- ديفيد كلينجهوفر
- ترجمة: مروة العلي
- مراجعة: خالد الشايع
- تحرير: سهام سايح
أن تصل مُتأخراً خيرٌ من أن لا تصل أبدًاً، اعتذرت حديقة حيوانات برونكس بالأمس على احتجاز القزم الأفريقي (أوتا بينجا) واستخدامه للعرض في قفص القردة عام ١٩٠٦م. بالرغم من ذلك فقد أغفلوا أمرًا في اعتذارهم. ولكن أولاً، لماذا اختاروا هذه اللحظة للاعتذار؟.
من فوكس نيوز:
أخبر الرئيس التنفيذي لجمعية حماية الحياة البرية ، كريستيان سامبر، النيويورك تايمز بأنّ المجموعة قد بدأت بالتنقيب في تاريخها مدفوعة بذكرى تأسيسها المئة وخمسة و عشرون هذا العام. قال سامبر بأنّ هذه العملية و ما تزامن معها من نقاشات اجتاحت البلاد عن التفرقة العنصرية بعدما قتلت الشرطة جورج فلويد هي الدافع إلى تقديم الاعتذار.
هل لتأثير الوثائقي الحاصل على عدة جوائز حدائق الحيوان البشرية لـ(جون ويست) من معهد ديسكفري، والذي بلغت مشاهداته ٢.٥ مليون، وهو يوثق بقوة هذه الحلقة المخيفة وغيرها مثلها ؛ هل لتأثيره هذا أيُّ دور في هذا الاعتذار؟ هم لم يقولوا ذلك. ويفترض بنا أن نُصدق بأنّ الموضوع مُصادفة محضة. الذكرى المئة وخمسة وعشرون لافتتاح حديقة الحيوانات بالتزامن مع احتجاجات (حياة السود مهمة) هو ما حضّهم على “التنقيب” في تاريخ الحديقة.
حفظ ماء الوجه
حسنًا، فليحفظوا بعضًا من ماء وجوههم؛ ويَجدُر بنا أن نثني أيضًا على اعترافهم بدور “العنصرية العلمية الزائفة” وعلم تحسين النّسل في قصة (أوتا بينجا) و إذلاله، وتجريده من إنسانيته.
من خطاب حديقة الحيوانات:
على وجه التحديد، نحن نستنكر الكتابات والفلسفات المبنية على علم تحسين النّسل، والعنصرية العلمية الزائفة، والتي تمّ تبنيها من قِبل العديد من الناس في تلك الفترة، ومن جملة هؤلاء الناس اثنين من مؤسسينا، (ماديسون جرانت) و(هنري فيرفيلد أوزبورن الأب). بعض المقتطفات من كتاب جرانت “عبور العرق العظيم” (كَتَبَ مُقدمته أوزبورن) قد تمّ تضمينها في معرض دفاع لأحد المدافعين في محاكمات نورمبرغ. جرانت وأوزبورن كانوا أيضًا من مؤسسي جمعية تحسين النّسل الأمريكية عام ١٩٢٦م.
ما لم يُذكر، ولا ينبغي أن ينسى، هي الإشارة إلى منشأ هذه الأفكار الشريرة ومصدرها. ماذا كانت طبيعة مُحتوى “العنصرية العلمية الزائفة” تلك التي دفعت إلى معاملة (أوتا بينجا) بهذا الشكل؟ لنكن دقيقين أكثر، العنصرية لم تكن يومًا مبنية على “علم تحسين النّسل” بل على “نظرية التطور”. وهذا ما لم يذكر.
صريحة و صادمة
لمعاملة صريحة وصادمة نقترح مشاهدة “حدائق الحيوان البشرية”
سَجْنُ رجل أفريقي وعرضه للفرجة في حديقة حيوانات، لم تكن تجربة في مجال علم تحسين النّسل، بالرغم من أن تلك الكذبة التي سموها “علم” كانت رائجة في ذلك الوقت في مؤسسات التعليم العالي، حيث استيقظ الطلاب وأعضاء هيئة التدريس اليوم، وألقوا محاضرات للناس عن عنصريتها المنهجية.
