- مارك مانسون
- ترجمة: لمياء بنت عبد الرحمن الغنيمي
أنت دائما تمتلك الفرصة
أورسولا بيرنز نشأت من أم وحيدة في مشاريع نيويورك في الستينات والسبعينات، وعودا إلى تلك الأيام، فقد كانت تعاني من ثلاث مشاكل؛ كانت سمراء البشرة، وفقيرة، وامرأة. فحياتها كانت صعبة.
قامت والدتها بالاقتصاد بالمال وعملت في أعمال إضافية فقط لتوفير المال لأورسولا وشقيقيها، ولكن الأهم أنها بشكل مستمر تذكرهم بما هم عليه من حال الآن، وأنه ليس من الواجب عليها أن توفر لهم ما يحتاجونه لبقية حياتهم، ستكون دائما لديهم الفرصة ويمكنهم صنع الأفضل بما لديهم.
أورسولا عملت بجد، بقيت على رأس العمل ودخلت كلية الهندسة في مدرسة بروكلين بوليتكنيك، التي كانت بشكل غير مفاجئ مليئة بالرجال البيض الأثرياء، وسرعان ما أدركت أن هنالك الكثير لفعله من الناحية الاجتماعية والأكاديمية، لقد كانت غريبة عن بيئتها بكل معنى الكلمة.
بطريقة ما تخرجت أورسولا من كلية الهندسة، وعملت لتصبح الرئيسة التنفيذية لشركة زيروكس، عاملة على تحويل الشركة من متعثرة إلى شركة ناجحة، كذلك عملت كرئيسة لتحالف تعليم العلوم والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات في عهد أوباما، وكانت عضوا في مجالس بعض أكبر الشركات في العالم، من ضمنها؛ Exxon Mobil، Uber، VEON، أكبر عاشر شركة اتصالات في العالم.
مستوحاة من تشجيع والدتها، طورت بيرنز في وقت مبكر من حياتها ما يسميه علماء النفس “عقلية النمو”، والتي هي أساسًا مجرد الاعتقاد بأن المرء لديه درجة معينة من التأثير الشخصي على حياته؛ على العكس “العقلية الجامدة” والتي تعمي الاعتقاد بأن الشخص لديه القليل إلى لا سيطرة على حياته.
الحقيقة أن هناك بعض الأشياء تستطيع التحكم بها في حياتك، وأشياء لا تسطيعها؛ فأنت بالتأكيد لا تختار مكان مولدك، وجنسك، سواء فتى أم فتاة، ولا تختار أن تولد مع عائلة غنية أم فقيرة، ولا لون بشرتك، وطول قامتك وما إلى آخره، هذه الأشياء بالفعل مهمة وبالفعل ستؤثر على حياتك بشكل كبير.
لكن بينما قد لا تكون مسؤولاً عن البداية، فأنت دائمًا مسؤول عن النهاية.
ليس خطأ أورسولا أن تنشأ في عائلة فقيرة، لكن بدلا من أن تعترف بنفسها كفقيرة، وكونها ضحية الفقر بسبب ظروفها، قررت أن تقلب ذلك رأسا على عقب وجعلت قصتها تلهم حياتها.
كذلك ليس ذنبك أن تولد فقيرًا، أو سمينًا، أو عرضة للأمراض العقلية، ولكن هذه مسؤوليتك لمعرفة طريقة التعامل مع موقفك.
لا أحد يستطيع أن يعالج جراحك العاطفية سواك، لا أحد يستطيع إصلاح علاقتك السامة بالمال غيرك، لا أحد يستطيع أن يفقد الوزن من أجلك؛ لا أحد يستطيع أن يجعل هذا الشخص يقع في حبك.
يجب عليك البحث عن مساعدة إذا احتجت اليها، استأجر مدربًا إذا كنت تملك التكلفة المادية لذلك، وكذلك احصل على مساعدة مادية إذا كان حظك عثرا، لكن في الجيد والسيء في نهاية اليوم كلها تقع على عاتقك.
