- جيد نيكس
- ترجمة: ندى الهذلول
- مراجعة: مصطفى هندي
- تحرير: حنان عاطف
ما معنى FOMO (فومو)؟
المعنى الاصطلاحي لـ FOMO (Fear of missing out):
هو القلق من تفويت شيء ما أو مناسبة ممتعة أو مشوقة تحدث في مكان آخر، وغالبًا ما يرتبط ذلك برؤية منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي.
وليس بالضرورة أن أسوق تعريفًا لهذه الظاهرة، لأنني متأكد من أن الجميع قد سبق لهم وأن جربوا ذلك الشعور، عند رؤية أصدقائهم ينشرون إنجازاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي وأنت لم تبرح مكانك، وينتابك الشعور بالضياع بين كل تلك النكات والمغامرات والخطط، والشعور بالبعد عن هذا العالم.
كما شعرنا جميعًا بذلك القلق الرهيب لخوفنا من تفويت شيء ما، وأنه يفسد لحظاتنا السعيدة بالحسد والكآبة، حتى وإن دُعينا لتلك المناسبة، حتى وإن رفضنا الذهاب لأننا ببساطة لا نود ذلك، حتى وإن لم نستطع التفكر بأي شيء آخر لفعله= يظل الخوف من تفويت شيء ما يسيطر على عقولنا، ويفاقم علينا ذلك القلق.
بالتالي، لماذا نخاف من تفويت شيء ما؟
في هذه المقالة ستعرف أكثر عن أسباب ظاهرة الـ FOMO وكيف تتعامل معها.
المحتويات:
- لماذا نخاف من تفويت شيء ما؟
- كيف يؤثر ذلك الخوف على حياتنا؟
- كيف نتغلب على الـ FOMO؟
- نصائح أكثر لمقاومة الهشاشة العقلية
لماذا نخاف من تفويت شيء ما؟
لأن هذه طبيعتنا البشرية بكل بساطة، فنحن مخلوقات اجتماعية، والأهم من ذلك نحب الانتماء للمجموعة، وأن نكون معروفين وظاهرين على المستوى الاجتماعي، فتلك غريزة حياتية للبقاء. فإذا رُفضنا من مجموعتنا، فذلك مؤذن بهلاكنا. إنها غريزتنا البيولوجية أن نكون جزءًا من مجموعة.
وقد تطورت مجتمعاتنا وتغيرت بشكل جذري منذ القدم حتى يومنا هذا، فلم يعد الموت هو نهاية الرفض الاجتماعي بعد الآن، بل أصبح موتًا للذات/للأنا بدلاً من الموت الفعلي. لكن بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، انتشرت تلك الظاهرة FOMO، وذلك لأن كل الأمور التي بإمكاننا فعلها للاندماج في المجتمع قد أُقحمت في وجوهنا طوال اليوم، وكل وقت.
فالحياة ليست حفلة طويلة يملؤها المرح ونشوة الإنجاز، بل لا بد أن يتخلل هذه الحفلات والمغامرات الممتعة، بعض الملل والحياة الروتينية! وفي حين أن حياتنا الروتينية المملة قد تكون رائعة، إلا أننا ما زلنا نشعر بعدم الاستقرار، وبأن حياتنا ليست مثيرة للاهتمام، وذلك بسبب وسائل التواصل الاجتماعي.
كيف يؤثر ذلك الخوف على حياتنا؟
لم يكن الخوف من تفويت شيء ما مشكلة عويصة قبل أربعين سنة، لأن التواصل عن بعد لم يكن شائعًا كما هو الآن. وبدلًا من خمسمئة صديق عن بعد، كان لدينا القليل من الأصدقاء المقربين، ولا نستطيع أن نعرف ما قاموا به بالسهولة الموجودة الآن، وبالتالي لم نكن في ذلك الوقت عرضة للـ FOMO. إلا إذا أحرجك أحد ما، بتفاخره بحضور تلك المناسبة وأنك لم تكن حاضرًا، عندها نشعر بتأثير ذلك الخوف. ولكن مع سيطرة وسائل التواصل الاجتماعي الآن على حياتنا، وتسليط الضوء على الحياة الوردية للآخرين والتي تبهر عقولنا، نفترض دائمًا أن حياة الآخرين أكمل وأكثر إثارة من حياتنا.
فيض المعلومات
نحن معرضين لكم هائل من المعلومات باستمرار أكثر مما يمكن لعقولنا استيعابها، ويعود هذا إلى التقنية المتقدمة.
لا يمكننا -من جراء سيل المعلومات- أن نميز من فعل ماذا، فكل هذه الأمور تشوش رؤيتنا فلا يمكننا التفريق بين هذا وذاك، فالجميع يقوم بأمور مدهشة طوال الوقت ونحن لانقوم بعمل أي شيء، كل هذه المعلومات تستحوذ علينا عاطفيًا وعقليًا، وترهقنا بالتبعية.
إن FOMO خوف لا يقاوم ولا يمكننا الهرب منه، لقد أدمنا الالتهاء بوسائل التواصل الاجتماعي على أنها سبيل لراحة عقولنا والهرب من واقعنا، وبفعلنا ذلك نُزيد الأمر سوءًا، ونصاب بالإحباط والخوف أكثر فأكثر.
لقد أدمنا وسائل التواصل الاجتماعي، وصرنا ضعفاء في ضبط أنفسنا للحد من استخدامها. وكلما أردت لوم وسائل التواصل الاجتماعي لخلقها تلك المنصات الضخمة التي صُممت لتدمنها البشرية، أتذكر أننا نحن من فتحنا تلك المواقع بأيدينا، ونحن من نمَّى هذا الإدمان بداخلنا كل يوم، وأننا لم نلغِ متابعة القنوات والأشخاص الضارين للمجتمع، والناشرين للسلبية.
ومما نراه يحدث هذه الأيام، أنك تتجنب الشخص الذي يحبطك في الحياة الواقعية كما تتجنب التواصل معه بأي شكل كان، ولكنك مازلت تتابعه صديقًا على الفيسبوك! من الواضح أنك ألغيت متابعته بالحياة الواقعية، ولكنك لم تلغِ متابعتك له في الحياة الافتراضية، وهذا أسوأ مايمكنك فعله.
لذا مالفائدة من هذا السيل من المعلومات إذا كانت تنقصنا العناية اللائقة والتعامل الصحيح مع وسائل التواصل الاجتماعي؟
صحتك العقلية في خطر. إن ذلك الخوف يؤثر سلبيًا على صحتنا العقلية ويصيبنا بالتشتت، والوحدة، وعقدة النقص، وتقليل الثقة بالنفس، والقلق، والاكتئاب.1
الاستحواذ
إنك ترى كل مايحدث حولك، ويستحوذ على فكرك كل مايحدث بدونك، والنتيجة أن هناك الكثير من الأمور التي تحدث لكنك لا تملك الوقت، أو الطاقة، أو الموارد لها، حتى وإن قمت بأحدها سيكون هناك الكثير من الأمور الأخرى التي يقوم بها الآخرون، والتي تشغل بالك وتشعرك بالنقص.
الخوف
وعلى وجه الخصوص الخوف من الاستبعاد؛ أن تشعر أنك مستبعد فتكون خائفًا حد الجنون. فمثلًا تشعر أنك إذا فوت هذا الأمر ستستبعد إلى الأبد وتصير منفيًا، ويجر الخوف بعضه، حتى أنك تبدأ بالخوف على نجاتك وبقائك في مجموعتك الاجتماعية أيضًا.
كره الذات
إن خشيتنا من أن نُعامَل كأشخاص مضجرين، ومملين، وعاديين مالم نحضر كل المناسبات الاجتماعية -حتى وإن كنا غير راغبين فيها- ترغمنا على حضورها. إننا غريزيًا نهتم بما يظنه الناس بنا وما يعتقدونه عنا، ونعذب أنفسنا بأفكارهم عنا، فنقلق، ونُحبط، وهذا بدوره يجعلنا قلقين بشكل مفرط مما يُفقدُنا الاستمتاع بالمناسبات الاجتماعية.
العقلية المقارِنة
العقلية المقارِنة كالسرطان، تدمر حياتك ببطء.
نحب أن نقارن أنفسنا بالآخرين لنعرف موقعنا في سلم النجاح، لأننا بطبيعتنا نسعى إلى النجاح والتطور. إلا أن العقلية المقارِنة لا تؤدي إلا إلى كره الذات، لأنها تحد من تفكيرنا فلا نجد أمامنا غير أسباب أخرى تبين لنا أننا لم نحرز تقدمًا مما كنا عليه سابقًا، ثم تبدأ رحلة لوم النفس من جديد.
فلا تقارن نفسك بأحد، لأنك بحد ذاتك غير قابل للمقارنة بأي شكل كان، لأنه لم يخض أحد ماخضته في حياتك، ولا أحد يمتلك مثل ماعندك. وبدلًا من لوم نفسك على نقصك، ركز على النعم التي وُهبت لك، وكن شكورًا.1
كيف نتغلب على FOMO؟
إن الخوف الذي تسببه ظاهرة FOMO يقتل السعادة والبهجة، والمقارنة مع الآخرين تسلب لحظاتك الحلوة، وبالرغم من أن حياتنا وحياة الآخرين على وسائل التواصل الاجتماعي مختلفة كليًا، ولكل منا حياته الجميلة الخاصة به، إلا أننا مازلنا عالقين في تلك المقارنات، فكيف نتغلب على هذا الأمر؟
- اعلم أن ما في وسائل التواصل الاجتماعي لا يدل على الواقع
عليك أن تدرك بأن مايحدث في وسائل التواصل الاجتماعي ليس الواقع الذي نعيش فيه، ولا يعكس واقع أصحابه. هناك العديد من الصور لأشخاص تملأ وجوهَهم السعادة والفرح أثناء قيامهم بأمر مذهل مع أصدقائهم، لكن تلك الصورة لا تحكي بالضرورة حقيقة هذا الشخص المبتسم ابتسامة عريضة، فربما لم يكن يريد أن يكون في هذا المكان من الأساس.
- تقبل GOMO
GOMO: هو الفرحة لتفويت شيء ما.
حينما يجرك شعور الخوف والمقارنة، تذكر قيمتك، واستشعر ماحولك، وكن ممتنًا لما تفعله الآن. فما تفعله الآن قد يكون حلم شخص آخر، فكن شكورَا راضيًا، وذكر نفسك بأن كل مايحدث بدونك لا يقلل من أهميتك.
- الطمأنينة
طمئن نفسك بأن مايحدث لا يؤثر على قيمتك بأي حال.
إننا نقع في فخ FOMO بسبب خوفنا الغريزي وحرصنا على البقاء، وأفضل مايمكنك فعله للقضاء على هذا الخوف هو طمأنة نفسك بأنك تنعم بالأمان، وبصحة جسدية ونفسية وعقلية ممتازة، وأنك مازلت ذلك الشخص الجذاب والمهم وذو القيمة العظيمة.
- اسأل نفسك: “هل أريد حقًا أن أكون هناك؟”
اسأل بجدية هل أريد حقًا أن أكون هناك؟ من الطبيعي عندما ترى صور أحدهم على شاطئ بديع في جزيرة بالي، يمارس تمارين اليوغا أمام المنظر الأخَّاذ، أن تشعر بحزن وألم لفوات ذلك السفر. ولكن اسأل نفسك أولًا، هل حقًا تريد عيش تلك الحياة؟ فليس كل ماتراه على الانستاجرام يبدو ساحرًا في الحقيقة. بالإضافة إلى السفر، هناك الحفلات والمناسبات التي لو حضرناها لكرهناها.
حقيقة الأمر هو أننا غالبًا مانريد القيام بتلك الأفعال فقط لنجذب الأنظار إلينا، وليظن الآخرون أننا أشخاص مهمون ومميزون، وهذا ما تسير عليه الأمور عادة.
- حاول أن لاتهتم بما يعتقده الآخرون عنك
وتعد هذه الخطوة من الخطوات الصعبة، لكن ابذل قصارى جهدك بأن لا يؤثر عليك مايظنه الآخرون فيك، ولا تقضِ حياتك راكضًا خلف رضاهم، ومحاولًا إرضاء من لا تعني له شيئًا، فرضى الناس غاية لا تُدرك.
- انظر للأمور من زاوية مختلفة
إننا نعذب أنفسنا على كل مافاتنا، والحقيقة هي أن ما يصعّب حياتنا ويشعرنا بالخوف واليأس ليس إلا فتات وقطرات وسط هذا المحيط العظيم. ستنسى ما جرى في غضون يوم وكأنه لم يحدث، فلا تكدر يومك بما لا يستحق.
- ضع المزيد من الخطط
إن انتابك الخوف واليأٍس والإحباط (FOMO) بسبب شعورك بالفراغ في حياتك، افعل شيئًا، فأنت من يجب أن تخطط لحياتك.
إن أحسست أنك منسي، فاحضر المناسبات الاجتماعية واختلط بالناس أكثر، أما إذا كنت انطوائيًا مثلي، فاحضر صفًا جديدًا، أو تعلم مهارة جديدة، أو قُم برحلة، أو ترجل في الهواء الطلق، أو احلق شعرك، أيًا ماكان، فقط افعل شيئًا في حياتك طالما ما يزال بإمكانك فعل ذلك! الحياة قصيرة، املئها بالمغامرات!
- اعتنِ بنفسك
راجع مشاعرك واعتن بنفسك أكثر، خصص وقتًا كل يوم لتتأمل هطول المطر، أو لاحتساء كوب من الشاي، أو جلسة تأمل مع نفسك، أو خذ غفوة، أو تمشى قليلًا. اقض بعض الوقت دون إنترنت لتريح عقلك من كل تلك المتاعب.
- صفِ حساباتك في مواقع التواصل الاجتماعي
تخلص من جميع ما يحبطك أو يحزنك على مواقع التواصل الاجتماعي، وتأكد من أن تكون تلك المواقع مصدرًا يجلب السعادة والإيجابية إلى حياتك.
والحسنة التي توفرها لنا وسائل التواصل الاجتماعي أنها تمكننا من إلغاء متابعة حساب أحد الأصدقاء دون أن نقطع علاقتنا به في الواقع، وهذه الطريقة تمكنك من تجاهل آرائه وأفكاره التي يطرحها على حسابه دون جرح مشاعره.
- افرح للآخرين
إذا شاهدت صديقًا في عطلة واستحوذ عليك FOMO، فلا تلغ متابعتك لحسابه أو تنتقده، كن سعيدًا لسعادة الآخرين. وكن ممتنًا لما أنت عليه الآن، وعلى المغامرات التي خضتها. كن سعيدًا لجميع الأشخاص الذين يعيشون حياة رغيدة وسعيدة، واعلم بأن حياتهم لا علاقة لها أبدًا بمايحصل في حياتك.
أفكار نهائية
تصيبك ظاهرة FOMO بالقلق والإحباط والاكتئاب، والأكثر من ذلك تملؤك بالملل وفقدان الاهتمام بالأشياء من حولك، وهذا مانراه في واقعنا هذه الأيام. ويزداد الأمر سوءًا كلما غصنا في دوامات الانترنت أكثر فأكثر، لذا كتبت هذه الأساليب على أمل أن تساعدكم ولو قليلًا في التغلب على تلك الظاهرة بسهولة.2
1 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: انْظروا إلى مَنْ هو أسفل مِنكُم، ولا تَنْظروا إلى من هُوَ فوقَكم، فهُوَ أجدرُ أن لا تزْدَرُوا نعمةَ الله علَيكُم. متفقٌ عَلَيه.
2 للاطلاع على مزيدٍ من المعلومات والأفكار حول السوشيال ميديا والمقارنات الناجمة عنه وفقدان السعادة مترجم، من المصدر:انظر
مقالة رائعة
شكرا أخت ندى على الانتقاء والترجمة
مقال في غاية الروعة ،، اختيار موفق لموضوع هو بلاشك هاجس ينتاب الجميع
نفتقد في الحقيقة روح الكاتب في معظم المقالات المترجمة ،،وأصبحنا نقرأ مقالات مترجمة بلا ترابط وبلا روح قصصية وبلا تشويق ،، وفي هذا المقال استخدم المترجم العمق الروائي الذي نفتقده في معظم المترجمات ،،، ننتظر كتبك المترجمة يا ابنتي وفقك الله
مقال جميل، واختيار موفق يناسب الوضع الراهن
فرصة للتصحيح
“ولكل منا حياته الجميلة الخاصة به”
مبحث عميق يحتوي على إثراء علمي وتثقيف عما يدور في خفايا النفس وما جاورها .. شكرا لكل من شارك في هذا العمل الجليل.. فلقد استفدت منه.
موضوع مهم وترجمة جيدة..شكرا
انتقاء فائق لموضوع ضم في سطوره محتوى غني بالمعارف غزير باللطائف التي تشكل احتياجا نفسيا وتربويا ينشده الكثير في واقعنا المعاش.. عبرت الترجمة عن النص وروحه، وأبانت المبنى والمعنى، بالعبارات المتسقة Coherence والجمل المتماسكة cohesion
أداء متميز .. ودوما نحو الإنجاز الراقي، وبورك العطاء