العين المستأجرة أم لا، وأما التسليم فإنما يلزم عند الطلب.
[10] ولا يخلو تداوُلها من أحد حالَين: فإن كان قبل تحديد العين المؤجرة والتمكين من الانتفاع بها؛ فالراجح عدم جوازه إلا بضوابط بيع الـمُسْلَم فيه قبل قَبْضه من غير الـمُسْلَم إليه. وإن كان بعد تحديد العين المؤجَّرة والتمكين من الانتفاع بها؛ فالراجح جوازه.
[11] تنبيه: ذكر الباحث حكم نوعٍ واحد فقط، وهو ما إذا كان العقارُ أرضًا وأنَّه لا يجوز حينئذٍ.
[12] وتستخدم بعض الدول مصطلح (B.O.OT)، وهو اختصار: Build – Own – Operate – Transfer.