- تيودورا زاريفا
- ترجمة: أروى حمد العتيبي
- تحرير: ناريمان علاء الدين
للأشخاص ذوي معدلات الذكاء العالية أفضلية في مجالات كثيرة. فمن المُتوَقَّع لهم أن يحققوا تحصيلاً دراسياً أعلى من غيرهم، وأن يحصلوا على وظائف أفضل ومستويات دخل أعلى. مع ذلك، تبيّن أن معدّل الذكاء العالي يرتبط طردياً أيضاً باحتمالية حدوث أمراض نفسية وجسدية عدة: مثل الاكتئاب والقلق ومرض ثنائي القطب واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، كذلك الحساسية والربو والأمراض المناعية. لمَ؟ راجَعتْ ورقة بحث منشورة حديثًا في مجلة (الذكاء) الدراسات المنشورة حول هذا الموضوع واستعرضت الآلية التي بإمكانها تفسير هذا الارتباط.
قارن مؤلفو الدراسة بين بيانات مأخوذة من 3751 شخصًا ينتمون لـ ”مجتمع منسا الأمريكي” (الذي يضم الـ 2 % الأوائل في اختبارات الذكاء) وبين بيانات عامة، من أجل أن يفحصوا مدى انتشار عدة أمراض بين ذوي الذكاء المرتفع مقارنة بالأشخاص العاديين.
أظهرت النتيجة أن ذوي الذكاء المرتفع تزيد احتمالية تشخيصهم بأحد اضطرابات طيف التوحد بنسبة 20%، وباضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة بنسبة 80%، وباضطراب القلق بنسبة 83%، وبأحد اضطرابات المزاج على الأقل بنسبة 183%.
أما بالنسبة للأمراض الفسيولوجية، فتزيد احتمالية تشخيص الأفراد ذوي القدرات العقلية العالية
بأمراض الحساسية البيئية بنسبة 213%، وبالربو بنسبة 108%، وبأحد أمراض المناعة الذاتية بنسبة 84%.
المصدر: مجلة الذكاء/الذكاء المرتفع: عامل من عوامل الخطر المؤدية للإصابة بالتحسس الجسدي والنفسي المفرط.
اتجه الباحثون إلى مجال علم المناعة النفسي العصبي (PNI) للبحث عن بعض الإجابات. فحص هذا العلم كيف يؤثر الضغط (stress) المزمن المتراكم كاستجابة لعوامل بيئية على الاتصال بين الدماغ والجهاز المناعي. أشار الباحثون إلى أن الأشخاص ذوي الذكاء المرتفع لديهم ميل للإصابة بفرط التحفُّز الذهني “intellectual overexcitabilities”، وفرط نشاط الجهاز العصبي المركزي. في المقابل، هذا يعطي الأشخاص ذوي معدَلات الذكاء المرتفعة وعياً عالياً يخدم أعمالهم الإبداعية أو الفنية. وفي الواقع، يعترف مجال القدرات الإدراكية بـ “القدرة على فهم أوسع وأعمق للبيئة المحيطة” على أنه أحد خصائص الأشخاص ذوي الذكاء العالي.
لكن هذه التفاعلية أو التجاوبية العالية (reactivity) بإمكانها أن تؤدي إلى اكتئاب عميق وصحة نفسية سيئة. وقد تبيّن أن هذا ينطبق بشكل أخصّ على الشعراء والروائيين والأشخاص ذوي الذكاء اللغوي العالي. فاستجابتهم العاطفية العالية للبيئة، تزيد من ميولهم نحو اجترار الأفكار والقلق، مما يزيد من احتمالية الإصابة باضطرابات القلق والاكتئاب.
وبإمكان الاستجابات النفسية العالية أن تؤثر على المناعة كما أوضح الباحثون. فالأشخاص ذوو الانفعالية أو الحساسية المفرطة لما حولهم (overexcitabilities) قد تكون لهم ردة فعل قوية لمؤثر خارجي يبدو غير ضار، مثل الورقة المزعجة الملتصقة بالملابس أو أي صوت مزعج. ردود الأفعال هذه قد تتحول لضغط عصبي مزمن منخفض الشدَة وتطلق استجابة مناعية غير لائقة بالمؤثر.
فعندما يعتقد الجسد أنه في خطر (بغضّ النظر عن كونه خطراً موضوعيًا حقيقيًا كسُمّ، أو خطراً مُتَخَيَّلاً كصوت مزعج) فإنه يطلق شلّالاً من الاستجابات الفسيولوجية، والتي تحتوي على عدد كبير من الهرمونات والناقلات العصبية وجزيئات نقل الإشارات. وعندما تكون هذه العمليات نشطة بشكل مزمن، بإمكانها التأثير على الجسم والدماغ والإخلال بنظام جهاز المناعة والتسبُّب بأمراض كالربو، والحساسية وأمراض المناعة الذاتية. وقد أكّد الدليل العلمي الارتباط بين معدّل ذكاء الأطفال واحتمالية الإصابة بأمراض الحساسية والربو. أظهرت دراسة أن 44% من الأطفال الحاصلين على 160 فما أكثر في امتحان الذكاء IQ يعانون من أمراض الحساسية مقارنة بـ 20% من أقرانهم ذوي الذكاء العادي. وقد دعمت نتائج دراسة استكشافية –من قِبل مؤلفي هذه الدراسة الأخيرة– هذا الارتباط.
واستنادًا إلى النتائج التي توصلوا إليها والدراسات السابقة وصف الباحثون هذه الظاهرة بـ: نظرية تكامل فرط الدماغ / فرط الجسد – (hyper brain / hyper body theory of integration) موضحين أن:
“فرط الحساسية الذي يعاني منه ذوو الذكاء المرتفع قد يؤدي إلى تعرض هؤلاء الأفراد لخطر إظهار ردود فعل مبالغ بها للأحداث البيئية الداخلية أو الخارجية. قد يساهم الاجترار والقلق اللذان يصاحبان هذا الوعي المتزايد في نمط مزمن من استجابات “المحاربة، أو الهرب، أو التجمُّد”، والتي تطلق بعد ذلك سلسلة من الأحداث المناعية. في الوضع الطبيعي، يكون التنظيم المناعي هو الاتزان الأمثل للاستجابة المؤيدة والمضادة للالتهابات. فيجب أن يركّز الجهاز على الالتهاب بقوة ثم يعود فورًا لحالته الهادئة. أما أولئك الذين يعانون من فرط الحساسية أو الانفعالية التي سبق مناقشتها – بما في ذلك اضطرابات طيف التوحد- فقد أظهر نظامهم المناعي فشلاً في المحافظة على هذا الاتزان، مما يجعل إشارات الالتهاب تخلق حالة تنشيط مزمنة”.
استخلص القائمون على الدراسة أهمية مواصلة دراسة العلاقة بين الذكاء المرتفع (لا سيما أذكى 2%) والمرض بشكل محدّد من أجل الوقوف على السببية، وزيادة إبراز الجوانب السلبية لوجود معدل ذكاء مرتفع. وكما يُقال: “هذه الهبة يمكن أن تكون إما مُسهّلة للنفوذ والتمكين وتحقيق الذات أو يمكن أن تكون مؤشرًا على التقلّبات والوهن”. ومن أجل خدمة هذه المجموعة، من المهم “أن نعترف بهزيم الرعد الذي يصحب يقظة نبوغهم”.
– – – – –
المصدر: Why highly intelligent people suffer from more mental and physical disorders
شكرا جزيلا لكم مقال رائع ومفيد