- تيم شواب
- ترجمة: نهى سعود
- تحرير: فردوس سراج
تحقيق صحيفة (The Nation) توضح المخاطر الأخلاقية التي فاقت المليارات بمؤسسة غيتس الخيرية
في الخريف الماضي، عرضت نيتفليكس لأول مرة فيلمًا وثائقيًا من ثلاثة أجزاء يعد المشاهدين بإلقاء نظرة نادرة على الحياة الداخلية لأحد رجال الأعمال الأكثر إثارة للجدل في التاريخ، “بيل جيتس”، على مدار ثلاث ساعات، أظهر لنا الفيلم الذي عنونه المخرج بـ داخل عقل بيل ” Inside Bill’s Brain” جانبًا عاطفيًا نادرًا من داخل عقل بيل، وهو -فقدان والدته، وفاة أفضل أصدقائه المغتربين، ثم وفاة مؤسس شركة مايكروسوفت بول ألين-، مع ذلك فإن الفيلم عزّز لنا الصورة التي تكونت لدى الكثير منا بالفعل عن عالِم التكنولوجيا الطموح، والعبقرية التي لا تشبع، وبطولية المُحسِن وهي نقطة لصالح الفيلم، لكن الفيلم وقع في مأزق شديد وهو: محاولة فهم عقلية ثاني أغنى إنسان في العالم من خلال مقابلة أشخاص في مجال نفوذه المالي.
ففي الحلقة الأولى، يؤكد المخرج ديفيس غوغنهايم على إتساع آفاق غيتس الفكرية من خلال مقابلة بيرني نوي، بصفتها صديقة لغيتس.
حيث قالت نوي: (إنها لمهارة فائقة أن تقرأ ١٥٠ صفحة في الساعة) وأضافت: (سأقول أن٩٠ بالمئة من الأمر هو عبقرية بيل الكامنة؛ إنه شخص إستثنائي بشكلٍ ما.)
الغريب أن غوغنهايم تحفّظ أمام الجمهور أن نوي هي مديرة “مدرسة ليكسايد”، وهي مؤسسة خاصة وهبتها مؤسسة “بيل وميليندا غيتس” ٨٠ مليون دولار. ولم يذكر المخرج أيضًا تضارب المصالح الاستثنائي المقدَم هنا: استخدم آل غيتس مؤسستهم الخيرية لإثراء المدرسة الخاصة التي يحضرها أطفالهم، والتي تفرض رسومًا على الطلاب تبلغ ٣٥٠٠٠ دولار سنويًا!.
ليست هذه النقطة المثيرة حقًا،حيث أن مواطن الضعف في الفيلم الوثائقي الأكثر إثارة للدهشة متعددة، فمع ضوء توقيت إصداره كانت الأخبار تتناقل أن بيل غيتس التقى عدة مرات مع مرتكب الجرائم الجنسية جيفري إيبستاين لمناقشة التعاون في الأنشطة الخيرية، والتي استطاع إيبستاين منها توليد الملايين من الدولارات كرسوم إدارة فقط، على الرغم من أن التعاون لم يتحقق أبدًا، إلا أنه سلّط الضوء على المخاطر الأخلاقية المحيطة بالمؤسسة الخيرية لغيتس حيث بلغت قيمتها ٥٠ مليار دولار، و خضعت أنشطتها المترامية الأطراف على مدى العقدين الماضيين لرقابة حكومية كما كانت محط أنظار القاصي والداني.
وفي حين أن جهود المحسن زميل الملياردير مايكل بلومبرج في استخدام ثروته للفوز بالرئاسة باءت بالفشل وسط انتقادات إعلامية شديدة، أثبت غيتس أن هناك طريقًا أسهل بكثير إلى السلطة السياسية، وهو طريق يسمح للمليارديرات غير المنتخبين بتشكيل السياسة العامة بطرق غالبًا ما تندرج تحت مسمى واعد هو: العمل الخيري أوالمؤسسات الخيرية.
عام ٢٠٠٨ أعلن غيتس أنه سيبتعد عن مايكروسوفت لتركيز جهوده على الأعمال الخيرية، ووصف نيته للعمل بالشراكة مع القطاع الخاص في تقديم منتجات وتقنيات السلع العامة، وهي نفس الطريقة التي وسع بها برامج مايكروسوفت وخلق الفرص الاقتصادية فيها. وذكر غيتس عن أسلوب عمله بأنه سيكون بالتناوب بين “الرأسمالية الإبداعية” و “العمل الخيري المحفز”، فأشرف بنفسه على تحول مؤسسته للاستفادة من جميع “أدوات الرأسمالية” لربط ما يقدمه “العمل الخيري من وعود بقوة المؤسسة الخاصة”.
وكانت النتيجة نموذجًا جديدًا للجمعيات الخيرية، حيث يكون المستفيدون المباشرون في بعض الأحيان ليسوا فقراء العالم بل الأغنياء، ولا يتمثل الهدف في مساعدة المحتاجين بل مساعدة الأغنياء في مساعدة المحتاجين!.
لكن من خلال التحقيق في أكثر من ١٩٠٠٠ منحة من المنح الخيرية التي قدمتها مؤسسة غيتس على مدى العقدين الماضيين، كشفت The Nationعن ما يقارب ٢ مليار دولار من التبرعات الخيرية المخصومة من الضرائب للشركات الخاصة بما في ذلك بعض أكبر الشركات في العالم، مثل شركة GlaxoSmithKline و Unilever و IBM وشركة NBC Universal Media المكلفة بتطوير عقاقير جديدة، وتحسين الصرف الصحي في العالم النامي، وتطوير المنتجات المالية للمستهلكين المسلمين، ونشر الأخبار الجيدة حول هذا العمل.