واجهت وسوف تواجه بعض المصاعب الحقيقية في الحياة، ستتمتع ببعض المزايا على الآخرين، بعضها اكتسبتها وبعضها لم تحصل عليها، لكن إذا قررت الركون، فلن تحرز شيئًا.
الفعل بدلًا من الكلام
توفي والد تشاك كلوز وهو في الحادية عشر من عمره، وكمراهق قيل له ألا يفكر في الذهاب الى الكلية، كان لدية العديد من صعوبات التعلم، وكان لا يستطيع الجمع أو الطرح، قال له معلموه إن مدرسة التجارة ستكون أمله الوحيد؛ لأنه جيد في الأعمال اليدوية، ولكنه كان يعاني من اضطراب عصبي عضلي كانت تحد من قدرته على الحركة، لذلك حتى ذهابه لتلك المدرسة كان غير وارد.
اليوم تشاك كلوز معروف عالميا كرسام وفنان جرافيك، وأعماله تملأ أشهر الجدران في العالم.
هذا رائع بحد ذاته، رغم الصعاب التي واجهها في وقت مبكر من حياته. لكن الأكثر روعة أن كلوز استمر في تقديم محاضرة عالمية عن الفن، وذلك بعد إصابته بجلطة جعلته مشلولا في نهاية سن الأربعينات.
كيف فعلها!
في مرة قال في ملاحظاته في صغره “الإلهام للهواة، أما الجادون فيذهبون إلى العمل، كل فكرة عظيمة امتلكتها كانت حصيلة عمل قمت به”.
يتعامل معظم الناس مع العمل والتحفيز بطريقة معاكسة تمامًا: ينتظرون الإلهام، ثم يبدأون العمل.
المشكلة هي أن الإلهام وحش متقلب، سينتظر بعض الناس إلى الأبد حتى يسقط الإلهام من السماء أو شيء من هذا القبيل.
يقضي الآخرون كل وقتهم وطاقتهم في البحث عن طرق لتحفيز أنفسهم حتى يتمكنوا أخيرًا من العمل، وينقضي عمرهم ولا يزالون يبحثون عن الإلهام.
لقد مررت بهذه التجربة بنفسي أحيانًا؛ فعندما يأتي إليّ الناس، من غير الكتَّاب متحمسين، ويخبرونني بأنه يجب عليَّ مقابلة والدة صديقتهم لأنها تمتلك فكرة كتاب مذهلة.
لدي الملايين من أفكار الكتب؛ لكن الناس الذين لا يسعون إلى العمل، ويعيشون باعتقاد أن الأفكار هي الجزء الصعب، لا يحققون شيئًا؛ بل على العكس، الأفكار هي الجزء السهل.
فالكل يمتلك أفكار، لكن قلة من الناس ينفذون هذه الأفكار، قلة من الناس يمكنهم التعامل مع احتمالية ان أفكارهم قد تكون سيئة، وبالتالي أفكارهم تبقى أفكارًا كما هي.
الأشخاص الناجحون لا يجلسون وينتظرون ملهم ليلهمهم حتى تغيير العالم، هم فقط يذهبون إلى العمل، لذلك افعل شيئا.
تخل عن الحاجة لأن تكون على حق
لعلك سمعت عن رأي داليو؛ من أغنى الرجال في العالم؛ لكن قبل أن يكون غنيا، كان قد مر بصعوبات لأنه كان يعتقد أنه كان على حق.
في أوائل الثمانينات من القرن التاسع عشر، داليو كان في أرض المعركة، حيث حذر الجميع من أن عملهم غير مستقر مالياً؛ لأن سوق الأسهم على وشك الانهيار كما كان الحال في عام 1929م. ففي بداية عام 1982م استمرت الأسهم في اتجاه صعودي لمدة ثماني سنوات، وعادت بأفضل عروضها في التاريخ.
