تقارير ودراسات

حظر الحيوانات في المختبرات

  • بنيامين إليشا ساو
  • ترجمة: أحمد الصقير
  • تحرير: إيثار الجاسر

مدخل

ملايين الحيوانات تُقتل صبرًا وبوحشيَّة لأغراض طبيَّة وعلميَّة. الملايين من الفقَّاريات تُستخدم في التَّجارب العلميَّة بدرجات متفاوتة، ولأغراض متباينة حول العالم. وقد تباينت المقالات، وتدافعت بين مؤيد ومعارض، موافق ومخالف سواءً في وجود الضَّرورة، أو حقّ التَّطبيق وجوازه. فكانت الجماعات الملكيَّة البريطانيَّة من حاملي لواء الداعمين للتَّجارِب المختبريَّة على الحيوانات؛ إذ قامت جلُّ مكتشفات القرن العشرين على هذه التَّجارِب بشكلٍ أو بآخر، ومع هذا اضطرت سلطات بعض الدُّول أن يحددوا ويقيِّدوا مثل هذه التَّجارِب لنشاط المناهضين لها بدعوى أخلاقيَّة بلا دقَّة وصحَّة للبيانات عن هذه التَّجارب.

استخدامات الحيوانات في التَّجارِب

يُستخدم 31.1% منها في أبحاث أوليَّة، و11.9% في أبحاث تطبيقيَّة وانتقاليَّة لاستخلاص وتجربة علاجات وأدوية طبيَّة بشكلٍ رئيسيٍّ. والنَّاظر لهما يجد تداخلًا وتشابكًا بين هذين القسمين المكونين لـ 43% من الأبحاث؛ وهي في البحوث الطبيَّة والصحيَّة. تُقام تجارب الحيوانات لاستبانة ودراسة العمليَّات والتَّغيُّرات والعلاقات البيولوجيَّة، ومن ثمَّ تُستخلص البيانات للتَّشخيص والعلاج البشري وفهم الأمراض. ولا تقام التَّجربة على 28.2% منها إلا بعد ذبحها لاستخلاص الأنسجة والخلايا، لدراسة العمليَّات الكيميائيَّة الحيويَّة ولتجريب بعض الطُّرق العلاجيَّة الجديدة. أمَّا 23.7% تُستخدم في تجارب تحقُّقيَّة، وتجارب السُّموم، وجودة الأدوية وسلامتها للاستخدام البشريِّ. أكثر التَّجارب على الحيوانات تكون على الفقَّاريَّات صغيرة الحجم كالكابياء والفئران والجرذان والأرانب.

وقد تُستخدم الطُّيور والأسماك في بعض التَّجارب، ولكن الفئران تعدُّ الفئة الرَّئيسة بـ 68%، تأتي بعدها الجرذان بـ 13% من إجمالي الحيوانات المستخدمة في التَّجارب، وفي تجارب زراعة الأعضاء كذلك. ومن أهمِّ أسباب استخدام الفئران: أنَّ شفرتها الجينيَّة قد حُلَّت قبل عدَّة سنوات، فصار التَّعامل معها وتغييرها أيسر؛ مما ساهم في توليد فرصٍ بحثيَّة للباحثين في الجينات الحيويَّة والمرضيَّة. أمَّا الأسماك فقد زاد استخدامها كثيرًا بعد حلِّ شفرة جينوم سمك الدانيوم المخطَّط، وغيرها من الحيوانات تستخدم إلى حدٍّ ما.