أيضًا مؤسسة غيتس منحت مليوني دولار لوسائل الإعلام المشاركة في الترويج للفيلم الوثائقي السابق لديفيس غوغنهايم “في انتظار سوبرمان”، والذي يدعم أحد الجهود الخيرية المميزة للمؤسسة، مثل المدارس المستأجِرة المدارس الحكومية وتديرها القطاع الخاص، هذا التبرع الخيري هو جزء صغير من مبلغ ٢٥٠ مليون دولار الذي قدمته المؤسسة لشركات الإعلام والمجموعات الأخرى للتأثير على الأخبار.
تقول لينسي ماكجوي أستاذة علم الاجتماع في جامعة إسكس ومؤلفة كتاب “لا وجود للهدية المجانية” : (لقد كان تطورًا غير مسبوق تمامًا للمبالغ التي تقدمها مؤسسة غيتس للشركات… إنني أجد أن ذلك مُدهش بصراحة)، كما تضيف (لقد أنشأوا واحدة من أكثر السوابق إشكالية في تاريخ التبرعات التأسيسية وذلك من خلال فتح الباب للشركات حتى ترى نفسها كمؤسسة خيرية تستحق التبرع في ذات الوقت الذي تكون فيه أرباح الشركة في أعلى مستوياتها على الإطلاق!.)
ماكجوي لم تتوقف عند هذا الحد بل سلّطت الضوء في أبحاثها بشكل غير متوقع على المنح الخيرية التي قدمتها مؤسسة جيتس للشركات الخاصة، ففي عام ٢٠١٤ تبرعت المؤسسة بمبلغ ١٩ مليون دولار لشركة تابعة لـ MasterCard وكان الهدف منها “زيادة استخدام المنتجات المالية الرقمية من قبل البالغين الفقراء في كينيا”. فقالت: (لقد أوضح عملاق بطاقات الائتمان بالفعل اهتمامه التجاري الشديد في تنمية عملاء جدد من سكان العالم النامي البالغ عددهم ٢.٥ مليار شخص، فلماذا يحتاج إلى محسن ثري لدعم عمله؟! ولماذا يحصل بيل وميليندا جيتس على خصم ضريبي على هذا التبرع؟!)
تبدو هذه الأسئلة ذات أهمية خاصة وأن التبرع لـ MasterCard ربما يكون قد أعطى فوائد مالية لمؤسسة غيتس في ذلك الوقت، ففي نوفمبر ٢٠١٤ كان لدى المؤسسة استثمارات مالية كبيرة في MasterCard من خلال حيازتها في شركتي Warren Buffett الاستثمارية وBerkshire Hathaway، الجدير بالذكر أن شركة Warren Buffett نفسها تعهدت بمبلغ ٣٠ مليار دولار لمؤسسة غيتس.
نعود لصحيفة ” The Nation” حيث وجدت ما يقرب من ٢٥٠ مليون دولار من المنح الخيرية لمؤسسة غيتس موجهة إلى الشركات التي تمتلك فيها المؤسسة أسهمًا وسندات مثل شركة : Merck و Novartis و GlaxoSmithKline و Vodafone و Sanofi و Ericsson و LG و Medtronic و Teva والعديد من الشركات الناشئة تحت مظلة أسماء منح وجِهت لمشاريع مثل تطوير أدوية جديدة وأنظمة مراقبة صحية وإنشاء خدمات مصرفية متنقلة.
“تضارب المصالح”
كشف صحيفة The Nation حيث تظهر فيها مئات الملايين من الدولارات التي تبرعت بها مؤسسة غيتس للشركات التي احتفظت فيها مؤسسة غيتس بأسهم أو سندات.
قد يبدو أن المؤسسة التي تقدم منحة خيرية لشركة تمتلكها جزئيًا -وستستفيد منها ماليًا- تضاربًا واضحًا في المصالح، ولكن وللأسف بالاستناد إلى القواعد المتفرقة التي كتبها الكونغرس والتي تحكم للمؤسسات الخاصة والتعامل الناعم من مصلحة الضرائب معهم، فلا يبدو أن الكثيرين في الحكومة الفدرالية يرونها بهذه الطريقة.
لم تردّ مؤسسة غيتس على أي أسئلة محددة حول عملها مع القطاع الخاص، كما أنها لم تقدم حساباتها الخاصة عن مقدار الأموال التي قدمتها للشركات الربحية، وبررت ذلك قائلة إن “العديد من المنح يتم تنفيذها من خلال مزيج من شركاء ربحيين وغير ربحيين، مما يجعل من الصعب تقييم الإنفاق بدقة”.
نأتي لشراكات المؤسسة مع شركات الأدوية، ففي الفعاليات والمناسبات التي تقام بين شركات الأعمال المتحالفة، يروج بيل غيتس بشكل علني لعمل مؤسسته مع الشركات؛ ففي عامي ٢٠١٣ و٢٠١٤ ألقى خطبًا في معهدي American Enterprise و Microsoft أفصح فيها عن عدد الأرواح التي كانت تنقذها مؤسسته بحوالي عشرة ملايين كما ذكر، بالإضافة إلى ست ملايين آخرين من خلال “شراكات مع شركات الأدوية”.
ومع ذلك، فإن المؤسسة تقوم بأكثر من مجرد الشراكة مع هذه الشركات: فهي تدعم تكاليف أبحاثها، وتفتح الأسواق لمنتجاتها، وتمول أرباحها بطرق لم يتم فحصها بشكل علني على الإطلاق -حتى أنه أنت وأنا أيها القارئ العزيز، ندعم هذا العمل-!.
على الصعيد الاقتصادي لايزال، مسألة نمو أصول غيتس ومؤسسته أمرًا مريب؛ فعلى الرغم من أن عائلة غيتس ومؤسسة غيتس تخلت عن عشرات مليارات الدولارات، واصلت أصولها في النمو، مما أثار تساؤلات حول التأثير على المدى طويل للأعمال الخيرية في السياسة الأمريكية.
