- أميدو أولاليكان ساني**
- ترجمة: أنس بن سعود الجروان
الناشر: أشغايت.
الصفحات: 317.
العام: 2010م.
هذا الكتاب هو مجموعة مختارة من المقالات، كتبها المؤلف نفسه، منتقاة من مختلف دراساته المنشورة بين عامي 1977 و2004 في مختلف الأودية الأكاديمية. وكما يظهر من المقالات، فإن مقدمة المؤلف كانت في التاريخ الإسلامي المبكر، والمرويات النصية (وخاصة القرآن) واستعمالات وآثار الأفكار الدينية في سياقاتها العالمية. وقد كان للمؤلف مقدمتان رئيسيتان. أولا، إعادة التفكير في كيفية تعامل الدراسات مع القضايا الأساسية في الإسلام مثل الأفكار الطائفية (العقائد) والطقوس والسلطة، من بين أمور أخرى. ثانيا، الأبعاد السمعية/الشفهية للنصوص المقدسة المكتوبة في السرديات الاستدلالية على الدين. وعلى هذا الأساس، من السائغ إثبات أن القضايا التي عولجت في دراسات غراهام الواسعة تكمن في ثلاثة مجالات؛ تفسير مواضيع معينة في التاريخ والممارسة الدينية الإسلامية، وتاريخ دور القرآن في حياة المسلمين وتفكيرهم، وأهمية النص المقدس كظاهرة مهمة في التاريخ الديني. ولذلك، فمن المفهوم أن الكتاب الذي بين أيدينا مقسم إلى ثلاثة أجزاء؛ وهي: “تاريخ وتفسير الدين الإسلامي” و “القرآن كنص مقدس” و “النص المقدس في التاريخ الديني”، كل جزء يتكون من خمس مقالات. والسمة البارزة في المنظور المنهجي لغراهام، كما ثبت من الدراسات المختارة في هذا الكتاب، فيما يتعلق بمعالجته للطقوس والمؤسسات الإسلامية، أنه لا يحاول فرض أصول للتراث القديم أو اليهودي-المسيحي عليها، كما هو شائع في بعض السرديات الاستشراقية الغربية، بل يركز على وظائفها وآثارها كما ينظر إليها المسلمون أنفسهم: “نحن بحاجة إلى محاولة فهم كيف شكلت الأفكار والممارسات والظواهر واقع وحياة وتجمعات واعتقادات ورؤية الكون للأشخاص المتدينين في تقليد ديني معين” (ص 11).
تعتمد معالجة غراهام للمرويات الإسلامية على الحضور الظاهر والطابع التأسيسي (للإسناد) والاستمرارية ضمن نموذج عالمي من حيث الزمان والمكان في العالم الإسلامي، مهما كان متنوعا وواسعا. ومن هنا فهو يرى أن التراث هو المصدر الرئيسي للسلطة في الإسلام، سواء كنا نتحدث عن النصوص التأسيسية، أو المدارس الفكرية، أو المجتمعات الصوفية. على الرغم من أن معالجة بعض القضايا الموضوعية واللغوية فإنها لا تجعل تحليل الكاتب للقرآن يفتقر إليه، فمفهوم الوحي والرسائل التي من خارج القرآن (ما عدا الوحي القرآني) في شكل الأحاديث القدسية جعلته يرتبط بالموضوع أكثر، والذي جعل جوهر أطروحته مهماً حول هذا الموضوع هو أن ‘وجود هذه الأقوال [المتعالية] تشير إلى مدى عمق جذور الروحانية في الإسلام والتي هي في مصادر الوحي نفسه'(ص 72). ومن الجوانب الهامة في معالجته للتكرار في القرآن، هي النظر إلى الآيات على أنها نماذج سيميائية لفظية ومادية على حد سواء، وهو ما يوضحه ببراعة وبدقة تحليلية ملحوظة. وعلاوة على ذلك، فإن أصل كلمة قرآن (التي تتبعها غونتر لولينغ وأمثاله بشكل مريب وأعادوها إلى جذور غير معقولة)، قد دُرست من قِبل غراهام في سياق خصائصها الشفوية والسمعية كما ينظر إليها ويستعملها المسلمون؛ فخطاب الله هو الذي يجب سماعه وكتاب الله هو الذي يجب أن يُقرأ. رأيه قد تم تطويره على أساس عدة شواهد في القرآن نفسه، حيث يتحدث عن نصه الذي يُقرأ بأنماط عادية وخاصة كــ (الترتيل)، وجمهوره