عام

من يتحمل كلفة استمرار العلاقة؟

  • تونيا لاستر
  • ترجمة: سمر نجاح

في العلاقات؛ غالبًا ما يكون هناك شخص يتحمل -وحده- كلفة استمرار العلاقة، يطلق عليه “ممتص الصدمات”؛ والذي يلجأ عادةً إلى كبت احتياجاته الخاصة من أجل إرضاء الطرف الآخر.

النقاط الأساسية:

  • الهدف الأساسي من وجود شريك يختار أن يتحمل وحده كلفة استمرار العلاقة هو الحدّ من الصراعات والخلافات.
  • بمرور الوقت، يؤدي كبت الاحتياجات والمشاعر إلى تلاشي الحميميّة في العلاقة.
  • الخلافات الصحية ضرورية لتطور ونمو العلاقة.

من هو “ممتص الصدمات”؟

يلجأ الكثير من الناس للعلاج النفسي حين يلاحظون خللًا ما في أنماط علاقاتهم. تنبع أغلب هذه المشكلات من عدم القدرة على وضع حدود واضحة بين كل فرد وغيره ممن تربطه بهم علاقة ما. قد تتسبب هذه المشكلات في إحداث مزيد من الآثار النفسية المدمرة والتي ستؤثر بكل تأكيد على جودة الحياة؛ ففي النهاية تتحدد جودة حياة الفرد بمدى جودة علاقاته.

تنتج المشكلات الزوجية من توقعات غير محققة، وتنتج مشكلات العمل من تنافس شرس بين الزملاء، وهناك عدد هائل من العزّاب الذين يجمعهم ماضٍ من العلاقات المخيبة للآمال، التي عانوا خلالها من عدم القدرة على وضع حدود للآخرين وعدم القدرة على التواصل مع احتياجاتهم. مهما كانت المشكلة التي نحن بصددها، فهناك دائمًا عنصر مشترك بين العلاقات المتهالكة: ألا وهو الشخص الذي يقوم بقمع احتجاجاته واحتياجاته ولا يبذل أي مجهود في محاولة التواصل أو التعبير عن ذاته.

في السيارات، يعمل ممتص الصدمات على تقليل الاهتزازات بالتالي يجعل القيادة أكثر سلاسة مما يضمن رحلة مريحة لجميع الركاب. بدون ممتص الصدمات تصبح القيادة مهمة صعبة؛ فلا تعمل المكابح كما ينبغي وقد تتعرض الإطارات للتلف سريعًا، ناهيك عن وعورة المسير وثقل الرحلة.

وفي العلاقات، يقوم الشخص الذي يمتص الصدمات -أو بالأحرى يتلاشاها- بتقبُّل أو تجاهل أو التهوين من السلوكيات الجائرة للطرف الآخر، تجنبًا لأي صراعات محتملة قد تنتج عن المواجهة المباشرة. قد يرغب في التحدُّث، أو الاعتراض، أو الدفاع عن نفسه، لكنه يخشى أن يزيد ردُ فعلِه الأمر سوءًا. وبمرور الوقت، يصير الكتمان وعدم التعبير عن النفس هو الوضع الافتراضي للتواصل بين الطرفين.

بالتمرّس، عادةً ما يصبح الشخص الذي يكبت احتياجاته ومشاعره شديدَ البراعة في إدارة كل العلاقات من حوله، ستجده يتنبأ بشكل تلقائي بأي مشكلة يحتمل حدوثها وينزع فتيلها بمهارة، لدرجة أن هذا الشخص ذاته قد لا يدرك بشكل واعٍ أنه يفعل ذلك. ممتص الصدمات لا يدرك بشكل كامل -في البداية على الأقل- أنّ هذه الاستجابة ليست إلا استراتيجية لحفظ السلام، وأنّ تكلفة هذا السلام باهظة للغاية، لأنه دومًا يأتي على حساب احتياجاته الخاصّة.