أصبح داليو مفلسا من الرهان ضد السوق، لكن بعد موقفه المحرج، أدرك انه ليس من الضروري فرض نظرياته الخاطئة، وأن التحليل الاقتصادي الخاطئ هو الذي جعله يخسر كل قرش لديه؛ لأنه في النهاية كان على حق؛ فقد انهار الاقتصاد في غضون ثماني سنوات بعد توقعاته، فليس توقعه هو الذي أدى إلى إفلاسه؛ كلا، بل كان إيمانه الراسخ أنه كان على حق، هو الذي جعله مفلسا.
تعهد داليو بعدم السماح لغروره بصنع قراره مجددا، اليوم يحلل باستمرار أبسط فرضياته حول العالم، ويحاول إيجاد ثغرات في فرضياته، ويطلب من موظفيه والمتدربين لديه إعطاءه مراجعات صريحة عنها، ومحاولة إثبات أنه على خطأ.
أدرك أنه من الأفضل أن يتم تحديه، وإثبات أنه على خطأ، بدلا من التمسك بآرائه لإظهار العالم أنه كان على حق.
الآن قضى أكثر من 50 عامًا في الاستثمار، وجمع ثروة من عشرات المليارات من الدولارات. شركة داليو، شركة بريدج ووتر اسوشيتس، هي واحدة من أكبر صناديق التحوط في العالم وقد تغلبت باستمرار على السوق في الأوقات الجيدة والسيئة لعقود حتى الآن.
تستطيع النجاة من فكرة سيئة، أو خطأ، أو مخاطرة متهورة طالما أنك لا تتشبث بها فقط لحاجتك أن تكون على حق دائما.
الحقيقة هي أنك وأنا وكل شخص على هذا الكوكب لا نخلو من خطأ، ولا يمكننا أبدًا أن نكون متأكدين بنسبة 100٪ أننا على صواب بشأن أي شيء.
يمكننا أن نتعلم فقط من ملاحظاتنا ونأمل أن نكون مخطئين بنسبة بسيطة.
انظر للعالم كما هو وليس كما تتمنى ان تراه
الدكتور باتريك براون نباتي، لقد تخلى عن اللحوم منذ فترة طويلة لأسباب أخلاقية خاصة به. كان يعتقد أن مبادئه النباتية “صحيحة” وحقيقية ورحيمة، وأنه يفهم الكثير من الأشياء التي لا يفهمها الآخرون، لكن أدرك أنه لا يستطيع تغيير تصرفات الآخرين وأفعالهم من خلال الاحتكام إلى مبادئهم الأخلاقية.
في الحقيقة، هو يعلم بالضبط أن العكس سيحصل عندما تحاول إقناع شخص بهذه الطريقة؛
لذلك بدلاً من نشر الآثار الأخلاقية، والبيئية لأكل اللحوم أو الاحتجاج خارج منشآت إنتاج اللحوم الرئيسية بشعور متعجرف بالتفوق الأخلاقي، قرر أن يلجأ إلى شيء أكثر أهمية في الطبيعة البشرية؛ وهي براعم التذوق.
هدف براون هو استبدال جميع منتجات اللحوم بحلول عام 2035م لفعل ذلك، يحاول صناعة طعام بطعم ورائحة وشكل اللحم الحقيقي، بل أفضل، وعلى الأقل بنفس سعر اللحم، بل أرخص سعرا.
د. براون بدأ شركة (الأطعمة المستحيلة) التي ابتكرت برغر خالي من اللحم ونباتي؛ وهدفه من صناعة هذا البرغر المستحيل هو صناعة شيء مشابه للحم البقري في كل شيء -الشكل، والملمس، والرائحة، وبالطبع الطعم-مع عدم استخدام منتجات اللحوم.
من خلال مناشدة الطبيعة البشرية بدلاً من الاحتجاج ضدها، كان لبراون تأثير مذهل بالفعل على العالم، ويبدو أنه بدأ للتو.
لو كان مثل معظم المتعصبين في عالم حقوق البيئة، والحيوان، وثرثر مرارًا وتكرارًا حول مدى عدم جواز أكل اللحوم في العالم الحديث، لن يلقى سوى الغضب، ولم يكن أحد سيستمع اليه.