كثيرا ما يتباهى بيل غيتس بدفع ضرائب أكثر من أي شخص آخر فهو يصرّح على دفع – ١٠ مليار دولار- لكنه تصريح يحتمل الصحة والخطأ؛ فمؤسسة غيتس لم تفصح حتى الآن عن نماذجها الضريبية أو تقدم أي معلومات تثبت ذلك، مما يجعل الأمر واردًا جدًا أنه ممن يتجنب الضرائب أكثر من أي شخص آخر، بفضل التبرعات الخيرية.
حسب تقديرات بيل وميليندا غيتس، فقد رأوا فائض ضريبي بنسبة ١١ في المائة على تبرعاتهم الخيرية البالغة ٣٦ مليار دولار حتى عام ٢٠١٨، مما أدى إلى تجنب حوالي ٤ مليارات دولار من الضرائب، ولم تقدم المؤسسة أي وثائق تتعلق بهذا الرقم، عى الصعيد الآخر؛ أشارت تقديرات مستقلة من علماء الضرائب مثل تقدير الأستاذ راي مادوف أستاذ القانون في جامعة بوسطن، أن أصحاب الملايين يرون فائض ضريبي لا يقل عن ٤٠ في المائة -والتي بالنسبة لبيل غيتس ستبلغ ١٤ مليار دولار- فنحن عندما نأخذ في الاعتبار الفوائد الضريبية التي تقدمها المؤسسة الخيرية للأغنياء نُجنِّب أولًا: ضرائب أرباح رأس المال (عادة ماتكون ١٥ في المائة)، وضرائب التركات (٤٠ في المائة على كل شيء يزيد عن ١١.٥٨ مليون دولار) وهو رقمٌ كبير في حالة غيتس.
يشدد مادوف أيضًا، مثل العديد من خبراء الضرائب، على أن هذه المليارات من الدولارات من المدخرات الضريبية يجب أن يُنظر إليها على أنها دعم عام – أي أنها كانت أموال ستذهب لوزارة الخزانة الأمريكية للمساعدة في بناء الجسور، أو إجراء البحوث الطبية، أو سد فجوة التمويل في مصلحة الضرائب (والتي أسفرت عن عدد أقل من مراجعات المليارديرات)-.ثم إنه إذا لم يدفع بيل وميليندا غيتس ثمن الشحن الكامل في الضرائب، على من يجب تعويض الفارق؟ على الجمهور طبعًا، أو ببساطة العيش في عالم تقوم فيه الحكومات بعمل أقل -تنفق أقل على التعليم، والصحة، والبحث- ويقوم المحسنون الخارقون بالمزيد والمزيد !.
يضيف مادوف: “أعتقد أن الناس غالبًا ما يخلطون بين ما يفعله الأثرياء في النزر اليسير من نقودهم الخاصة، وما يفعلونه في نقودنا نحن، وهذه إحدى المشكلات الكبيرة المتعلقة بهذا النقاش؛ فالناس يقولون عن الأغنياء: إنها أموالهم الخاصة فلينفقوها كما يحلو لهم، هذا منطقي إلى حد ما. ولكن؛ عندما يحصل الأغنياء على مزايا ضريبية كثيرة -تحت مظلة الأعمال الخيرية أو ماشابه- فهذه أيضًا أموالنا، ولهذا السبب نحتاج إلى قواعد حول كيفية إنفاقهم لأموالنا “.
وبطبيعة الحال، لدى الأعمال الخيرية الكبيرة مجموعات للمصالح الخاصة تعارض إنشاء مثل هذه القواعد، فمنظمة راوند تيبل الخيرية مثلًا؛ تدافع عن حق أكثر الأمريكيين ثراءًا في “حرية العطاء”، واصفة نفسها بأنها تقاتل “الضغوط المتزايدة من بعض الموظفين العموميين والجماعات المناصرة لإخضاع المؤسسات الخيرية الخاصة لمعايير أكثر تنظيمًا وتشديدًا للوائح الحكومية الأكثر صرامة”.
“المحفظة المتنامية”
أنتج وقف مؤسسة غيتس دخلا أعلى في آخر خمس سنوات مقارنةً بصادرات المؤسسة.
-قُدّرت المنح الخيرية فيها بـ ٢٣.٥ مليار، بينما بلغ دخل الإستثمار ٢٨.٥ مليار.-
سياسيًا؛ تتلقى المجموعات الغير الربحية تمويلًا من أصحاب المليارات اليمينيين المؤثرين، بما في ذلك مئات الآلاف من الدولارات من مؤسسة تشارلز كوخ الخاصة. كما تحصل على تمويل كبير من مؤسسة غيتس:حوالي تسع منح من ٢٠٠٥ إلى ٢٠١٧ بقيمة ٢.٥ مليون دولار، معظمها لتغطية نفقات التشغيل العامة. يقول متحدث باسم المؤسسة إن هذه التبرعات تهدف إلى “حشد الأصوات للدعوة إلى السياسات العامة التي تمكّن العطاء الخيري.”
ومع ذلك، فأن مؤسسة تيبل للأعمال الخيرية تخدم في المقام الأول المصالح الخاصة للمليارديرات مثل عائلة غيتس وكوخ الذين يستخدمون المؤسسات الخيرية للتأثير على السياسة العامة، بإشراف محدود وإعانات واسعة غير محدودة، بالإضافة لأنه من الغير الواضح آلية مساهمة مؤسسة تيبل الخيري في المهام الخيرية لمؤسسة غيتس، وهي: “مساعدة جميع الناس على العيش حياة صحية ومنتجة” و “تمكين أفقر الناس في المجتمع لتغيير حياتهم”؟.
في غياب الحجة الموثوقة التي تفيد بأن بيل وميليندا غيتس يستخدمان الأعمال الخيرية في المقام الأول كوسيلة لإثراء أنفسهم أو مؤسساتهم، من الصعب تجاهل المناسبات التي تتجلى فيها خدمة أنشطتهم الخيرية لمصالحهم الخاصة بشكل أساسي، بما في ذلك -دعم المدارس التي يحضرها أطفالهم، والشركات التي تمتلكها مؤسستهم جزئيًا بالإضافة إلى المجموعات الخاصة التي تدافع عن الأمريكيين الأثرياء- بينما تُدر مليارات الدولارات من المدخرات الضريبية بحجة الأعمال الخيرية.
لايفوتنا أيضًا أن العمل الخيري قدّم انقلابًا في العلاقات العامة لبيل غيتس، حيث حوّل بشكل كبير سمعته كواحد من أكثر الرؤساء التنفيذيين حماقة إلى واحد من أكثر الناس إثارة للإعجاب على وجه الأرض، ونموذجًا يحتذى به في الأعمال الخيرية ومؤثرًا يلهم حقبة جديدة من أصحاب المليارات في مجال التكنولوجيا المثيرين للجدل، مثل مارك زوكربيرج وجيف بيزوس، الذين بدأوا في وهب ملياراتهم، وأحيانًا يعملون مباشرة مع غيتس.
كان غيتس بالفعل واحدًا من أغنى البشر على وجه الأرض في عام ٢٠٠٨، لكنه كان أيضًا مليارديرًا محاصرًا، ولا يزال يلعق جراحه بسبب سلسلة من المعارك القانونية حول ممارسات الأعمال الاحتكارية التي جعلته ثريًا للغاية – وأجبر شركة مايكروسوفت على دفع المليارات من الدولارات في الغرامات والتسويات.
لم يرد غيتس على عدة طلبات لإجراء مقابلات، ولكن في سؤال وجواب حصري مع صحيفة وول ستريت جورنال، أعاد النظر في مواجهته القانونية مع منظمي مكافحة الاحتكار، قائلاً: “لا يزال بإمكاني أن أشرح لك سبب خطأ الحكومة تمامًا، ولكن هذه أخبار قديمة حقًا في هذه المرحلة. شخصًيا سارعت لانتقالي إلى المرحلة التالية، في غضون سنتين إلى خمس سنوات، من خلال تحويل تركيزي إلى المؤسسة “.
قد تساعد رؤية غيتس لشركة Microsoft كضحية لأنظمة مكافحة الاحتكار الزائدة في تفسير مبدأ الحرية الاقتصادية الذي يدفع عطاءه الخيري. حيث أعطت مؤسسته الأموال للمجموعات التي تدعم سياسات ولوائح حكومية صديقة للصناعة، بما في ذلك جمعية معلومات الأدوية (التي تديرها Big Pharma) والمعهد الدولي لعلوم الحياة (بتمويل من Big AG). كما قامت بتمويل مؤسسات الفكر والرأي الغير الربحية ومجموعات المناصرة التي ترغب في الحد من دور الحكومة أو توجيه مواردها نحو مساعدة المصالح التجارية، مثل معهد المشاريع الأمريكية بتمويل يقدّر حوالي ( ٦.٨ مليون دولار) ، ومؤسسة مكتب المزرعة الأمريكية بتمويل ( ٣٠٠٠٠٠ دولار) ، ومجلس التبادل التشريعي الأمريكي بتمويل ( ٢٢٠.٠٠٠ دولار) وأخيرًا المنظمات المرتبطة بغرفة التجارة الأمريكية بتمويل ( ١٥.٥ مليون دولار).
داخل سلك التعليم هناك عدة اهتمامات تتداخل فيه مصالح غيتس؛ فما بين عامي ٢٠١١ و ٢٠١٤، قدمت مؤسسة غيتس ما يقرب من ١٠٠ مليون دولار إلى InBloom، وهي مبادرة تكنولوجيا تعليمية أثارت الجدل حول قضايا الخصوصية وجمعها للبيانات والمعلومات الشخصية حول الطلاب. بالنسبة إلى الأستاذة ديان رافيتش، أستاذة التعليم في جامعة نيويورك، أوضحت: أن InBloom هي طريقة غيتس حيث أنها “تعمل على دعم التكنولوجيا في الفصول الدراسية، لاستبدال المعلمين بأجهزة الكمبيوتر”.
وتلاحظ رافيتش أن “هذا يؤثر على النتيجة النهائية لـصالح Microsoft” وتضيف “ومع ذلك، لم أتطرق أبدًا إلى هذا البرهان … لأن [المؤسسة] لاتتطلع لكسب المال من هذا العمل. لديهم مصلحة إيديولوجية في بقاء الأسواق الحرة “
ليس التعليم المجال الوحيد الذي تتداخل فيه اهتمامات غيتس الأيديولوجية مع مصالحه المالية. فـ Microsoft تعتمد قوتها بشكل كبير على حماية براءات الاختراع لبرامجها، لذا كانت مؤسسة غيتس مؤيدًا قويًا وثابتًا لحقوق الملكية الفكرية، بما في ذلك شركات الأدوية التي تعمل معها عن كثب. مع أن حماية براءات الاختراع هذه تُنتَقد على نطاق واسع لأنها جعلت الأدوية المنقذة للحياة باهظة الثمن، خاصة في العالم النامي.
يقول ناقد قديم لغيتس، وهو مدير منظمة Knowledge Ecology الدولية غير الربحية، جيمس لاف: “إنه يستخدم أعماله الخيرية للتقدم بجدول أعمال مؤيدة لبراءات الاختراع بشأن الأدوية الصيدلانية، حتى في البلدان الفقيرة حقًا”. ويستطرد: “غيتس نوع من الجناح اليميني لحركة الصحة العامة. إنه يحاول دائمًا دفع الأشياء في اتجاه مؤيد للشركات لا المرضى. إنه مدافع كبير عن شركات الأدوية الكبرى، إنه يقوض الكثير من الأشياء الضرورية حقًا لجعل الأدوية في متناول الناس الفقراء حقًا. “إنه شخصٌ غريب لأنه يدفع الكثير من المال لمحاربة الفقر، في الوقت الذي هو فيه أكبر عقبة أمام الكثير من الإصلاحات “.