علامات تشير إلى أنك الطرف الذي يمتص الصدمات

  • إذا كنت تشعر أنك المسؤول عن حفظ السلام والانسجام، ليس في علاقاتك الخاصة فقط، بل بين الآخرين من حولك أيضًا. كما لو كان عدم وقوع أي مشكلة في محيطك بالكامل هو مسؤولية ملقاة على عاتقك.
  • إذا كنت تشرح وتبرر سلوكيات الآخرين كي تخفف من حدة ردود الفعل عليها.
  • إذا كنت تشعر بالمسؤولية تجاه إخفاق الآخرين أو تعرضهم لضغوط أو صعوبات.
  • إذا كانت علاقاتك بمن حولك -وخصوصًا بالمقربين منك- تجعلك مثقلًا وتسبب لك الاستياء والقلق.
  • إذا كنت ستشعر بالإحراج إذا علم صديق أو شخص مقرب منك الحقيقة بشأن المسؤولية التي قمت بتحمّلها طوعًا، وطريقة تعاملك مع إساءات الآخرين، وكل الأشياء التي قررت تجاهلها.. فقط لتجنّب الخلافات.

التصرّف بهذا الشكل غالبًا ما يكون شديد الفعالية على المدى القصير: كأن تكون وسيطًا للسلم بين ولديك اليافعين في حال دبّ شجار بينهما، أو عندما ينسب رئيسك في العمل فكرتك إلى نفسه فتجبر نفسك على الابتسام والتصفيق، أو حين يتوقف شريكك عن التحدث معك لأيام لسبب لا تعلمه فتتجاهل الأمر وتنتظر أن تُحل المشكلة من تلقاء نفسها.

ربما يشغل الموقف تفكيرك ويتسبب في إرباكك، وقد يغضبك ويدفعك للتحدّث سرًا، على سبيل البوح مع صديق، لكنك لن تجرؤ أبدًا على المواجهة المباشرة، ستقول لنفسك: “لماذا أزيد الأمور سوءًا؟ لماذا أتسبب في خلق مشكلة؟!”

أساس العلاقات الصحية -كل العلاقات الصحية- هو التواصل الواضح الشفاف، وبدون تلك الشفافية لن تتمكن العلاقات -ولا يجب أن تتمكن- من الصمود. لسوء الحظ، ليس التواصل الجيد بين أطراف العلاقة أمرًا سهلًا، بل قد يكون شديد الصعوبة والتعقيد أحيانًا، لذا ليس من المستغرب على الإطلاق وجود من يفضّلون تحمّل الصمت، وانعدام الانسجام، وعدم تلبية احتياجاتهم، على مواجهة الموقف بما ينطوي عليه ذلك من مخاطرة بسلام العلاقة.

الحقيقة هي أن الخلافات أمر ضروري وصحي للغاية؛ ولا أقصد هنا الصراعات العدائية أو العنيفة التي تعد بلا شك مدمرة وغير فعّالة على الإطلاق، إنما المقصود الخلافات الصحية المدروسة المدارة بشكل جيّد، وهي الطريق المباشر لنمو العلاقة ونضج أطرافها. على العكس من ذلك، يعتبر الانسجام التام الذي يتطلب درجة عالية من التجنب والانسحاب معيقًا لنمونا ونمو من نهتم لأمرهم.

بالطبع قد نمر بأوقات، في كل علاقة، يكون من الصواب والحكمة فيها أن ندع الأمر يمر فحسب، فليس الهدف من الإشارة لأهمية الخلاف الصحي أن نتحول إلى متصيدي أخطاء، ولا أن يتحول أحدهم إلى ممتص صدمات في علاقته بك نيابةً عنك، ولكن الهدف هو أن يتحمّل كل شخص في العلاقة المسؤولية الكاملة لأقواله وأفعاله.

من المستحيل عمليًا أن تكون الشخص الذي يتحمل عبء الصدمات، وأن تُحدث تغييرًا إيجابيًا…تمامًا كما يقول شعار الاحتجاج القديم: “الصمت يساوي الموت”، إلا أن الموت هنا هو موت تقدير الذات، وموت الأحلام، وخنق أي فرصة لنمو الأفراد والعلاقات الإنسانية التي تربطهم، ولا سبيل لتغيير هذا إلا بالضغط على النظام عن طريق التحدّث ووضع حدود واضحة والسماح للآخرين بتحمّل عواقب أفعالهم.

اقرأ ايضًا: التواصل إكسير السعادة

المصدر
psychologytoday

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى