- ديفيد ديستينو
- ترجمة: هبة بطة
- مراجعة: مصطفى هندي
- تحرير: المها العصفور
موسم الأعياد هو وقت العطاء، وتكمن فرحته في تقديم الهدايا وتلقيها كإحدى المميزات المتعلقة به، في حين يظهر الامتنان كعاطفة مختلفة، والتي غالبا ما تتنحى جانبا في مثل هذه المواقف. لا تُسيئوا فهمي! نحن نعلم جيدا أن كلمة “شكرًا” كلمة لطيفة، ولكن من النادر أن نُظهر ابتسامة لطيفة أو نعانق من قدّم لنا هدية. إن إظهار الامتنان بالقول أو بالفعل هو أمرٌ مختلف تمامًا عن الشعور به داخليًا. كما أن عدم إظهاره يعني فقدان أفضل الهدايا على الإطلاق. كطبيبة نفسية أمضيت الخمسة عشر عامًا الماضية في دراسة كيف يؤثر الامتنان في حياة الأشخاص= أصبحت مقتنعة بأنه أحد أقوى القُـدرات التي نمتلكها.
فالامتنان مثل بقية المشاعر، له قيمة كبيرة في تغيير ما ستفعله لاحقا. من الناحية النفسية: بإمكاننا اعتبار العواطف محفزات توجّه تنبؤات العقل نحو التصرف الأمثل في وقت معين. فمثلا إذا ما كنت تشعر بالغضب، فإن عقلك سيتوقع حدوث الجدالات والصراعات؛ وتقودك التوقعات لتكون أكثر حدة في تفاعلاتك مع الآخرين. وكما هو الحال في مشاعر الامتنان؛ إذ أظهرتْ العديد من الأبحاث المتزايدة -بما في ذلك الدراسات التي أجريتها- أن مشاعر الامتنان لا تُحسّن حياتك فقط، بل وحياة الآخرين من حولك.
إن الامتنان نوع من أنواع الفضيلة، فعندما تزرعها تحصد ثمارها في الآخرين. وكما لاحظت “ديانا باس” في كتابها بأن الامتنان يقوي شخصيتنا؛ ولهذا السبب أعتقد أنه يحتل مكانة مركزية في العقيدة المسيحية. وقد وصفتها الصحفية “كريستا تبت” بأنها “تكنولوجيا روحانية” تعمل على تعزيز الفضيلة تلقائيا لدى الجميع.
وأظهرت الأبحاث التي قمت بها أنا وعالمة النفس “مونيكا بارتليت”، أن الامتنان لا يجعلنا نوفي بما علينا تجاه الآخرين فقط؛ بل يدفعنا قُدما لمد يد العون لهم، حتى لو لم نكن نعرفهم. في سياق التجارب ذاتها، وجدنا أيضًا أن الامتنان يُـعزز الكرم. والأشخاص الذين جعلناهم يشعرون بالامتنان أصبحوا أكثر استعدادًا لمشاركة أرباحهم مع الآخرين.
لا تقتصر فوائد الامتنان فقط على جعل الأشخاص “أناسًا صالحيين”؛ إن الشعور بالامتنان يجعلنا أيضًا أكثر صدقا. في تجربة مختلفة في مختبري طلبنا من الأشخاص إبلاغنا بنتيجة لعبة النقود “صورة أم نقش” مستعملين عملة مصنوعة خصيصًا لهذا الغرض مرتبطة بالحاسوب لمعرفة النتيجة، وأخبرناهم أنه في حال ظهور صورة سيحصلون على نقود أكثر، ولكن دون علمهم فقد زورنا قطعة النقود لمعرفة من يكذب بسهولة. وقبل أن يقوموا بقلب القطعة النقدية حفزناهم بشكرنا لهم وقمنا بسؤالهم كم مرة شعرتم بالامتنان؟ وكانت النتائج مثيرة: ففي حين أن 53% من الأشخاص الذين لا يشعرون بالامتنان اختاروا الغش، فإن هذه الإحصائية انخفضت إلى النصف بين أولئك الذين يشعرون بالامتنان.
وهناك فضيلة أخرى للامتنان وهي أنها تعزز ضبط النفس، فمثلا: قمت بالتعاون مع زملائي من خبراء صناعة القرار “جينفير لينير” و”ويي لي”، بالتوصل إلى أن الأشخاص الذين يشعرون بالامتنان يرشدون نفقاتهم أكثر من الآخرين، وهم أكثر استعدادا للتحلي بالصبر من أجل تحقيق مكاسب استثمارية آجلة بدلًا من الحصول على مبالغ صغيرة عاجلة. ونتيجة لذلك يميل الأشخاص الذين يشعرون بالامتنان إلى أن يكونوا أقل ماديةً. ولكن روابط الامتنان لضبط النفس لا تقتصر على المال فقط. بل تعود بمنافع على الصحة أيضا؛ حيث أظهرت عالمة النفس “سونيا ليوبوميرسكي” وزملاؤها أن الأشخاص الذين يشعرون بالامتنان أكثر قدرة على مقاومة التهام الأكل غير الصحي. وكما أوضح عالم النفس روبرت إيمونز، أن الأشخاص الذين طُلبَ منهم الشعور بالامتنان يوميًا انعكس ذلك على استعدادهم لممارسة الرياضة.
حتى في الأوقات العصيبة؛ يمكن أن يكون الامتنان بمثابة ركيزة دعم. إذ وثّق عالم النفس “اليكس وود” وزملاؤه بأن الأشخاص الذين يشعرون بالامتنان قادرين على عزل أنفسهم عن التوتر والاكتئاب. وفي السياق ذاته وجد “وود” أن الشعور بالامتنان أيضًا مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالسعادة وبنوعية وحجم شبكة علاقاتهم الاجتماعية.
ومن خلال مساعدة الناس على أن يكونوا صادقين وكرماء وأن يقاوموا الإغراءات المشتتة لأهدافهم ويبقوا متماسكين وقادرين على الصمود في مواجهة التحديات المهنية والاجتماعية= فإن الامتنان هو الحل الأمثل. إنه لا يمنح الحافز للنجاح فقط، بل ضمان لاستمراريته، وعندها سنعامل بعضنا البعض بعناية واحترام.
لذا في بداية موسم الأعياد قم بتقديم أكثر من مجرد شكر سريع للعائلة والأصدقاء، واجعل الامتنان العميق منهجا لك في كل يوم من أيام السنة. تذكر أن العواطف لا تأتي بالتمني، بل من خلال اعتماد تقنيات بسيطة بإمكانك تنظيم استراتيجيات خاصة بك.
في كل يوم فكّر بشيء أنت ممتن له، فكّر باللطف والمنح الصغيرة التي حدثت خلال الأيام القليلة الماضية جراء شعورك بالامتنان. أو تواصل مع الآخرين لمد يد العون لهم، وكل شيء سيعود بالنفع عليك ويمنحك شعورا متزايدا بالامتنان. وكما حثنا القديس بولس في حكمته: “إذا اخترت تقديم الشكر في جميع الظروف، فستجد هدية يستمر عطاؤها لفترة طويلة حتى بعد مرور الأعياد”.