أدى عمل مؤسسة غيتس المترامي الأطراف مع الشركات الربحية إلى خلق مجموعة من تضارب المصالح، حيث يمكن اعتبار المؤسسة، وأمناءها الثلاثة (بيل وميليندا غيتس وبوفيت)، أو شركاتهم، مستفيدين ماليًا من الأنشطة الخيرية للمجموعة.
تمتلك شركة Beretthire Hathaway التابعة لبوفيت استثمارات بمليارات الدولارات في الشركات التي ساعدتها المؤسسة على مر السنين، بما في ذلك MasterCard و Coca-Cola، في الجانب الآخر أقام بيل غيتس لفترة طويلة في مجلس الإدارة في شركة Berkshire، وأعلن رحيله الأسبوع الماضي، بعد أن امتلك هو ومؤسسته مليارات الدولارات من حصة الأسهم في شركة الاستثمار.
على مايبدو أن عمل المؤسسة يتداخل أيضًا مع عمل Microsoft، الذي خصص له غيتس في السنوات الأخيرة ثلث أسبوع عمله. (فقد أعلن غيتس الأسبوع الماضي أنه سيتنحى عن مجلس إدارة الشركة، لكنه سيظل مشاركًا في الشركة كمستشار تكنولوجي)، في الجانب الآخر، برنامج Gates Foundation والذي بلغت تكلفته ٢٠٠ مليون دولار المخصص لتحسين المكتبات العامة، دخل في شراكة مع Microsoft التي ستتبرع ببرامجها للبرنامج، وقد أثارت الشراكة انتقادات بأن التبرعات كانت تهدف إلى “تمهيد السوق” لمنتجات Microsoft و “تسهيل المبيعات المستقبلية”، وفي جانبًا ثالث تستثمر Microsoft الأموال في دراسة البعوض للمساعدة في التنبؤ بتفشي الأمراض بالعمل مع نفس الباحثين في المؤسسة، وفي الوقت نفسه يتضمن كلا المشروعين إنشاء روبوتات ومصائد متطورة لجمع وتحليل البعوض.
وبعد هذا كله يقول المتحدث باسم مؤسسة غيتس: “إن المؤسسة و Microsoft كيانان منفصلان، وعملنا ليس له علاقة على الإطلاق Microsoft “.
في عام ٢٠٠٢، ذكرت صحيفة وول ستريت أن أنجيتس ومؤسسته قاموا باستثمارات جديدة في Cox Communications في نفس الوقت الذي كانت فيه Microsoft تناقش مع Cox حول مجموعة متنوعة من الصفقات التجارية. مما أثار فيه خبراء الضرائب أسئلة حول الصفقات الذاتية، مشيرين إلى أن المؤسسات يمكن مراجعة وضعها المعفي من الضرائب إذا وجد أنها تستخدم الأعمال الخيرية لتحقيق مكاسب شخصية. ولم تعلق مصلحة الضرائب على ما إذا كانت تُحقق في الأمر أو لا، وعللت أن: “القانون الفيدرالي يمنعنا من مناقشة دافعي الضرائب المحددة أو المنظمات”.
الجمعيات الخيرية
وجدت The Nation ما يقارب ٢ مليار دولار من التبرعات الخيرية معفاة من الضرائب من مؤسسة جيتس للأعمال الربحية- بما في ذلك الشركات التي للمؤسسة استثمارات محتفظ بها ، مثل GlaxoSmithKline. وأخذ أكبر عشرة مستفيدين من الشركات أكثر من نصف مليار دولار.
لكن غيتس يشتهر بسرية استثماراته الشخصية، مما يجعل من الصعب فهم ما إذا كان سيحقق مكاسب مالية من أنشطة مؤسسته أو المدى الذي قد إليه يصل مكاسبه إذا حدث ذلك.
يقول محامي المستهلك رالف نادر، والذي يُعد أحد أعنف منتقدي مايكروسوفت في التسعينات: “من الصعب رسم الخط الفاصل بين؛ أ- مايكروسوفت ، ب- ثروة غيتس الشخصية واستثماراته ، ج-المؤسسة ” . وأضاف: “لقد كان التدقيق الإعلامي غير كافٍ على الإطلاق”.
إن أوضح دليل يمثل تضارب المصالح للمؤسسة هي المنح التي تقدمها للشركات الربحية التي تمتلك فيها استثمارات – شركات كبيرة مثل Merck و Unilever. وعلى هذا قال متحدث باسم المؤسسة: إنها تحاول تجنب هذا النوع من الصراع المالي ولكن ذلك صعب لأن استثماراتها وأذرعها الخيرية مرتبطة ببعضها البعض للحفاظ على أنشطتهما المنفصلة تمامًا. بيل وميليندا غيتس أمناء على كلا الجهتين، مما يجعل من الصعب رسم خط حاد بين الاثنين.