تحديد النجاح داخليا وليس خارجيا
أمادا روزا بيريز كانت واحدة من أشهر عارضات الأزياء في كولومبيا، عملت على التصوير في بعض أجمل الأماكن في العالم واعتادت أن تكون مترفة بالاهتمام والشهرة والمال.
بدت حياتها المهنية بدت وكأنها تسير على مسار يرغب فيه 99.9٪ من العارضات الطموحات في تحقيقه.
ثم في عام 2005م، في ذروة حياتها المهنية، اختفت بيريز بشكل غير مفهوم عن أعين الجمهور.
كان الناس يتوقعون الأسوأ؛ الخطف، الفدية، القتل وما إلى آخره، لكن الحقيقة كالعادة كانت أغرب من الخيال، حيث عادت إلى الظهور بعد خمس سنوات معلنة أنها تشعر أنها ولدت من جديد، كما أنها تقاعدت عن العمل كعارضة أزياء للعمل مع المجتمعات الفقيرة في كولومبيا.
علقت أمادا كيف أن تعريفها للنجاح اختلف جذريا، فأصبح شعارها:
“أن أكون قدوة يعني أن أكون شخصًا تستحق معتقداته أن يتم تقليدها، وقد سئمت من أن أكون نموذجًا للسطحية، لقد سئمت من عالم الأكاذيب، والمظاهر، والزيف، والنفاق، والخداع، والمجتمع المليء بالقيم المعادية التي تمجد العنف، والزنا، والمخدرات، والكحول، والقتال، عالم يمجد الغنى واللذة، والفجور الجنسي والاحتيال.
أريد أن أكون نموذجًا يعزز الكرامة الحقيقية للمرأة بدلاً من استخدامها لأغراض تجارية”.
قبل تحولها، كانت تقول إنها دائما متوترة، وعلى عجلة من امرها، وكذلك أصغر الأشياء تجعلها منزعجة. قالت: ” الآن أعيش في سلام”.
رغم أنني لاديني، فإنني أفهم حاجة الإنسان للمعنى؛ ولشيء أكثر من سطحية الراحة والمتعة، إنه موضوع رئيسي في كل كتاباتي تقريبًا.
لقد ثرت ضد الأفكار السامة الشائعة في الثقافة الحديثة بأن “المزيد يعني الأفضل” وأنه يمكننا “الحصول على كل شيء”؛ لأنني لا أعتقد أن السعادة هي شيء يجب أن نسعى وراءه لذاته في الحقيقة، السعادة ليست نقطة البداية، ومحاولة جعل مشاعرك إيجابية طوال الوقت سيجعلك شخص فوضوي بائس.
في جميع القصص التي قدمتها هنا، إذا نظرت عن كثب، ستلاحظ أن كل شخص -جميعهم ناجحون وفقًا لمقاييس النجاح النموذجية -كان له هدف أعلى يتجاوز المقاييس النموذجية للنجاح.
حتى راي داليو، رجل ثري، جعل غاية حياته هي تعليم العالم -مجانا-حول ما يطلق عليه ما يسمى بـ ” مبادئ ” الحياة.
كتابي الجديد، “كتاب عن الأمل”، هو غوص عميق في كيفية العثور على الأمل والمعنى في العالم.
في كل جانب مادي تقريبًا، يعد العالم مكانًا أفضل مما كان عليه في أي وقت مضى، ولكن بدلاً من الابتهاج بهذه الحقيقة، نحن نعيش في أزمة أمل ومعنى تهدد بعكس الكثير من التقدم الذي أحرزناه خلال القرنين الماضيين أو نحو ذلك.
لكن أمادا روزا بيريز أوضحت لنا أنه يمكننا تعريف النجاح بطريقة ترفع من شأن الآخرين، وتعطينا القليل من السلام، وربما تترك العالم أقل سوءًا مما كان عليه عندما ظهرنا.