إحدى حدائق الحيوان البشرية، في معرض (الاسكا يوكون بيسيفيك) في سياتل، تضمنت عرضًا لمجموعة من (الايغوروت) وهم من يُفترض بهم أن يكونوا السكان الأصليين البدائيين للفلبين. وقد أُقيمت فوق أراضي هذا المعرض( ١٩٠٩) اليوم حرم جامعة واشنطن، والتي انطلق منها البروفيسور وخبير “الهشاشة البيضاء”(1) روبن ديانجلو. خلفية مثل هذه لن تُصلح الأمور أبدًا.
الحقيقة هي أنّ وضع رجل في بيت القردة كان الهدف منه تثقيف العامة في مجال نظرية التطور لِداروين. وكما قال (جون ويست) فإن (أوتا بينجا) كان “واحدا من آلاف السكان الأصليين الذين تمّ وضعهم للعرض في أمريكا باسم التطور الدارويني.”
نسوا أن يذكروا
بالرغم من أنّ مقالة النيويورك تايمز (حادثة عنصرية من ماضي حديقة حيوانات برونكس تستدعي اعتذارًا) بالأمس قد نسيت الإشارة إلى الموضوع، إلا أنّها كانت تعيه بوضوح في ١٩٠٦م. ضاربة عرض الحائط احتجاجات رجال الدين السود الذين نادوا بأنّ الأفارقة يجب أن يتلقوا تعليمًا لا أن يوضعوا في أقفاص، وضّحت الجريدة:
اقتراح وضع (بينجا) في مدرسة بدلاً من قفص يتجاهل احتمالية كبيرة بأن تكون المدرسة مكان عذاب بالنسبة إليه و أن لا يستفيد منها إطلاقًا. فكرة أنّ البشر كلهم متساوون و متشابهون باستثناء فرصهم في حصولهم على تعليم من الكتب أو فقدانهم تلك الفرص هي فكرة بالية انتهى تاريخها منذ زمن.
بعبارات أخرى ” استمعوا إلى ما يقوله العلم!” في الحقيقة، أن التسلسل الهرمي العرقي قد تمت الإشادة به واعتباره علمًا راسخًا في ذلك الوقت. تابعت التايمز:
يجب إخبار الإخوة القساوسة الملونين المحترمين أنّ التطور، بشكل أو بآخر، يتم تدريسه الآن في الكتب المدرسية في جميع المدارس، و أنه الآن ليس أكثر إثارة للجدل من جدول الضرب.
بعض الأمور لا تتغير أبدًا
ما زالت النيويورك تايمز متغطرسة وصلفة كما كانت منذ ١١٤ سنة مضت. ولكنهم على حق بأن التطور كان (وما زال) “يُدَرّس في الكتب المدرسية في كل المدارس” وكأنه مثل “جدول الضرب” غير قابل للتشكيك. كتاب علم الأحياء المخصص للمدارس الثانوية Civic Biology في منتصف محاكمات سكوبس في ١٩٢٥م، كان يشرح للطلاب تصنيف وترتيب الأعراق البشرية، ابتداءً “بالنوع الإثيوبي أو الزنجي” في القاع، كاستنتاج مباشر لعلم التطور.
إنّ مواجهة التاريخ، وليس تمزيقه والصد عن دروسه، أمرٌ ضروري و صحي. لقد خطت حديقة حيوانات برونكس خطوة في هذا الاتجاه، ولكن ليس كامل الطريق. ما زالوا يتحرجون من المساس بالنظرية الداروينية. هذا تجاوز كبير بالنسبة لهم. بالمقابل، إذا ما نظرنا إلى دور النيويورك تايمز في نفس القضية، نجد أنها لم تخط خطوة واحدة.
(1) الهشاشة البيضاء كتاب للمؤلف