في بعض الأماكن، تصرّح مؤسسة غيتس بشكل علني ربط أنشطتها الاستثمارية والخيرية معًا. فمثلاً “صندوق الاستثمار الاستراتيجي” التابع لمؤسسة جيتس والذي تقول المؤسسة إنه مصمم لتحقيق أهدافها الخيرية، وليس لتوليد دخل استثماري، يبلغ حصة أسهمه في شركة AgBiome الناشئة ، التي يشمل مستثمروها الآخرون شركتي الكيماويات الزراعية Monsanto و Syngenta ٧ ملايين دولار، كما منحت المؤسسة الشركة ٢٠ مليون دولار من المنح الخيرية لتطوير مبيدات الآفات للمزارعين الأفارقة. وبالمثل، فإن المؤسسة لديها حصة ٥٠ مليون دولار في Intarcia واستثمار ٨ ملايين دولار في Just Biotherapeutics، والتي منحت لها ٢٥ مليون دولار و ٣٢ مليون دولار من المنح الخيرية على التوالي، للعمل المتعلق بفيروس نقص المناعة البشرية والملاريا.و في مرحلةٍ ما كانت المؤسسة تمتلك حصة ٤٨ بالمائة في شركة تشخيص فيروس نقص المناعة البشرية تسمى Zyomyx، والتي منحت لها سابقًا ملايين الدولارات من المنح الخيرية.
عند سؤال المؤسسة عن تضارب المصالح الواضح هذا، تقول المؤسسة إن المنح والاستثمارات “هي ببساطة أداتان تستخدمهما المؤسسة حسب الاقتضاء لتعزيز أهدافها الخيرية!”.
بدأ غيتس مؤسسته في عام ١٩٩٤،في نفس العام الذي نُصِّب فيه والده بيل غيتس الأب، المحامي البارز في سياتل ليكون مسؤولًا إداريا، كان غيتس الأب أيضًا قائدًا مدنيًا، ومحاميًا عامًا بشأن القضايا المتعلقة بعدم المساواة في الدخل قبل ذلك.
ساعد تشاك كولينز، -وريث ثروة أوسكار ماير الذي تخلى عن الكثير من ميراثه خلال العشرينات من عمره- غيتس الأب في تنظيم حملة وطنية ناجحة في أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لبناء قوة سياسية حول الحفاظ على ضريبة التركات، والضرائب المفروضة على أصول الأغنياء بعد وفاتهم.
في المقابلات التي قدمها غيتس الأب في ذلك الوقت -لم يتم التواصل معه حاليا لإجراء مقابلة، بسبب معاناتاه من مرض الزهايمر-، بدا أن عمله الدعوي مصمم ليس لتوليد عائدات ضريبية بل لإلهام الأعمال الخيرية.
وقال للصحفي بيل مويرز آنذاك: “إن الشخص الغني لديه الخيار المطلق فيما إذا كان سيدفع ضريبة [التركة] أو ما إذا كان سيعطي ثروته لجامعته أو كنيسته أو مؤسسته”.
وذلك لأنه عندما يتخلى الأغنياء عن ثرواتهم، فإنهم يقللون من الممتلكات التي تستهدفها الضرائب العقارية. لكن مثل هذا النظام يمكّن لأغنى الأمريكيين أن يقرروا بأنفسهم ما إذا كانوا يريدون دفع الضرائب أو التبرع بأموالهم للأعمال الخيرية -بما في ذلك الجماعات التي تؤثر على سياسة الحكومة- يبدو وكأنه مثال ذروة للامتياز الأهوج. إلا أنه وللأسف في كثير من النواحي، هذه هي الطريقة التي يعمل بها النظام الضريبي لصالح الأغنياء.
يقول كولين. وهو شخصٌ يعمل اليوم على ملف عدم مساواة الدخل في معهد دراسات السياسة الغير الربحية: “كلما كنت أكثر ثراءً، كلما كان لديك خيار أكثر بين هذين الاثنين”.
بالنسبة لبعض المحسنين فإن المليارديرات، قد يكون استحقاقًا أكثر من كونه خيارًا. قام بافيت وغيتس بتوظيف مئات الملايين والمليارديرات للتوقيع على تعهد العطاء، وهو وعد بالتبرع بمعظم ثرواتهم للأعمال الخيرية، والتي يذكر بعض الموقعين بصراحة أنها بديل لدفع الضرائب!.
وفقا لكولينز، كان لدى بيل غيتس الأب وجهة نظر دقيقة تضمنت الحد من المزايا الضريبية للمليارديرات.
“قال لي.. إنها مشكلة، سيعطي ابنه – في ذلك الوقت ٨٠ مليار دولار – للمؤسسة ولا يتعين عليها دفع ضرائب على أي من هذه الثروة، ” يكمل كولينز “كان رأيه أنه يجب أن يكون هناك حد أقصى لمقدار الثروة التي يمكن للجمعيات الخيرية منحها بحيث تحصل على إعفاء ضريبي.”
المفارقة أنه في الوقت الذي كان فيه كولينز وغيتس الأب يضغطان على الكونغرس للتأكد من أن الأغنياء يدفعون نصيبهم العادل من الضرائب، كان غيتس الأصغر يدير شركة متعددة الجنسيات تبحث بقوة عن الإعفاءات الضريبية. ووفقًا لمكتب المقيِّم الخاص بمقاطعة كينغ ، والذي يشمل مدينة سياتل، فقد قدمت Microsoft 402 طعونا في الضرائب العقارية. وبالمثل هناك فحص تحقيق أجراه مجلس الشيوخ عام ٢٠١٢ حول استخدام Microsoft العدواني لصالح شركاتها الفرعية الخارجية في توفير مليارات الدولارات من الضرائب. وذكرت صحيفة سياتل تايمز أن Microsoft أمضت عقودًا في إنشاء حواجز مربحة وتخفيض الضرائب حول أرباح الشركات.
المفارقة أنه وبالرغم مما سبق وما سيلحق ذكره، تمكّن بيل غيتس من أن يصبح صوتًا رائدًا بشأن السياسة الضريبية. لأنه في كل عام بحلول الوقت الضريبي،ببساطة يقوم هو وبوفيت بمظاهر إعلامية ينتقدان قلة الضرائب التي يدفعونها، داعين الكونغرس إلى رفع الضرائب على الأغنياء. لكنهم في الحقيقة هم يدافعون عن سياسات لا تمس ثروتهم فعليًا، مثل الترويج لضريبة التركات، والتي من المحتمل جدًا أن يتجنبوها من خلال التبرعات الخيرية.