حجَّة مناهضة لمنع التَّجارب على الحيوانات

البحوث البيطريَّة

اعلم أنَّ هذه التَّجارب على الحيوانات قد أسهمت وأعانت على التَّقدم العلمي في الطبِّ البيطريِّ كذلك؛ وأنَّ البشر والحيوانات تُلمُّ بهم أدواءٌ متشابهة كتصلُّب الشَّرايين في الأرانب، واضطرابات النَّظام البصري في القطط، وبعض الاضطرابات الدمويَّة، والسَّرطان، والسُّكري وقرحة المعدة. فالكلاب مثلا معرَّضة لاضطرابات التَّثخُّر الدمويَّة ما يجعلها على شفا نزيفٍ داخليٍّ خطير. وهذا الاضطراب يمكن علاجه بطريقة مشابهة لمثيله في البشر، والتَّغييرات التي قد يحتاجها ليست عويصة؛ إذ أصل العلاج البشري كان عبر تجارب على الحيوانات.

فالطِّبُّ البيطري لا يكاد يستغني عن تجارب الحيوانات للتَّقدُّم والتَّطوُّر. والعادة جارية أنَّ الدِّراسات صُمِّمت بأن يُجعل الحيوان الذي هو مظنَّة الحاجة للعلاج الإكلينيكي مادةً للبحث والتَّجريب، ثمَّ إنَّ كثيرًا من اللّقاحات وخطط العلاجات للأمراض الخطيرة كالسِّل البقري، وابيضاض الدَّم وبعض أشكال الحُمَّى قد استقيت وطوُّرت بالتَّجارب على الحيوانات. وهذا الشَّكل من الطِّبِّ وغيره من البيطرة ساهمت في علاج الكبد مثلًا، بل كانت معينة للحفاظ على بعض الحيوانات المهدَّدة بالانقراض وحماية البيئة.

إمكان النقل

خلايا البَدن وعمليات الكيمياء الحيويَّة الضَّروريَّة للحياة متشابهة عند الحيوانات على اختلاف أنواعها وأجناسها. وبإمكان علم الوراثة الجزيئيَّة إثبات أنَّ كلَّ الكائنات الحيَّة على الأرض تعود لأصل واحد.[1]فالحيوانات تشترك في الجينات التي تسهم في بناء أبدانها والتي وقع عليها تغيير في عجلة التَّطوُّر. بل إنَّ هذه التَّشابهات تجعل من الممكن مقارنة هذه الأجزاء والعمليَّات مع نظيرتها في البكتيريا. إلا أنَّ أجساد البشر أعظم وأكثر تعقيدًا، وعلى ذلك فإنَّ الحاجة لحيوانات مشابهة تكون أكبر. فالتَّجربة على حيوان قبل الإنسان تساعد الباحثين على تخمين النَّتائج و70% من المضاعفات السَّلبيَّة التي قد تطرأ مع الاستخدام البشري، خذ مثلا: حمض الأسيتيل ساليسيلك -الجزء الفاعل في الأسبرين- يسكِّن الألم في البشر والجرذان، ولكنه قد يسبب ارتفاعًا في نزيف الدم لكل من البشر والجرذان كذلك، والحرير الصخري قد يسبب سرطان الرئة عند الجرذان والبشر كذلك.

والمذيبات البلاستيكية قد تسبب سرطان الكبد للجرذان والبشر. ومثل هذه التَّجارب تظهر للباحثين فاعليَّة العلاج وسلامته قبل الاستعمال البشري، فتساهم بشكلٍ جليٍّ في تقليل مخاطر العلاجات وأعراضها الجانبيَّة. وخلال هذه التَّجارب ما قبل الإكلينيكة يُقصى 36% من المركبات قبل الاستخدام البشري؛ نتيجةً للآثار التي تظهر على الحيوانات، وعليه فإنَّ هذه الاختبارات والتَّجارب تساهم في إيقاف المركبات العلاجيَّة التي قد تكون مسمِّمة أو تودِّي بحياة بشر. وهذا المبدأ يمكن قلبه فيستخدم العلاج البشري للحيوانات وعلاج أمراضها.

محاجّة تطالب بالمنع

الفارق

ينبغي إدراك أنَّ الفارق بين أمراض البشر ومقابلاتها في الحيوانات المختبريَّة ليس بيسير، وهذا يجعل الاعتماد عليها غير دقيق. عندما يُصنَّع المرض الذي يوضع في الحيوانات، فإن تحديات إعادة إنتاج تعقيدات هذا الدَّاء البشري ثمَّ جعله في الحيوانات يحدُّ من فاعليَّة البيانات التي نستقيها منها. ففي الحالات التي تكون حيوانات التَّجارب فيها معياريَّة قد تكون النَّتائج فاشلةً نظرًا للفروق بين حالة البشر مقارنة بالحيوانات. على سبيل المثال: الجلطات الدِّماغيَّة فهمناها جيدًا، ومع هذا فإنَّ خلق هذا المرض في الحيوانات بشكلٍ دقيق أثبت عدم جدواه ولا إمكانه. و90% من الأدوية التي أعطت نتائج واعدة على الحيوانات في المختبرات فشلت عند تجربتها على البشر. وبعض العلاجات أعطت نسب نجاح منخفضة عند تجربتها على الجرذان كأدوية للسَّرطان مثلاً، (بنسبة 5% بعد التَّجارب العياديَّة)، والطِّبِّ النَّفسيِّ (بنسبة نجاح 6% على الجرذان)، وأدوية للقلب (بنسبة نجاح 7%).

الأضرار النَّاتجة عمَّا يُضلَّل من نتائج تجارب الحيوانات

إنَّ النَّتائج المُرضية من هذه الاختبارات غير القابلة للتَّنبُّؤ قد تؤدي لمعاناة عندما يستخدمها البشر؛ لما في نتائج السَّلامة والفاعليَّة من فوارق تضليليَّة، إذ هذه البيانات المضلَّلة من اختبارات الحيوانات تكون قائدة لاستخدام مواد ضارَّة أو قاتلة للبشر. فدراسات السُّموم على الحيوانات عصيَّة على التَّنبُّؤ والاستنتاج بما قد تسببه للبشر. وقد تعرَّض البشر في الماضي لنتائج مروِّعة بسبب نتائج مختبريَّة أقيمت لدواء جديد، بالرَّغم أن اختبارات السَّلامة والفاعليَّة كانت ناجحة على الحيوانات. وعليه، فإنَّ المتطوِّعين ينخدعون بمثل نسب الأمان والفعليَّة التي كانت على الحيوانات، ثمَّ تكون شديد الخطورة على البشر. بل إنَّ هذه النَّتائج المضلَّلة تتحكَّم بعقليَّة الباحثين، فتوجههم لاتجاه خاطئ فتضيع من الأوقات والاستثمارات الشَّيء الكبير.

فرص مُضاعة

إنَّ البشريَّة قد تضيع علاجات محتملة وناجحة لأنَّها لم تنجح على الحيوانات مع احتمال نجاحها على البشر. فبعض الأدوية تُتجاهل، وتصبح طيًّا للنسيان لأنَّ الاختبارات على البشر لا تكون إلا بعد نجاح اختبارات الحيوانات. ومن الصَّعب حصر وإحصاء الفرص العلاجيَّة التي أضعناها نتيجة لهذه الاختبارات المضلَّلة التي هي أساس اعتماد الشَّركات للأدوية. فمن كلِّ 500 – 1000 دواء، لا يجاوز قنطرة التَّجريب على الحيوانات إلا 5 أدوية لتجرَّب على البشر؛ فكم منها كان خليقًا بأنَّ يكون علاجًا فاعلًا للبشر.

