العلم

نظام مراجعة الأقران .. رغبة في الإنصاف

  • بقلم: ماكسين ديفيد
  • ترجمة: سمية يسري
  • مراجعة: مصطفى هندي
  • تحرير: مصطفى علي هيج

 

إيضاح([1]):

يُقصد بمراجعة الأقران الأكاديمية، التحكيم: وهو إخضاع عمل أكاديميي ما (بحث، أو مقالة أو دراسة أو أطروحة) إلى فحص دقيق من قبل خبراء في نفس المجال قبل منح الإذن بنشر العمل في دورية متخصصة، وتكون نتيجة المراجعة إما القبول أو الرفض، أو قبول مشروط بالمراجعة. وتتطلب المراجعة الأكاديمية تأليف لجنة من أخصائيين في الموضوع ومؤهلين للقيام بمراجعة حيادية. تعتبر مراجعات الأقران تعتبر ضرورية في الساحات الأكاديمية، إلا أنها تعرضت لانتقادات عديدة بأنها غير فعالة وبطيئة ومتحيزة أحيانًا، ومن أهم أسباب التنكر لهذا الأسلوب هو قضايا فشل مراجعة الأقران التي واجهتها ناسا ومركز هارفيرد سميثونيان.

مقدمة:

مع تسليط الضوء على أخطاء وعيوب نظام مراجعة الأقران وارتفاع الأصوات المطالبة بإصلاحه وتقويمه؛ تستغل فئات الفرصة للحط من أهمية هذا النظام وثمراته. لاحظت ماكسين ديفيد كغيرها الظاهرة المتصاعدة، وطالبت الناس بتقدير جهود المتطوعين بوقتهم وخبرتهم برضا وطيب خاطر.

صعبٌ على الأكاديمي – خاصة من يعمل في المملكة المتحدة – ألا يشعر يوم بأن مهنته تتعرض للهجوم. وليس مستغربًا أن يصادف القراء الدائمين لـ Education Times Higher ومتابعي تويتر النقد السطحي الضعيف عن الحياة الأكاديميّة الراهنة الذي كتبه لورد أدونيس.

 

روح الدفاع:

لستُ الوحيدة التي حاولت الدفاع والرد، إن روح الزمالة الدافئة التي أحياها الرجل بلا قصد منه رفعت معنوياتي. لكن سرعان ما تلاشى شعوري عندما قرأت تعليقات على الفييسبوك التي آلت إلى السجال المعتاد بين المحررين والمراجعين، سجال استقطب عدداً كبيراً من ممن خاض فيه ولا ناقة لهم ولا جمل، لقد آلامني هذا السجال كثيراً بصفتي محررة صحفية استغلت أوقات فراغها تطلب من غيرها استقطاع جزء من وقت فراغهم ليراجعوا الكتابات الجديدة.

هل جعلنا من أنفسنا فريسة سهلة لمن هم مثل أدونيس بسبب جهل الناس بما نقدمه من خدمات مجانية كالمراجعة والتحرير، وبسبب شكوانا طوال الوقت من زملائنا بدلًا من الإشادة بهم؟ إن هذا يدفعنا لنتوقف قليلًا ونشكر على الملأ أولئك الذين ساعدونا في تجويد عملنا. لن يستغرق ذلك وقتا طويلاً- وبالتأكيد هذا الوقت أقل بكثير مما استغرقوه في قراءة أعمالنا بلا مقابل.

نظرة فاحصة للنظام:

لستُ ساذجة ولا جاهلة؛ أنا أعلم يقينًا كل الأسباب التي توهمنا بأن نظام مراجعة الأقران مدخول وناقص، للأسف هناك الكثير من مراجعي ومحرري الصحف يتعاملون مع هذا الأمر تعاملًا خاطئًا. على سبيل المثال: أعجز عن نسيان أحد الزملاء الأكاديميين الذي أخبرني مفتخرًا كيف رفض مجموعة من المقالات التي عرضت عليه في أوقات مختلفة. من الطبيعي أن يكون الرفض مبررًا ولكن نبرة الفخر تلك يستحيل تبريريها. إن بعض المراجعين يسيئون التصرف عندما يتناسون أن ثمة من بذل جهوداً مضنية لأسابيع وربما لأشهر ليخرج هذا العمل، وعليه فلا مبرر لهذه الصلف والاستعلاء، وتتضاعف مغبة هذا الخطأ في عصر يتزايد فيه الوعي بقضايا الصحة العقلية والنفسية بين الأكاديميين.

في هذه البيئة يعد افتقار المحررين إلى التخفيف من حدة تقييمات المراجعين مشكلة مؤرقة، إنني أحاول بكل ما أملك من قوة ولا أصيب في كل مرة، وأتفهم دائماً شعور المؤلفين الإحباط. ورغم ذلك، -كمحررة- أشهد إيجابيات نظام مراجعة الأقران.