كما استخدم غيتس مع مجموعة متزايدة من المليارديرات، برنامجه العام لدفع ضريبة الثروة المقترحة، بدعم من كل من إليزابيث وآرن وبرني ساندرز. وستأخذ الضريبة نسبة مئوية من ممتلكات الملياردير كل عام، مما يحد من تراكم الثروة، وربما حجم الأموال التي يتم إنفاقها على الأعمال الخيرية حيث أن غيتس يرى أن العمل الخيري يقلل من عدم المساواة في الدخل.
وكتب في مدونته GatesNotes: “إن العمل الخيري لا ينتج فوائد مباشرة للمجتمع فحسب، بل يقلل أيضًا من ثروة الأسرة.”
عندما واجهت مؤسسة غيتس انتقادات فيما يتعلق بوقفها في -استثمارات السجون، والوجبات السريعة، وصناعة الأسلحة، وشركات الأدوية، والوقود الأحفوري- التي تتعارض مع مهمتها الخيرية لتحسين الصحة والرفاهية، فقد وقف غيتس ضد التحيز لأحد الطرفين “أبيض أو أسود”، ووصف تصفية الاستثمار بـ “حل زائف” سيكون له تأثير “صفر”.
لكن الحقيقة أن استثمارات مؤسسة غيتس ليست جزءًا لا يذكر من جهودها الخيرية. وقد حقق وقفها البالغ ٥٠ مليار دولار ٢٨.٥ مليار دولار من دخل الاستثمار على مدى السنوات الخمس الماضية. في حين أنه خلال الفترة نفسها قدمت المؤسسة ٢٣.٥ مليار دولار فقط من المنح الخيرية.
عام ٢٠٠٧ تم نشر سلسلة صحافية استقصائية عن المؤسسة في واحدة من السلاسل الاستقصائية القليلة ، فنشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز لمحة عن استثمارات المؤسسة عند مقرضي الرهن العقاري المشاركين في قروض الرهن العقاري الثانوي، والمستشفيات الربحية المتهمة بإجراء عمليات جراحية غير ضرورية. وأشارت تايمز أيضًا إلى استثمارات المؤسسة في شركات الشوكولاتة التي تعتمد على إنتاج الكاكاو باستخدام عمالة من الأطفال.
قال المتحدث باسم مؤسسة غيتس إنه “لا يعلق على قرارات أو حيازات استثمارية محددة”، لكنه أشار إلى أن الغرض الوحيد من الهِبة هو “توفير الدخل لدعم مهمة المؤسسة والقدرة على القيام بذلك على المدى الطويل.”
والنتيجة؛تمتلك مؤسسة غيتس حاليًا حصة تبلغ ١١.٥ مليار دولار في Berkshire Hathaway، والتي بدورها استثمرت ٣٢ مليون دولار في شركة الشوكولاتة مونديليز، ومونديليزهي الشركة التي تعرضت لانتقادات فيما يتعلق باستخدامها لعمالة من الأطفال . مع ذلك قدمت المؤسسة ٣٢.٥ مليون دولار من التبرعات الخيرية لمؤسسة الكاكاو العالمية، في مشروع تحسين معيشة المزارعين. مع أنها هي الأخيرة مجموعة صناعية تضم أعضاء من مونديليز.
عام ١٩٦٩ م أنشأ قانون الإصلاح الضريبي قواعد خاصة للحد من التأثير الذي يمكن أن يمارسه المحسنون الأثرياء من خلال المؤسسات الخاصة ، فمن الناحية النظرية أنشأت القواعد لضمان أنهم ينتجون منافع عامة بدلًا من خدمة المصالح الخاصة، أما من الناحية العملية، تمنح هذه القواعد المتبرعين الأثرياء مثل بيل وميليندا غيتس حرية عمل هائلة في أنشطتهم الخيرية، كيف ذلك؟.. على سبيل المثال؛ عندما يتعلق الأمر بالتعامل الذاتي، فإن مصلحة الضرائب الأمريكية تحظر فقط تضارب المصالح الأكثر فظاعة، مثل المؤسسات التي تمنح المنح للشركات التي يسيطر عليها أعضاء مجلس الإدارة. أضف لذلك أن القواعد تسمح بالتبرعات الخيرية للشركات الربحية، طالما أن المؤسسات تحتفظ بالأعمال الورقية التي تبين أن الأموال تم استخدامها لدعم مهامها الخيرية.
ولكن نظرًا لأن مؤسسة غيتس تنظر إلى الحلول القائمة على السوق وابتكار القطاع الخاص على أنها سلع عامة، فإن الخط الفاصل بين الأعمال الخيرية والأعمال يكاد لا يمكن تمييزه. يقول عالم الاجتماع لينسي ماكجوي: “لقد حددوا مهمتهم الخيرية على نطاق واسع وبشكل فضفاض بحيث يمكن القول حرفيًا أن أي شركة ربحية يمكن أن تلبي الهدف العام لمؤسسة غيتس لتحسين الرفاهية الاجتماعية والعالمية”.
إن الرقابة التي تمارسها مصلحة الضرائب على المؤسسات الخاصة مقيدة بسبب التخفيضات الأخيرة في الميزانية وتفويضها المحدود بجمع الضرائب من المنظمات غير الربحية مثل مؤسسة غيتس، والتي تكون إلى حد كبير معفية من دفعها.