وقد نُشرت مقالة محررة في Nature Review Drug Discovery بيَّنت حالات لأدوية لم تكن لتستخدم؛ لأنَّ التَّجارب الحيوانية كان من الممكن أن تقود لنتائج مختلفة فتثبِّط تطويرها للاستخدام البشري. فهذا تَمُكسِفين يعدُّ علاجًا فاعلًا لبعض أنواع سرطان الثَّدي لم يكن ليستخدم ولا يطوَّر لو أنَّ عَرَضه الجانبي على الجرذان اُكتشف عندما جُرِّب عليها، واُكتشف حينها أنَّه يسبِّب للجرذان تليُّفَ الكبد، ولكنَّه استخدم ونزل للأسواق قبلها فجاز القنطرة حظًّا. والقلِفيك مثلًا يستخدم لعلاج بعض أشكال اللُّوكيميا لم يكن ليستخدم؛ لأنَّه أظهر نتائج سيِّئة على 5 حيوانات منها الكلاب والتي تسبب لكبدها أضرارًا خطيرة. ولكن هذا التَّسمُّم الكبدي لم يظهر على البشر، ولحسن حظ المصابين بهذا المرض أنَّ العلاج قد صدر للسُّوق قبل أن يثبت أنه ضار لهذه الحيوانات.

ثمَّة بدائل

لقد طوَّر العلماء طرقًا لاختبار المنتجات ودراسة الأمراض دون هذه التَّجارب المريعة على الحيوانات، وهي ذات صلة بالحالة البشريَّة. ومن هذه البدائل الاختبارات الزجاجيَّة، والمحاكاة الإلكترونيَّة. وهذه الوسائل تقلِّل من الحاجة البشريَّة للصيانة والوقت والتَّكلفة. وهذه الطُّرق لا تواجه عقبات الاختلاف النَّوعي بين البشر والحيوانات المختبريَّة. ففي الاختبارات الزُّجاجيَّة تُستخدم خلايا أو أنسجة حيويَّة مستزرعة في بيئة تحت ظروف مختارة لدراسة الأدوية والآثار الكيميائيَّة. وهذه الأنسجة تحفظ؛ لتبقى صالحة لأيَّام وحتَّى لسنوات. وتستخدم هذه الطَّريقة اليوم لاختبار مستحضرات تجميليَّة وعلاجات بفاعليَّة عالية. ومن الطُّرق البديلة المطوَّرة للشَّرائح العضويَّة، وهي أجهزة تستزرع الخلايا البشريَّة في برمجيَّات حديثة تماثل العمليات الحيويَّة الطبيعيَّة. ومنها أيضا المحاكاة الإلكترونيَّة بالحواسيب الحديثة، وتسمى بـ (In-silico) وهي برمجيَّات معقَّدة تحاكي تطوُّر الأمراض وعلم الأحياء البشري. وقد أثبتت دراسات أنَّ لهذه الحواسيب قدرة على التَّنبُّؤ بأشكال استجابة الجسد البشري لهذا العلاج الجديد.

مبدأ ثلاثة ألفات[2]

قضيَّة استخدام الحيوانات في المختبرات تعدُّ من المسائل التي كَثُر فيها الجدل واللَّغط في الفضاءات العلميَّة. فعندما تكون التَّجربة على حيوان ضروريَّة، فإنَّهم يرون أنَّ الاختبار ينبغي تقييده لأقلِّ حدٍّ. وقد أتى بهذا المبدأ راسل وبرتش عام 1959م ليقنِّن هذه الاختبارات. وهدف هذا المبدأ؛ الإقلال وتجنُّب التَّجارب الحيوانيَّة قدر الاستطاعة، وحدّ الضَّرر عليها، وتقليل أعداد الحيوانات. وهذه الألفات هي: الإبدال والإقلال والإحسان. والإبدال يعني الإتيان بالوسائل والطُّرق البديلة لإقامة تجارب على غير الحيوانات متى أمكن. والإقلال استخدام أقلّ عدد من الحيوانات مع استخلاص أكبر قدر من المعلومات. والإحسان تطوير الطُّرق العلميةَّ لتسكين ألم ومعاناة الحيوان المستخدم خلال فترة حياته.


[1] هذه وجهة نظر الكاتب ولا تعبِّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع- المراجع.

[2] إبدال، إقلال، إحسان، ويشار له بالإنجليزية ( the three R’s principle: Replacement, Reduction, Refinement.)

المصدر
worldatlas

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى