- د. عبدالله بن علي الشهري
- كتاب ” أزمة العالم الحديث”.
- المؤلف: رينيه جينو (عبدالواحد يحيي)
- الناشر: مدارات للأبحاث والنشر. الطبعة الأولى 1441هـ، 2019م.
- نقله للعربية وقدّم له وعلّق عليه: د. أسامة شفيع السيّد رحمه الله.
- عدد الصفحات : 240
تأتي أهمية هذا الكتاب من عدة نواحي :
أولًا: مؤلفه
اسمه: رينيه جينو المولود في فرنسا سنة 1886م، لأبوين كاثوليكيين. اهتمّ في شبابه بالدراسات الروحية والمذاهب الميتافيزيقية الشرقية. ثم اعتنق الإسلام سنة 1912م وسلك الطريقة الصوفية الشاذلية. غيّر اسمه إلى “عبد الواحد يحيى”، وسافر إلى مصر سنة 1931 ميلادي لأجل مهمة علمية، وأقام بمصر حتى توفي. كما أنه حصل على الجنسية المصرية.
عُرف رحمه الله بنقده القوي اللاذع للحضارة الغربية الحديثة، وإعجابه بالحضارات الشرقية، وقد أفرد لهذا النقد ثلاثة كتب مستقلة، كان أولّها كتابه المشهور “الشرق والغرب” والذي صدر سنة 1924م، ثم كتابنا هذا ” أزمة العالم الحديث ” حيث صدر بعد ذلك بثلاث سنوات، وكان هذا الكتاب أشبه بالنقد التطبيقي العملي لما كان قد نظّره في كتابه السابق ” الشرق والغرب”. وقبل وفاته بنحو خمس سنوات تقريبا أخرج كتابه الأكبر والأضخم في نقد الحضارة الغربية، بعنوان “هيمنة الكمّ وعلامات الأوقات”. وهو كتاب كبير، أشبه ما يكون بالشرح والحواشي على كتابيه السابقين.
في هذا الكتاب يتضح لنا ثبات آراء (عبدالواحد يحيى) فهي آراء ثبتت حتى مع تقدمه في السنّ، وزيادته معرفيا، وتأليفه لعدة كتب، فما كتبه أولا في “الشرق والغرب” لم تزده الأيام إلا رسوخا كما هو الحال في كتابه الثاني والثالث، وسبب هذه الوثوقية والثبات هو ما يراه المؤلف نفسه من أن العلم الذي اعتمد عليه هو العلم اللدّني أو علم الأسرار، وهو علمُ لا يعرف إلا الحقائق المطلقة فلذلك لا تتعرض هذه الأفكار وتلك الآراء إلى التبديل والتعديل.
ثانيا: موضوع الكتاب
كما أسلفت فموضوع الكتاب في نقد الحضارة الغربية، ولكن هذه المرة من جهة عمليه تطبيقية، وليست من الجهة النظرية كما فعل في كتابه السابق.
انتظم هذا الكتاب عدة فصول، نذكر منها:
– بيان التعارض بين الشرق والغرب
– العلاقة بين المعرفة والعمل.
– الحديث عن العلم اللدّني المقدس والعلم المدنّس المرتبط بالدنيا.
– النزعة الفردانية.
– الحديث عن الفوضى الاجتماعية للحضارة المادية.
– حديث عن الاجتياح الغربي.
– ثم فصل أخير “نتائج مهمة” يراها المؤلف.
والمؤلف في كلّ تلك الفصول يؤكد بالشواهد التي يراها إفلاس الحضارة الغربية، وأنها تحمل في أحشائها دواعي زوالها، يجمع هذه الدواعي بعدُ الحضارة الغربية عن الحقيقة المطلقة، وعبادة الدنيا، والتمحور حول الإنسان، والنفعية التي صُنّمت وبات الإنسانُ الغربي يتّخذها إلها، ضاربًا بالعقائد والشرائع والأخلاق عُرض الحائط.
ولذلك تعيش المجتمعات الغربية فوضى اجتماعية غير مسبوقة، ولم تكن الديمقراطية التي نادوا بها عاصما لهم من الانجراف نحو الخطر؛ فالديمقراطية التي دعوا إليها مستحيلة التطبيق، وهي في حقيقتها خُدعة لفظية، وأن من التناقض القول إن جماعة من الناس يمكن أن يكونوا حاكمين ومحكومين في الوقت نفسه. وإن حكم الأغلبية التي تدّعيه الحكومات الحديثة، هو قانون المادة والقوة الغليظة، القانون الذي تسحق به هذه الكتلة القوية كل ما يعترض طريقها.
ويؤكد عبد الواحد يحيى على أنه إذا استمرت الحضارة الغربية على طريقتها المادية البحتة فإن هناك ولا شك انهيارٌ سيعمّ الأرض كلّها، ويقول: ” يبدو أننا نقترب حقيقة من نهاية العالم أو من نهاية حقبة أو دور تاريخي يمكن أن يوافق دورا كونيا، وفْقا لما جاء في جميع العقائد الالهية في هذا الشأن، ومن المتوقع في الحالة الراهنة للعالم أن يكون التغيير عاما وأن يمتد أثره إلى أهل الأرض قاطبة، مهما كانت الصورة التي سيكون عليها والتي لا نريد الخوض في شأن تحديدها”.
وبعد تطواف في فصول الكتاب، سعى المؤلف في ثناياه، إلى ترسيخ مفهوم الأزمة للحضارة الغربية الحديثة، وأن المقصود بالأزمة أن الألم بلغ مرحلة حرجة، وتحول تحولا عميقا، وأن الكارثة قد باتت قريبة، وأن الحل الذي فاتهم، بل كفروا به، هو الحلّ بالعودة إلى الروح، أن تكون الحضارة حضارة ربّانية مرتبطة بالميتافيزيقا (الإلهيات)، والسعي للهرب من النزعة المادية.
كما يؤكد أن عودة الغرب إلى المعارف الربانية من شأنه أن تتلاشى الخصومة مع الشرق، لأن الخصومة في حقيقتها هي الخصومة بين الروح الرباني والروح الحداثي.
ويؤكد عبدالواحد يحيى على أن التعارض الحالي بين الشرق والغرب مردّه إلى أن الشرق متمسك بتقديم النظر على العمل، وأن الغرب على النقيض من ذلك.
كما أكد على أنّ الأمر في الشرق يختلف عنه في الغرب، فالشرق لا يزال يحتفظ بجوانب حيّة من الحضارة الربانية، وأنّ على النخب الروحية في العالم المأزوم أن تتواصل مع ممثلي الروح الرباني في الشرق، ولا توجد بوادر لذلك!
فائدتان مهمتان:
- غلبت على لغة المؤلف وروحه المدرسة الصوفية بثوبها الشاذلي، والتي وصل إليها بعد تحول من الكاثوليكية إلى طريقة غنوصية عرفانية، متأثرا بمدرسة محي الدين ابن عربي*، لكن الشأن الذي ركّز عليه وبنى عليه كتابه: دخول الحضارة الغربية في أزمة بل أزمات متعددة، توحي بسرعة الانهيار.
- أن هذا الكتاب لقي عناية فائقة بحيث تولى ترجمته وتقديمه أستاذ كبير وعالم فذّ، الدكتور أسامة شفيع السيد رحمه الله. الذي ترجم الكتاب الشهير ” المرجع في علم الكلام “.
* قرأت في مقال قديم على صفحات النت، أن عبدالواحد يحيى ينتمي إلى المدرسة الإرثوية والتي تنادي بفكرة تصحيح كل الأديان لوجود الإرث المشترك، وفي هذا المقال وضع الكاتب أسماء أهم رموز هذه المدرسة بالإضافة إلى عبدالواحد، ومنهم: كارين آرمسترونغ ، وروجيه جارودي ، وسيد حسن نصر.
ومع قراءاتي المتعددة في هذا الشأن لم أقف على ما يثبت انتماء عبدالواحد يحيى لهذه المدرسة، مع التأكيد على أنه موغل في الاتجاه العرفاني الصوفي.