يقول مارك أوينز ، المدير السابق لقسم مصلحة الضرائب المعفي من الضرائب والذي يعمل الآن في الممارسة الخاصة. “إذا كنت مفوض مصلحة الضرائب وتم منحك مبلغًا محدودًا لإنفاقه على الوكالة، ومهمتك هي التأكد من أن الخزانة الأمريكية فيها أموال، فعليك أن تقدم إيماءة رمزية للمنظمات المعفاة من الضرائب” ويضيف: “عميل مصلحة الضرائب الذي يعاين المطاعم في واشنطن أو مدينة نيويورك سيحقق الكثير من المال … بينما أحد الوكلاء الذين يعاينون المؤسسات الخاصة سيدفعون رواتبهم على الأرجح، لكنها لن تساعد بجلب دولارات الضرائب “.
وفقًا لإحصاءات مصلحة الضرائب، هناك حوالي ١٠٠٠٠٠ مؤسسة خاصة في الولايات المتحدة، تضم ما يقرب من ١ تريليون دولار من الممتلكات. ومع ذلك، تدفع المؤسسات عمومًا معدل ضريبة بنسبة ١ أو ٢ في المائة فقط، وأفادت مصلحة الضرائب الأمريكية ذلك في مراجعة لـ ٢٦٣ مؤسسة تقريبًا عام ٢٠١٨.
يمكن للمدعين العامين في الولاية ممارسة الرقابة على المؤسسات الخاصة، كما فعل مكتب المدعي العام في نيويورك في عام ٢٠١٨ عندما حقق في مؤسسة دونالد ترامب الخاصة، وتم إغلاق المؤسسة وسط مزاعم بأنه استخدمها لمصلحته الشخصية. مؤسسة غيتس أيضًا منحت في سياتل ولاية واشنطن سلطة على عملها الخيري، لكن مكتب المدعي العام قال أنه لم يكن لدى الولاية موظفين بدوام كامل مخصصين للتحقيق في الأنشطة الخيرية حتى عام ٢٠١٤، النتيجة أنه وبعد عقد واحد فقط أصبحت المؤسسة أكبر مؤسسة خيرية فى العالم، ولم يعلق مكتب واشنطن ما إذا كان قد حقق في أي وقت مضى أي تحقيق مع مؤسسة غيتس.
خلق العطاء الخيري الضخم لبيل غيتس -٣٦ مليار دولار حتى الآن- تأثير هالة عمياء حول عمله الخيري، حيث تموَل العديد من نخبة المؤسسات للتدقيق في مؤسساتهم من قبل غيتس، بما في ذلك مؤسسات الفكر الأكاديمية التي تقدم مراجعات غير نقدية لمجهودات مؤسسة غيتس الخيرية بالإضافة لمنافذها الإخبارية التي تثني على منح المؤسسة أو تمرر التحقيق تحت نفوذها.
في غياب التدقيق الخارجي، كان لهذه المؤسسة الخاصة آثار بعيدة المدى على السياسة العامة، مما دفع المدارس الخاصة التي تديرها جهات خاصة إلى الولايات التي رفضتها فيها المحاكم والناخبون، باستخدام الأموال المخصصة لتوجيه منظمة الصحة العالمية للعمل مع المؤسسة العالمية. وجدول أعمال الصحة، ودعم دخول ميرك وباير إلى البلدان النامية. أثبت غيتس، الذي يظهر بشكل روتيني على قائمة فوربس لأقوى الأشخاص في العالم، أن الأعمال الخيرية يمكن أن تشتري نفوذًا سياسيًا.
ثروة غيتس الشخصية اليوم أضخم من أي وقت مضى، حوالي ١٠٠ مليار دولار، في ٦٤ عامًا فقط، ربما بقي أمامه عقود من الزمن للتبرع بهذا المال، والحصول على جائزة نوبل على طول الطريق أو – من يدري؟ – ترشيح رئاسي. ويمكن قول الشيء نفسه عن ميليندا غيتس التي تبلغ ٥٥ عامًا، فقد خطت خطوة كبيرة مؤخرًا في الحياة العامة بجولة من الكتب التي حظيت بتغطية إعلامية عالية.
لكن ليس من المستحيل أبدًا أن يأتي يوم تصفّى فيه أصحاب حسابات الأعمال الخيرية الكبرى، على قمتهم بيل غيتس والعدد المتزايد من المليارديرات الذين يسيرون على خطاه نحو الأعمال الخيرية.
لايزال الاقتصاديون والسياسيون والصحفيون يواصلون تسليط الضوء على المليارديرات الذين لا يدفعون حصتهم العادلة من الضرائب ولكنهم يؤثرون على السياسة من خلال مساهمات الحملات والضغط. نادرًا ما يُنظر إلى الأعمال الخيرية على أنها أداة للتأثير على تجنب الضرائب، ولكن إذا استمر التفاوت في الدخل جذب الانتباه، فلا توجد ببساطة أي طريقة لتجنب طرح أسئلة معقدة بشأن الأعمال الخيرية الكبرى.مثل: هل يمتلك المحسنون من أصحاب المليارات سلطة كبيرة، مع القليل من المساءلة العامة أو الشفافية؟ هل يجب على أغنى الأميركيين أن يكون لديهم تفويض مطلق لإنفاق ثرواتهم بالطريقة التي يريدونها؟
قد يبدو وكأنه اقتراح جذري لتحدي قدرة أو رغبة أصحاب المليارات في التخلي عن ثرواتهم، ولكن هذا التدقيق له سابقة تاريخية في السياسة السائدة. قبل مائة عام، عندما طلب بارون النفط جون دي روكفلر من الكونغرس تزويده بميثاق لبدء مؤسسة خاصة، تم رفض طموحاته بشكل واضح على أنها استيلاء على السلطة ضد الديمقراطية. وكما قال ثيودور روزفلت في ذلك الوقت: “لا يمكن لأي قدر من المؤسسات الخيرية في إنفاق مثل هذه الثروة أن تعوض بأي شكل من الأشكال عن سوء السلوك في الحصول عليها”.