البشري وغير البشري، كاستماع الجن له. ولكن بعد ذلك، تميل الطبيعة الشاملة للقرآن أكثر نحو وضعه الشفوي/السمعي بدلا من وضعه المكتوب. ويستند هذا إلى ملاحظة غراهام الحذرة فيما يتعلق بفرض معايير غريبة أو وجهات نظر معينة على طبيعة القرآن: فيقول، “استعادة الخصيصة الشفوية لهذه الكلمة في وضعها الأصلي يذكرنا بالحذر الذي ينبغي أن تكون عليه مفاهيمنا الخاصة حين نقرأ نصاً مقدساً أو كتابا يعود لفترة مبكرة، وفي هذه الحالة تحديدا، العرب والسياق العربي’ (ص 108). الجزء الأخير من هذا الكتاب يتعلق بالنص المقدس كظاهرة عامة في الإسلام والمسيحية والهندوسية. وينظر إليها على أنها ذات قدسية فريدة من نوعها وسلطة تعمل بشكل مقدس، كلمة منطوقة مع هالة من التبجيل ومؤثرة في الجمهور، والطقوس، والحياة التعبدية، والحياة الدنيوية، والخرافات والسحر، بالإضافة إلى تأثيرها الهائل على الثقافة المادية وغير المادية. وبشكل أكثر تحديدا، يناقش مقالان مختاران في هذا الجزء الوظيفة الشفوية للنص المقدس المكتوب للفيدا الهندية والقرآن. وأيضاً تم مناقشة الرهبنة المسيحية المبكرة والتراث الإصلاحي للكتاب المقدس الذي عمله مارتن لوثر في سياق الشفهية المبكرة للظاهرة الكتابية السماوية. ينتقد غراهام كيف أن العلماء الذين يعيشون في الغرب، والذين تهيمن عليهم ثقافة الكلمة المطبوعة والتعليم، فشلوا في تقدير كيفية عمل كتبهم المقدسة المسيحية واليهودية في الماضي كأساليب خطاب شفهية/سمعية للمؤمنين. من المدهش أن سردية غراهام عن القرآن لم تجذب اهتماما أكبر بكثير مما تلقته حتى الآن.
بشكل عام، تشير المقالات التي تم جمعها هنا إلى تقليد علمي غير عاطفي ومنفصل في تحليل وظائف وتصورات أفكار دينية معينة في أشكالها المتزامنة والمتعاقبة. المنهجية الاستدلالية المنعكسة في دراسات غراهام هي أنه ينبغي فهم مواضيع معينة ضمن فرضيات معينة يمكن اختبارها، أو صقلها، أو رفضها، أو تعديلها لتكون قادرة على توليد أسئلة جديدة يمكن النظر فيها واختبارها بشكل أكبر على أساس معقول وافتراضات مطروحة. ومن الأهمية الملحوظة في التحليلات العلمية التي قدمها مؤلفنا هنا، هي في التحسينات التي أُدخلت على المقالات الأصلية كما أعيد تقديمها في هذا الكتاب الجديد. وهذه الممارسة التقدمية في الأبحاث العلمية تتماشى مع أحد الممارسات في وقت مضى كما أشار إلى ذلك رئيس المستشارين في حكم صلاح الدين الأيوبي وهو القاضي عبد الرحيم البيساني والمعروف بـ (القاضي الفاضل) (ت. 596/1199)، كما قال في إحدى رسائله: “إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه؛ إلا قال في غده: لو غُيِّر هذا لكان أحسن، ولو زِيد كذا لكان يُستحسن، ولو قُدِّم هذا لكان أفضل، ولو تُرك هذا لكان أجمل، هذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر”. إن النسخ المحسنة للغاية من الدراسات التي تم جمعها هنا في كتاب واحد، أضافت قيمة كبيرة تتمثل في تحسين إمكانية وصول الطلاب والباحثين على حد سواء فيما يتعلق بالأفكار التي من شأنها أن تسهم بشكل دائم في فهمنا للتقاليد النصية، وخاصة القرآن، ومعرفة استعمالات الأفكار الدينية وآثارها في سياقاتها العالمية.
وليام غراهام: أستاذ الدراسات الدينية في جامعة هارفارد.
أميدو أولاليكان ساني: أستاذ دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا في جامعة فاونتن بنيجيريا.