شكرٌ وعرفان:

إني أتلقى رسائل عبر البريد الإلكتروني من مؤلفين يشكرون المراجعين على جهدهم المبذول في مراجعة مقالاتهم وتجويدها، ومن حين لآخر يشكر المؤلفون المراجعين في صفحة الشكر والتقدير في مقدمة أعمالهم. عندما أرى ذلك أشعر أنني لست وحيدة ويحملني هذا على التساؤل: لماذا لا تنشر تعليقات إيجابية مثلها كعادة؟ هل يرجع ذلك إلى طبعنا نحن البشر وهو مسارعتنا إلى إذاعة السلبيات وكتمان الإيجابيات؟

يشتكي المؤلفون من نقد المراجعين نقداً قاسيًا هداماً يركز على نقاط الضعف ويتجاهل نقاط القوة، وفي نفس الوقت ننحاز إلى انتقاد المراجعين على حساب الإشادة بهم! ألسنا نرتكب ذات الخطأ عندما نركز على السلبيات التي نشهدها في عملية التأليف والنشر بدلاً من الإيجابيات؟

لا أعرف جامعة في أي مكان تعطي أعضاء هيئة التدريس مقابل على هذا من العمل. في عالم خالٍ من أمثال لورد أدونيس يُنظر إلى المراجعة على أنها حمل إضافي على المراجعين، وهذا -قطعًا- سيؤثر على جودة التقييم أو المراجعة، وأكرر قولي: إنني لمست ورأيت مراجعين متفانين ومتعاونين يدركون معنى أن تستقبل مراجعة سيئة؛ لذلك يعملون جاهدين على كتابة مراجعة بنَّاءة وشاملة ومستطابة حتى لو كان الرفض أقرب، هذا يستغرق وقتاً وبلا مقابل كما أسلفت.

إن أولئك الذين يراسلونني عبر البريد ليخبروني كيف استفادوا من تعليقات المراجعين هم باحثون مبتدئون أو مقدمون على رسالة دكتوراة وهو أمر له دلالته ومعناه العميق على استفادتهم من المراجعات في تجويد المقالة أو رسالة الدكتوراه ولكنهم لم يذكروا تأثير هذه المراجعات على ما هو أهم من ذلك وما يتجاوز مراجعة موضوع معين. بعبارة أخرى: لقد تبين أن المراجعين لا غنى للأكاديميين عنهم في مشوار تخصصهم المهني، ولأنّا نرى أن التعلم عملية تستمر مدى الحياة؛ أفلا يجدر بنا تقدير المراجعين الذين يقدمون لنا المقترحات التي لا تقدر بثمن!

ضع نفسك مكانهم:

إن العثور على مراجعين عملية تستغرق وقتًا وتستنزف جهدًا. لقد اعتدت على مراسلة عشرة مراجعين ولا استجابة اثنين فقط. إني أتعاطف معهم فضغط العمل الأكاديمي شديد، ولكنني أتساءل ما إذا كان منتقدو المراجعين يبذلون نفس الجهد الذين ينتقدونهم؟ ربما يفعلون كم أتعجب من حجم النقد الكاسح للمراجعين! لماذا لا يعمل هؤلاء الناقمون كمراجعين ليرفعوا الجودة العامة للمراجعات؟ ربما يفعلون، ولكننا لا نعلم عنهم شيئًا وربما علينا أن ننظر بعمق أكثر ونتأمل قليلاً. في المرات القادمة لو انتقدتهم اسأل نفسك متى كانت آخر مرة وافقتَ فيها على مراجعة مقالة، ودقق في مستوى مراجعتك، أقترح أن تجعل الضابط لهذا الأمر مراجعة مقالة في مقابل كل مقالة تكتبها وترسلها لمن يراجعها، ثم تكتب مراجعة تحب أن تقرأ مثلها لعمل من أعمالك دون أن تشعر أنك تُهاجم وتُنتقد بلا مبرر؛ هذا الاقتراح لن يساعدك في تحسين هذا العمل فقط بل سيساعدك على تطوير قدرتك على البحث والكتابة إجمالًا.

التركيز ضرورة:

النقطة الأخيرة تنطبق على محرري الصحف أيضاً، تتطلب كتابة مراجعة جيدة وقتاً وتركيزًا، فلا يمكن لمراجعة جيدة أن تُكتب في دقيقة أو حتى ساعة. تعتمد هذه العملية اعتمادًا كاملًا على رغبة الأكاديميين في إفادة مجتمعهم وإثرائه، حيث يعمل الكثير منهم في منظومة قنَّنت بوضوح مساحة العطاء والبذل ولم تقدِّره؛ فلنناقش عملية المراجعة والتقييم بكل سبل، وعلينا أثناء النقاش ألا ننس تقدير أولئك الذين يبذلون وقتهم وخبرتهم كرمًا وإحسانًا.

  • ماكسين ديفيد هي محاضرة في السياسات الأوروبية بجامعة ليدن. ومتخصصة في تحليل العلاقات السياسية الخارجية لروسيا مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. وهي رئيسة تحرير مجلة البحث الأوروبي المعاصر.

[1] – المُراجع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى